بعد إعلان تأريخي من قبل السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، عن رصدِ أية سفينة إسرائيلية تعبــر البحر الأحمر وباب المندب لاستهدافها.

وخلالَ عامٍ كامِلٍ من تلك العملية تصاعدت وتيرةُ ونوعيةُ نشاط الإسناد البحري اليمني بشكل فاجأ الأعداء والأصدقاء، وبرغم تدخل الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أُورُوبية عسكريًّا لوقف ذلك النشاط؛ فَــإنَّ النتيجة لم تقتصر على الفشل فقط، بل أصبح الجميعُ يتحدَّثُ عن هزيمة غربية تأريخية، وعن انقلابٍ في الموازين هو الأكثرُ أهميّةً في تأريخ الحروب البحرية.

بداية عالية السقف:

لقد مثّلت عمليةُ الاستيلاء على السفينة "الإسرائيلية" (جالاكسي ليدر) افتتاحيةً صاخبةً وقويةً لنشاط الإسناد البحري اليمني لغزة الذي تردَّدَ صداه فيما بعدُ على مستوى العالم طيلة عام كامل؛ فبالرغم من أن العمليات البحرية تصاعدت تدريجيًّا على مستوى النطاق والشدة، فَــإنَّ البداية لم تكن متواضعة، بل عالية السقف بكل الاعتبارات؛ فعملية الاستيلاء صدمت الجميع بمستوى الدقة والمهارة والاحترافية في الرصد والتتبع والتنفيذ، بصورة عكست بوضوح اقتدارًا ستبرهنه عشرات العمليات اللاحقة بشكل أوضح.

وبرغم أن سقف نشاط الإسناد البحري وقتها كان مقتصرًا على استهداف السفن "الإسرائيلية" فَــإنَّ عملية الاستيلاء على الناقلة (جالاكسي ليدر) حملت في طياتها ملامحَ استراتيجية "السقف المفتوح" على مستوى الشدة والنطاق والتكتيكات؛ فتفاصيل عملية الاستيلاء على السفينة بالقرب من السواحل الإفريقية من خلال قوة بشرية متخصّصة وباستخدام الطيران المروحي، والإعلان الصريح والواضح والشجاع الذي سبق العملية من قبل السيد القائد، ثم الإعلان الشجاع عنها ونشر مشاهدها، وجعل مصيرها مرهونًا بقرارِ المقاومة الفلسطينية، كانت كلها علاماتٍ واضحةً على أن اليمن سيذهب في هذا المسار الإسنادي المهم إلى ما وراء التوقعات والحسابات.

تصاعُــدٌ تدريجي سريع:

هذا ما حدث بالفعل؛ فالعملياتُ اللاحقة التي تلت الاستيلاء على الناقلة "الإسرائيلية" أكّـدت بوضوح أن العملية لم تكن مُجَـرّد ضربة عشوائية لإحداث ضجة إعلامية آنية، بل كانت فاتحةً لمسار استراتيجي سيجعل البحر الأحمر وفي وقت قياسي جِـدًّا منطقة محرمة ليس على السفن "الإسرائيلية" فقط، بل أَيْـضًا على تلك المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلّة بغض النظر عن جنسيتها.. وُصُـولًا إلى السفن التابعة لأية شركة تتعامل مع العدوّ الصهيوني.

التطويرُ التصاعدي التدريجي لمسار الإسناد البحري من خلال تحديث فئات السفن المعرضة للاستهداف وتوسيع نطاق العمليات جغرافيًّا، لم يكن عشوائيًّا هو أَيْـضًا، بل كان مواكبًا لمحاولات التمويه والتهريب التي كان العدوّ يلجأ إليها للالتفاف على واقع الحظر الذي سرعان ما أجبر سفنَه على تحويل مسارها للإبحار حول رأس الرجاء الصالح، وهو ما عكس نجاحًا سريعًا للقوات المسلحة اليمنية في تثبيت وفرض الحظر البحري كواقع جديد.

