يتطلع العالم إلى نتائج الانتخابات الأمريكية والتي بدأت فـي 50 ولاية منذ أيام خلال الاقتراع التمهيدي أو أمس الثلاثاء، وتتواصل من خلال حسم الفوز، إما للمرشح الجمهوري دونالد ترامب أو كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي وسط تقارب كبير حسب استطلاعات الرأي. وسيكون الحسم فـي فوز أحد المرشحين هو موقف الولايات الست المتأرجحة والتي عادة ما تحسم الانتخابات الأمريكية خلال العقود الأخيرة ولايات بنسلفانيا وميتشجن ونيفادا وجورجيا ونورث كارولينا وإريزونا كما أن هناك متغيرا مهما قد يحسم السباق الانتخابي إما لترامب أو هاريس وهو العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاعي غزة ولبنان.

الحملات الانتخابية التي تابعها العالم تركز على قضايا الداخل خاصة قضايا الهجرة والاقتصاد والضرائب والإجهاض حيث تتباين برامج المرشحين تبعا لفكر كلا الحزبين، الديمقراطي الذي يعد الحزب الأكثر ليبرالية، والجمهوري والذي يعد أكثر محافظة، ومن هنا تبرز أهمية القضايا الداخلية خاصة الوعود لملايين الناخبين، وهي وعود تنتهي واقعيا بانتهاء الانتخابات الأمريكية من خلال وصول الرئيس الأمريكي الجديد وتنتظره فـي البيت الأبيض قضايا داخلية خارجية معقدة. وعلى ضوء ذلك فإن الوعود الانتخابية لا تعكس الواقع ولكن تعد جزءا من إستراتيجية الحملات الانتخابية التي تهدف إلى كسب أصوات الناخبين خاصة فـي الولايات المتأرجحة والتي تعد مثار جدل كبير، ويبذل فـيها المرشحان الجهد الأكبر من خلال زيارات انتخابية متكررة. أما فـيما يخص الولايات التقليدية لكل حزب فهي معروفة بالولاء للحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي. ومن هنا فإن نتائج معظم الولايات ذات الولاء الحزبي لن تحسم الانتخابات اليوم أو حتى غدًا إلا إذا حدث اختراق كبير وفاز أحد المرشحين بالولايات الست المتأرجحة أو معظمها وهذا أمر صعب حيث إن نتائج الانتخابات لعام ٢٠٢٠ والتي فاز فـيها الرئيس الحالي بايدن حسمت بعشرات الآلاف من الأصوات فـي بنسلفانيا وجورجيا وإريزونا. المرشح ترامب يتحدث عن ضرورة وقف الصراعات والحروب فـي الشرق الأوسط ومع ذلك فإن الوصول إلى هذه النتيجة تعتمد على الإسراع فـي قطار التطبيع والذي كان هو وفريقه برئاسة كوشنر قد نجح فـي تطبيع عدد من الدول العربية مع الكيان الإسرائيلي. ومن هنا فإن مسألة إيجاد صيغة توافقية تربط بين قطار التطبيع وإقامة الدولة الفلسطينية هو أمر مستبعد، حيث إن ترامب قد أضر بالقضية الفلسطينية بشكل كبير من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للكيان الإسرائيلي، وهو الأمر الذي لم يقدم عليه أي رئيس أمريكي. كما اعترف بالجولان كجزء من أراضي الكيان الإسرائيلي. ومن هنا فإن ترامب مهتم بالاقتصاد والحصول على الأموال من الدول الغنية وحتى من أوروبا لإنعاش الاقتصاد الأمريكي، كما أن ترامب وفـي حال فوزه سيكون متحررا من أي ضغوط شعبية لأنها ستكون الفترة الأخيرة فـي البيت الأبيض.

