شبكة اخبار العراق:
2025-06-03@22:25:24 GMT

إيران الأميركية بعد الحرب

تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT

إيران الأميركية بعد الحرب

آخر تحديث: 5 نونبر 2024 - 11:50 صبقلم: فاروق يوسف ما الذي يخيف الولايات المتحدة من إيران أم أن التخادم بين الطرفين هو تجسيد لعلاقة قديمة، لم تقطع الأزمات خيوطها بالرغم من أن إيران الخمينية فعلت ما في وسعها لإقلاق المصالح الأميركية في الشرق الأوسط؟ بعد وصول الخميني إلى طهران عام 1979 إثر سقوط دولة الشاه محمد رضا بهلوي انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين.

كان ذلك قرارا إيرانيا نُفّذ على أيدي طلاب من أتباع خط الإمام، وكان أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية الأسبق واحدا منهم. احتل أولئك الطلاب مبنى السفارة الأميركية واعتبروا جميع موظفيها رهائن. فشلت محاولة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر لإطلاق سراح أولئك الرهائن. أما حين تم إطلاق سراحهم بعد 444 يوما فإن العلاقات بين الطرفين وصلت إلى الصفر الذي لا رجعة عنه بعد أن صار “الموت لأميركا الموت لإسرائيل” هو شعار المستقبل الشعبوي. ولكن تلك الصورة بكل سوداويتها لم تكن تمثل الحقيقة كلها. كانت الولايات المتحدة حريصة على ألاّ تخسر إيران حربها ضد العراق في ثمانينات القرن الماضي بالرغم من أن العراق كان قد استثمر الكثير من أجل تحسين علاقته بها. كانت فضيحة “إيران غيت” قد وضعت أوراق ذلك التعاون على الطاولة. وهو تعاون، خططت الولايات المتحدة من خلاله لتدمير العراق بعد ربع قرن من الفضيحة. وإذا قلت إن السياسة الأميركية تضع إيران في مستوى من الرعاية يقترب من المستوى الذي تحظى به إسرائيل قد يتهمني البعض بالمبالغة إذا كان محايدا، أما إذا كان منحازا لإيران فإن ذلك البعض سيعتبرني مغرضا ومن مروّجي الشائعات التي تهدف إلى تشويه صورة إيران المقاومة. وفي الحالين فإن هناك نوعا من الاستهانة بحقائق الصراع الذي يدور من حولنا وصارت منطقتنا حقل تجارب له. عبر أكثر من أربعين سنة وضعت إيران الخمينية القضية الفلسطينية في مقدمة لائحة اهتماماتها. كان ياسر عرفات أول المخدوعين بتلك الغزوة الشعبوية. ولكن القضية نفسها لم تشهد أيّ تطور إيجابي بسبب الحماسة الإيرانية. ما رأيناه يمكن أن نجد خلاصته في التعاون الإيراني الذي يسّر للولايات المتحدة احتلال العراق الذي كان مقدمة لتسهيلات أميركية قُدمت لإيران من أجل ترسيخ مشروعها التوسعي الذي بدأ في لبنان ووجد له أرضا ممهدة في العراق ومن ثم انتقل إلى سوريا واليمن. لم تقع إسرائيل على خريطة التوسع الإيراني. ماتت دول عربية ولم تمت إسرائيل. كان ذلك مصدر اطمئنان على المستوى الأميركي الذي كان يعرف سلفا أن المحتوى العقائدي لثورة الخميني لا ينظر بارتياب إلى إسرائيل بالقدر الذي ينظر من خلاله إلى الدول العربية. كانت الإستراتيجية الأميركية واضحة في تبني المشروع الإيراني أو على الأقل غض النظر عنه. ولو تُركت الأمور للعقل السياسي الأميركي لاستمرت إيران في تثبيت احتلالها لأربع دول عربية. بل لتُركت تعبث بأمن دول الخليج العربي واستقرارها غير أن دخول إسرائيل على الخط من حيث كونها جهة متضررة صنع معادلة جديدة، صارت الولايات المتحدة مضطرة بسببها للتخلي عن بعض ثوابتها الممعنة في الحرص على المصالح الإيرانية. لقد حدث شرخ في العلاقة الأميركية – الإسرائيلية يوم أصرت إدارة الرئيس باراك أوباما على توقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، غير أن حرب غزة كانت مناسبة لإعادة الأمور إلى نصابها بعد أن شعرت الولايات المتحدة أن سياستها المحابية لإيران قد أدت إلى خروج الأوضاع في الشرق الأوسط عن السيطرة. فليست هناك حدود واضحة للأطماع الإيرانية. من خلال إشعال جبهتي غزة والجنوب اللبناني سعت إيران إلى سرقة الوقت أولا وتأكيد قدرتها على التحكم بالأوضاع في المنطقة من خلال تهديد أمن إسرائيل ثانيا. كل ذلك من أجل فرض الشراكة الإستراتيجية على إسرائيل برضا أميركي. غير أن ذلك الهدف باء بالفشل بعد أن أدارت إسرائيل الحرب لصالحها وهو ما جعل الولايات المتحدة، والدول التي تدور في فلكها، تعتبر أن حرب إسرائيل هي حربها. والآن بعد أن منيت إيران بالهزيمة فإن الولايات المتحدة ستبذل قصارى جهدها من أجل أن تقلل من حجم الخسائر الإيرانية لكن ليس على حساب إسرائيل. سيصطدم ذلك المسعى بالتأكيد برفض إسرائيلي. لذلك يمكن القول إن إيران نجحت في سرقة الوقت من أجل استمرار مشروعها النووي حين منعت الولايات المتحدة إسرائيل من توجيه ضربة مباشرة له، غير أن هيمنتها على المنطقة صارت محل شك بعد أقرت الولايات المتحدة أن ذلك يشكل خطرا على إسرائيل.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: الولایات المتحدة غیر أن من أجل بعد أن

