بدأت السحب التي كانت تغطي أجواء الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 بالانقشاع، مما جعل المشهد يبدو أكثر وضوحا للعديد من المحللين، الذين بدؤوا بتحليل النتيجة خصوصا بالنسبة للمعسكر الخاسر (الديمقراطيين) بقيادة كامالا هاريس.

وبعد عدة مقالات في مجال التكنولوجيا باستخدام "لوحة قياس مشاعر الإعلام تجاه الانتخابات الأميركية بالذكاء الاصطناعي" التي طورها باحثان في مجال الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع صحفيين في الجزيرة، التي حاولت سبر أغوار ما يراه الإعلام ويحاول التركيز عليه، ونريد في هذا المقال تسليط الضوء على الأداة والفريق المطور ومستقبل أدوات الذكاء الاصطناعي في الإعلام.

بداية الفكرة والغرض منها؟

بعد انفجار ثورة الذكاء الاصطناعي خلال العامين الماضيين وجدت إدارة الجزيرة نت أن استخدام الذكاء الاصطناعي يجب أن يتعدى مجرد الاستخدام العادي، ويجب البدء في إدخال هذه التكنولوجيا بشكل أكبر في غرف الأخبار.

لذلك وجدت الإدارة أن الحل الأفضل هو عمل أدوات تساعد الصحفيين في إنشاء قصة مترابطة باستخدام الذكاء الاصطناعي وبالاعتماد على مصادر موثوقة، بحيث تمد الجزيرة هذه الأداة بالمصادر، وتحللها الأداة ثم بعد ذلك يربط الصحفي الخيوط ويكتب القصة، وقد أوكلت المهمة لصفحة تكنولوجيا.

وللقيام بذلك كان لا بد لنا في صفحة تكنولوجيا الاستعانة بخبرات أشخاص لديهم القدرة والخبرة على عمل أداة تحليل يمكنها مساعدة الصحفيين في الأحداث المهمة.

ويقول الدكتور فهد جبير -وهو أستاذ مشارك في قسم هندسة الحاسوب في الجامعة الأردنية ومدير الفريق المطور للوحة تحليل المشاعر- "بدأت الفكرة من خلال محادثة غير رسمية مع صحفيين في الجزيرة. وكان الهدف هو عرض فائدة الذكاء الاصطناعي في تحليل الموضوعات ونبرة التغطية في المقالات الإخبارية".

ويتابع "يعد تحليل المشاعر تقنية ذكاء اصطناعي معروفة لاستخراج المشاعر في النص. هناك العديد من الخوارزميات لإجراء تحليل المشاعر، ويختلف معدل الخطأ بناء على التقنية وتعقيد النص. على سبيل المثال، غالبا ما نجد أن السخرية في النص تشكل تحديا لتحليل المشاعر القائم على الذكاء الاصطناعي".

ويضيف الدكتور "في عملنا، استخدمنا نموذج "شات جي بي تي" (ChatGPT) لتحليل واستخراج المشاعر للمقالات الإخبارية بناء على ملخص المقال".

الدكتور فهد جبير يعتبر الأداة نواة يمكن للجزيرة نت البناء عليه (الجزيرة) خلق أدوات ذكاء اصطناعي في مجال الصحافة تراعي الأخلاقيات

وتقول جنى المسلّماني -وهي باحثة في الإنسانيات والمجتمعات الرقمية ورئيسة اللجنة العلمية لمؤتمر الذكاء الاصطناعي في الإعلام في شبكة الجزيرة- إن تطوير أدوات ذكاء اصطناعي تراعي الأخلاقيات وهو موضوع جدا حساس وشائك.

لذلك عند عملها مع فريق لوحة قياس مشاعر الإعلام في الانتخابات الأميركية كان هناك تساؤلات ملحة عن العدالة والمساءلة والشفافية في العمليات التي تعتمد عليها هذه الأدوات وكيفية تحديد مصادر غير متحيزة لتغذية النموذج بها.

وترى جنى في هذه المبادرة -لتطوير أداة داخل الجزيرة نت تستخدم الذكاء الاصطناعي في تحليل مشاعر الإعلام حول قضايا مهمة- هي فرصة جيدة، خصوصا أن أحد التحديات الأخلاقية الكبرى تكمن في ارتفاع تكلفة هذه التكنولوجيا، والتي تتطلب بنية تحتية متقدمة وكوادر متخصصة. وهذا الأمر قد يؤدي إلى اتساع الفجوة بين المؤسسات الإعلامية الكبرى والصغيرة، مما يعزز هيمنة الشركات الكبرى على صناعة الإعلام، ويزيد من قدرتها على التأثير في الرأي العام.

