مررت الحكومة الألمانية مشروع قانون مثيرا للجدل، الأربعاء، لتقنين زراعة الماريغوانا واستخدامها لأغراض ترفيهية في أحد أكثر القوانين المتعلقة بالقنب تحررا في أوروبا.

ومن المحتمل أن تزيد خطوة برلين الزخم لتوجه عالمي مماثل.

وسيسمح التشريع، الذي يجب أن يمرره البرلمان الألماني، للراشدين بحيازة ما يصل إلى 25 غراما من المخدر أو زراعة 3 نبتات بحد أقصى أو الحصول عليه كأعضاء في نوادي الماريغوانا غير الهادفة للربح، وفق "رويترز".

مسوغات القانون

وتأمل حكومة المستشار أولاف شولتس المنتمية إلى يسار الوسط في أن يتمكن القانون من كبح السوق السوداء وحماية المستهلكين من الماريغوانا الملوثة والحد من الجرائم المتعلقة بالمخدرات.

 وقال وزير الصحة كارل لاوترباخ من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي ينتمي إليه شولتس، إن إحدى الركائز الأساسية للخطة التي تزيل المحظورات على تعاطي القنب هي حملة لرفع الوعي بالمخاطر للحد من استهلاك الماريغوانا في نهاية المطاف.

وأضاف أن هذه الحملة لم تكن لتحظى بمستوى الاهتمام نفسه إذا ما أُطلقت من دون تعديل القانون.

وذكر لاوترباخ في مؤتمر صحفي في برلين للإعلان عن مشروع القانون: "بالإجراءات الحالية، لا يمكننا حماية الأطفال والشبان بصورة جادة، فقد صارت المسألة من المحظورات الاجتماعية".

وأردف: "لدينا استهلاك متزايد ومثير للقلق، لم يكن بوسعنا السماح بكل بساطة باستمرار هذا. لذا فهذه نقطة تحول مهمة في سياستنا المتعلقة بالمخدر".

المصدر: سكاي نيوز عربية

كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات برلين أولاف شولتس المخدرات منوعات أخبار ألمانيا برلين أولاف شولتس المخدرات أخبار ألمانيا

إقرأ أيضاً:

4 خروقات تفضح إسرائيل في حربها مع إيران

لم تكن الضربات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران في يونيو/ حزيران 2025 مجرّد تصعيد تقليدي في صراع إقليمي مزمن، بل مثّلت تحوّلًا نوعيًا في مسار العلاقات العدائية بين الطرفين، وحملت في طياتها تساؤلات حادّة حول مدى احترام قواعد القانون الدولي العام والإنساني.

 فللمرة الأولى منذ عقود، يستهدف طرفٌ في نزاع منشآت نووية خاضعة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في خطوة تضع المجتمع الدولي أمام اختبار غير مسبوق: هل يمكن تبرير استخدام القوّة ضد منشآت مدنية ذات طبيعة إستراتيجية؟ وهل يسمح القانون الدولي بما يُسمّى "الضربة الوقائية" في ظل غياب خطر وشيك؟

في هذا السياق، يقدّم هذا المقال قراءة قانونية تحليلية لمسار الحرب بين إسرائيل وإيران، انطلاقًا من القاعدة القانونية العامة المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، مرورًا بتقييم موقفي الطرفين استنادًا إلى مبادئ "الضرورة" و"التناسب"، وصولًا إلى مساءلة موقف الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية، ومدى التزامها بحماية النظام الدولي من التفكك تحت وطأة ازدواجية المعايير.

أولًا: الخلفية والقاعدة القانونية العامة

يحكم ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوّة بين الدول، وبشكل خاص تنص المادة 2 (4) منه على حظر التهديد أو استخدام القوّة في العلاقات الدولية. كما تنص المادة 51 على أن من حق الدول استخدام القوّة دفاعًا عن النفس، فقط في حال وقوع "هجوم مسلّح"، شريطة احترام معايير الضرورة والتناسب، مع إبلاغ مجلس الأمن فورًا بالإجراءات المتخذة.