العدوانُ الأمريكي البريطاني:

هذا ما أدركه العدوُّ الصهيوني سريعًا، ودفعه للجوء إلى شركائه في الغرب والذين تعهدوا له بالتكلف بجبهات الإسناد، وعلى رأسها اليمن، لكن على عكس الهدف المعلن المتمثل في ردع القوات المسلحة اليمنية والحد من عملياتها وقدراتها، فَــإنَّ تشكيل تحالف ما يسمى "حارس الازدهار" وبدء العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن في يناير الماضي، لم يكن على الواقع سوى صعود إلى مستوى جديد من عمليات الإسناد اليمنية المؤثرة التي اتسع نطاق أهدافها وجغرافيتها لتشمل السفن الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، وُصُـولًا إلى المحيط الهندي.

وخلال كُـلّ ذلك ظلت استراتيجية "السقف المفتوح" ثابتة وراسخة وتجسدت في أكثر من عملية، كان من أبرزها إغراق السفينة البريطانية (روبيمار) وإصابة العديد من السفن الأمريكية بأضرار بالغة مثل السفينة (ترو كونفيدنس)، وهو ما أكّـد أن تأثير التدخل الأمريكي البريطاني لم يكن صفريًّا فحسب، بل كان عكسيًّا وأسهم بشكل مباشر في زيادة تأثير وشدة العمليات اليمنية وتطوير أدواتها، وهو ما كان السيد القائد قد أكّـده بوضوح في أكثر من مناسبة خلال تلك المرحلة.
الهزيمة الغربية:

مع إعلان القوات المسلحة اليمنية توسيعَ نطاق العمليات إلى البحر المتوسط وتحديثَ فئات السفن المستهدَفة لتشمل تلك التابعة للشركات المتورطة في التعامل مع موانئ فلسطين المحتلّة، كان مسارُ العمليات البحرية اليمنية المساندة لغزة قد أصبح واقعًا ثابتًا يستحيلُ تجاوزه، وبدأت وسائل الإعلام الغربية نفسُها بالانتقال تدريجيًّا من الحديث عن صعوبات وقف العمليات اليمنية إلى تسليط الضوء على تفاصيل العجز الأمريكي والغربي، والذي قدمت القوات المسلحة اليمنية المزيدَ من الأدلة عليه من خلال الانتقال إلى مستويات جديدة من العمليات طالت حاملة الطائرات الأمريكية (أيزنهاور) وأجبرتها على الانسحاب، وطالت العديدَ من المدمّـرات، بالإضافة إلى إغراق سفينة (توتور) وتفخيخ السفينة (سونيون) وُصُـولًا إلى استهداف حاملة الطائرات (لينكولن).

وقد تعزَّزت هذه الأدلةُ بقائمة طويلة من الاعترافات التي أدلى العديد من كبار قادة وضباط البحرية الأمريكية ومسؤولين سابقين وحاليين، وهي اعترافاتٌ بدأت منذ وقت مبكر بالحديث عن أول استخدام للصواريخ البالستية ضد السفن في التأريخ، مُرورًا بالتأكيد على أن هذه المواجهة الأعنف التي تخوضها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، وُصُـولًا إلى التأكيد على انتصار اليمن وهزيمة الولايات المتحدة، والاعتراف بأن اليمن أصبح مرعبًا وقدراته العسكرية صادمة و"مذهلة".

واقعٌ جديد:

وما بين عملية الاستيلاء على السفينة (جالاكسي ليدر) وتصريح مسؤول مشتريات الأسلحة في البنتاغون بأن اليمن أصبح "مخيفًا"، عامٌ واحد فقط، تمكّنت فيه القوات المسلحة من حرق مراحلَ تأريخية تعجز جيوشٌ عظمى عن تجاوزها في فترات أطول، ومع استمرار الإبادة الجماعية التي يرتكبُها العدوّ الصهيوني في غزة ولبنان، فَــإنَّ الأفق لا يزال مفتوحًا لتثبيت هذا التحول الاستراتيجي الذي صنعه اليمن وترسيخ معادلات عهد جديد كليًّا على أنقاض الهيمنة الأمريكية.