قد يكون الخاسر الأكبر فـي حال فوز ترامب هو أوكرانيا من خلال وقف الدعم العسكري والاقتصادي والاستخباراتي مما يجعل من توقف الحرب عملية حتمية، إما وقف الحرب فـي قطاع غزة ولبنان قد يحدث ولكن فـي إطار صفقة كبيرة لصالح الكيان الإسرائيلي من خلال تواصل قطار التطبيع ومزيد من المساعدات الأمريكية للكيان الإسرائيلي لتعويض الخسائر فـي الحرب. ومن هنا فإن وعود ترامب هي استعراضية أكثر مما هي واقعية والخطابات الانتخابية شيء والواقع داخل البيت الأبيض شيء آخر. المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، وهي من أصول إفريقية وهندية، قد تكون لديها فرصة مهمة لإيجاد سياسة خارجية متوازنة للولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن الدعم للكيان الإسرائيلي هو من ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية، ولكن نحن هنا نتحدث عن آليات جديدة للدفع بوقف الحرب فـي قطاع غزة ولبنان وأيضا الدفع بقضية حل الدولتين باعتباره الإطار الأفضل للسلام والاستقرار فـي منطقة الشرق الأوسط، وإن الحرب لن تجدي وتضر الكيان الإسرائيلي بشكل كبير أخلاقيا وقانونيا وتجعل الكيان الإسرائيلي منبوذا فـي المجتمع الدولي والعالم كما هو الحال الآن.

هاريس وحتى بايدن قبل مغادرته البيت الأبيض قد يتخذ قرارات تنهي الحرب على اعتبار أنه تحرر من الضغوط الكبيرة من القوى فـي الكونجرس التي تؤيد الكيان الإسرائيلي ويعطي بذلك هاريس فـي حال فوزها مساحة إيجابية من التحرك الدبلوماسي الجديد لإضفاء لمسة جديدة من الأمل لشعوب المنطقة بعد اشتعال الحروب والصراعات إلى مستوى خطير كاد أن يؤدي إلى حرب شاملة فـي المنطقة والعالم. إذن فإن نتائج الانتخابات الأمريكية ستكون حاسمه للأربع سنوات القادمة ورغم أن قضايا الداخل الأمريكي تتصدر المشهد الانتخابي لكن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان كان له مساحة كبيرة بين الناخبين الأمريكيين حيث المظاهرات الطلابية فـي الجامعات الأمريكية علاوة على أهمية استقطاب أصوات الأمريكيين من أصول عربية وإسلامية خاصة فـي ولاية ميتشجن وجورجيا وأيضا أصوات الأمريكيين من أصول إفريقية علاوة على أهمية الصوت الأمريكي من أصول لاتينية خاصة فـي ولاية فلوريدا المتأرجحة.

تعد الانتخابات الأمريكية هي من أكثر الانتخابات إثارة فـي العالم لعوامل تعود إلى التركيبة السياسية ونظام المجمع الانتخابي وجماعات الضغط والمال السياسي الذي يصرف على الحملات الانتخابية والذي يقدر بالمليارات، وكون الولايات المتحدة الأمريكية وما يحدث فـيها من متغيرات يؤثر على العالم اقتصادا وسياسة، وحتى تنجح القوى الدولية فـي إيجاد بديل للنظام القطبي الأوحد ستظل الولايات المتحدة الأمريكية مهيمنة على القرار السياسي الدولي وهو أمر أضر بمصالح العالم والتوازن السياسي المطلوب. كما أن الانحياز الأمريكي تجاه الكيان الإسرائيلي جعل الولايات المتحدة الأمريكية تفقد مصداقيتها من خلال الانحياز وجعل عدد من القوى الكبرى خاصة روسيا الاتحادية والصين والبرازيل وإيران والآخرون من خلال مجموعة بريكس أن تحاول إيجاد عالم متعدد الأقطاب والأمم المتحدة نفسها بحاجة ماسة إلى هذا التوازن الدولي بعيدا عن الهيمنة الأمريكية.

وخلال الساعات والأيام القليلة القادمة سوف يتابع العالم عبر شبكات التلفزة العالمية نتائج تلك الانتخابات الأمريكية المثيرة والتي يبدو أنها متقاربة إلى حد كبير وقد تحدث إشكالات قانونية وعنف إذا خسر المرشح الجمهوري ترامب الانتخابات الحاسمة. كما أن هناك انتخابات الكونجرس والتي تعد من الأحداث المهمة على صعيد توازن السلطات فـي منظومة الدولة الأمريكية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الانتخابات الأمریکیة الکیان الإسرائیلی المتحدة الأمریکیة البیت الأبیض غزة ولبنان من أصول من خلال کما أن