وبناءً عليه، فإن أي عمل عسكري لا يستوفي هذه الشروط ولا يصدر بموجبه تفويض صريح من مجلس الأمن يُعدّ غير مشروع في القانون الدولي.

يُميّز الفقه القانوني بين حالتين مختلفتين من اللجوء إلى القوّة:

الدفاع الاستباقي المشروع، وهو ما يُجيز الردّ العسكري على خطر وشيك وفوري لا يمكن تفاديه إلا باستخدام القوّة الفورية. يشترط في هذه الحالة أن يكون التهديد مؤكدًا، وأن يكون الردّ ضروريًا ولا بديل عنه. الحرب الوقائية، وهي التي تُشنّ ضد تهديد محتمل أو مفترض لم يحن أوانه بعد. هذه الحرب تُعدّ محظورة دوليًا لأنها تقوم على تخمينات مستقبلية لا ترقى إلى مستوى الخطر الوشيك. وقد رفضت الأمم المتحدة وغالبية الفقهاء هذا النمط من الحروب، خاصة بعد تبنّيها في "عقيدة بوش" عام 2003. إعلان

ويُعدّ المعيار التاريخي لقضية كارولاين مرجعًا في هذا السياق، إذ نصّ على أنه لا يجوز استخدام القوّة إلا عندما يكون الخطر: وشيكًا وفوريًا، لا يترك مجالًا لاختيار بديل، ولا يسمح بتأخير الردّ.

ثانيًا: تقييم موقف إسرائيل

فجر 13 يونيو/ حزيران 2025، شنّت إسرائيل عملية جوية واسعة النطاق حملت اسم "الأسد الصاعد"، استهدفت خلالها عشرات المواقع داخل الأراضي الإيرانية، من بينها منشآت نووية ومنصات صاروخية، بالإضافة إلى مراكز قيادة وأبحاث عسكرية. وأسفرت الضربات عن مقتل عدد من كبار الضباط في الحرس الثوري الإيراني، إلى جانب علماء نوويين بارزين.

برّرت تل أبيب هذه العملية باعتبارها "هجومًا وقائيًا" يهدف إلى إحباط تهديد وشيك من إيران، يتمثل في هجوم مرتقب بواسطة صواريخ باليستية وطائرات مُسيّرة كانت إيران – بحسب الرواية الإسرائيلية – بصدد إطلاقها عبر شبكة من الحلفاء في المنطقة.

وقد ربطت الحكومة الإسرائيلية هذا التهديد بالبرنامج النووي الإيراني، الذي اعتبرته يشكّل "خطرًا وجوديًا مباشرًا" على أمن إسرائيل. وادّعت أن طهران بلغت في الأشهر الأخيرة مراحل متقدمة في تخصيب اليورانيوم تقترب من إنتاج سلاح نووي، وأنها في الوقت نفسه تُعدّ لهجوم عسكري متعدد الجبهات قد يشمل لبنان وسوريا وغزة.

من هذا المنطلق، رأت إسرائيل أن ضرباتها جاءت في إطار "الضرورة الإستراتيجية" لمنع تعاظم التهديد الإيراني قبل تحوّله إلى واقع عملي يصعب احتواؤه لاحقًا.

المآخذ القانونية على العمليات العسكرية الإسرائيلية: معيار الخطر الوشيك:

يُعدّ معيار "الوشيك" في العرف الدولي من أكثر المعايير صرامة فيما يتعلق بشرعية اللجوء إلى القوة. فلا يُعدّ التهديد المسوَّغ لضربة استباقية مشروعًا، إلا إذا كان الهجوم المعادي على وشْك الوقوع فعلًا، ولم يتبقَّ أمام الدولة المستهدفة أي خيار واقعي لمنعه سوى استخدام القوة فورًا.

وفي الحالة الراهنة، شكّك عدد كبير من الخبراء والباحثين القانونيين في كفاية الأدلة التي قدّمتها إسرائيل لتبرير ضربتها لإيران، إذ لم تُثبت أن هجومًا إيرانيًا كان وشيك الوقوع ولا يمكن تداركه بوسائل دبلوماسية أو عبر اللجوء إلى مجلس الأمن. كما أن إسرائيل لم تُفصح علنًا عن أي معلومات محددة تُظهر أن إيران كانت على وشك تنفيذ ضربة صاروخية أو باستخدام المسيّرات.

واكتفت إسرائيل بالحديث عن تطورات مقلقة في البرنامج النووي الإيراني وتصريحات عدائية متكررة، دون أن تبيّن خطرًا وشيكًا ومحدّدًا.

لذلك، يرجّح معظم الفقهاء أن ما جرى هو ضربة وقائية تهدف إلى تحييد قدرات عدو محتمل في المستقبل، وهو ما يُخالف المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تُجيز استخدام القوة فقط في حال وقوع هجوم مسلّح فعلي أو وشيك لا لبس فيه.

شرط التناسب:

يفرض القانون الدولي، ضمن مبدأ الدفاع الشرعي، أن يقتصر أي ردّ مسلّح على الهدف المباشر المتمثل في إزالة التهديد، دون أن يتعدّاه لتحقيق مكاسب عسكرية إضافية أو لإضعاف الخصم على المدى البعيد. فشرط التناسب يقتضي أن تكون القوة المستخدمة متناسبة مع حجم التهديد المحدق، لا أن تُستغل الفرصة لإحداث تغيير إستراتيجي.

إعلان

وفي السياق الحالي، تشير المعطيات إلى أن العملية الإسرائيلية لم تقتصر على هدف منع هجوم إيراني وشيك، بل توسّعت لتشمل سلسلة واسعة من الأهداف داخل إيران، منها منشآت نووية بارزة كمبنى التخصيب فوق الأرض في نطنز، إضافة إلى قواعد عسكرية ومقار قيادة ومراكز أبحاث، بل حتى علماء.

هذا الاتساع في النطاق الجغرافي والنوعي للأهداف يُضعف حُجّة الدفاع المشروع، ويُظهر سعيًا لإضعاف القدرات الإيرانية على المدى الطويل في المجالين: النووي، والصاروخي.

وعليه، إذا ثبت أن الضربات الإسرائيلية هدفت إلى تحقيق ردع إستراتيجي شامل أو إعادة صياغة ميزان القوى مع إيران، فإن ذلك يشكّل خروجًا عن شرط التناسب، ويُعدّ استخدامًا مفرطًا وغير مشروع للقوة وفق قواعد القانون الدولي.

الإخطار والشفافية:

تنصّ المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة على أن تُبلغ الدولة التي تستخدم حقّ الدفاع عن النفس مجلس الأمن "فورًا" بالإجراءات المتخذة. ويُعدّ هذا الإخطار جزءًا جوهريًا من شرعية العمل العسكري، إذ يسمح للمجتمع الدولي بمراقبة مدى احترام القواعد التي تنظّم استخدام القوة.

حتى تاريخ إعداد هذا التقييم، لم تُقدّم إسرائيل أي إخطار رسمي إلى مجلس الأمن يبرّر عملياتها العسكرية ضد إيران. هذا الغياب لا يُعدّ مجرد خلل إجرائي، بل يمثّل إخفاقًا في الالتزام بشرط أساسي يعكس مدى التزام الدولة بالقانون الدولي. كما يُضعف الموقف القانوني الإسرائيلي، ويوحي بأن إسرائيل نفسها قد تكون غير واثقة من قانونية حجّة "الدفاع الوقائي" التي تتذرّع بها.

وعلاوة على ذلك، فإن غياب الرسالة الرسمية يحرم مجلس الأمن من ممارسة دوره الرقابي، ويُعطّل إمكانية إجراء تقييم أممي لمشروعية استخدام القوة. وهو ما يطرح علامات استفهام قانونية إضافية حول دوافع وشرعية الضربات الإسرائيلية.