وتضيف جنى أن أحد أهم الأسباب -أيضا- التي دفعتها للمشاركة في هذه المبادرة هو مشكلة نقص البيانات، حيث إن المحتوى العربي على الإنترنت لا يتجاوز 3% من إجمالي البيانات المتاحة، مما يجعل تدريب النماذج باللغة العربية مهمة معقدة.

تقول جنى إن "وجود أداة مثل لوحة قياس المشاعر وتطويرها مستقبلا لتحوي مصادر أكثر باللغة العربية هو مساهمة في مجال دعم المصادر العربية التي تغذي نماذج الذكاء الاصطناعي".

جنى المسلماني ترى أن هذه المبادرة لتطوير أداة داخل الجزيرة نت هي دعم للتقنيات التي تستخدم اللغة العربية (الجزيرة) خلق أدوات أكثر لمساعدة الصحفيين في إنشاء القصة

لكن هل ستنتهي لوحة قياس مشاعر الإعلام بمجرد نهاية الانتخابات؟ يقول أحمد حمايل -الذي يعمل باحثا ومطورا في مجال الذكاء الاصطناعي وهو أحد أعضاء الفريق المسؤول عن تطوير لوحة قياس المشاعر في الجزيرة- إن "لوحة قياس المشاعر للانتخابات هي البداية، حيث إنهم يركزون على تطوير حلول عملية تبرز إمكانيات الذكاء الاصطناعي بشكل مؤثر وملموس".

ويضيف أحمد أن أحد أكبر التحديات هو تحقيق التوازن بين دقة نماذج الذكاء الاصطناعي وسرعة أدائها، خاصة في التطبيقات التي تتطلب استجابة فورية مثل الأنظمة الذكية في الوقت الفعلي، ولذلك لم يكن ممكنا في هذا المشروع عمل لوحة تعتمد في قياسها على ما ينشر في الوقت الفعلي وهو أيضا أحد أسباب عدم القدرة على ربطها بوسائل التواصل الاجتماعي وهي تحديات يمكن إنجازها والتغلب عليها في حالة توفر الموارد.

ويرى أحمد أن الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقا جديدة في مجالات متعددة، فمثلا هذه الأداة الخاصة بالجزيرة "لوحة قياس المشاعر في الإعلام" يمكن تطويرها لتخدم قطاع الإعلام، حيث من الممكن استخدامها لتحليل كميات ضخمة من المحتوى الإعلامي بسرعة ودقة، مما يساعد في تقديم رؤى أعمق حول توجهات الرأي العام وتحليل المشاعر في الأخبار حول قضايا معينة.

بالإضافة إلى أنه يمكن تطويرها بحيث تعزز تجربة المستخدم من خلال تخصيص المحتوى ليوافق اهتمامات كل فرد، فيتلقى المستخدم الأخبار التي تهمه شخصيا.

كما أنه يمكن تطويرها لتتمكن من فحص المصادر وتحديد الأخبار المزيفة بدقة، مما يعزز من جودة وموثوقية المحتوى. وهي الآن بشكلها الحالي، وفي موضوع الانتخابات تمكنت من كشف الروابط الخفية بين الأحداث وتحليل تأثيرها، مما مكن الصحفيين من بناء قصص مثيرة مثل تركيز الإعلام على الشخصية ونزاهة الانتخابات بناء على البيانات المتاحة، وتقديم صورة واضحة عن تأثيرات الأحداث العالمية على الرأي العام.

أحمد حمايل يرى أن الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقا جديدة في مجالات متعددة منه الإعلام (الجزيرة) ما مستقبل "لوحة تحليل المشاعر"؟

يرى الدكتور فهد أن الجزيرة نت لديها الآن ما يعتبر نواة يمكن البناء عليه، خصوصا أنه بالإضافة إلى تحليل المشاعر، يمكن باستخدام الذكاء الاصطناعي بناء نماذج التنبؤ بالسلاسل الزمنية للتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية (Future Trends) للتغطية الإعلامية بناء على التحليل التاريخي للمقالات الإخبارية عبر الإنترنت. بحيث تشمل هذه الاتجاهات كلا من الموضوعات والمشاعر.

وتشدد جنى على ضرورة الاهتمام وتطوير هذا النوع من الأدوات التقنية للحفاظ على وجود اللغة العربية في الفضاء الرقمي. حيث تتيح هذه الأداة وغيرها من الأدوات تحليل النصوص المحلية بشكل دقيق، مما يعزز فهم السياقات الثقافية والمعرفية. بالإضافة إلى ذلك، فإن عملية التطوير المحلي تمكن المهتمين والخبراء من اكتشاف المشكلات وطرح الأسئلة الصحيحة، مما يقود إلى حلول مبتكرة.