إقرأ أيضاً:

ترامب يعلن حربًا على قوانين الذكاء الاصطناعي في الولايات الأمريكية

نيويورك: إسلام الشافعي
في خطوة تعيد رسم خريطة تنظيم الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا جديدًا بعنوان «ضمان إطار وطني للسياسة الخاصة بالذكاء الاصطناعي»، يهدف إلى ترسيخ هيمنة واشنطن في هذا القطاع عبر تقليص سلطة الولايات في سنّ قوانينها المنفردة. يأتي الأمر استكمالًا لمسار بدأه ترامب في يناير 2025 بالأمر التنفيذي 14179 «إزالة العوائق أمام قيادة أمريكا في الذكاء الاصطناعي»، الذي ألغى عددًا من سياسات الإدارة السابقة واعتبر أنها تعرقل صناعة الذكاء الاصطناعي وتكبّل الابتكار.

يقدّم الأمر التنفيذي الجديد رؤية واضحة: الولايات المتحدة تخوض سباقًا عالميًا على الريادة في الذكاء الاصطناعي، وأي «ترقيع تنظيمي» على مستوى الولايات من شأنه إضعاف الشركات الأميركية في مواجهة منافسيها الدوليين. الإدارة ترى أن تعدد القوانين بين ٥٠ ولاية يخلق عبئًا تنظيميًا معقدًا، خاصة على الشركات الناشئة، ويحوّل الامتثال القانوني إلى متاهة مكلفة تهدد الاستثمارات التي تقول الإدارة إنها بلغت تريليونات الدولارات في هذا القطاع داخل الولايات المتحدة.

يلفت الأمر التنفيذي النظر بشكل خاص إلى تشريعات بعض الولايات، وعلى رأسها قانون في كولورادو يستهدف «التمييز الخوارزمي» في أنظمة الذكاء الاصطناعي. ترامب يهاجم هذا النوع من القوانين بوصفه محاولة لفرض «انحياز أيديولوجي» على النماذج، بل يذهب إلى القول إن متطلبات تجنّب «الأثر التفاضلي» على الفئات المحمية قد تجبر الأنظمة على تقديم نتائج خاطئة أو غير دقيقة من أجل استيفاء الاعتبارات القانونية.

لتنفيذ هذه الرؤية، يكلّف الأمر التنفيذي وزارة العدل بإنشاء «فريق تقاضٍ للذكاء الاصطناعي» تكون مهمته الوحيدة الطعن في قوانين الولايات التي تتعارض مع السياسة الفدرالية الجديدة، سواء بحجة انتهاك سلطة الحكومة الاتحادية في تنظيم التجارة بين الولايات، أو بحجة تعارضها مع اللوائح الفدرالية القائمة، أو أي أسباب قانونية أخرى تراها الوزارة مناسبة. بالتوازي، يطلب من وزارة التجارة إعداد تقييم شامل لقوانين الذكاء الاصطناعي في الولايات، مع تحديد تلك التي تُلزم النماذج بتعديل مخرجاتها الصحيحة أو تجبر المطورين على إفصاحات يُحتمل أن تصطدم بالتعديل الأول للدستور الأمريكي وحماية حرية التعبير.

أحد أكثر بنود الأمر إثارة للجدل هو ربطه بين موقف الولايات التشريعي من الذكاء الاصطناعي وبين إمكانية حصولها على تمويل اتحادي في مجالات حيوية، مثل برنامج «الإنصاف في النطاق العريض وإتاحته ونشره» (BEAD) المخصص لتوسيع الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة. فالأمر التنفيذي يفتح الباب أمام حرمان الولايات ذات القوانين «المُرهِقة» من بعض التمويل غير المخصص للبنية التحتية المباشرة، بذريعة أن البيئة التنظيمية المجزأة تهدد انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي المعتمدة على الشبكات فائقة السرعة وتعطّل هدف تحقيق اتصال شامل للمواطنين.

ويمضي الأمر أبعد من ذلك، إذ يدعو هيئات فدرالية مثل لجنة الاتصالات الفدرالية ولجنة التجارة الفدرالية إلى بحث وضع معايير وطنية ملزمة للإبلاغ والإفصاح عن نماذج الذكاء الاصطناعي، تكون لها الأسبقية على القوانين المتعارضة في الولايات، وإلى توضيح متى تُعتبر قوانين الولايات التي تفرض تعديل المخرجات «الحقيقية» للنماذج نوعًا من الإلزام بالسلوك المضلِّل المحظور بموجب قانون التجارة الفيدرالي.