إطار النزاع المستمر:

في محاولة لتبرير الهجوم، ذهب بعض القانونيين الإسرائيليين إلى طرح تفسير بديل يعتبر الضربة العسكرية الأخيرة تصعيدًا في إطار نزاع مسلّح قائم وممتد بين إسرائيل وإيران، وليس عملًا منفصلًا يستوجب تبريرًا قانونيًا مستقلًا في كل مرة.

ووفق هذا الرأي، فإن الدولتين تخوضان منذ سنوات "حربًا منخفضة الوتيرة"، تتجلى في مواجهات غير مباشرة وعمليات متبادلة عبر أطراف ثالثة في سوريا، وغزة، ومناطق أخرى، وعليه تُفهم عملية يونيو/ حزيران كمرحلة جديدة ضمن هذا النزاع المستمر.

غير أن هذا التبرير يواجه انتقادات واسعة من قِبل فقهاء القانون الدولي، إذ إن فكرة وجود "حالة حرب مزمنة" دون إعلان رسمي أو اعتراف متبادل لا تستند إلى نصوص صريحة في القانون الدولي.

كما أن القبول بمثل هذا الطرح لا يُعفي الدولة من التقيد الصارم بقاعدتي "الضرورة" و"التناسب" عند تنفيذ أي تصعيد جديد، بصرف النظر عن سياق النزاع السابق.

وفوق ذلك، فإن اعتماد هذا المنطق قد يفتح بابًا خطيرًا يُتيح للدول تنفيذ ضربات متكررة تحت مظلة "نزاعات مستدامة"، مما يُهدد بتقويض ميثاق الأمم المتحدة، وإفراغ ضوابط استخدام القوة من مضمونها القانوني.

ثالثًا: تقييم موقف إيران

ردّت طهران على الضربات الإسرائيلية باعتبارها عملًا عدوانيًا صارخًا يرقى إلى مستوى "الهجوم المسلح" بالمعنى المقصود في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، مما يتيح لها- وفق تعبيرها- ممارسة حقّها في الدفاع عن النفس بشكل فردي ومشروع.

وخلال جلسة طارئة لمجلس الأمن عقدت في 13 يونيو/ حزيران 2025، بدعوة من إيران، وصف مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة الهجمات الإسرائيلية بأنها "إعلان حرب" و"اعتداء مباشر على النظام الدولي"، مؤكّدًا أن بلاده ستردّ بحزم دفاعًا عن سيادتها ووحدة أراضيها.

وبحسب ما أعلنته وزارة الصحة الإيرانية رسميًا، فقد أسفرت الضربات الإسرائيلية حتى 25 يونيو/ حزيران 2025 عن مقتل 627 شخصًا وإصابة 4870 آخرين داخل الأراضي الإيرانية.

إعلان المآخذ القانونية على العمليات العسكرية الإيرانية: الضرورة والتناسب:

من حيث المبدأ، تملك إيران حقًا أصيلًا في الدفاع عن نفسها بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، بعد تعرّضها لهجوم إسرائيلي واسع النطاق دون مبرر قانوني ظاهر. بيدَ أن هذا الحق ليس مطلقًا، بل يخضع لشرطَي الضرورة والتناسب، ويُشترط أن يهدف الرد إلى صد العدوان ومنع تكراره، لا إلى العقاب أو الانتقام.

أطلقت إيران صواريخ ومسيّرات أصابت مناطق في تل أبيب وحيفا، وأوقعت قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، إضافة إلى أضرار مادية. ورغم تداول الإعلام وقوع خسائر مدنية، يصعب الجزم قانونًا بطبيعة المواقع المستهدفة، نظرًا لامتناع إسرائيل عن نشر معلومات حول ما إذا كانت تلك المناطق تضم منشآت عسكرية.

في حال تبيّن لاحقًا أن الأهداف كانت عسكرية ضمن مناطق حضرية، تتحمل إسرائيل جانبًا من المسؤولية لاستخدامها الغطاء المدني. أما إذا ثبت أنها أهداف مدنية صِرفة، فإن الرد الإيراني قد يُعد خرقًا لمبدأ التمييز وعملًا انتقاميًا غير مشروع.

وبالنظر إلى غياب الوضوح، كان بإمكان إيران أن تعزّز موقفها القانوني بإثبات أن الضربات اقتصرت على مواقع عسكرية محددة، مثل القواعد الجوية أو منصات الإطلاق، ما كان ليؤكّد مشروعية دفاعها ويجنبها تهمة تجاوز حدود القانون الدولي.

حظر الأعمال الانتقامية (في ضوء الدفاع المشروع)

يمنح القانون الدولي إيران حق الدفاع عن النفس ردًا على الهجوم الإسرائيلي، بشرط أن يكون الردّ ضروريًا ومتناسبًا. ويمكن لإيران أن تُبرّر ضرباتها بأنها جزء من ردّ دفاعي مستمر في ظل استمرار التهديد، وليست عملًا انتقاميًا محظورًا.

كما يمكنها الادعاء أن الأهداف كانت مواقع عسكرية ضمن مناطق مدنية، وهو ما تتحمّل إسرائيل مسؤوليته إن ثبت استخدامها الغطاء المدني.

وعليه، فإن مشروعية الرد الإيراني تتوقف على إثبات الصلة المباشرة بالأعمال العدائية، وغياب نية العقاب أو الردع العشوائي، مع الالتزام بمبادئ القانون الدولي الإنساني.

رابعًا: الإطار القانوني لتوقف الحرب بين إسرائيل وإيران

لم يأتِ توقّف العمليات العسكرية بين إسرائيل وإيران نتيجة اتفاق سلام شامل أو معاهدة مُلزمة، بل جاء في إطار تفاهم مؤقت لوقف إطلاق النار تم التوصل إليه بوساطة غير معلنة، على ما يبدو بين عدة أطراف إقليمية ودولية، من بينها سلطنة عُمان وسويسرا وقطر، وبتنسيق غير مباشر مع الأمم المتحدة.

من الناحية القانونية، لا يُعدّ هذا التفاهم وقفًا رسميًا للحرب بموجب القانون الدولي، لكونه لم يُوثَّق باتفاق مكتوب يُودَع لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة، ولم يصدر بشأنه قرار ملزم عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع. وبالتالي، يبقى هذا التفاهم أقرب إلى "هدنة غير رسمية" أو "وقف إطلاق نار ميداني" هشّ، لا يتمتّع بضمانات قانونية كافية.

ورغم انعقاد جلستين طارئتين لمجلس الأمن، لم يصدر عنهما أي قرار يفرض وقف الأعمال العدائية، نتيجة الانقسام بين الدول الدائمة العضوية. كما لم تُفعّل الأمم المتحدة أي آلية رقابية ميدانية لتثبيت الهدنة، ما يجعل وقف العمليات رهنًا بحسابات الردع المتبادل، وليس التزامًا قانونيًا محصّنًا.

وعليه، فإن غياب إطار قانوني متين وواضح لوقف القتال يُثير مخاوف جدّية من إمكانية تجدّد النزاع في أي لحظة، ويبرز الحاجة إلى اتفاق مكتوب برعاية أممية يتضمّن ضمانات حقيقية لحماية المدنيين، ويحدّد مسؤوليات الطرفين، ويهيّئ الطريق لتسوية قانونية شاملة للنزاع.

خامسًا: المنشآت النووية الخاضعة للرقابة الدولية

تُعدّ المنشآت النووية المدنية، مثل تلك الواقعة في نطنز وأصفهان، خاضعة لاتفاق الضمانات الشاملة الموقع بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT).  وانطلاقًا من كونها مُدرجة ضمن برنامج التفتيش الدولي المنتظم، فإن هذه المنشآت تحظى بحماية قانونية مضاعفة، لا يُسقطها عنها كونها ذات طابع إستراتيجي، كما قد يُروّج في بعض الخطابات السياسية.

واستنادًا إلى أحكام القانون الدولي الإنساني، فإن المنشآت التي تحتوي على "قوى خطيرة"، كالوقود النووي أو المفاعلات، تخضع لحماية خاصة بموجب المادة 56 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (1977)، التي تحظر استهدافها لما قد يترتّب على ذلك من عواقب إنسانية وبيئية كارثية.