إقرأ أيضاً:

الخطة إف-47.. لماذا تأخرت المقاتلة الأميركية الأشرس على الإطلاق؟

 

"إن مستقبل أُمتنا مرهون للأبد بتطوير قوة جوية".

ويليام بيلي ميتشيل (1879-1936)، عسكري أميركي.

في مارس/آذار الماضي، وبعد سنوات من التخطيط والإعداد، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التعاقد مع عملاق صناعة الطائرات الشركة الأميركية "بوينغ" على تطوير وتصنيع طائرة مُقاتلة من الجيل السادس، وقد تقرر أن تُسمَّى باسم "إف-47″، تيمُّنا بكون ترامب الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة. "لم يرَ العالم شيئا قريبا منها، ولن يراها الأعداء أبدا قادمة"، بهذه الكلمات دشَّن الرئيس الأميركي عملية تصنيع الطائرة الجديدة، مُتمَنيا أن تنجح في الطيران بالفعل أثناء ولايته التي تنتهي يناير/كانون الثاني 2029.

تبلغ قيمة التعاقد من أجل إنتاج الطائرة "إف-47″ نحو 20 مليار دولار ولمدة خمس سنوات، وفور الإعلان ارتفعت القيمة السوقية لـ"بوينغ" نحو 4 مليارات دولار، خاصة أن الإعلان جاء بعد فترة عانت فيها "بوينغ" من عزوف المسؤولين في البنتاغون عن التعاون المُعتاد معها، وكذلك بالنظر إلى التنافس مع شركة "لوكهيد مارتن" (التي تُصنِّع الطائرة "إف-22")، كما صرَّح أندرو هانتر أحد مسؤولي قسم التسلح في سلاح الجو الأميركي سابقا.

اقرأ أيضا list of 3 itemslist 1 of 3ترقبا للحظة الاشتعال.. كيف تطور إيران قوتها الجوية؟list 2 of 3سلجوق بَيْرَقْدار مهندس المُسيَّرات الطامح لتغيير العالمlist 3 of 3السفينة الحربية الصينية التي أظهرت تراجع البحرية الأميركيةend of list إعلان

يمكن أن نُخمِّن سعر الطائرة الجديدة لو علمنا أن عدد الطائرات التي ستصنعها "بوينغ" 100 طائرة، ومن ثمَّ تبلغ تكلفة الطائرة الواحدة نحو 200 مليون دولار، وهو رقم يزيد قليلا على نصف تكلفة سابقتها "إف-22″، وضِعْف سعر "إف-35". لم يكن هذا التعاقُد ضمن خطط الإدارة السابقة، ولم تتضمَّنه ميزانية وزارة الدفاع لعام 2026، حسبما صرح وزير سلاح الجو السابق فرانك كِندال، حين أشار إلى وجود أولويات أخرى حالت دون إدراج الطائرة في خطط وزارته لهذا العام. هذا التغيير في الخطط من الإدارة الأميركية الجديدة قد يعكس اهتمام ترامب المتزايد بالاستثمار في الصناعات العسكرية.

