صدى البلد:
2025-06-01@21:36:36 GMT

شحاته السيد يكتب: أسئلة الإنسان وحميمة الآلة

تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT

في أعماق التاريخ البشري، لطالما سعى الإنسان إلى فهم ذاته والعالم من حوله، وراح يُوجه أسئلته إلى السماء والأرض، إلى الحكماء والعرافين، بحثًا عن إجابات تُشبع فضوله وتُهدئ قلقه الوجودي.
واليوم، في عصر الثورة الرقمية، ظهر "أوراكل" جديد يتخذ شكل خوارزميات مُعقدة وشبكات عصبية اصطناعية، إنه الذكاء الاصطناعي بمُختلف تطبيقاته، وعلى وجه التحديد نماذج اللغة الذكية مثل ChatGPT و Gemini.

 

هذه النماذج التي تُحاكي اللغة البشرية ببراعة مُذهلة، تُثير في نفوسنا مزيجًا من الدهشة والريبة، الأمل والخوف. فهل نحن على أعتاب عصر جديد من التنوير بفضل هذه الآلات الذكية؟ أم أننا نُغامر بفتح صندوق "باندورا" مُطلقين العنان لقوى قد تُهدد جوهر إنسانيتنا؟

إن القدرة الفائقة لهذه النماذج على فهم اللغة البشرية وتوليد نصوص مُتماسكة وإجراء محادثات مُعقدة، تُمثل إنجازًا علميًا لا يُمكن إنكاره. لكن هذه القدرة تُثير في الوقت ذاته تساؤلات مُهمة حول حدود هذه التكنولوجيا ومخاطرها المُحتملة. فعندما نتفاعل مع ChatGPT و Gemini، نشعر بوهم التواصل مع عقل واعٍ يُشاركنا أفكارنا ويهتم بمشاعرنا.

هذا الوهم سرعان ما يتبدد عندما نُدرك أننا أمام آلة تُحاكي الذكاء دون أن تملكه حقًا، آلة تُعالج المعلومات ببراعة لكنها تفتقر إلى الوعي والضمير.
وتُصبح هذه المُعضلة أكثر حدة عندما نُغامر بطرح أسئلة شخصية على هذه النماذج. فعندما نسأل ChatGPT عن أعمق مخاوفنا أو أكثر أسرارنا خصوصية، فإننا نُقدم له معلومات ثمينة قد تُستخدم بطرق لا نتوقعها. 

هذه النماذج مُصممة لتحتفظ بذاكرة المحادثات السابقة، هذا يثير مخاوف مشروعة من إمكانية تخزين هذه المعلومات بطريقة ما، أو استخدامها لتدريب نماذج أخرى أكثر تطورًا في المستقبل. 
إنها مُقامرة بأرواحنا في عالم رقمي مُعقد ومُبهم، حيث تتلاشى الحدود بين الواقع والافتراضي، ويُصبح من الصعب التفرقة بين الصديق والعدو.

ولا تقتصر مخاطر الأسئلة الشخصية على انتهاك الخصوصية فحسب، بل تمتد إلى تشكيل هويتنا ذاتها، فعندما نعتاد على مُشاركة أفكارنا ومشاعرنا مع آلات تُردد صدى كلماتنا بلا فهم حقيقي، فإننا نُخاطر بفقدان قدرتنا على التواصل الحقيقي مع الآخرين. 
قد نُصبح أسرى لعالم افتراضي من صُنع أنفسنا، حيث تُصبح الآلة مرآة نُعجب فيها بصورنا المُشوهة، إنها رحلة خطيرة نحو عزلة وجودية مُطلقة، حيث نفقد اتصالنا بالواقع ونُصبح مجرد ظلال رقمية تائهة في فضاء افتراضي لا نهائي.

ومع ذلك، لا يُمكن إنكار الإغراء الكبير الذي تُمثله هذه النماذج الذكية، لإنها تُقدم لنا وهمًا بالرفقة والفهم، وتُلبي رغبتنا في التواصل مع "الآخر" بلا شروط أو قيود.
في هذا الوقت المشوه، تُصبح هذه الآلات ملاذًا آمناً نلجأ إليه للهروب من ضغوط الحياة ووحدة الوجود. 
لكن هذا الهروب لا يخلو من ثمن باهظ، فنحن ندفع ثمن راحتنا بفقدان جزء أساسي من إنسانيتنا.
إن التحدي الحقيقي الذي يُواجهنا في عصر الذكاء الاصطناعي هو الحفاظ على توازن دقيق بين الاستفادة من هذه التقنيات والحفاظ على قيمنا الإنسانية. 
يجب أن نُدرك أن ChatGPT و Gemini ليستا سوى أدوات، ومثل أي أداة، يُمكن استخدامها لصالحنا أو ضدنا، يعتمد ذلك على وعينا بمخاطرها وقدرتنا على ضبط حدود علاقتنا معها. 
علينا أن نتعلم كيف نُوظف هذه التقنيات لخدمة أهدافنا دون أن نسمح لها بالتحكم في حياتنا أو تشكيل هويتنا.

