سواليف:
2025-07-30@22:36:12 GMT

العدوان يكتب .. صغّر عقلك أيها الإنسان . . !

تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT

صغّر عقلك أيها الإنسان . . !
#موسى_العدوان
من الأقوال المتداولة في مجتمعنا مقولة ” كبّر عقلك “. وهي نصيحة تُقدم لمن ضاق عقله وتمسك بأمور صغيرة، لكي يتسامى ويتسامح في تلك الأمور مع فاعلها. وخلال وجودي في إحدى المكتبات وقع نظري على كتاب بعنوان يخالف هذا العنوان تماما، وهو ” صغّر عقلك ” لكاتبه معتزّ مشعل.

استغربت هذا العنوان فاشتريت الكتاب ورحت أبحر بين صفحاته بشغف، لأعرف قصة هذا العنوان المخالف لما عهدناه. وقد تبين لي بعد قراءته، أن الكاتب يدعو إلى تكبير العقل ولكن بأسلوب معاكس لما عهدناه.
فقد طلب الكاتب أن نعود إلى عقلية أطفالنا الصغار، التي لا تعرف الحقد وتعود إلى فطرة التسامح التي خلقها الله تعالى بداخلنا. وهي فطرة موجودة لدى كل إنسان، وإذا ما استخدمها وركّز عليها قليلا، فإنها ستفتح له أبوابا فكرية عديدة، تجعله يفكر ويحكم على الأمور بطريقة سليمة. ولكي يثبت الكاتب دعوته التي أطلقها، أورد لنا العديد من الأمثلة التي استنبطها من تجربته مع أبنائه الصغار، وتعلّم منها كيف ” يصغّر عقله “، سأختار فيما يلي بعضا منها.
يقول الكاتب : من الطبيعي أن ابني كبقية الأطفال، لديه أقرباء واصدقاء متقاربون في العمر. وفي أحد الأيام كان 6 أطفال من بينهم إبني، يلعبون كعادتهم في القسم المخصص للأطفال. وفجأة قام أحد الأطفال بضرب إبني على رأسة بلعبة كانت بيده. فما كان من ابني إلاّ أن قام بضربة مضادة لصديقه كرد فعل على ما حدث، ودخل الإثنان في معركة. جاء الطفلان إليّ يشكوان بعضهما، فأخذت بمواساتهما بكلمات رقيقة. فما كان منهما إلاّ أن عادا للعب معا وكأن شيئا لم يكن. فكرني هذا الموقف بقوله تعالى : “
ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم “.
وفي حادثة أخرى خرجت وزوجتي من المنزل، نركض باتجاه السيارة وأنا أحمل طفلي الصغير، بعد أن دفعه اخوه الآكبر ( 6 سنوات ) عندما كانا يلعبان سويا، فسقط عن الطاولة على رأسه. كان الفاعل بدوره يبكي بسبب بكاء أخيه وربما لشعوره بالذنب. وعندما وصلنا المستشفى طلب الطبيب الانتظار لمدة ساعتين أو ثلاث، ليتأكد إن كان هناك حاجة لصورة شعاعية أم لا. وأخيرا جاءت الأخبار السعيدة من الطبيب، بأن الصغير لا يحتاج إلى تصوير، وأن حالته الصحية جيدة.
خرجنا من المستشفى والصغير يمشي على قدميه ويضحك، ثم طلب أن أشتري له آيس كريم. طلبت من البائع قطعة آيس كريم واحدة، ولكن الصغير طلب قطعة ثانية بالشوكلاته، قائلا بأنها لأخيه، الذي يحب هذا النوع من الآيس كريم. دخلنا المنزل ونادى الصغير على أخيه بفرح ليخبره بالمفاجأة ( آيس كريم بالشوكلاته ). نسي الطفل الصغير الألم والبكاء والطبيب وساعات الانتظار في المستشفى، وتذكر أخيه وصديقه في تسامح بريء، دون حقد أو طلب لقصاص منه.
وفي هذا السياق نتذكر حالات من التسامح على مستوى الوطن جرت خلال تارخ الأردن الحديث. ففي أواخر الخمسينات من القرن الماضي، كان الملك حسين طيب الله ثراه، قد تعرض لعملية انقلابية عليه وعلى نظام حكمه. ولكنه بعد أن استتبت الأمور، سامح الملك حسين من تآمروا عليه وعلى نظام حكمه، وعفا عنهم، وسمح لهم بالعودة إلى الوطن، ثم قلدهم أرفع المناصب في الدولة، في اكبر عملية تسامح تجري في العالم.
وكذلك فعل رئيس الوزراء الأسبق وصفي التل عليه ألف رحمة، عندما جاءه قروي يقدم إليه طلبا بالإفراج عن ابنه، المسجون بسبب شتمه وصفي التل. فأخذ الطلب من القروي وكتب عليه بخط يده ” يلعن أبو وصفي التل اللي الناس تنسجن من شانه “، وأرسله مع ذلك القروي إلى سجّانيه، ليتم الإفراج عنه فورا.
وفي تاريخنا الإسلامي وقع خلاف بين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وبنتيجته أخطأ أبا بكر بحق عمر، فانصرف عمر غاضبا. وما هي إلاّ لحظات حتى شعر أبو بكر، بخطئه وندمه على ما فعل مع عمر. فذهب إلى بيت عمر ليعتذر إليه، لكن عمر رفض الاعتذار وأغلق الباب بوجه أبي بكر. فذهب أبو بكر إلى حيث كان الرسول عليه الصلاة السلام جالسا مع بعض اصحابه، ودخل عليه خجلا ثم روى له ما حدث. أخبر الرسول مجالسيه وهو غاضب، بأن عمر قد بالغ في خصومته، وأن أبي بكر قد سبق إلى الخير، وقال لأبي بكر : ” يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا “.
ندم عمر على رده لأبي بكر بتلك الطريقة الغير لائقة، فقصد مجلس النبي وجلس بقربه وعلامات الندم تفصح عما بداخله. كان الرسول غاضبا من تصرف عمر، لأنه رفض الاعتذار من أبي بكر، ولم يكن متسامحا معه فقال له : ” يسألك أخوك أن تستغفر له فلا تفعل ؟ ” وانصرف عنه. فما كان من أبي بكر إلاّ أن لحق بالرسول وقدم له اعترافه بأنه هو البادئ بالخلاف، وهو من اغضب صديقه، وهو الذي يجب أن يُلام فيما حدث. فهل لنا أن نعتبر من ذلك ؟ ونتذكر هنا قوله تعالى : ” إن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ” صدق الله العظيم.
وهنا علينا أن نطرح السؤال التالي : كم شخص قام بمحاربة أخ أو أخت أو صديق أو قريب، بسبب موقف سخيف، ولم يتكلم معه لفترة طويلة ؟ ولكن بعد مرور سنوات عديدة تسأله عن السبب، فتجده قد نسيه وأخفي ندمه وراء كبريائه، الذي لا يعترف بالخطأ، ولا القيام بمبادرة نحو الأفضل.
كم منا من يحتاج ” ليصغّر عقله ” ويعود طفلا لكي يعرف التسامح والصفح، ذلك الشعور الذي خلقه الله تعالى فينا عندما كنا صغارا، فنسيناه عندما صرنا كبارا، وأصبحنا نشعر أن مسامحتنا لشخص أسأنا له، هو ضعف منا . . رغم أن العكس هو الصحيح . . !
في الختام أقول : هل يمكن لعقل الدولة، أن يوجه كبار المسؤولين في الدولة، لكي ” يصغّروا عقولهم” بالمفهوم الحديث، ويعودوا إلى طبيعتهم البريئة عندما كانوا أطفالا، ويجعلون من ” التسامح ” أسلوبا في التعامل مع المواطنين ؟ لا أن يتخذوا من قانون الجرائم الإلكترونية، منصة ينطلقون منها لمعاقبة من تحدث أو كتب كلمة على ( مقاماتهم الرفيعة ) وإيداعهم للسجن، أو ابتزازهم بمبالغ مالية تثقل كواهلهم، وتحرم عائلاتهم من أسباب المعيشة الضرورية؟ هل يمكن لعقل الدولة أن يأمر بوضع آرمه ( Arma ) على مكتب كل مسؤول في الدولة، مكتوب عليها : ” صغّر عقلك “. لعلها تعيده إلى الطبيعة التي غرسها الله تعالى في نفسه، من براءة وتسامح وحسن خُلق. . !
التاريخ : 1 / 11 / 2024