أما العدوُّ الصهيوني فلا زالت وسائلُ إعلامه تؤكّـد باستمرار -وبقدر ما تسمح لها الرقابة المشدّدة- أن العمليات البحرية اليمنية التي بدأت قبل عام كامل من الآن، قد خلقت أضرارًا دائمة في اقتصاد وأمن كيان الاحتلال وبآثار تراكمية مُستمرّة تعلن عن نفسها بين كُـلّ فترة وأُخرى، من خلال ارتفاع أسعار المنتجات أَو نقصها، أَو إفلاس بعض الشركات وتزايد خسائرها، أَو ارتفاع أسعار الشحن، أَو هبوط مؤشرات الاقتصاد بشكل عام، وهو واقع كان كيان العدوّ قد حاول تجاوزه دعائيًّا من خلال استهداف ميناء الحديدة بشكل مباشر، لكنه اصطدم سريعًا بالأفق المسدود لهذا المسار، خُصُوصًا في ظل نتائج التجربة الفاضحة لشركائه الأمريكيين والبريطانيين.

 

المسيرة

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: المسلحة الیمنیة عملیة الاستیلاء القوات المسلحة الاستیلاء على جالاکسی لیدر ص ـول ا إلى من خلال ف ــإن

إقرأ أيضاً:

بلغاريا تمتنع عن تسليم مالك السفينة المرتبطة بانفجار مرفأ بيروت.. والسبب: لا ضمانات

رفضت محكمة صوفيا في بلغاريا تسليم المواطن الروسي القبرصي إيغور غريتشوشكين إلى لبنان، وهو مطلوب لكونه مالك السفينة المرتبطة بكارثة انفجار مرفأ بيروت في أغسطس عام 2020.

في حيثيات قرارها، اعتبرت المحكمة أنه "لا توجد ضمانات كافية" بأن لبنان لن يطبّق حكم الإعدام بحق غريتشوشكين في حال سُلّم للسلطات اللبنانية. كما ألغت المحكمة قرار توقيفه الاحتياطي، إلا أنّه سيبقى قائماً إلى حين صدور قرار محكمة الاستئناف في صوفيا، ويكون قرارها نهائياً.

وأوضحت محامية الدفاع إيكاترينا ديميتروفا أنّ لبنان، بحسب تقييم المحكمة، لم يقدّم أدلة كافية تضمن عدم الحكم بالإعدام أو عدم تنفيذ الحكم في حال صدوره. وأضافت أنّ الطلبات التي تلقّتها بلغاريا من لبنان تباينت في توصيفها القانوني والأفعال المنسوبة إلى غريتشوشكين، مشيرةً إلى أنّ صحة موكلها تدهورت نتيجة ارتفاع نسبة السكر في الدم ما استدعى نقله إلى المستشفى. ورجّحت ديميتروفا أن تستأنف النيابة القرار، مؤكدة استعداد فريق الدفاع للمرافعة أمام الاستئناف.

أما المدعي العام أنغيل كانيف، فشدّد على أنّ القضية "ليست سياسية"، معلناً عزمه الطعن في قرار المحكمة خلال سبعة أيام، ومعتبراً أنّ أسس التسليم قائمة. وأشار إلى أنّ وزير العدل اللبناني، إضافة إلى المحكمة العليا والمدعي العام، قدّموا جميع الضمانات المطلوبة، قائلاً: "بما أن الضمانات صدرت عن جهة رسمية بهذا المستوى.. أعتقد أن شروط التسليم قائمة".

أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت يحملون صور أحبّتهم وتوابيت رمزية خلال إحياء الذكرى الثانية للانفجار أمام المرفأ، في 4 آب 2022. Hassan Ammar/ AP تفاصيل التوقيف ومسار الملاحقة

كان غريتشوشكين قد أُوقف في 5 سبتمبر لدى وصوله إلى مطار صوفيا بعد هبوطه على متن رحلة آتية من بافوس في قبرص، وقال لمسؤولي الحدود إنه وصل كسائح. وخلال الفحص الروتيني، ظهر اسمه عبر مذكرة حمراء من الإنتربول كونه مطلوباً دولياً. ولم تُفصح وزارة الداخلية البلغارية عن توقيفه طوال عشرة أيام.

