قلنا فى الأسبوع الماضى، إن ذكرى عيد الجهاد قد تركت لنا دروسًا لا يمكنُ أن تُنسى أو تُمحى أبد الدهر، مثل ظهور فكرة الوطنية المصرية الجامعة، وأن الوفد فكرة غير قابلة للتكرار ولايمكن أن تنجح محاولات استنساخها، وأن ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول نجحت فى تصحيح أخطاء الثورات السابقة، وأنها حققت إنجازًا كبيرًا للمرأة المصرية التى خرجت من حصارها إلى المجتمع الرحب تعمل وتنتج وتناقش وتشارك وتثور، واخيرًا عرفنا أن سعدًا كان زعيمًا لا يتكرر، فقد انحاز للشعب فانحاز الشعب له.
ولكن من ضمن عبقريات هذه المرحلة، هو تجاوزها لكل معوقات الاتصال ونجاحها فى الوصول لكل المصريين بسهولة منقطعة النظير.
قطعًا.. تستطيع أنت الآن خلال جلوسك فى منزلك، أن تقرأ معلومات كثيرة عن أسباب انطلاق ثورة 1919، سوف تعرف تفاصيل دقيقة اجتهد غيرك فى الحصول عليها من خلال الوثائق التى تسجل يوميات الثورة، من خلال مستندات أو كتب راقب أصحابها الأحداث عن كثب، وكانوا شهود عيان على الثورة الأم، وبروز اسم زعيمها الأول سعد زغلول، الذى دارت حوله الأساطير فى زمن لم يعرف وسائل الاتصال الحالية، ولم يعرف سرعة التواصل مع الجماهير عبر الإنترنت أو التليفزيون أو حتى الإذاعة التى لم تظهر إلا بعد اندلاع الثورة بسنوات!
كان الوقت الذى ظهر فيه سعد، وقتًا يبحث فيه الناس عن زعيم يخلصهم من الاحتلال، وقائد يثقون فيه ولا يندمون على أتباعه، فكان سعد الذى هزم كل وسائل الاتصال، فلم تكن جماهيره تمتلك هاتفًا محمولًا، ولم تعرف سوى نقل المعلومة بطريق مباشر من شخص إلى آخر، وكانت الصحف المطبوعة هى أقصى قدرات عالم الاتصالات فى بلد كانت الأمية تسيطر على نسبة كبيرة من أبنائه، فكان المتعلمون ينقلون المعلومة بأنفسهم لمن هم دون القدرة على القراءة، ورغم ذلك تمكن سعد زغلول من صنع أسطورة لا تتكرر بسهولة، ومن ضمن الأساطير التى اقترنت باسم سعد، ما قيل حول تأكيده عدم جدوى مقاومة الاحتلال، وهى قصة غير حقيقية، روجها الإنجليز وأعداء الثورة، للنيل من سعد وثورته، وحزبه! فقد كان الاحتلال يعلم أن أى كلمة تخرج من فم سعد.. يصدقها الناس.. فاستغلوا جملة قالها وقاموا بترويجها لنشر الإحباط بين الناس!!
إذن ما هى القصة الحقيقية لانطلاق هذه المقولة؟ الحقيقة أن سعد زغلول لم يكن رجلًا يائسًا بل كان مناضلًا لا يتوقف عن الكفاح من أجل وطنه وحريته ولذلك لا نجد صحة المقولة التى يرددها المصريون على لسانه عندما قال «مفيش فايدة» فهى دعوة لليأس لم يطلقها سعد من أجل العمل الوطنى ولكنه كان يقصد أن حياته انتهت بعدما سيطر عليه المرض، فقد اشتد عليه وبات على يقين بأنه هالك لا محالة فقال لزوجته صفية زغلول وهى تحاول إعطاءه الدواء، مفيش فايدة، وتناقلها المصريون على أنه يعنى أن الإنجليز لن يخرجوا من مصر، فقد كانت مقولة سعد يتم تداولها بسرعة البرق وساعد الإنجليز على تدعيم فكرة نشر المعنى السلبى للمقولة ولكن سعد لم يكن يقصد إلا نفسه وقد مات فعلًا بعدها بأيام ليبقى رمزًا وطنيًا علم الناس معنى الثورة حتى أنه أصبح نموذجًا للثائر المصرى الذى لا تموت ذكراه مع جسده، بل ظل علامة فى التاريخ والوجدان والذاكرة المصرية.
كان سعد أستاذا للثورة بمفهومها الواسع، ثورة ضد الظلم، وضد الفقر، وفى مواجهة الجهل، باقتصاد قوى ومؤسسات علمية راسخة وحريات لا تتوقف إلا عندما تصطدم بحقوق الآخرين، وكان يهدف من وراء الثورة عملًا ومستقبلًا لا يهتز، وتماسكًا وطنيًا لا يصاب بشرخ، ويدًا تبنى لا تهتز، فهو أستاذ الثورة وعلمها ونموذجها الأكثر شهرة وبقاءً فى وطن عرف الثورة بعده بما يقرب من مائة عام!
سعد زغلول، قيادة نادرة، تمكن من تعليم الشباب كيف يثورون على الظلم والطغيان، وكيف يقولون للسلطان الذى أصبح ملكًا، ويقولون للاحتلال الذى استغل موارد البلاد، نحن أصحاب البلد، أو كما قال لهم يومًا: «إنكم أنبل الوارثين لأقدم مدنية فى العالم وقد حلفتم أن تعيشوا أحرارًا أو تموتوا كرامًا»، كان يقوم بتدريس الحرية فى كل كلمة، فكان أستاذًا لمنهج جديد يدق باب الوطن اسمه «الليبرالية» فكان نتاج هذه المرحلة ظهور قيادات تاريخية فى الاقتصاد فكانت شخصية أحمد عبود باشا وطلعت حرب الاقتصادى العظيم، وقيادات تاريخية فى الفن مثل سيد درويش ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم ونجيب الريحانى، وأسماء لا تنُسى فى السياسة والأدب والعلوم!
لابد أن تقرأ تاريخ الوفد لتعرف أنه تأسس على يد زعيم عظيم، وأن زعيمه عرفه الناس بوسائل اتصال بدائية، واستمر لمدة مائة عام قائمًا ومستمرًا وثابتًا لأنه حفر اسمه فى كتب التاريخ، ولذلك سيبقى -بأبنائه المؤمنين بأفكاره المتشبعين بمبادئه- حزبًا معبرًا عن أمة تستحق أن تعيش وبلدًا يجب أن يكون فى المقدمة!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نور سعد زغلول ثورة 1919 سعد زغلول
إقرأ أيضاً:
قمة شرم الشيخ.. ترامب يحول السياسة إلى عرض ستاند أب كوميدى عالمي
جمال ميلونى يخطف الانظار.. وستارمر محرج.. وسلام استعراضى مع ماكرون
فى قمة كان ييفترض أن تسجل فى التاريخ كمنعطف سياسى يفتح أبواب الأمل لسلام الشرق الأوسط، تحولت أجواء شرم الشيخ إلى ما يشبه مسرحا مفتوحا للكوميديا السياسية بطلُه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. الرجل الذى لا يعرف البروتوكول طريقا دخل القاعة ومعه حقيبة كاملة من المواقف الساخرة والمحرجة والطريفة، لتتحول الجلسات من نقاشات جادة إلى عرض حى يختلط فيه الضحك بالدهشة والحرج.
منذ اللحظة الأولى، خطف ترامب الكاميرات بلقطة عفوية مع الرئيس عبد الفتاح السيسى. فقد مد السيسى يده لمصافحته، لكن ترامب كان منشغلا بالتصوير والعدسات، ثم جلس على الكرسى خلفه من دون أن ينتبه لليد الممدودة. وبعد دقائق، حاول ترامب مصافحة السيسى بينما كانا جالسين متجاورين، لكن السيسى هذه المرة هو من لم ينتبه، قبل أن يدرك الموقف بسرعة ويبتسم وهو يرد التحية. المشهد، الذى امتلأ بالحرج والضحك معا، كان افتتاحية العرض الكوميدى الذى سيستمر حتى نهاية القمة.
ولم يترك ترامب مؤتمر التوقيع على وقف إطلاق النار يمر من دون بصمته المعتادة. ففى لحظة وصفت بأنها «خارج النص»، وجّه مزحة لرئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلونى قائلا: «فى أمريكا لا يمكنك أن تقول إنها جميلة، لأن هذا قد ينهى مستقبلك السياسى، لكنها بالفعل سيدة جميلة». العبارة سرعان ما تصدرت العناوين، واشتعلت بها وسائل الإعلام، لتضيف لمسة جديدة من الجدل وسط أجواء يُفترض أنها رسمية.
المفاجآت لم تتوقف. فعندما وقف أمام القادة متسائلا يصوت مرتفع: «أين المملكة المتحدة؟ أين أصدقاؤنا؟»، وجد رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر نفسه مضطرا لرفع يده وسط الزحام ليشير إلى مكانه. دعاه ترامب للتقدم نحوه، ثم سأله بابتسامة: «هل كل شيء على ما يرام؟ من الجيد أنك هنا». لكن ما بدا كلمسة ودية تحول إلى موقف محرج، بعدما تجاهله ترامب فجأة وعاد لمتابعة خطابه، تاركا ستارمر واقفا فى العراء قبل أن يعود لمكانه مرتبكا.
وبينما ضحك الحضور من هذه المفارقات، تكررت عادة ترامب الشهيرة فى المصافحة، وهذه المرة مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون. فقد أمسك ترامب بيد ماكرون لفترة أطول من اللازم، ثم ضغط عليها بقوة أمام عدسات الكاميرات، بينما بدا على الرئيس الفرنسى مزيج من الاستغراب والانزعاج. وكأن ترامب يبعث رسالة مفادها أن حتى المصافحة معه لا تخلو من استعراض للقوة.
أما الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس دولة الإمارات، فقد كان بطل اللحظة التالية من الكوميديا الترامبية. خلال التقاط صورة جماعية، أشار ترامب إليه ضاحكا وهو يقول: «كثير جدا من النقود.. نقود بلا حدود لا تنتهي!» لتعلو الضحكات من حولهما، ويرد الشيخ منصور بابتسامة ودية، لكن الجملة ظلت عالقة كواحدة من أكثر اللحظات إثارة للجدل فى القمة.
وفى زاوية أخرى، رصدت الكاميرات حوار جانبيا طريفا جمع ترامب بالرئيس الإندونيسى برابوو سوبيانتو. التقطت الميكروفونات صوت سوبيانتو وهو يقول مبتسما «هل يمكن أن أقابل إريك؟» فى إشارة إلى نجل ترامب. فرد الرئيس الأمريكى ضاحكا: «سأطلب من إريك الاتصال بك.. إنه شاب طيب». ثم تبادل الاثنان جملة متكررة بشكل كوميدي: «سوف تبحث عن مكان أفضل»، «سأطلب من إريك الاتصال بك». الميكروفون التقط كل شيء، وسرعان ما تحولت الدردشة العفوية إلى مادة دسمة لوسائل الإعلام التى وصفتها بأنها «لحظة محرجة بطابع هزلي».
ولم يسلم رئيس وزراء كندا مارك كارنى من نكات ترامب. ففى أثناء حديث جانبى بعد إعلان وقف إطلاق النار، ناداه ترامب بلقب «سيادة الرئيس». فابتسم كارنى وقال مازحا: «سعيد أنك رقيتنى إلى منصب الرئيس». ليجيب ترامب بسرعة: «على الأقل لم أقل الملك!» لتنفجر الضحكات فى القاعة. لكن السخرية لم تتوقف عند هذا الحد، إذ توجه ترامب لاحقا إلى ذكر جاستن ترودو، الذى ترك منصبه قبل شهور، ساخرًا من مواقفه القديمة معه، وهو ما أشعل موجة من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعى.
ولعل أكثر المواقف تداولًا على الإنترنت كانت اللقطة التى جمعت بين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ورئيسة الوزراء الإيطالية ميلونى، حين صافحها بحرارة قائلًا: «رأيتك وأنت تنزلين من الطائرة. كنت تبدين رائعة، لكن عليك أن تتوقفى عن التدخين». العبارة بدت ودية لكنها فتحت الباب لسيل من التعليقات الساخرة، خاصة أنها جاءت بعد دقائق من تعليق ترامب عن جمال ميلونى.