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: موسى العدوان أبی بکر

إقرأ أيضاً:

وداعا أيها الطيب

سلطان بن محمد القاسمي

يأتينا الفقد دائما بطريقة لا نتقن الرد عليها.. لا يقول: استعدوا، ولا يمنحنا مقدمات نهيئ بها أنفسنا للحزن، بل يدخل حياتنا بغتة ثم يغير معالمها.. يسقط أسماء من قوائم الوجود ويضعها في خانة الذكرى، وكأننا نستيقظ على أنفسنا نعيد ترتيب الذاكرة بالقوة.

ولأننا لا نتوقع الفقد من الأشخاص الطيبين، فإننا حين نفقدهم لا نحزن عليهم فقط بل نرتبك ونفقد توازننا معهم. لا نستوعب أنهم غادروا. لا نصدق أنهم لن يعودوا.

مات إدريس...

نعم، أكتبها الآن بعد أن مر وقت كاف على الخبر، لكنني ما زلت لا أقولها دون أن تسبقها في داخلي وقفة.

لم يكن مجرد صديق عابر، بل كان طيفا من الطمأنينة، أحد أولئك الذين يشعرونك أن في العالم أناسا خلقوا فقط ليجعلوه أكثر احتمالا.

ثلاثة فصول دراسية جمعتني به في كلية مزون، لكنها كانت كافية لأدرك أنه ليس عابرا، ولا مجرد اسم في قائمة الزملاء، كان يحمل في صوته دفئا، وفي حضوره سكينة، وفي تصرفاته قدرا عاليا من الذوق الذي لا يُدرّس.

الذين عرفوه عن قرب سيتفقون معي: إدريس لم يكن يتكلف في طيبته، لم يكن يتودد ليُحب، بل كان نقيا بطبعه، مريحا لمن حوله، ودودا دون تزلف، كريم الروح دون ضجيج، كان يملك القدرة النادرة على الحضور بخفة، والغياب بثقل.

كنت ألاحظ كيف يعامل الجميع بذات الروح، لا يفرق بين أحد، ولا يُظهر ميلا أو نفورا، كان يحسن الظن، حتى فيمن لا يحسن إليه، كان يسامح تلقائيا، ويتجاوز كأنه لا يعرف الحقد أصلا.

وذات يوم، وبينما كنا نراجع بعض دروسنا، التفتّ إليه وسألته ممازحا: (إدريس، بتخلص دراسة، وبعدين؟).

فرد ببساطة خالية من التعقيد: (أحلم أن أكون ضابطا، وأنتظر الشهادة بفارغ الصبر، كل شيء يبدأ منها).

كان الحلم يسكن صوته، والصدق يملأ عينيه، لم يكن يقولها من باب الأمنيات العائمة، بل من عمق إيمان حقيقي أنه خُلق لهذا الطريق. كان يرى في الزي العسكري وقارا، وفي خدمة الوطن غاية، وكان ينتظر اللحظة التي يُنادى فيها باسمه في طابور الشرف، مرفوع الرأس، مزدانا بالنجمة.

لكنه غادر قبل ذلك الطابور، رحل إدريس قبل أن تتحقق الأمنية، وقبل أن يرى في عيون والدته فرحة التخرج، وقبل أن يثبت لذاته أنه بلغ ما كان يحلم به.

حين وصلني خبر وفاته، لم أستوعب، ليس لأن الموت بعيد، بل لأن إدريس بالذات كان قريبا جدا من الحياة.

كنا نظن أن أمامه الطريق، وأن بسمته ستمتد معنا لسنوات، وأن الحديث عن مستقبله ما زال طازجا، ما زال مفتوحا، ما زال ينتظر.