كما أن معاهدة الحماية الفيزيائية للمواد النووية (CPPNM) المعدّلة عام 2005، تفرض على الدول التزامات واضحة بمنع الاعتداءات على هذه المنشآت، حتى في أوقات النزاع.

إعلان

وفي هذا السياق، جاء موقف المدير العام للوكالة، رافاييل غروسي، في بيان أصدره بتاريخ 20 يونيو/ حزيران 2025، باهتًا ومثيرًا للجدل. إذ أقرّ بأن الضربات الإسرائيلية تسببت بأضرار داخلية في منشآت نووية حساسة، مثل نطنز وأصفهان، لكنه امتنع عن توجيه إدانة صريحة للهجمات، مكتفيًا بالتحذير من المخاطر البيئية والدعوة إلى احترام اتفاقات الضمانات، دون تحميل أي طرف المسؤولية. ورأت طهران في هذا الموقف على أنه تواطؤ ضمني أو تراجع عن الحياد المؤسسي الذي يُفترض أن تلتزمه الوكالة في مثل هذه الظروف.

ومن هنا، فإن قصف إسرائيل مواقع نووية مشمولة برقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية دون تفويض دولي أو إثبات تهديد وشيك، يُشكّل خرقًا مركبًا لكل من القانون الدولي الإنساني، ومبادئ عدم الانتشار النووي، وميثاق الأمم المتحدة ذاته.

كما أن إدراج هذه المنشآت ضمن برنامج الزيارات والتفتيش الدولي يُعزّز قرينة استخدامها السلمي، ويُضعف قانونيًا أي ادعاءات تُقدّم لتبرير استهدافها تحت عنوان "الضرورة العسكرية" أو "الدفاع الوقائي".

وردًا على ذلك، أعلنت إيران تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، معتبرة أن صمت الوكالة حيال الهجمات يُقوّض دورها الرقابي ويُعطي الضوء الأخضر لاستهداف المنشآت النووية في أي نزاع مستقبلي. ورغم أن هذا القرار يُعدّ موقفًا احتجاجيًا مشروعًا من الناحية السياسية، فإنه محفوف بمخاطر قانونية ودبلوماسية كبيرة.

فعلى الصعيد القانوني، قد يمنح هذا الانسحاب خصوم إيران ذريعة جديدة للتشكيك في نواياها النووية، ويُضعف قدرتها على إثبات الطابع السلمي لأنشطتها أمام المجتمع الدولي. أما على الصعيد الدبلوماسي، فهو يُربك علاقاتها مع أطراف كانت تُراهن على التزامها بالشفافية مثل الصين والاتحاد الأوروبي. كما أن وقف التعاون يُفقد منشآتها بعض الحصانة القانونية التي توفّرها آليات التفتيش، ويجعلها عرضة لمزيد من التهديدات بذريعة الغموض أو الاشتباه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • فضل الله: هناك مبالغة كبيرة بالأرقام المالية المتعلقة بإعادة الإعمار
  • رئيس زراعة النواب.. ندافع عن حقوق المالك ولا نقبل الضرر للمستأجر
  • أجر رونالدو الجديد في النصر يتجاوز مجموع رواتب لاعبي أندية أوروبية كبيرة
  • رئيس زراعة النواب: لن نكون سببا فى طرد مستـأجر بسيط من بيته
  • رشيد:لدينا “زراعة وصناعة متطورة” في ظل حكومة الإطار
  • 4 خروقات تفضح إسرائيل في حربها مع إيران
  • النائب عبد المنعم إمام: مشروع قانون التعليم الجديد سيسبب حالة جدل مجتمعي كبيرة
  • إيلون ماسك ينتقد مجددا مشروع قانون الإنفاق الذي اقترحه ترامب: مجنون ومدمر
  • بدء تنفيذ العقوبات الأمريكية على حكومة السودان
  • تدشين المرحلة الثانية من مشروع زراعة 20 ألف شتلة سدر في مديرية الزيدية