تجربة سابقة غير مُبشِّرة

لفهم الحيرة حول المقاتلة الجديدة، يمكن أن نبدأ بالنظر إلى تجربة مُقاتلة الجيل الخامس "إف-22 راپتور"، التي لم تكن مُشجِّعة، ولاقت الكثير من الصعوبات، لا سيَّما ارتفاع التكلفة، لذلك فلا بد أن الإعلان الجديد يثير الكثير من التساؤلات. لقد توقَّف إنتاج المقاتلة "إف-22 راپتور" عام 2011، بعد مسيرة قصيرة، حيث إن أول طائرة دخلت الخدمة الفعلية حلَّقت عام 2005، وسِت سنوات تُعد مدة قليلة للغاية في عمر الطائرات الحربية، وأبرز الأمثلة على ذلك الطائرة القاذفة "بي-52″، التي لا تزال في الخدمة منذ الخمسينيات.

بدأت قصة "إف-22" في بداية الثمانينيات حينما كانت الولايات المتحدة تسعى لإبدال الطائرة "إف-15″، وأسندت عملية التصنيع إلى شركة "لوكهيد مارتن" عام 1997، وتسلم سلاح الجو الأميركي أولى الطائرات بعد خمس سنوات، ثم دخلت الطائرة الخدمة بعد ثلاث سنوات أخرى. طوال تلك الفترة خضع المشروع للتقليص المتكرر، المرة تلو المرة، وبينما كانت النيات الأصلية للبنتاغون شراء 750 طائرة، فإن العدد النهائي لم يتجاوز 200، وكان عدد الطائرات المُعدة للعمليات 187 طائرة فقط.

كان السبب الرئيسي لوقف إنتاج المقاتلة "إف-22" هو التكلفة الباهظة، خصوصا أن إدارة أوباما كانت تحاول خفض الإنفاق للتغلب على الأزمة المالية العالمية وقتها. وقد جاء ذلك بعد إنفاق تكلفة إجمالية وصلت إلى 70 مليار دولار، مما يجعل تكلفة كل طائرة توازي 369 مليون دولار، كما أن تكلفة ساعة الطيران كانت تبلغ نحو 85 ألف دولار، أي أكثر من ضِعْف تكلفة المقاتلة "إف-35".

إعلان

لذلك، تقرَّر التخلي عن الطائرة عام 2011، وغاب التفكير عن التهديدات الجوية المباشرة في واشنطن حينها، ولم تكن ثمَّة حاجة مُلِحة إلى أسطول كبير من طائرات التفوُّق الجوي، لأنها مُخصَّصة بالأساس لمعارك جو-جو، ولم يكُن أعداء واشنطن يُشكِّلون خطرا على هذا الصعيد بالدرجة نفسها، على الأقل أولئك الذي انخرطت واشنطن بالفعل في عمليات عسكرية معهم في ظل هيمنة حروب المدن والحروب شبه النظامية.

لا يزال قرار التخلي عن "إف-22" محل جدل حتى اليوم، خاصة مع تقادم الأجيال الأقدم من الطائرات، الذي يجعل الولايات المتحدة تعاني نقصا في قواتها الجوية. ويرى محللون أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ فادحا بإيقاف الطائرة، وأن القوات الجوية ربما ضلَّلت الكونغرس، وربما تسبَّب ذلك بفجوة في تطوير طائرات التفوُّق الجوي، نتيجة المدى الزمني الطويل بين وقف إنتاج طائرة، وإمكانية التخطيط لبديل لها.

طائرة مقاتلة من طراز إف-22 تابعة للقوات الجوية الأميركية في طريقها إلى تدريب مشترك مع أسطول النرويج من طائرات إف-35 في 15 أغسطس/آب 2018. (رويترز) طائرات التفوُّق الجوي

إن مهمة مقاتلة التفوُّق الجوي من وجهة نظر الإستراتيجية الأميركية هي أن تضمن سريان العمليات العسكرية دون التعرض للإعاقة من جانب الطيران المُعادي، ويتضمن ذلك بالطبع القدرة على اقتحام المجالات الجوية للأعداء دون خطورة، وتجاوز دفاعاتها الجوية أيضا.

ومنذ الحرب العالمية الثانية، تُعد مسألة التفوُّق الجوي حيوية في الحروب، وثمَّة أمثلة تاريخية على أهميتها، منها الإنزال الشهير لقوات الحلفاء في شاطئ نورماندي أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث قال أيزنهاور حينها: "إن غزو نورماندي اعتمد بشدة على الثقة في أن القوات الجوية كانت قادرة على تطهير السماء من طيران العدو، والتدخُّل في المعركة البرية، ولولا ذلك لكان الغزو حماقة أو حتى جريمة".

إعلان

لذلك فإن العمل على "إف-47" يظل مركزيا بالنسبة للجيش الأميركي، وكانت إرهاصاته الأولى عام 2009، حين صرَّح مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى بأن الولايات المتحدة ستبدأ في العمل على الجيل السادس لطائرات التفوُّق الجوي، أما البداية الفعلية فكانت عام 2014، بدراسة أعدّتها وكالة أبحاث المشاريع الدفاعية المتقدمة "دارپا" (DARPA) حول خيارات "التفوُّق الجوي عام 2030″، و"دارپا" هي الشركة الرائدة في تطوير التكنولوجيا العسكرية الأميركية، وهي "وكالة تُشكل العالم" كما وصفتها مجلة "نيوزويك".

وقد نُشِرَت هذه الدراسة في مايو/أيار 2016، وتضمَّنت أطروحة جديدة في مجال التفوُّق الجوي، لا تستند فقط إلى طائرة مقاتلة، لكن "منظومة من الأنظمة" الغرض منها تطوير مجموعة تقنيات مُتقدِّمة تعمل معا.

ومقاربة "منظومة الأنظمة" تعني تطوير مجموعة من التقنيات تعمل كلٌّ منها على حِدَة، على أن تُدمَج لاحقا في مشروع التفوُّق الجوي، لكنها تقنيات يمكن أن تُستَخدَم أيضا في أي نطاق آخر لأنها تتمتَّع بتطوير مستقل وليست مخصصة بالذات للمقاتلة التي تمثل الجانب المركزي في التفوُّق الجوي. استنادا إلى الظروف التي تعمل فيها القوات الجوية في ثلاثينيات القرن الحالي، أشارت الدراسة إلى أن الفجوة بين الولايات المتحدة وبين خصومها تضيق، ومن المتوقع أن يزيد معدل التقدم لدى الخصوم بشكل يهدد السيادة الجوية للولايات المتحدة، ومن ثمَّ ستختلف بيئة العمليات العسكرية عما كان سائدا من قبل، ويمكن القول إن تلك الدراسة عكست وعيا مبكرا بالتهديدات المتوقعة.

انبثق عن تلك الأبحاث مبادرة "الجيل القادم للتفوُّق الجوي" (NGAD)، وقد تبنَّى ذلك المشروع أطروحة "منظومة الأنظمة" أساسا لعمله، واضعا في الاعتبار أن صناعة طائرة جديدة تظل الجزء الجوهري من المشروع. وفي عام 2015، أطلق فرانك كِندال مبادرة الابتكار في مجال الطيران بإشراف من "دارپا" لتطوير نماذج أولية للطائرة. وتشير تقارير عدة إلى أن سلاح الجو أجرى استعراضا للطائرة "إكس"، أو النموذج الأول لمقاتلة الجيل السادس منذ خمس سنوات، ثم أعلنت القوات الجوية عام 2022 أن التقنيات المتقدمة التي تُشكل برنامج "NGAD" باتت جاهزة للتنفيذ.

إعلان كارثة التكلفة

كان من المنتظر أن يُعلَن عن الطائرة الجديدة عام 2024، لكن كِندال علَّق العمل على الطائرة فجأة في مايو/أيار من العام نفسه، رغم استمرار العمل على بقية التقنيات الأخرى، وقيل وقتها إن تعليق العمل جاء "للتحقُّق من أن الولايات المتحدة تتخذ القرار الصحيح فيما يتعلق بمستقبل التفوُّق الجوي". لذلك، لم يُضمِّن سلاح الجو الأميركي الطائرة في ميزانيته للعام 2026، وأشار كِندال إلى ذلك قائلا: "ببساطة، لم يكن لدينا المال"، كاشفا عن السبب الحقيقي لإيقاف العمل على المقاتلة.

