لجريدة عمان:
2025-12-14@04:38:37 GMT

سياسات ثقافية جديدة لتحقيق الاندماج الوطني

تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT

قفزًا على التعريفات الكلاسيكية لمفهوم الثقافة، فإننا نعتمد على علم الاجتماع الثقافي والذي ندين فيه بالفضل إلى الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (1926-1984م) إذ معه بات الفعل الثقافي يملك تجسيده الخاص، مما سمح باستنبات مناهج تحليلية تعمل على تفكيك تشيوءاته الذاتية، وهذا أمر اعتمدته غالب التأسيسات النظرية الحديثة والتي أنتج مفاهيم جديدة في معنى الثقافة وموقعها ودورها وتجلياتها المعلنة والمختمرة.

وصحيح أن فوكو كان مشغولًا أكثر بفهم الأبعاد المتكاملة للثقافي في الاجتماعي، إلا أننا وفي درسنا العربي لن نكون رهينة خلاصاته، ولن يشغلنا كثيرًا التعقيد الذي صاحب مشروع فوكو وهو يخترق المؤسسات الاجتماعية في فرنسا بل وأوروبا كلها ليعزز فهوم حداثية للبنية الثقافية فيها طمعًا منه في تفسير مصادر سلطة كل مؤسسة، فالذي يعنينا ونحن نحاول تأسيس علمٍ اجتماعي ثقافي يخصنا ويخضع لاحتياجاتنا الواقعية، مستجيبين أكثر فأكثر ناحية ما تعيشه المجتمعات العربية من تصارخ غير معلن بين المجتمع ومؤسساته من جهة، وبين الثقافي الكامن في هوية كل نشاط اجتماعي عندنا.

إن المشغل الرئيس الذي يهمنا هو كيف يمكن للديناميات الثقافية المختلفة أن تساهم في رتق النسيج الاجتماعي، وهو نسيج متداخل نعم، لكنه في الحال ذاته يعيش انغماساته الخاصة على مستوى تلوينات إثنية وعرقية ومذهبية وغيرها من أشكال البناء الاجتماعي في الوطن العربي، وهو نسيج مهدد بأعباء متجددة مفروضة عليه من قِبل العالم الغربي وليبراليبته المنتجة للفصل بين الإنسان والمجتمع. وحادينا في ذلك أن يكون الفعل الثقافي هو آخر القلاع الحصينة في هويتنا العربية والتي نحتمي في منائرها من حالات التشظي والتركيب المختل للهوية والذات، ولنفعل ذلك فإن المطلوب أن نعيد اكتشاف أو تحرير الأبعاد العاطفية والمادية لتاريخنا الثقافي العربي، تاريخنا الذي هو ذاكرة الأمة، والذي تحتاجه شعوبنا بقوة فقط لتحفظ نفسها من التحلل والانخرام وكلفته البالغة والتي أقل فواتيرها تفكك المجتمع وعلو النعرات الضيقة ضد الهوية الجمعية، والفائدة التي سنجنيها من إعلاء الثقافي في مجتمعاتنا هي تثبيت الحق الإنساني في التعبير عن ذاته دون إكراه، فالثقافة كونها تتجلى إبداعيًا في منتجات كثيرة فإن المعنى الغائب أو لنقل المعطل لفاعلية الثقافة في المجتمع يعود إلى إكراه من نوع خاص، وهو تغييب الأنثربولوجي في الثقافة، ولندلل بصورة أوضح فإننا نشير إلى أن الثقافة العربية وبعد انتعاشتها في ثلاثينيات القرن الماضي وبروز أسماء أعادت إليها بريقًا ظل مخمدًا بسبب الهيمنة الغربية فإن أعمال طه حسين والعقاد وقبلها جرجي زيدان وفرح أنطون والبساتنة (=بطرس ووديع البستاني) فإن نظرتنا إليها إنها كانت محاولة لضخ الروح في الهوية الثقافية للأمة العربية، لكنها وعلى ما قدمته من إنجازات عظيمة وقعت ودون أن تقصد في خطأ كبير، ما هو؟ الخطأ أنه ما كان يمكن لهؤلاء إلا اتباع السياق الأوروبي في لحظتها وهو سياق كان يعتبر الثقافة بنية في الطبقة، وليست طبقة قائمة بذاتها، ولذا استبعدت في ذاكرتنا مظاهر شتى للثقافة الشعبية، والتي نراهن بأننا اليوم في أمس الحاجة إليها كونها هي المسرب الذي سيسمح بتمتين البنية الاجتماعية ويفتح الباب واسعًا أمام الابستيمات الثقافية المهمشة والمبعدة رغم أصالتها في السياق، وهو أمر في الحقيقة بالغ الأهمية، لأننا نعتقد بأن الجملة المختبئة في مفهوم الصراع الاجتماعي هي إنسان هذا المجتمع، ولو فكر معي قارئ الكريم كيف يمكن أن تحتشد قوى غائبة في الفضاء الثقافي وتسهم بقوة بالغة مع الاتجاهات العليا للثقافة، كيف ستساهم في تقوية الفعل الاجتماعي والسبب أنها تعبير مكثف عن الحالات الفردية أو المهملة في التاريخ الاجتماعي.

والحقيقة أننا سنظل مدينين لميشيل فوكو الذي لفت انتباهنا إلى أهمية تمييز الثقافة بمظاهرها المختلفة كموضوع للدرس، وهو أمر يخلصه لنا فوكو في منهجه التحليلي القائم على تحليل الأنماط المختلفة للفعل الثقافي ومقاربتها كتعبير عن ذاتية الإنسان، بل هي جوهر تكوينه الذاتي وهي التعبير الأشمل على خصوصيته التاريخية، إن الثقافة عنده كيان ديناميكي يتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية كونه يعمل على إنتاج المعنى بصورة خالدة، وهي معاني تتغذى على الفرد الاجتماعي والذي هو تجسيدٌ لهذه العمليات يستقي منها حضوره، بل يؤسس عليها وجوده، ويُطْعِم منها ذاكرته الحية ليتمكن من إتمام أشكال مختلفة من الاتصال بمجتمعه. إن الثقافة هنا هي الإنسان متجليًا في الفضاء الاجتماعي، وقد أوصلنا شغله (=فوكو) التفكيكي إلى نتيجة ذهبية وهي ضرورة الاعتراف بأن البنية الثقافية العامة والتي تُفْرَض على كامل السياق التكويني للمجتمع ينبغي أن تجعلنا قادرين على الاعتراف بأدوار أخرى لأنماط مشاركة في وعينا التاريخي بأنفسنا ولهذه الأنماط آلياتها في إنتاج الحقائق الاجتماعية، إنها الدعوة إلى الاعتراف بالهوية الثقافية غير المساهمة في البنية العامة لماهية الوجود الثقافي للمجتمعات، وكم تحتاج المجتمعات العربية إلى هذا النهج لتحمي نفسها وتحافظ على تماسكها وستحصل حينها على حالات من الإغناء الإبداعي تبرز أكثر قوة هذه المجتمعات.

لذا فإن دعوتنا إلى المؤسسات المعنية بإدارة الشأن الثقافي أن تولي اهتمامها لضرورة صياغة سياسات ثقافية جديدة تستجيب للمتغيرات الراهنة، وتقوم بدفع أفراد المجتمع وتكويناته المختلفة للإسهام في تحقيق أمنها الثقافي، وهو ما سيمدها بالطاقة المعرفية الكافية لصناعة وجدان وطني قوي ومنتج ومتماسك وفعّال..

إنها الحاجة الماسة إلى سياسات ثقافية فاعلة تتجاوز الشكلانية إلى الموضوع.. (=الإنسان).

غسان علي عثمان كاتب سوداني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

التضامن الاجتماعي تشارك في ورشة عمل تحت عنوان "تعزيز إدماج ذوي الإعاقة في مصر.. من الالتزامات العالمية إلى العمل الوطني"

شاركت وزارة التضامن الاجتماعي في ورشة عمل تحت عنوان "تعزيز إدماج ذوي الإعاقة في مصر.. من الالتزامات العالمية إلى العمل الوطني"، التي نظمها مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في مصر، ومنظمة العمل الدولية، وفريق الأمم المتحدة المعني بالأشخاص ذوي الإعاقة ومثل الوزارة الاستاذ خليل محمد رئيس الإدارة المركزية لشئون الأشخاص ذوي الإعاقة.

وشهدت الورشة حضور السيدة إيلينا بانوفا، المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في مصر، والسيد إيريك أوشلان، مدير مكتب منظمة العمل الدولية بالقاهرة، والاستاذة زينة توكل، المديرة التنفيذية لصندوق قادرون باختلاف، والأستاذة  أميرة الرفاعي، المديرة التنفيذية لصندوق عطاء  إلى جانب ممثلين عن وزارة العمل ومنظمات  الأمم المتحدة وشركاء التنمية.

وتطرقت جلسات الورشة إلى عرض شامل للوضع الراهن للأشخاص ذوي الإعاقة في مصر، واستعراض الأولويات الوطنية والرؤية المستقبلية للتعاون المشترك، إلى جانب مناقشة الأطر التشريعية والسياسات ذات الصلة، وفي مقدمتها قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2018، وقانون العمل رقم 14 لسنة 2025.

كما تناولت الجلسات المجالات التي تتطلب تعزيز التنسيق بين المؤسسات الحكومية ووكالات الأمم المتحدة وشركاء التنمية، إضافة إلى تقديم عروض حول المبادرات المقدمة من المنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في مصر لصالح الأشخاص ذوي الإعاقة.

وخلال الجلسة، استعرض الأستاذ خليل محمد، رئيس الإدارة المركزية لشئون الأشخاص ذوي الإعاقة بوزارة التضامن الاجتماعي، الجهود التي تبذلها الدولة في ملف الإعاقة، مؤكدًا أن هذا الملف يحظى باهتمام واسع ودعم مباشر من القيادة السياسية، وأن سياسات الدولة تستند إلى مرجعيات دستورية وتشريعية راسخة، أبرزها الدستور المصري، والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وقانون رقم 10 لسنة 2018 ولائحته التنفيذية، باعتباره الإطار المنظم للحقوق والخدمات والدمج المجتمعي.