في لحظة واحدة، بات حلمه هو الذي يُكتب عنه، لا هو، وبات الدعاء له، هو الطريق الوحيد الذي يوصلنا إليه.

إن إدريس لم يكن شخصا عاديا، كان محبوبا بالفطرة، رقيقا دون ضعف، كريما دون استعراض.

لم يكن مجرد صاحب وجه بشوش أو أخلاق راقية، بل كان نموذجا حيّا لما تعنيه الكلمة حين تقول: رجل خدوم.

ورغم أننا لم نكن نعمل في الجهة نفسها، إلا أنني كنت -بين الحين والآخر- أحتاج إلى إنجاز بعض المعاملات في مكان عمله، وما إن أخبره، حتى يبادر من تلقاء نفسه، دون أن يشعرني بثقل الطلب، أو يطلب توضيحا، أو يعتذر بانشغال.

كان يتعامل مع طلبي كأنه التزام شخصي، ينهي كل شيء بدقة وسرعة، يتابع المعاملة بنفسه، ويعود إليَّ مبتسما كعادته قائلا: تمت، لا تشيل هم

لم يكن ذلك يدهشني وحدي، بل كنت أراه يعامل الجميع بالطريقة ذاتها: خدمة بلا تكلف، ومساعدة بلا مقابل، وبشاشة لا تتغير.

كان إذا حضر في مكانه، شعر الجميع بأن الأمور ستسير كما ينبغي،
وإذا غاب، افتقد الناس تلك الروح التي كانت تحب أن تنجز، لا من باب الواجب الوظيفي، بل من باب النبل الإنساني.

وحين رحل، لم يرحل وحده، بل رحلت معه طمأنينة كنا نراها تتجسد في شخص.

رحلت تلك الابتسامة التي كنّا نلتفت إليها لنطمئن، ورحلت عبارات المجاملة التي لم تكن منه مجاملة، بل خلقًا.

تأملت بعد وفاته، كما يفعل الإنسان كلما ودع أحدا لا يعوض.
عدت أفتش في معنى الفقد، ومعنى الزمن، ومعنى الأعوام التي نعدها وكأنها مُلكنا.

هكذا، فالأيام هي تكوينة الأعوام، والأعوام هي نسيج أعمارنا، وفي كل عام يمضي، نخسر شيئا: مالًا جمعناه، أو رفيقا رافقناه، أو حلما كنا ننسجه سويا ثم انقطع.

وقد نكسب أيضا: رفقة جديدة، معلومة، أو ذكرى تبقى، لكن خسارة النبلاء من أمثال إدريس، لا يُعوّضها شيء.

وحين تمضي الأعوام، لا تعيدهم الأيام، ولا يرجع الزمن إلا في الصور، أو الذكرى، أو على شكل دعاء.

اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، واجعل الشهادة التي لم تُسلَّم له في الدنيا وساما في الآخرة، واجعل حلمه الذي لم يتحقق أجرا، اللهم بلغه منازل الصالحين، وارض عنه، واغفر له، واربط على قلوب أهله وزملائه ومحبيه، اللهم اجعل من كل لحظة طيبة عاشها بيننا نورا في قبره، وذكرا في السماء، وشهادة في الملأ الأعلى.

كان إدريس يحلم أن ينادى باسمه في طابور التخرج فناداه القدر أولا، فناديناه نحن في دعائنا، وكلنا يقين أنه قد سمعنا.

 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • وداعا أيها الطيب
  • ما هي سورة الاستجابة؟.. تصعد بدعواتك إلى السماء بسرعة البرق
  • ما حكم من ينشر فضائح الناس على السوشيال ميديا.. الإفتاء تجيب
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (رصف الدخان)
  • الإفتاء: القلب السليم أصدق من صورة الطاعة أو المعصية
  • بلال قنديل يكتب: الاختيار
  • د. نزار قبيلات يكتب: فلسفة القيم
  • إبراهيم عثمان يكتب: تبرير العدوان: لماذا حدث ولماذا فشل؟
  • لماذا سميت سورة يس بقلب القرآن؟.. 10 أسباب لا يعرفها كثيرون
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (نحن…)