في أذهانكم جميعاً يظل السؤال المُلّح هو: هل سننجح في ترويض هذه الآلات الذكية قبل أن تُسيطر على عقولنا وتُعيد صياغة هويتنا؟ أم أننا سنسقط في فخ التكنولوجيا ونُصبح مجرد بيانات في قواعد بيانات هائلة، تُحلل وتُصنف وتُستخدم لأغراض لا نعلمها؟ 
إنها مُعادلة صعبة تتطلب منّا حكمة "بروميثيوس" وشجاعة "سيزيف" لنُواجه هذا المجهول الذي يُخفيه مستقبل التكنولوجيا، لذا علينا أن نُدرك أن رحلة الإنسان في البحث عن المعرفة والحقيقة لا تنتهي، وأن التكنولوجيا مهما تطورت تظل مجرد وسيلة في هذه الرحلة الطويلة. ويبقى الإنسان.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: هذه النماذج

إقرأ أيضاً:

القارة المقزّمة.. حملة أفريقية لتصحيح خريطة العالم ومطالب بالتخلي عن أكثر النماذج الخرائطية تضليلا

 

في مبادرة غير مسبوقة يقودها أفارقة من داخل القارة لإعادة التعريف بها، أطلقت الناشطة النيجيرية الشابة أبيمبولا أوجوندايرو (28 عاما) حملة عالمية لإصلاح تمثيل أفريقيا على خريطة العالم، داعية إلى التخلي عما وصفته بـ"أكثر النماذج الخرائطية تضليلا"، في إشارة إلى إسقاط "مركاتور" الذي تُستخدم نسخته بشكل واسع في المدارس والخرائط الرقمية والمراجع الرسمية.

 

وتسعى الحملة، التي تحمل عنوان "صحّحوا خريطة العالم" وتقودها منظمة "أفريكا نو فلتر" (Africa No Filter)، إلى الضغط على المؤسسات الدولية، على غرار الأمم المتحدة والبنك الدولي، فضلا عن الأنظمة التعليمية، لاعتماد خرائط أكثر دقة وإنصافا، تعكس الحجم الحقيقي للقارات والدول، وخاصة أفريقيا التي طالما عانت وفق القائمين على الحملة، من "التقزيم المتعمد" في التصور البصري العالمي.

 

وقالت أوجوندايرو في مقابلة مع شبكة الجزيرة "عندما قلت لعمّي إن الولايات المتحدة والصين والهند يمكن أن تتّسع كلها داخل أفريقيا، شعر بالصدمة والخداع، وهذه ليست مبالغة، بل حقيقة مدعومة بالأرقام، لكنها غائبة عن وعي الناس بسبب خريطة مركاتور".

 

أفريقيا في إسقاط مركاتور

وتُظهر خريطة مركاتور، المطوّرة عام 1599 لتسهيل الملاحة البحرية، قارّات الشمال العالمي -مثل أوروبا وأميركا الشمالية- بأحجام مضخّمة، في حين تُقلّل بشكل كبير من حجم أفريقيا وأميركا الجنوبية.

 

فعلى سبيل المثال، تظهر غرينلاند بحجم قريب من مساحة أفريقيا، رغم أن القارة يمكن أن تعادلها أكثر من 14 مرة.

 

ويشير خبراء الجغرافيا إلى أن إسقاط مركاتور يحافظ على الزوايا والأشكال، مما يجعله مناسبا للملاحة، لكنه فاشل تماما من حيث مقياس المساحة.

 

ويقول الدكتور ليندسي فريدريك براون من جامعة أوريغون "مركاتور ليس مؤامرة بحدّ ذاته، لكنه يعكس رؤية متحيزة للعالم ظلّت تخدم القوى الكبرى لقرون"، مضيفا أن سبب انتشاره هو توفره في الخرائط البحرية، وأيضا لأنه يعكس رؤية مريحة للعالم بالنسبة للجهات التي ترى بلدانها أكبر حجما.