ولكن تأخُّر التقنيات، التي لم تكن قد بلغت بعد قدرا من التقدُّم يضمن استخدامها، يبقى سببا آخر لما جرى. إن مسألة التكلفة والكفاءة الاقتصادية مهمة، حيث إن ارتفاع تكلفة المقاتلة يجعل إنتاجها بكثافة مسألة صعبة، ومن ثمَّ يجعل القدرة على تعويضها في المعارك الكبرى تحديا كبيرا.

بخلاف "إف-22" التي لم يُسمَح بتصديرها، وكانت حِكرا على سلاح الجو الأميركي، قال ترامب إن حلفاء الولايات المتحدة سيهتمون بشراء المقاتلة الجديدة، وإن هناك نسخا منها مُعدَّة للتصدير، وإن كانت قدراتها التقنية محدودة مقارنة بتلك التي ستُخصَّص للقوات الجوية الأميركية، وذلك لحماية التكنولوجيا المتقدمة المستخدمة فيها.

في هذا السياق، شكك الجنرال كِندال في إمكانية أن يُقبِل حلفاء الولايات المتحدة على المقاتلة المنتظرة بسبب كُلفتها الهائلة وكونها نُسخة أقل من حيث الإمكانيات في الوقت نفسه.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يلقي كلمة مع وزير الدفاع بيت هيغسيث، بينما تُعرض صورة لطائرة مقاتلة من الجيل السادس من طراز إف-47، في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، في 21 مارس/آذار 2025. (رويترز) ما معنى مقاتلة من الجيل السادس؟

من النماذج الأولية، تبدو الطائرة بجناحين على شكل دلتا (∆) بدون ذيل وبدون جناح خلفي أفقي، وهي سمات ضرورية للتخفي حتى لا ينعكس الإشعاع الصادر من الرادار على جوانب الطائرة، وبدت واضحة في تطور المقاتلات الحربية من الجيل الأول إلى الخامس.

في هذا السياق، تشير تقارير غير مؤكدة إلى أن الطائرة ستحظى بتقنية جديدة تسمى "العباءة الحرارية"، وهي مجموعة من المواد الجديدة لتغطية جسم الطائرة، وتستطيع أن تقلل الانبعاثات الحرارية والصوتية الناتجة عنها، مما يتيح تجاوز الرادارات الحرارية.

إعلان

لربما تحتوي المقاتلة كذلك على ما يُسمَّى "المُحرِّك التكيُّفي". عادة ما تُصمَّم المُحرِّكات القديمة لتعمل خصوصا على نوع واحد من المركبات، فالمحرك المخصص للسيارات الرياضية مثلا مختلف عن المخصص للسيارات ذات الدفع الرباعي أو السيارات العائلية. ولكن منذ سنوات، خصَّص البنتاغون أموالا ضخمة لتطوير جيل جديد من المحركات يسمى "محرك الدفع التكيُّفي"، الذي يمكن تركيبه على أنواع مختلفة من المركبات، والسبب في ذلك أنه قادر على تعديل أدائه بحيث يتوافق مع أوضاع مختلفة، فيمكن تطويعه كي نحصل على سرعة عالية، ويمكن تطويعه كي يقلل من استهلاك الوقود.

ويبذل البنتاغون مجهودا كبيرا فيما يبدو ليستبدل بالمحركات الحالية للطائرات المقاتلة محركات تكيُّفية تجعلها قادرة على التأقلم مع المهمة التي تؤديها، وتزيد قدرتها على المناورة والنجاة. وفي هذا السياق، يمثل نظام الاشتباك الجماعي مفهوما مركزيا في الجيل السادس، حيث تقوم الطائرة بتوجيه سرب مصاحب من المسيرات تشترك مع الطائرة في الهجوم.

وتتمتع تلك المسيرات بمُستشعِرات متقدمة تسمح لها بهجوم أكثر فعالية، كما يمكن لها أن تسهم في حماية المقاتلة نفسها ولو عن طريق توظيف المسيرات وكأنها انتحارية، فتصبح بمنزلة درع يتلقى الضربة ليحمي الطائرة. ويلزم لذلك أن تكون المسيرات المستخدمة فرط صوتية هي الأخرى كي تستطيع مجاراة المقاتلة الأم.

يأتي ذلك في سياق التحديات التي تواجه التفوُّق الجوي، وأبرزها التطور الرهيب في المسيرات، التي باتت سلاحا أساسيا في الحروب، لا سيَّما بعد أدائها في حروب مثل أوكرانيا وقره باغ.

وتتمتع الطائرة بالكثير من الخصائص المستقلة التي لن تحتاج إلى التدخل البشري في تشغيلها، لأن طيارا واحدا لن يستطيع أن يهيمن على كل تفاصيلها، سواء المسيرات المصاحبة للطائرة، أو الرادارات والحسَّاسات الكثيفة التي تحملها الطائرة، ومن ثمَّ ستؤول الكثير من المهمات إلى ذكاء الآلة المصممة للتصرف بصورة مستقلة حسب ظروف القتال.

إعلان

وقد جرى تطوير حساسات تعطي الطيارين الكثير من التفاصيل بشأن بيئة القتال، سواء على شاشات الطائرة أو الشاشة المُدمَجة في الخوذة، كما ستُقلِّل من وقت الاستجابة المطلوبة في حال تعرَّضت الطائرة للخطر، ومن المنتظر أن تشهد الطائرة طفرة تكنولوجية كي تصبح أوتوماتيكية أكثر، وهو أمر يحتاج إلى تقنيات الذكاء الصناعي.

لا تزال الولايات المتحدة صاحبة السبق في برامج التسلُّح المتقدمة مُعرَّضة لكنها تخشى من فقدان الصدارة في مجال الطائرات المُقاتلة في المستقبل القريب. (غيتي) أصدقاء أميركا وخصومها

هذه الحيرة بين رغبة الولايات المتحدة في إنجاز الطائرة سريعا، وتوفير تكلفتها الهائلة المفترضة، تتقاطع مع اهتمام أصدقاء الولايات المتحدة وخصومها بمقاتلات الجيل السادس. فهناك عدة دول تسعى على نحو مستقل أو بالتعاون فيما بينها للحصول على نسختها الخاصة من طائرة مقاتلة متطورة تناسب العصر الراهن، وتصفها الولايات المتحدة بأنها لا تمتلك القدرة على إنتاج "مقاتلة جيل سادس حقيقية"، على حد وصف الجنرال ديفيد ألفين كبير موظفي القوات الجوية. ومن هذه الدول حلفاء أميركيون يمتلكون ثلاثة مشروعات لتطوير مقاتلة من الجيل السادس.

أول هذه المشاريع هو برنامج القتال الجوي العالمي الذي أعلنت عنه بريطانيا وإيطاليا واليابان في ديسمبر/كانون الأول 2022، وقد كان لكلٍّ منهم برنامج مستقل، لكنهم قرروا توحيد جهودهم لتصنيع طائرة مقاتلة موازية للمقاتلة الأميركية متعددة المهام "إف-35".

وتشارك ألمانيا وفرنسا وإسبانيا في "نظام القتال الجوي العالمي"، ومن المتوقع إنتاج طائرة اختبارية عام 2027 بمشاركة ثلاثة من عمالقة صناعة الطائرات: "داسو" الفرنسية، و"إيرباص"، و"إدَر سِستيمز" الإسبانية، كي تحل محل الرافال ويوروفايتر تايفون، وهي تتمتع بسمات الجيل السادس: فريق من طائرة مقاتلة، ومسيرات تعمل على شاكلة "إف-47".

إعلان

غير أن ما يُقلِق واشنطن هو جهود خصومها، مثل الصين وروسيا، لا سيَّما أن أحد الأهداف الرئيسية للطائرة "إف-47" هو العمل على جبهة المحيط الهادي. ولا تتوفر الكثير من المعلومات عن المقاتلات الصينية التي يُخطَّط لها، خصوصا مع تكتُّم المؤسسات الرسمية، لكنْ هناك نموذجان لطائرات صينية مجهولة ظهرا في أحد العروض العسكرية، في ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث حمل النموذجان أرقاما تسلسلية تبدأ بـ36 و50، في إشارة إلى أنهما قد يكونان من طراز "جيه-36" و"جيه-50″، والمتوقع أن يمثلا الجيل السادس.

ظهرت المقاتلة "جيه-36" من جديد في إبريل/نيسان 2025 بشكل أوضح، حيث بدت على شكل ألماسة بدون ذيل يزيد حجمها على "إف-35" و"إف-22″، مما يُعزِّز الرأي القائل إنها طائرة من الجيل السادس. كما أنها بثلاث فتحات للعادم، مما يعني أنها بمحركات ثلاثة، وهي ميزة تجعلها قادرة على الطيران لمدة طويلة دون حاجة إلى إعادة التزوُّد بالوقود، كما أن لديها مقعدين، مما يعني أنها تحتاج إلى طياريْن للعمل عليها. هذا ويُقلِّل الأميركيون من إمكانات الصين، حيث يشيرون إلى أنها لا تزال تحتاج إلى الكثير للوصول إلى طائرة من الجيل السادس، ويُشكِّكون في أن يكون ما ظهر مؤخرا مقاتلات فعلية من الجيل السادس.

 

A test flight of ????????Shenyang’s sixth-generation aircraft took place today. It is clearly visible that the aircraft's swiveling wingtips are rotating. https://t.co/ROHRjHAo1R pic.twitter.com/PFKFSUffPs

— 笑脸男人 (@lfx160219) April 23, 2025

تحديات الدفاع الجوي

أحد أهم التحديات التي تواجه مقاتلات التفوُّق الجوي الأميركية الحالية هي إمكانية الإفلات من المضادات الأرضية، فمع التقدم الكبير في منظومات الدفاع الجوي، فإن المقاتلات الأحدث تصبح في مرمى النيران. وإحدى مهام التفوُّق الجوي هي اقتحام المجال الجوي المعادي، ومن ثمَّ يجب على طائرة التفوُّق الجوي أن تكون قادرة على الإفلات من تلك النظم المتطورة، وإلا ستعتبر بلا قيمة في المناطق المحظورة. وفي السنوات الماضية، طوَّر الصينيون والروس أنظمة دفاع جوية أثبتت كفاءة على مستوى الأداء، بل وعلى مستوى التكلفة أيضا مقارنة بنظيراتها الأميركية، مما جعلها جذَّابة لدول كثيرة.

إعلان

تمتلك روسيا المنظومة "إس" الشهيرة، التي يُعد "إس-500" أحدث إصدار لها، وهو مضاد للطائرات والصواريخ الباليستية بعيدة المدى.

وتقول روسيا إنه قادر على التصدي لجميع الأسلحة الفرط صوتية، وإنها أجرت تجارب تَمكَّن فيها النظام من تدمير أهداف على مدى يتجاوز 380 كيلومترا، وهو يعمل برادارات متقدمة قادرة نظريا على رصد المقاتلات "إف-22" و"إف-35″، حيث يستخدم قدرات مضادة للتخفي، وخصوصا أنظمة الرادار متعددة النطاقات، مثل رادارات "في إتش إف" القادرة على كشف الطائرات الشبحية، لأن موجاتها طويلة وتخترق تصميم التخفي، ورادارات "إكس باند" و"إل باند" التي تُستخدم لتتبع الهدف بدقة وتوجيه الصواريخ.

من جانب آخر، فإن هذه المنظومة لا تعمل بمفردها، بل تتصل بأنظمة إنذار مبكر وأقمار صناعية ورادارات أرضية، مما يعطيها معلومات دقيقة وسريعة عن أي طائرة شبحية تقترب منها، حتى من مسافات بعيدة. ويستطيع رادار "إس-500" اكتشاف الطائرات على ارتفاع يصل إلى 200 كيلومتر، وهذا مهم لأن بعض الطائرات الشبحية تطير على ارتفاعات كبيرة لتفادي الكشف. من جهة أخرى، أدخلت الصين منذ عام 2019 منظومة الدفاع الجوي "إتش كيو-22″، التي أعلنت عن تطويرها قبل ذلك بثلاث سنوات، ويصل مداها إلى 170 كيلومترا.

وجدير بالذكر أنه خامس نظام دفاع جوي تُطوِّره الصين في السنوات الـ12 الماضية، مما يعكس تطوُّرا متسارعا، كما أنه نظام قادر على التصدي لمعظم الطائرات الحربية الموجودة الآن.

في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن فريق بحثي يعمل لصالح القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني عن تمكنه من اكتشاف طائرة تشبه في مقطعها الراداري مقاتلات "إف-22″ و"إف-35" الأميركيتين، بالاعتماد على الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة من أقمار ستارلينك التابعة لشركة "سبيس إكس". وتشتهر شركة "سبيس إكس"، المملوكة لإيلون ماسك، بامتلاكها أوسع شبكة أقمار صناعية في مدار أرضي منخفض، بعدد تخطى 6 آلاف قمر صناعي تولِّد إشارات عالية التردُّد لتوصيل الإنترنت بسرعة عالية.

إعلان

في تجاربه، أطلق الفريق مسيرات صغيرة من طراز "دي جي آي فانتوم 4 برو" في السماء، ولها المقطع الراداري نفسه، قبالة ساحل مقاطعة غوانغدونغ جنوبي الصين. وقد التُقِط أثرها وحركتها على شاشة الرادار، وأوضح العلماء أن هذا كان ممكنا لأن المسيرة كانت مضاءة بإشعاع كهرومغناطيسي من قمر صناعي من فئة ستارلينك يمر فوق الفلبين. يوضح ما سبق أن منظومات الدفاع الجوي تتطوَّر بمعدل سيغلق الأبواب يوما ما على مقاتلات الجيل الخامس، ومن ثم فعلى الجيوش التي تطمح للتفوُّق الجوي، بما في ذلك الولايات المتحدة، أن تطور من مقاتلاتها إذا أرادت الاستمرار في تفوقها على منظومات الدفاع الجوي.

هل تأخَّر الأميركيون حقا؟

إن الوقت بين إيقاف "إف-22" والوقت المتوقع لدخول "إف-47" الخدمة نحو عشرين عاما، وهو وقت طويل. لذلك، وعلى مدار السنوات الماضية، كان هناك شعور أميركي بأزمة فيما يخص التفوُّق الجوي، وجاء ذلك في سياق الإيقاف الذى نال المشروع في 2024، وكشف عن أن التقنيات المصاحبة للمقاتلة لعلها لم تتبلور بما يكفي بسبب الميزانية الصغيرة، مما يعني أن هناك حاجة إلى جهود إضافية من أجل تطوير الطائرة، لا سيَّما في سياق خطط الخصوم، وتقدم منظومات الدفاع الجوي الروسية والصينية.

بلا شك يعي صانع القرار الأميركي هذا الوضع، ويرى أن التفوُّق الجوي الذي كان مضمونا في العقود السابقة بات يحتاج إلى جهود حثيثة للحفاظ عليه. ورغم أن معظم المشاريع المشار إليها سابقا ستكون لطائرات متعددة المهام وليس طائرات تفوُّق جوي دون غيرها؛ فإن الكثير من سمات الجيل السادس لا تختلف كثيرا بين هذين النوعين من الطائرات (مقاتلة التفوُّق الجوي والمقاتلة متعددة المهام).

في الأخير، لا تزال الولايات المتحدة صاحبة السبق في برامج التسلُّح المتقدمة من حيث النوع، لكن الفجوة تضيق بينها وبين منافسيها من الدول الأخرى، وخاصة الدول التي تُصنِّفها واشنطن في خانة الخصوم، مثل روسيا والصين، مما يعني أن الولايات المتحدة مُعرَّضة لفقدان الصدارة في مجال الطائرات المُقاتلة في المستقبل القريب، أكثر من أي وقت مضى.

إعلان

مقالات مشابهة

  • جدل في إسرائيل حول تغيرات الإدارة الأميركية تجاه تل أبيب
  • ترامب يقيل 3 مسؤولين مؤيدين إلى إسرائيل ويؤكد: لا تخصيب لليورانيوم في إيران تحت أي ظرف!
  • بايدن أم روبوت | من الذي حكم الولايات المتحدة لأربع سنوات قبل ترامب؟.. نخبرك القصة
  • إيران تطالب بـضمانات من الولايات المتحدة بشأن رفع العقوبات
  • الإمارات تدين الهجوم الإرهابي الذي وقع في ولاية كولورادو الأميركية
  • إيران تطالب بـ”ضمانات” من الولايات المتحدة بشأن رفع العقوبات
  • الولايات المتحدة تعلق العقوبات الجديدة على إيران
  • الخطة إف-47.. لماذا تأخرت المقاتلة الأميركية الأشرس على الإطلاق؟
  • حرب 1812.. صراع ناري على الهوية والسيادة بين الولايات المتحدة وبريطانيا
  • الأمم المتحدة تكشف عن أزمة بقاء بغزة ولندن تطالب إسرائيل بوقف الحرب