في الخلفية، تلوّح الإدارة أيضًا بمسار تشريعي طويل الأمد؛ إذ يوجّه الأمر المستشار الخاص بالذكاء الاصطناعي والتشفير، ومستشار الرئيس للعلوم والتكنولوجيا، لإعداد مشروع قانون يضع إطارًا فدراليًا موحدًا للذكاء الاصطناعي يَسمو على قوانين الولايات المتعارضة مع هذه السياسة، مع استثناءات تتعلق بحماية الأطفال، والبنية التحتية للحوسبة، واستخدام الحكومات المحلية للذكاء الاصطناعي.
بهذا، لا يقتصر الأمر التنفيذي على كونه وثيقة تنظيمية تقنية، بل يتحول إلى محطة جديدة في الصراع بين الحكومة الفدرالية والولايات حول من يملك الكلمة العليا في رسم مستقبل الذكاء الاصطناعي في أميركا، بين من يرى أن التساهل التنظيمي شرطٌ للحاق بالسباق العالمي، ومن يخشى أن يتحول ذلك إلى فراغ رقابي يترك الحقوق المدنية والبيانات الحساسة دون حماية كافية.
و بينما تصف إدارة ترامب هذه الخطوة بأنها ضرورية لحماية الابتكار الأميركي وتفادي “فسيفساء تنظيمية” تعطل الاستثمار، ترى حكومات ولايات ومجموعات حقوقية أن الأمر التنفيذي يضعف طبقة الحماية المحلية التي فُرضت استجابة لمخاوف حقيقية تتعلق بالتمييز الخوارزمي والخصوصية، ما يفتح جولة جديدة من الجدل القانوني والسياسي حول من يملك حق رسم قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة.
حذّرت حكومات عدد من الولايات من أن الأمر التنفيذي يعتدي على سلطاتها الدستورية في تنظيم شؤون مواطنيها، خصوصًا في مجالات حماية الخصوصية والتمييز في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويؤكد مسؤولون في هذه الولايات أن القوانين المحلية لا تستهدف عرقلة الابتكار، بل وضع حدّ لاستخدامات قد تضر بالحقوق المدنية أو تعزز التحيّز ضد مجموعات بعينها.
ومن جانبها، سارعت المجموعات الحقوقية  إلى انتقاد القرار، معتبرة أنه يمنح الشركات التكنولوجية حرية واسعة على حساب آليات المساءلة والشفافية، ويُضعف قدرة الضحايا المحتملين على مواجهة الأضرار الناجمة عن أنظمة خوارزمية متحيزة أو غير شفافة.
وترى هذه المنظمات أن ربط التمويل الفيدرالي بمواقف الولايات التشريعية قد يتحوّل إلى أداة ضغط سياسي تُستخدم لثني المشرّعين المحليين عن سنّ قوانين لحماية المستهلكين.

 

 

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • ألمانيا تطالب الكيان الإسرائيلي بالوقف الفوري للاستيطان بالضفة
  • مقتدى الصدر: التطبيع والديانة الإبراهيمية على الأبواب.. المجاهد صار إرهابيا
  • حروب الشيطنة إنقاذ لسمعة الكيان الصهيوني
  • ترامب يعلن حربًا على قوانين الذكاء الاصطناعي في الولايات الأمريكية
  • “الديمقراطية” تدين بشدة تراجع بوليفيا عن مقاطعة الكيان الإسرائيلي
  • الصدر: بات التطبيع والديانة الإبراهيمية على الأبواب والفساد سجية والظلم منهجاً
  • البيت الأبيض: ترمب محبط وسئم الوعود
  • الخارجية الأمريكية: الوزير روبيو بحث مع نظيره الإسرائيلي خطة ترامب في غزة
  • الخارجية الأمريكية: روبيو بحث مع نظيره الإسرائيلي الوضع في سوريا ولبنان
  • العمري: عشر سنوات من الوعود… ولا ثمرة واحدة للمواطن