نوفمبر 6, 2024آخر تحديث: نوفمبر 6, 2024

عبدالكريم ابراهيم

اشراقة صباح ثمانينيات القرن الماضي  تحاول ان يسرق بعض لحظات العشق من عيون الجنود العائدين والذاهبين الى مكان ما، وقد يكون آخر شيء تراهُ اعينهم. فهم  لا يعرفون متى يعودون  إلى ذويهم وأحبتهم محمولين على نعوش الموت. رغم قساوة تلك الايام الخوالي يحاول بعض الجنود أن يوهموا أنفسهم ببعض سويعات النسيان، وأنهم امتلكوا كنوز الدنيا وامتطوا بساط الريح من خلال استراحة قصيرة عند دور السنيما البغدادية حيث افلام هند رستم وهي تطلق دوي ضحكاتها لتسكر الشفاه رضابة  وشهوة.

وقد يشد هذه المشاعر المتعطشة بياض جسم بانو الكان لثلج القلوب حتى الثمالة.

يعمد بعض الجنود الملتحقين إلى الموت المجاني في أن يقضوا بعض النهارات النسيان مع النساء  العالم الافتراضي بعيداً عن دوي المدافع وازيز الرصاص وسماجة رئيس عرفاء الوحدة، والموت الذي تربص مع كل طلقة أو شظية  لا تجد سوى رأس احدهم كي تعانقه؛ عندها يشعر براحة الموت تسري في اوصاله  لغمض عينه ،وقد كان يأمل ان ترى أمه عرسه قبل أن يأخذ الله امانته.

في حين ان بعض  الجنود وجدوا في بعض بائعات الشاي عمّا يعوضهم عناء الذهاب إلى باب الشرقي ، وقضاء ساعات مع فتانات السينما. ربما قصير الوقت حال دون هذه الرغبة، فعوضت بنساء لا يقلن غناجةً عن نجمات السينما، فقد كان الجنود يجلسون على علب دهن الراعي  لساعات طويلة وهم يتأملون تلك الوجوه الحسان ،وقد تبرجن بما يجذب الرجال الذين لا يعرفون غير احتساء الشاي، والنظر الى وجوه لا تعرف غير الابتسامة التي يعتقد بعضهم انه خُص بها دون زملائه الاخرين. أحياناً يحفظ بعض الجنود اسماء حسناوات كراج النهضة لدرجة انهم يوصي بعضهم الاخر في شرب الشاي عند تلك الجميلة دون غيرها لأنه خيل له أنها غمرت له، ووقعت في غرامه ، بل ان بعضهم اخذت به الاحلام الى اكبر مما يتصور فبني عليها آمال لا تسعها ارض ولا سماء . أحياناً تأخذ بعضهم الغيرة حين يخبره زميله ان بائعة الشاي الحسناء فعلت نفس الشيء معه. يبدو أن هؤلاء الحالمين بجزر النساء كهند رستم وبانو الكان لم يكونوا سوى محطة في كراج النهضة وعالم غاب عنه الاحساس بلذة الحياة .

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

إقرأ أيضاً:

الكلمة سلاح والوعى جبهة.. مثقفون فى حرب أكتوبر


لم تكن حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 مجرد معركة بالسلاح والنار، بل كانت معركة وعى وكرامة، خاضها المثقفون والفنانون والمبدعون إلى جانب الجنود على جبهة النار، ففى الوقت الذى حمل فيه المقاتلون البنادق على خطوط القتال، حمل المثقفون الكلمة واللحن والريشة والكاميرا، ليصنعوا ملحمة أخرى لا تقل أهمية عن نصرنا العسكرى المبارك.
كان الأديب العالمى نجيب محفوظ من أوائل من كتبوا عن الهزيمة والنصر بوعى فلسفى وإنسانى عميق. ففى روايته «الحب تحت المطر» عام 1973، عكست كتاباته روح الحيرة والانكسار قبل النصر، ثم الأمل والإصرار على استعادة الكرامة، وقال محفوظ بعد نصر أكتوبر إن «الجيش المصرى أعاد إلى الأدب روحه»، مؤكدًا أن الثقافة كانت ولا تزال درعًا من دروع الوطن.
ولم يكتفِ الأديب يوسف إدريس بالمقالات الوطنية القوية، بل أصرّ على الوجود فى الجبهة ليكتب عن المقاتلين من قلب المعركة، وجاءت مقالاته وقتها مشبعة ببطولات الجنود وبالروح القتالية، فكان صوته مؤثرًا فى تشكيل الوعى الشعبى. قال إدريس: «كنت أرى الجنود وهم يضحكون، فأدرك أن مصر بخير».
الشاعر الكبير صلاح جاهين أيقونة الشعر الوطنى فى مرحلة انتصار أكتوبر 1973، كتب أشعاره الساخرة والمُلهمة التى أشعلت الحماس فى الشارع، أبرزها قصيدته الشهيرة «على اسم مصر» كتبها قبل النصر بفترة قصيرة، لكنها صارت بعد أكتوبر رمزًا للعزة والانتماء. قال فيها:
على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء.. أنا مصر عندى أحب وأجمل الأشياء.. بحبها وهى مالكة الأرض شرق وغرب.. وبحبها وهى مرمية جريحة حرب.. بحبها بعنف، وبرقة، وعلى استحياء.. وأكرهها، وألعن أبوها بعشق زى الداء.
وكتب قصيدة «الفجر جديد» بعد نصر أكتوبر 1973 مباشرة، لتصبح من أولى القصائد التى احتفت بالعبور:
صحيت مصر من النوم الطويل..وبان فى وشّها الفجر الجميل.. يا نيل يا واهب الحياة..يا فرحة النصر اللى جاية من بعيد.
رجعنا الأرض، ورجعنا الكرامة.. وانكسر قيد الهزيمة والعناد الحديد.
وبعد نصر أكتوبر، كتب جاهين بعض الرباعيات التى عبّرت عن فرحة النصر:
يا نصر يا فرحة سنين العذاب.. يا دمعة راحت على وشّ التراب.. بكرة الشباب يغنّى فى الميادين.. والنيل يضحك، ويحضن أولاد الشباب
جاء صوت البارع عبد الرحمن الأبنودى ليمنح القصيدة الوطنية طابعها الشعبى الأصيل، كتب الأغانى التى خلدها التاريخ، مثل «صباح الخير يا سينا» و*»ابنك يقولك يا بطل»*. كانت كلماته وقودًا للمشاعر الوطنية، تُغنّيها الجماهير فى المصانع والمدارس والجبهات.
ولم يغب الفنانون عن الميدان؛ فقد كانت أم كلثوم تجوب العواصم العربية لجمع التبرعات للمجهود الحربى، وقدّمت حفلاتها فى باريس والكويت وبيروت دعمًا للجيش المصرى. أما عبد الحليم حافظ فكان صوته رمزًا للصمود، غنّى «فدائي» و«عاش اللى قال» و«إحنا الشعب»، وكانت الأغنية الوطنية آنذاك شريكة فى النصر لا مجرد خلفية له.
وساهم المخرج يوسف شاهين فى تسجيل لحظات الحرب والانتصار بعدسته، وأخرج أفلامًا وثائقية وروائية أعادت قراءة النصر فى إطار إنسانى ووطنى، ففيلمه «العصفور» فى عام 1972، مهّد الطريق لوعى جماعى بأن الهزيمة ليست قدرًا، بل نتيجة خلل يمكن تجاوزه بالإرادة والعمل.
لعب المثقفون دورًا جوهريًا فى شحذ الهمم وتوحيد الصفوف، عبر الصحافة والمسرح والأغنية والسينما والكتابة. كانت وزارة الثقافة حينها، بقيادة الوزير الأسبق ثروت عكاشة، منخرطة فى دعم الجبهة الثقافية، بتنظيم قوافل فنية لزيارة الجنود وتقديم عروض مسرحية وموسيقية فى الجبهات.
أما وزير الثافة الحالى الدكتور أحمد فؤاد هنو فأكد أن وزارة الثقافة تُجدد العهد على مواصلة ترسيخ روح أكتوبر فى وجدان الأجيال المتعاقبة، وتعميق قيم التضحية والانتماء، إيمانًا بأن الثقافة الوطنية المستنيرة هى قوة دافعة لبناء الوعى وتعزيز الانتماء ودعم مسيرة الوطن نحو التقدم والازدهار تحت القيادة الرشيدة للرئيس عبد الفتاح السيسى.
 

مقالات مشابهة

  • قرار عاجل بشأن سفاح عزبة رستم بالمحلة
  • تيليجراف: الجيل الجديد من المقاومة في غزة يتصدى للاحتلال الإسرائيلي
  • دراسة تثبت.. الشاي يقلل خطر سرطان الكبد
  • حدث أمني خطير في قطاع غزة
  • مقتل جندي وإصابة 5 آخرين بموقع عسكري قرب غزة بعد انفجار قنبلة
  • بعضهم بحالة حرجة.. مقتل جندي إسرائيلي وإصابة آخرين بغزة
  • الكلمة سلاح والوعى جبهة.. مثقفون فى حرب أكتوبر
  • بلغالي: “أحلم بلعب “الكان” و”المونديال” مع الخضر”
  • جيش الاحتلال يعلن عن عدد قتلاه منذ 7 أكتوبر
  • دراسة تثبت.. الشاي يقلل خطر سرطان الكبد إلى النصف تقريبا