تقرير حقوقي: أكثر من 55 فنانا قتلوا منذ بدء الحرب في السودان
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
قتل أكثر من 55 فنانا في السودان منذ اندلاع الصراع منتصف أبريل/نيسان 2023، من بينهم فنانون لقوا حتفهم نتيجة القتل خارج نطاق القضاء أو بسبب الحرمان من الرعاية الصحية أو التعذيب أثناء الاحتجاز، وفق تقرير صادر عن المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام ومركز أبحاث الموسيقى السوداني.
ويوثق التقرير الصادر أمس الأربعاء بعنوان "دموع القيثارات وصراخ المتاحف" الضوء على الانتهاكات التي تعرض لها الفنانون من خلال شهادات ميدانية ومقابلات مع عائلات الضحايا وتحليلات مفتوحة المصدر وصور الأقمار الصناعية.
ومن بين الوفيات الموثقة وفاة الشاعرة والمغنية والناشطة "شادن حسين"، المعروفة باسم "شادن غردود"، والتي اشتهرت بدفاعها عن حقوق الإنسان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد قُتلت في 13 مايو/أيار 2023، وكانت قبل يوم واحد فقط من وفاتها، تنشر رسائل تدعو إلى السلام وتوثق فظائع الحرب.
في البداية، أُعتقد أنها ماتت في حادث قصف، في حين يكشف التقرير غير ذلك، وأنها استُهدفت من قبل قناص أثناء جلوسها على سطح منزلها في "الأبيض"، عاصمة شمال كردفان، مع ابنها وأفراد آخرين من الأسرة.
كما جاء في التقرير أنه "بينما سعى رفاقها للحصول على سيارة أحد الجيران لنقلها إلى المستشفى، أُطلقت 3 رصاصات إضافية في محيطهم. وأُعيقت مسيرتهم بشكل أكبر عند نقطة تفتيش تابعة للقوات المسلحة السودانية، مما أدى إلى تأخير كبير".
ومن الفنانين الآخرين الذين وردت أسماؤهم في التقرير المغني والملحن حمدان أزرق، الذي قُتل في تفجير في أم درمان، وآسيا عبد المجيد، أول ممثلة مسرحية سودانية، والتي توفيت بنيران عشوائية في الخرطوم "بحري".
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 10 ملايين سوداني أجبروا على ترك منازلهم بسبب الحرب، بينهم مليونا شخص أصبحوا لاجئين، وأكثر من 25 مليونا يعانون من الجوع الشديد، وفقا لتقارير المنظمات الدولية.
الانتهاكات المركبةوفي حين قُتل بعض الفنانين بشكل مباشر نتيجة لإطلاق النار والقصف، لقي آخرون حتفهم في وقت غير مناسب، بسبب حرمانهم من الرعاية الصحية، مثل عازف لوحة المفاتيح إبراهيم ميكو والملحن بشير عبد المجيد، اللذين توفيا متأثرين بإصابات لا يمكن علاجها بسبب انهيار الخدمات الطبية.
وتوفي آخرون تحت التعذيب والاعتقال التعسفي، مثل عازف الإيقاع كامل حسن، الذي "استسلم لإصابات التعذيب" في سجن سوبا بالخرطوم في 30 أغسطس/آب من هذا العام، بعد اعتقاله من قبل قوات الدعم السريع في مايو/أيار 2023.
وعجزت القوى السياسية في السودان بمختلف توجهاتها، لمدة أكثر من عام بعد اندلاع الحرب منتصف أبريل/نيسان 2023، عن الجلوس تحت سقف واحد لمناقشة الأزمة في البلاد. وتنامى الاستقطاب، واصطفت فصائل سياسية في مساندة الجيش، في وقت وقعت فيه أخرى مذكرة تفاهم مع قوات الدعم السريع عدّها خصومها تحالفا.
التراث الثقافييمتد تأثير الصراع إلى ما هو أبعد من الأرواح البشرية إلى التراث الثقافي للسودان. ويدين التقرير الهجمات على المواقع الثقافية والتاريخية باعتبارها محاولات متعمدة لمحو تراث السودان.
ووفقا لتقرير المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، تعرض المتحف الوطني السوداني للنهب، مع تداول مقاطع فيديو لقوات الدعم السريع داخل المبنى. كما ورد أن متحف التاريخ الطبيعي في الخرطوم دُمر أيضا بالقصف، مما أدى إلى فقدان عينات لا يمكن تعويضها. وتعرض متحف بيت الخليفة في أم درمان لأضرار، كما تعرضت المسارح الوطنية للقصف أو أعيد استخدامها كقواعد عسكرية.
وأفاد راديو دبنقا في مايو/أيار أن القصر الجمهوري القديم في الخرطوم تعرض لضربة جوية للجيش السوداني، مما أدى إلى اشتعال أجزاء منه. وكان القصر قد تعرض لأضرار في غارات جوية في مايو/أيار 2023 ومرة أخرى في أغسطس/آب 2023. وسقط تحت سيطرة قوات الدعم السريع في بداية الحرب في أبريل/نيسان 2023.
وفي ولاية نهر النيل، أثار القتال بالقرب من المواقع الأثرية في مروي شمال البلاد، ولقطات لجنود قوات الدعم السريع في الموقع، مخاوف بشأن موقع التراث العالمي لليونسكو. وكتب المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام: "نظرا لوصول قوة عسكرية لاحقا ووجود ألغام أرضية في المنطقة، فإن الوضع الحالي لهذه الآثار وأي أضرار محتملة قد تكون لحقت بها يظل أمرا غير مؤكد".
وامتدت الحرب إلى ذاكرة البلد الثقافية التي ظلت شاهدة على حقبها التاريخية المتعاقبة، حيث أدت المعارك المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي إلى تضرر وتدمير عدد من المباني الحكومية، من معالم تاريخية وأثرية وثقافية.
فنانون منقسمونيشيد التقرير بالفنانين الذين اتخذوا موقفا حازما ضد الحرب. ويشير التقرير إلى فنانين مثل أبوعركي البخيت، ونانسي عجاج، ويوسف الموصلي، الذين استخدموا فنهم لإدانة العنف ونشر رسائل الوحدة.
ولكن التقرير يأسف، لأن فنانين آخرين "وقعوا في فخ الاستقطاب"، مستخدمين فنهم لدعم الفصائل المتحاربة. ويشير التقرير إلى ندى الجلاء وكامل سليمان كأمثلة على الفنانين الذين أنتجوا أعمالا لصالح القوات المسلحة السودانية، في حين أصدر فنانون مثل إبراهيم إدريس أغاني تؤيد قوات الدعم السريع.
ويختتم المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام تقريره بحث المجتمع الدولي على إعطاء الأولوية لحماية الفنانين والتراث الثقافي. ويدعو إلى اتخاذ تدابير أقوى لحماية حرية التعبير، ودعم المبادرات التي تركز على السلام، والحفاظ على الهوية التاريخية للبلاد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع أبریل نیسان مایو أیار
إقرأ أيضاً:
زوبعة الحكومة الموازية في السودان
يمكن لأي جماعةٍ أن تعلن تشكيل حكومة على الورق أو في الفضاء الرقمي، لكن هذا لا يعطيها شرعيةً أو وجوداً حقيقياً. فأي حكومة لا تملك السيطرة على أرضٍ ذات سيادة، ولا تمثل إرادة شعبية واسعة، ولا تحظى باعتراف دولي، تعد حكومة وهمية، أو في حالات أخرى محاولة لكسب نقاط تفاوضية، أو لمنازعة السلطة القائمة والمعترف بها في المحافل الدولية.
الحكومة «الموازية» التي أعلنتها «قوات الدعم السريع» وحلفاؤها في منصة «تأسيس» هي مزيج من كل ذلك، وهي محاولة لفرض واقع جديد بعدما فشل مشروع السيطرة على الدولة السودانية بالكامل بعد اندلاع حرب 15 أبريل (نيسان) 2023، والهزائم التي أخرجت «الدعم السريع» من الأراضي التي تمددت فيها، وحصرت سيطرتها في أجزاء من إقليم كردفان ومساحات من دارفور. لكن هذه المحاولة ليست مرشحةً للفشل فحسب، بل قد تنقلب وبالاً على «الدعم السريع» وحلفائها.
الخطوة قُوبلت بإدانة واسعة من كثير من الدول، ومن المنظمات الإقليمية، ومن الأمم المتحدة، وكلها اتفقت على عدم مشروعية هذه «الحكومة»، محذرةً من أنها قد تمس بوحدة البلاد ولا تعبر عن إرادة الشعب السوداني. بل إن الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية وجّها دعوة للدول لعدم الاعتراف بها، مع التأكيد على دعم وحدة السودان وسيادته وأمنه، والتشديد على التعامل مع السلطة القائمة والمعترف بها.
داخلياً فجّرت الخطوة نقمة وخلافات في أوساط «قوات الدعم السريع» التي بدأت تشهد في الأشهر الأخيرة تصدعاً خرج إلى العلن بسبب صراعات النفوذ، والتوترات القبلية، والشكاوى من وجود تمييز وعنصرية من مكونات على حساب أخرى، مع انفلات أمني في مناطق سيطرتها أدى إلى مواجهات مسلحة مرات عدة.
ومع إعلان الحكومة أعلن عدد من مستشاري «الدعم السريع» انشقاقهم احتجاجاً، بينما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو لمقاتليها الساخطين على تشكيلة الحكومة والمجلس الرئاسي لـ«تأسيس». في هذه المقاطع هاجم المجندون قياداتهم وأعلنوا رفضهم لما وصفوه بالتهميش لهم ولقبائلهم، وطالبوا بحصتهم في قسمة السلطة على أساس أنهم من حمل السلاح وقاتل وفقد أعداداً كبيرةً من الشباب، ولكن لم يتم تمثيلهم في حين ذهبت المناصب لأصحاب «البدلات» من المدنيين الذين لم يشاركوا في القتال.
وبينما شن المحتجون في «الدعم السريع» هجوماً شديداً على عبد العزيز الحلو، رئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، الذي حصل على منصب نائب رئيس المجلس الرئاسي وحصة 30 في المائة من المناصب الأخرى، فإن الرجل قُوبل أيضاً بموجة من السخرية من ناشطين في مناطق سيطرته في جبال النوبة لقبوله أن يكون نائباً لمحمد حمدان دقلو (حميدتي)، متسائلين ما إذا كانت «الحركة الشعبية» قاتلت من أجل المناصب على حساب شعارات التهميش ورفع المظالم.
الواقع أن تحرك «قوات الدعم السريع» ومجموعة «تأسيس» لإعلان حكومة لا يعكس قوة، بقدر ما يظهر يأسها من قلب الموازين العسكرية مجدداً، ويزيد من تصدعاتها. فهذه الحكومة سيصعب عليها الوجود على الأرض في ظل الهجمات التي يشنها الجيش السوداني في دارفور وكردفان، بعدما انتقلت المعارك غرباً، وسط مؤشرات على أن الجيش يستعد لشن هجمات كبرى منسقة على غرار ما حدث في الجزيرة والخرطوم. وعلى الرغم من الصخب الإعلامي عن أن إعلان الحكومة كان من نيالا، فالحقيقة أن اجتماعات ترتيب خطواتها وتشكيل المجلس الرئاسي كانت في كينيا، وفقاً لبيان الخارجية السودانية.
لا أمل للحكومة الموازية في تغيير الموازين التي لم تعد تسير لصالح الدعم السريع
«قوات الدعم السريع» قد تكون مسيطرة حالياً على أجزاء كبيرة من دارفور وبعض المواقع في كردفان، لكنها لا تمثل بأي حال أغلبية السكان هناك، ولا تحظى بتأييد مكونات ومجموعات مقدرة، لا سيما بعد الانتهاكات الواسعة وجرائم الإبادة التي ارتكبتها. وحتى داخل مكونها القبلي فإنها تواجه عداء شخصيات نافذة مثل الشيخ موسى هلال رئيس «مجلس الصحوة الثوري» الذي انتقد تشكيل الحكومة الموازية، وشن هجوماً عنيفاً على حميدتي وشقيقه عبد الرحيم، وسخر من فكرة أن يحكما السودان.
المفارقة أنه مع إعلان هذه الحكومة أعلنوا أيضاً تعيين ولاة لأقاليم السودان في الوسط والشمال والشرق والنيل الأزرق والخرطوم، وهي المناطق التي كان أهلها يحتفلون بانتصارات الجيش والقوات التي تقاتل في صفوفه، وإخراجه «قوات الدعم السريع» منها. هذه التعيينات تضيف بلا شك إلى عبثية المشهد، لسببين؛ الأول أنه لا أمل لهؤلاء «الولاة» في تسلم سلطة فعلية على هذه المناطق، ولا معطيات حقيقية بإمكانية عودة «الدعم السريع» للسيطرة عليها، والثاني أنه حتى عندما كانت قواتها تسيطر عليها سابقاً فإن الإدارات المدنية التي شكلتها فيها لم تكن سوى مسميات وهمية لا وجود حقيقياً لها، ولا إنجازات.
الحقيقة أنه على الرغم من الفورة الإعلامية التي رافقت إعلانها، فإنه لا أمل للحكومة الموازية في تغيير الموازين التي لم تعد تسير لصالح الدعم السريع ناهيك عن أن تصبح حكومة بديلة تحكم السودان كله.
الشرق الأوسط