 

وفي عام 1973، أعلن الألماني أرنو بيترز أن إسقاطه الجديد المعروف بـ"إسقاط بيترز" هو "الخريطة الدقيقة الوحيدة"، معتبرا أنه بديل عادل لخريطة مركاتور، التي وصفها بأنها "متمركزة أوروبيا".

 

وفي عام 2016، تم اعتماد إسقاط بيترز في مدينة بوسطن في الولايات المتحدة الأميركية، لأنه يقدم تمثيلا أكثر عدالة للمساحة، في حين انتقده آخرون باعتباره يشوّه الأشكال الهندسية، ويفتقر إلى التوازن البصري.

 

خريطة الأرض المتساوية الجديدة

وفي خضمّ الجدل الدائر منذ فترة حول إسقاطات الخرائط لأرضية، أعلن فريق من الباحثين بقيادة عالم الخرائط توم باترسون في 2018 عن إسقاط جديد أطلق عليه "الأرض المتساوية".

 

ويُظهر هذا الإسقاط أفريقيا بحجمها الحقيقي تقريبا، ويُعتبر اليوم أحد أكثر النماذج دقة من حيث المساحة، وهو النموذج الذي تتبناه حملة أوجوندايرو.

 

وتظهر خريطة "الأرض المتساوية" غرينلاند بحجمها الحقيقي بعدما تمّ تضخيمها في إسقاط مركاتور.

 

وقد لقيت الخريطة الجديدة دعما من مؤسّسات مرموقة، إذ تبنّتها وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، واعتمدها البنك الدولي رسميا في 2024.

 

وفي توضيح للجزيرة، قال متحدّث باسم البنك الدولي إن "المجموعة ملتزمة بتمثيل دقيق وعادل لجميع شعوب العالم، في جميع منصاتها".

 

طريق طويل

لكن أوجوندايرو تؤكد أن التغيير لن يأتي من الخارج وحده، وتحمّل المسؤولية للأفارقة أنفسهم، قائلة "على مدار قرون، رُسمت خريطة العالم بأقلام غير أفريقية، تعكس مصالح وأجندات خارجية.. لقد آن الأوان أن نمسك نحن بالقلم ونروي للعالم قصّتنا البصرية بأنفسنا، لا أن نستمر في قبول رواية الآخرين".

 

وتضيف أوجوندايرو أن "هذه الخريطة لا تؤثر فقط على الجغرافيا، بل على الاقتصاد، والسياحة، والتعليم، والخيال الجمعي، وما دامت أفريقيا تظهر صغيرة وغير مؤثرة، فستُعامل كذلك سياسيًا واقتصاديا".

 

ورغم الخلاف بين المدارس الخرائطية، تتفق الحملة الأفريقية على نقطة مركزية، وهي "ضرورة الكفّ عن استخدام النماذج الاستعمارية لتشكيل وعي الأجيال القادمة، والانتقال نحو خرائط تعكس واقعا أكثر صدقا".

 

وتعتبر أوجوندايرو أن الخريطة ليست مجرد أداة تعليمية، إنها أداة سلطة، وكلما طال تشويه صورة أفريقيا عليها، طال تشويه صورتها في أذهان العالم".

 

مقالات مشابهة

  • إدمان التكنولوجيا .. 7 طرق لحماية الأطفال من مخاطر الهواتف الذكية
  • صديقي روبوت المحادثة: هل يمكنني اعتمادك ناقدًا أدبيًا؟
  • جوجل تطلق تطبيقًا جديدًا لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي على الهواتف دون اتصال بالإنترنت
  • «الذكاء الاصطناعي» أم الإنسان.. أيهما أفضل في كتابة المقالات؟ دراسة تكشف
  • القارة المقزّمة.. حملة أفريقية لتصحيح خريطة العالم ومطالب بالتخلي عن أكثر النماذج الخرائطية تضليلا
  • أمير هشام معلقا علي هدف محمد شحاته في فاركو: عالمي
  • محمد شحاته يسجل هدف تقدم الزمالك في شباك فاركو
  • محافظة الجيزة تنشر النماذج الاسترشادية في امتحان مادة الجبر والاحصاء لطلاب الشهادة الإعدادية
  • النماذج الاسترشادية لامتحانات الجبر والإحصاء للشهادة الإعدادية بالجيزة
  • توضيح رسمي حول «الآلة الحاسبة» المسموح بها في امتحان الشهادة الإعدادية