وأوضح خليل أن برامج الحماية الاجتماعية للوزارة تشمل أكثر من 1.2 مليون شخص من ذوي الإعاقة ضمن برنامج "كرامة"، بإجمالي مخصصات سنوية تتجاوز 11 مليار جنيه، مشيرًا إلى إصدار أكثر من 1.3 مليون بطاقة خدمات متكاملة عبر 225 مكتب تأهيل ووحدات متنقلة على مستوى الجمهورية.

وأضاف أن الوزارة اتخذت عددًا من الإجراءات لتيسير حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على الخدمات، منها  عمل  لجنة مشتركة مع وزارة الصحة بشأن  لاستخراج بطاقة الخدمات المتكاملة، وتهدف إلى سرعة تحديد حالات الأشخاص ذوي الإعاقة، ضمن إجراءات الكشف الطبي لاستخراج بطاقة الخدمات المتكاملة، بالإضافة إلى التوجيه بالتنسيق بين الهيئة العامة للتأمين الصحي، والمجالس الطبية المتخصصة، لتوقيع الكشف الطبي من خلال وجود ممثل من الهيئة العامة للتأمين الصحي في كل لجنة.

كما يتم إرسال رسائل نصية قصيرة للمواطنين عند استكمال الإجراءات للتوجه إلى مكاتب التأهيل.

وفي مجال الرعاية والدعم، تقدم الوزارة خدماتها من خلال 561 هيئة تأهيلية تشمل دور حضانة، مراكز تدريب لغوي، مراكز علاج طبيعي، مؤسسات للإعاقة الذهنية والتوحد، ومؤسسات لمتعددي الإعاقات، كما تم توفير 4،358 جهازًا تعويضيًا ووسيلة مساعدة بالتعاون مع الجمعيات الأهلية.

وفي ملف الدمج والتعليم، دعمت الوزارة 587 طالبًا من الصم وضعاف السمع في 13 جامعة عبر توفير 83 مترجم لغة إشارة بتكلفة سنوية بلغت 3.196 مليون جنيه، بالإضافة إلى تقديم منح دراسية للطلاب المكفوفين بقيمة 972 ألف جنيه في 24 جامعة، فضلًا عن تقديم منح دراسية كاملة لطلاب الثانوية العامة من ذوي الإعاقة بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني.

كما تم تنفيذ أعمال الإتاحة في 15 محطة سكة حديد و35 محطة مترو بالتعاون مع وزارة النقل.

وفي إطار توجيهات السيد رئيس الجمهورية لإنشاء كيان وطني ضخم لصناعة الأطراف الصناعية والأجهزة التعويضية، يجرى العمل على تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع التي تشمل إنشاء 6 مراكز للتجميع والمواءمة بالشراكة مع شركة "أوتوبوك" الألمانية، حيث تم تجهيز المراكز على أعلى مستوى ويجري تدريب العاملين بها لضمان تقديم خدمات متقدمة، بما يمثل خطوة مهمة نحو توطين صناعة الأطراف الصناعية في مصر.

كما أشار رئيس الإدارة المركزية لشئون الأشخاص ذوي الإعاقة إلى مبادرة "أحسن صاحب" التي تهدف إلى تعزيز ثقافة التقبل وإرساء مفاهيم الدمج المجتمعي، مؤكدًا في ختام كلمته أن دعم الأشخاص ذوي الإعاقة يمثل محورًا أساسيًا في مسار التنمية الشاملة في مصر.

1000660348 1000660347 1000660346 1000660345

مقالات مشابهة

  • تحولات مفهوم الاستثمار الاجتماعي واحتياجات المجتمع
  • المتحف الوطني الليبي يستقبل طلبة المدارس لتعزيز الوعي الثقافي والتاريخي
  • التضامن الاجتماعي تشارك في ورشة عمل تحت عنوان "تعزيز إدماج ذوي الإعاقة في مصر.. من الالتزامات العالمية إلى العمل الوطني"
  • المستشار الثقافي الروسي يناقش العلاقات الثقافية والتعليمية بين مصر وروسيا على الهواء
  • تدشين المشروع الوطني لأرشيف الفرق والمهرجانات الفنية المستقلة بمسرح المعهد الثقافي الإيطالي
  • الجوائز الثقافية الوطنية: منظومة تكرّم المبدعين وتوثّق الحراك الثقافي
  • فؤاد هنو يلتقي سفير اليونان: العلاقات الثقافية بين البلدين نموذج مُلهم للتواصل الحضاري
  • الثلاثاء.. انطلاق قافلة ثقافية عبر المسرح المتنقل بقرى المحمودية
  • الفنون تكتب مقاومة جديدة للعنف الإلكتروني ضد المرأة
  • الأردن يحتفل بإدراج شجرة الزيتون “المهراس” على قائمة التراث الثقافي