ويطالب لبنان بتسليم غريتشوشكين على خلفية مسؤوليته المفترضة عن الشحنة التي تسببت بانفجار مرفأ بيروت الذي أدى إلى مقتل أكثر من 220 شخصاً، وإصابة ما يزيد على 6500، وتدمير أجزاء واسعة من العاصمة اللبنانية، مسجلاً خسائر بمليارات الدولارات.

واتهم القبطان السابق للسفينة، بوريس بروكوشيف، مالكها بالتخلي عن السفينة وعن طاقمها، فيما صدرت عام 2020 مذكرات توقيف عبر الإنتربول بحق غريتشوشكين وبروكوشيف.

غبارٌ يتصاعد من صوامع الحبوب المنهارة التي تضررت في انفجار مرفأ بيروت عام 2020، في 4 آب 2022. Hussein Malla/AP Related بعد 5 سنوات على الكارثة..بلغاريا توقف مالك السفينة التي حملت "نترات الامونيوم" الى مرفأ بيروت انفجار مرفأ بيروت في ذكراه الخامسة: هل اقتربت لحظة الحقيقة؟محكمة بلغارية تُرجئ النظر في تسليم لبنان مالك السفينة المرتبطة بانفجار مرفأ بيروت السفينة "روسوس" ومسار التحقيق

كانت "روسوس"، التي أبحرت تحت العلم المولدوفي، محمّلة بنحو 3000 طن من نترات الأمونيوم عندما غادرت ميناء باتومي في جورجيا متجهة إلى موزمبيق قبل سنوات من الانفجار.

وفي عام 2013، رست في مرفأ بيروت بسبب "مشاكل تقنية" وبسبب دعوى قضائية رفعتها شركة لبنانية ضد أصحابها، ما أدى إلى بقائها في المرفأ. وقامت سلطات المرفأ لاحقاً بنقل شحنة نترات الأمونيوم إلى مستودع، حيث بقيت حتى وقوع الانفجار في أغسطس 2020.

أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت ونشطاء يرفعون لافتات خلال احتجاج قرب البرلمان أثناء جلسة انتخاب الرئيس، في 19 يناير 2023. Bilal Hussein/AP

وبعد الكارثة، أوقِف أكثر من 25 مشتبهاً به، معظمهم من موظفي المرفأ والجمارك اللبنانية، ولكن لم يدان أي مسؤول لبناني حتى اليوم، رغم مرور خمس سنوات على الانفجار الذي فجّر احتجاجات واسعة في لبنان وأغرق التحقيق في متاهات سياسية وقضائية.

وشملت الشخصيات التي تم استجوابها في إطار القضية رئيس الوزراء اللبناني السابق حسان دياب إضافة إلى مسؤولين أمنيين وعسكريين. ويستمر التحقيق اللبناني في البحث عن أسباب الانفجار وإمكان وجود إهمال أو تقصير من قبل كبار المسؤولين، فيما تُحمّل عائلات الضحايا التدخلات السياسية مسؤولية عرقلة الوصول إلى الحقيقة.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • «سامسونج» تطلق «جالاكسي زد تراي فولد»
  • رفع منع السفر عن القاضي البيطار يمهّد للتحقيق مع مالك السفينة البلغارية
  • البحر الأحمر يكشف المستور.. لماذا شيطن الغرب العمليات اليمنية المساندة لغزة؟
  • رويترز: الولايات المتحدة تستعد لاعتراض السفن التي تنقل النفط الفنزويلي
  • خالد الجندي يوضح حكمة الله في أمر نوح ببناء السفينة
  • بلومبيرغ: نقص ناقلات النفط في العالم يتفاقم
  • ارتفاع وتيرة العمليات النوعية التي تنفذها أوكرانيا ضد روسيا
  • بلغاريا ترفض تسليم لبنان مالك السفينة انفجار المرفأ
  • بلغاريا تمتنع عن تسليم مالك السفينة المرتبطة بانفجار مرفأ بيروت.. والسبب: لا ضمانات
  • ما جديد مالك السفينة المرتبطة بانفجار مرفأ بيروت؟