في المقابل، التخلي عن هذه الأدوات والاعتماد الكلي على التكنولوجيا المطورة في دول غير ناطقة بالعربية يهدد مستقبل اللغة، ويضعف حضورها الرقمي. لذا، يجب أن يكون الاستثمار في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي باللغة العربية أولوية إستراتيجية للحفاظ على الهوية الثقافية واللغوية في عصر التكنولوجيا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی فی فی الإعلام المشاعر فی الجزیرة نت بناء على فی مجال

إقرأ أيضاً:

«شرطة دبي» تنظم ورشة تعريفية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي

دبي (الاتحاد)

نظمت الإدارة العامة للذكاء الاصطناعي في شرطة دبي، ورشة عمل تعريفية متخصصة حول رؤية الذكاء الاصطناعي (AI Vision) و(Copilot)، بالتعاون مع شركتي مايكروسوفت وPulses، بحضور مساعدي القائد العام ومديري الإدارات العامة ومراكز الشرطة. وأكد اللواء الدكتور عبدالقدوس عبدالرزاق العبيدلي، مساعد القائد العام لشؤون التميز والريادة، أن هذه الورشة تأتي في إطار جهود شرطة دبي الرامية إلى دراسة والاطلاع على أبرز التقنيات وأنظمة الذكاء الاصطناعي المعمول بها عالمياً، بما يضمن استدامة تطوير منظومة العمليات وفق أفضل الممارسات العالمية، وبما يدعم التوجهات الاستراتيجية لشرطة دبي في تعزيز الأمن والأمان. من جانبه، قال اللواء خالد ناصر الرزوقي، مدير الإدارة العامة للذكاء الاصطناعي، في كلمته الافتتاحية: «نهدف من خلال هذه الورشة إلى تبادل المعرفة والخبرات في هذا المجال الحيوي، وتقديم أحدث التطورات والابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي، وتعريف المشاركين بكيفية استخدامها في عملياتهم، كما نركز على تمكين العمليات الأمنية الذكية، وتعزيز استراتيجية التحول من خلال رواد التكنولوجيا، وتوظيف كافة الممكنات لتعزيز الكفاءة التشغيلية، إلى جانب توفير فرصة للتعلم والتفاعل مع أحدث الابتكارات». وتابع: «إن الإدارة العامة لإدارة الذكاء الاصطناعي، تسعى للوصول إلى فهم عملي متقدم لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وكيفية الاستفادة منها في تحسين الكفاءة التشغيلية، وإعداد خريطة طريق تقنية متكاملة لتوظيف مختلف الممكنات في مختلف الإدارات، بما يعزز جاهزية شرطة دبي لمواجهة التحديات الأمنية المستقبلية بمنهجية استباقية». كما تم تسليط الضوء خلال الورشة، على الاستخدام الفعلي للنظام في مجالات متعددة، مثل رصد الحوادث المرورية، وإعادة بناء تسلسل الأحداث في التحقيقات الجنائية.

تحليل البيانات
استعرض فريق شركة مايكروسوفت، خلال الورشة، أحدث تطبيقات منصة Copilot المعززة بالذكاء الاصطناعي، وركز العرض على كيفية توظيف Copilot وسبل تسريع تحليل البيانات واتخاذ القرار في بيئات العمل الأمني، بالإضافة إلى دعم العمل التعاوني بين الإدارات عبر أدوات متقدمة لإصدار التقارير، والردود التلقائية، وتلخيص الاجتماعات. كما استعرض الفريق مجموعة من الحلول الذكية، شملت التعرف على الوجوه، واكتشاف المشاعر، والتتبع البصري المتعدد، وتحليل الحشود، والمراقبة الحرارية والمرورية، إلى جانب أنظمة الإنذار المبكر المرتبطة بمنصة تحليل موحدة.

أخبار ذات صلة حمدان بن محمد وأحمد بن محمد يقدمان واجب العزاء في والدة راشد ثاني المطروشي الإمارات مركز بارز للتكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط

مقالات مشابهة

  • المملكة المتحدة ترسخ ريادتها في الذكاء الاصطناعي
  • كيف يساعد الذكاء الاصطناعي على إنقاص الوزن؟
  • مؤتمر "آبل" للمطورين: تأخّر تقني وضغوط تنظيمية في سباق الذكاء الاصطناعي
  • توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالأعاصير
  • محامون في بريطانيا مهددون بعقوبات قاسية بسبب الاستعانة بالذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يتيح للأطباء الدردشة مع السجلات الطبية
  • درونات الذكاء الاصطناعي تحرس أقدام الحجاج.. ثورة تقنية في موسم الحج!
  • هجوم حاد على راشد الماجد لاستخدامه الذكاء الاصطناعي في أغنيته الجديدة.. فيديو
  • جامعة القاهرة تتصدّر أبحاث الذكاء الاصطناعي في مصر بـ2,191 بحثًا
  • «شرطة دبي» تنظم ورشة تعريفية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي