الرباط– تشهد المحاكم المغربية منذ أسبوع حالة من الشلل إثر إعلان جمعية هيئات المحامين الإضراب المفتوح عن مهام الدفاع، دون تحديد تاريخ لانتهائه.

وبدا مجمع المحاكم بحي الرياض بالعاصمة الرباط فارغا على غير عادته من أصحاب المعاطف السوداء، كما عاينت الجزيرة نت يوم الخميس؛ حيث يتم البت في القضايا الجاهزة بدون حضور هيئة الدفاع فيما مصير القضايا الأخرى التأجيل.

ويخوض المحامون إضرابا شاملا عن العمل منذ الأول من نوفمبر/تشرين الثاني بسبب رفضهم مقتضيات جاءت في مشروع قانون "المسطرة المدنية" الذي صوّت عليه مجلس النواب وتمت إحالته على مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان).

ويرى المحامون أن القانون يتضمن نصوصا تمس بحق المواطن في الولوج إلى العدالة وتضرب الحق في المحاكمة العادلة.

وبينما يقول وزير العدل عبد اللطيف وهبي، إنه مستعد للحوار وفق الحدود الدستورية والقانونية للأطراف المعنية، ساندت جمعيات حقوقية مطالب المحامين، داعية إلى فتح نقاش جاد ومسؤول مع هيئات المحامين حول مواد القانون التي أثارت الخلاف.

وزير العدل عبد اللطيف وهبي خلال مشاركته في اجتماع للجنة العدل والتشريع في مجلس النواب (البرلمان المغربي) قانون جديد

يُعنى قانون المسطرة المدنية تحديدا بإجراءات المرافعات القضائية، وتُعرّف المسطرة المدنية بأنها "مجموعة القواعد القانونية التي تحدد الاختصاصات والإجراءات وشكليات التقاضي أمام المحاكم بمختلف درجاتها وأنواعها..".

وترجع الصيغة الأولى لقانون المسطرة المدنية إلى عام 1913 حين كان المغرب تحت الحماية الفرنسية، وشهد هذا النص القانوني تعديلات في عدة محطات، أولها بعد الاستقلال حيث تم تعريب ومَغربة القانون سنة 1965، ثم محطتا الإصلاح اللتان ترجعان إلى سنة 1974 و2011، ثم تعديلات سنتي 2019 و2021.

وترى وزارة العدل أنه بات من الضروري مراجعة قانون المسطرة المدنية وسن قانون جديد متكامل ومندمج وفق المعطيات الدستورية والتشريعية القائمة حاليا، من أجل سد الفراغات التي أفرزها الواقع.

ويعتمد القانون، وفق المصدر نفسه، على تجميع شتات المساطر المدنية والإدارية والتجارية، وتلك المتعلقة بقضاء القرب (جهة قضائية قريبة من المتقاضين تختص بالنظر في القضايا البسيطة)، ووسائل التكنولوجيا الحديثة في إجراءات التقاضي من أجل الاستفادة من منافع الثورة الرقمية ونتائج التطور التكنولوجي.

وأحيل مشروع القانون على مجلس النواب في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وتمت المصادقة عليه بالأغلبية في يوليو/تموز 2024، ثم أحيل في الشهر نفسه على مجلس المستشارين.

ويتفق المحامون مع وزارة العدل في الحاجة إلى تعديل القانون بما يتلاءم مع تطور العدالة في المغرب والمستجدات الدستورية والقانونية، لكنهم يعترضون على عدد من مواده، لذلك نظموا وقفات احتجاجية داخل المحاكم وخارجها، وإضرابات محدودة شملت مقاطعة جلسات الجنايات وصناديق المحاكم لمدة أسبوعين، قبل أن يعلنوا مع بداية الشهر الجاري، في تصعيد غير مسبوق، الإضراب الشامل عن العمل دون تحديد تاريخ لانتهائه.

قصر العدالة بالعاصمة الرباط بدا خاليا من المحامين يوم الخميس (الجزيرة) مواد الخلاف

من المواد التي ينتقدها المحامون والحقوقيون تلك التي تنص على تغريم المتقاضين سواء بسبب الدفوع القانونية أو بداعي سوء النية.

وبموجب القانون المذكور، فإن القضايا التي تقل غرامتها عن 30 ألف درهم (3 آلاف دولار) لا يمكن لأصحابها المرور إلى مرحلة الاستئناف، بينما تمنع تلك التي تقل عن 80 ألف درهم (8 آلاف دولار) من الذهاب إلى مرحلة النقض.

كما انتقدوا أيضا المادة 383 من القانون والتي تنص على أن الطعن بالنقض لا يوقف التنفيذ في مجموعة من الأحوال، منها حالة المقررات القضائية الصادرة ضد الدولة والجماعات الترابية (التقسيمات الإدارية كالمحافظات)، وأيضا المقررات الصادرة عن المحاكم في مواجهة شركات الدولة، وهو ما يعتبر في نظر المحامين خرقا لمبدأ المساواة أمام القانون.

ويرى بعض الحقوقيين ورجال القانون أن هذه المواد هدفها التقليص من الملفات الرائجة أمام محاكم الاستئناف والنقض لتخفيف الضغط عليها، لكن هذا التوجه سيتم في نظرهم على حساب حقوق المتقاضين، حيث سيحرمهم من الحق في استيفاء جميع مراحل التقاضي، كما سيثير لديهم المخاوف والشكوك من التوجه إلى القضاء خشية الغرامات.

نقيب هيئة المحامين بالرباط عزيز رويبح: قرارنا وقف مهام الدفاع لم يكن سهلا (الجزيرة) قرار استثنائي

بالنسبة لنقيب هيئة المحامين بالرباط عزيز رويبح، فإن قرار جمعيات هيئات المحامين التوقف عن ممارسة مهام الدفاع هو قرار "استثنائي" و"ليس بالقرار السهل" بالنظر إلى نتائجه، لكنه في المقابل يرى أن الأخطر من الإضراب عن العمل هو بعض المقتضيات التي تضمنتها المسطرة المدنية.

ويقر النقيب في لقاء مع الجزيرة نت، بأن المشروع يتضمن تغييرات مهمة وإيجابية ومقتضيات تتلاءم مع التحولات التي عرفها المجتمع المغربي وتطور العدالة في البلاد، إلا أن بعض المواد التي جاء بها ستحول دون ولوج المواطنين إلى العدالة بشكل آمن وعادي.

وأضاف "دورنا كمحامين -والتاريخ يشهد على ذلك- هو الدفاع عن حقوق وحريات المواطن، وهذا من صميم مسؤوليتنا الأخلاقية والمهنية والقانونية".

وأوضح المتحدث أن مشروع قانون المسطرة المدنية يتضمن مقتضيات قانونية تمييزية ستجعل المواطن المغربي غير قادر على اللجوء إلى كل درجات التقاضي، وستسهم في حرمان فئات واسعة من الولوج إلى العدالة وخاصة الفئات الهشة.

ولفت النقيب إلى أن هذا القانون يجعل التغريم وسيلة لتقييد المواطن والحيلولة دون أن يمارس حقوقه بشكل آمن وحر أمام القضاء.

محامو المغرب يحتجون على بعض مواد مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد (الصحافة المغربية) لا رفض للحوار

وتأسف برلمانيون بمجلس المستشارين بشأن الإضراب المتواصل للمحامين، واعتبروه "توقفا لأحد أجنحة العدالة" و"لحظة مؤلمة" للمحاكمة العادلة وللأمن القضائي وللحق في الدفاع وأيضا حق المواطن في الولوج الميسَّر إلى العدالة، داعين إلى استحضار الحكمة والتعقل وحماية حق المواطن في القضاء العادل الآمن والمستقر.

من جانبه أكد وزير العدل في جواب على سؤال شفوي بمجلس المستشارين أنه لا يرفض الحوار مع المحامين، مبديا استعداده الجلوس معهم بحضور ممثلي لجنة العدل والتشريع في البرلمان.

وقال موجها كلامه للمحامين "أعطوني طلباتكم، حددوا الفصول التي تريدون تعديلها، لكن هل القرار بيد الوزير فقط؟ القرار بيد مجلس النواب والمستشارين لأنهم الوحيدون كمشرعين الذين من حقهم تعديل نصٍّ وإضافته وإلغاؤه"، مؤكدا على ضرورة أن يعرف كل طرف حدوده الدستورية والقانونية.

وشرعت جهات عدة في التوسط بين وزارة العدل والمحامين لإنهاء حالة الاحتقان في إطار وساطات غير رسمية، فيما تسعى لجنة العدل والتشريع في مجلس المستشارين إلى عقد جلسة وساطة من أجل الوصول إلى حل توافقي ينال رضا وقبول جميع الأطراف.

وقال وزير العدل "ليس لدي أي موقف ضد المحامين، ولكني أدافع عن نص قانوني أعتقد أنه شرعي وهذا حقي". بينما يقول نقيب المحامين بالرباط "نعتبر بأننا على حق وبأن ما نقوم به هو من أجل العدالة في وطننا".

وأضاف "ينبغي أن نضع خارطة طريق لمعالجة كل هذه القضايا، نعتبر مشروع قانون المسطرة المدنية مؤشرا على التعبير عن حسن النية والاستجابة لمطالبنا إلى جانب رزنامة من المطالب الأخرى".

وأعلنت جمعيات وهيئات حقوقية عديدة تضامنها ودعمها لإضراب المحامين، واعتبرت أن المواد محل الخلاف تعيق سير العدالة وتمس حقوق المتقاضين، ودعت في بيانات إلى فتح حوار جدي ومسؤول لتجاوز هذا الوضع.

بدوره، أبدى نبيل الأندلسي، رئيس "منتدى الكرامة لحقوق الإنسان"، تضامنه مع المحامين ومع هيئتهم في إضرابها المعلن "لتحصين مكتسبات هذه المهنة".

وقال في تصريح للجزيرة نت "نعتبر في المنتدى أن أي مس باستقلالية مهنة المحاماة أو تقييد حقوق الدفاع هو مس بقيم العدالة والحق".

وأضاف "أساس الإشكال يتمثل في غياب المقاربة التشاركية لدى وزارة العدل، واتخاذ مبادرات أحادية دون استشارة الفرقاء، وأي حل لن يكون دون تفعيل مقاربة مسؤولة أساسها الحوار والتفاعل الإيجابي من كلا الطرفين".

ودعا الأندلسي وزارة العدل إلى التعامل بمنطق من المسؤولية، خاصة أن إضراب هيئات المحامين، يشل محاكم المملكة ويسبب معاناة حقيقية للمتقاضين والمتابعين وعموم المرتفقين في هذا المرفق الحيوي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قانون المسطرة المدنیة مجلس المستشارین هیئات المحامین إلى العدالة مشروع قانون وزارة العدل مجلس النواب وزیر العدل من أجل

إقرأ أيضاً:

في حالتين .. طرد مواطني الإيجار القديم قبل انتهاء المدة بالقانون

فتح مشروع قانون الإيجار القديم الباب رسميا أمام إمكانية طرد المستأجرين من الوحدات المؤجرة بنظام الإيجار القديم، حتى قبل انتهاء المدة المحددة، وذلك وفقا لحالات معينة نص عليها القانون. 

ويستهدف مشروع قانون الإيجار القديم، تحقيق توازن عادل بين حقوق الملاك واحتياجات المستأجرين، وذلك بعد سنوات من الجدل حول هذا الملف الشائك.

مشروع قانون الايجار القدم الذي أقره البرلمان وينتظر تصديق رئيس الجمهورية، ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر للأماكن السكنية وغير السكنية الخاضعة لقانوني 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981، ويستهدف إعادة التوازن للسوق العقاري بعد عقود من الجمود.

المدة الزمنية لإخلاء وحدة الإيجار القديم

نص مشروع القانون الجديد على منح فترة انتقالية قبل إنهاء عقود الإيجار القديم، حيث تم تحديد مدة 7 سنوات للوحدات السكنية، و5 سنوات للأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكنى، تبدأ من تاريخ سريان القانون.

ولكن بخلاف هذه المدة يوجد حالات أخرى للإخلاء من عقارات الإيجار القديم حتى وإن لم تنتهي المدة المقررة. 

متى يجب على المستأجر إخلاء الوحدة قبل انتهاء المدة؟

يحدث ذلك إذا ثبت ترك الوحدة مغلقة أكثر من سنة دون مبرر.

وأيضا إذا ثبت أن المستأجر يمتلك وحدة بديلة صالحة للاستعمال لنفس الغرض.

قيمة زيادة الإيجار القديم

جدير بالذكر أن القيمة الإيجارية التي يلتزم بها المستأجرون لحين انتهاء اللجان من الحصر، كما حددت المادة الرابعة، هي 250 جنيهًا شهريًا بشكل مؤقت. وعقب انتهاء الحصر ونشر قرارات المحافظ، يلتزم المستأجر بسداد الفروق المستحقة – إن وُجدت – على أقساط شهرية تساوي مدة استحقاق الفروق نفسها.

ويُعد عمل لجان الحصر خطوة جوهرية نحو تطبيق باقي مواد القانون، لا سيما المادة الثانية التي تنص على أن عقود الإيجار تنتهي خلال سبع سنوات للوحدات السكنية، وخلال خمس سنوات للوحدات غير السكنية، ما لم يُتفق على الإنهاء قبل هذه المدة.

ويشترط القانون أن تتم الزيادة الإيجارية السنوية بنسبة 15% بحسب المادة 6 من قانون الإيجار القديم الجديد.

وحدات بديلة للمستأجرين من الدولة

أتاح مشروع القانون للمستأجر أو من يمتد إليه عقد الإيجار الحق في طلب تخصيص وحدة بديلة من الدولة، سواء بنظام الإيجار أو التمليك، بشرط توقيع إقرار بإخلاء وتسليم الوحدة القديمة فور الاستلام.

برلماني يحذر من دعوات الكيانات الإرهابية للتظاهر: مصر لا تتاجر بالقضية الفلسطينيةبرلمانية: مصر لم تغلق معبر رفح منذ بدء العدوان.. وما يتردد إدعاءاتبرلمانية: شراكة مصر مع إفريقيا تفتح أسواقًا واعدة أمام المنتجات الوطنيةبرلماني يشيد بالجهود المصرية والقطرية في ملف الوساطة بغزة طباعة شارك الإيجار القديم مشروع قانون الإيجار القديم طرد المستأجرين إخلاء وحدة الإيجار القديم فترة انتقالية

مقالات مشابهة

  • وزير العدل يُصدر قرارين مهمين لتعزيز منظومة العدالة العمالية
  • بعد إقرار القانون.. العدل تحدد مقار 38 محكمة عمالية متخصصة
  • السجن 5 سنوات عقوبة التخريب العمدي للمنشآت الحكومية
  • شروط تقنين وضع اليد على أراضي الدولة
  • كيف ضمن المشرع حقوق المستمثر في القانون ؟
  • بالقانون.. حالات استحقاق التعويض عن الحبس الاحتياطي
  • ناشطة أردنية تقرر الإضراب عن الطعام احتجاجا على توقيفها إداريا دون تهمة
  • في حالتين .. طرد مواطني الإيجار القديم قبل انتهاء المدة بالقانون
  • دعوة تأبين.. للقانون الدولي الإنساني
  • كيف نظم القانون الجديد ضوابط العمل عن بُعد؟