«غزرساويك» مقبرة للسفن الخشبية القديمة بمسندم
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
محافظة مسندم اسم أطلق على هذه المنطقة نسبة إلى رأس مسندم وهو اسم لجزيرة تقع بالقرب من قرية كمزار البحرية وكانت قبل ذلك معروفة بمنطقة رؤوس الجبال، أما تسميتها بمنطقة رؤوس الجبال فذلك لاحتضانها سلسلة جبال شاهقة ممتدة بشكل رأسي وملتوية شديدة الانحدار والوعورة وجزيرة مسندم التي نسبت إليها التسمية هي عبارة عن رأس جبل وسط بحر الخليج كان يعتمد عليه كعلامة مميزة للسفن للدخول والخروج من الخليج وإليه، وتحيط به عدد من الجزر الصخرية ويشابه هذا الرأس في هذا التسمية رأس الشيخ مسعود وقد عرفها آخرون بأنها سميت بمسندم من طرق أمواج البحر لجبالها حيث شبه ذلك بالمطرقة والسندان اشتهرت منذ القدم بمضيق هرمز الذي يعتبر واحدا من أهم الممرات المائية في العالم حيث تمر من خلاله السفن والناقلات التي تحمل البضائع التجارية بين حضارات ودول شبه الجزيرة العربية وحضارات ودول العالم الخارجي.
التراث المنسي
ولتسليط الضوء على هذا الموضوع التقت "عمان" بالباحث عمر بن علي الشحي باحث تاريخي من المهتمين في مجال التاريخ والموروث العماني من محافظة مسندم، حيث أشار في بداية حديثه إلى أن التراث الثقافي المغمور بالمياه يتضمن كلّ آثار الوجود الإنساني التي تحمل طابعا ثقافيا أو تاريخيا وتوجد تحت المسطحات المائية ويُقدّم هذا التراث شهادة عن فترات وجوانب مختلفة من تاريخ البشرية المشترك، موضحا أن حماية التراث الغارق يعد أمرا مهما لما يقدمه من شواهد مادية عن تطور الحضارات الإنسانية التي تعاقبت في بحر عمان والخليج العربي منذ عصورها المبكرة قبل آلاف السنين وإن الكشف عن هذا التراث يعزز من فهم المسار الحضاري للثقافات التي قامت على ساحل بحر عمان والخليج العربي لاحتواء المنطقتين على أهم المعابر المائية الدولية التي كانت تسلكها السفن التجارية قديما.
مقبرة السفن الخشبية
وأضاف عمر الشحي أن محافظة مسندم تزخر بتراث ثقافي مغمور تحت المياه وقد تمكنا من خلال بحثنا عن هذا التراث بجمع أدلة عن أحد الباحثين في هذا المجال في المناطق البحرية إلى معرفة بعض المعلومات التي أفادتنا أن المنطقة تحتوي على تراث لا يزال قابعا في أعماق البحر يستوجب منا حمايته والكشف عنه ومن أهم المناطق التي كشفت لنا موقع"غزرساويك" الذي يعتبر مقبرة للسفن الخشبية القديمة ويقع "غزرساويك" بالقرب من جزيرة مسندم في بحر عمان ووفق المعلومات التي تمكنا من معرفتها أن سواحل محافظة مسندم توجد بها عدة سفن أثرية غارقة بين نيابة ليما، منها على سبيل المثال السفينة الصينية "زينج -هي" التي غرقت في القرن الرابع عشر ميلاديا وكان اسم قائد السفينة "حاجي محمود شمس" – وأشار الباحث عمر إلى أنه توجد سفينة غارقة بالقرب من جزيرة ليما وحسب المعلومات المتوفرة لدينا أنها غرقت في أواخر السبعينيات من القرن الماضي وكذلك يوجد أيضا، موقع آخر في ولاية دبا بمنطقة حفة البحرية به مرساة لسفينة خشبية قديمة وهذا المرساة من حجر أملس ضخم به حفرة دائرية الشكل وكانت تسمى عند أهل المنطقة بقفل حفة، لكن حسب الوصف الذي وصِف لنا تبين أنها مرساة لسفينة ولكن للأسف جاء أشخاص مجهولون وأخذوا هذا المرساة في سنة 1998م وإلى الآن ليس لنا علم بالتحديد من أخذها - كذلك وفق المعلومات التي جمعناها يوجد كذلك مدفع برونزي لربما كان لسفينة قديمة غارقة، وموقعه في ساحل دبا بمحاذاة رأس اليصة الجبلي.
تهديدات التراث المغمور
وأكد عمر الشحي في نهاية حديثه أن سواحل محافظة مسندم هي واحدة من أجمل وأندر السواحل في العالم وذلك لما تتميز بها من مناظر خلابة وأحياء بحرية متنوعة وتعتبر كذلك من أغنى البيئات التي تزخر بالعديد من أنواع الأسماك والكائنات البحرية المختلفة، بالإضافة إلى أندر وأروع الشعاب المرجانية وبفضل هذا التميز أصبحت مسندم قبلة السياح الذين يتوافدون عليها بالآلاف سنويا لكي يمارسوا رحلات الغوص ومن هنا يستوجب من وزارة التراث والسياحة تكثيف الرقابة وحماية التراث من تهديدات لصوص الكنوز الأثرية وتوعية المجتمع بأهمية المحافظة على هذا التراث في ظل تطور التقنيات الحديثة وإمكانية وصولهم إليها ويجب الحفاظ عليه في موقعه الأصلي بتوفير المشروعات المتخصصة التي تسهم في حمايته.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: محافظة مسندم هذا التراث
إقرأ أيضاً:
مفاجأة علمية.. الجينات تعيد رسم الرابط بين مصر القديمة والهلال الخصيب
في إنجاز علمي هو الأول من نوعه، نجح باحثون من معهد فرانسيس كريك وجامعة ليفربول جون مورز في استخراج أول حمض نووي كامل من بقايا إنسان مصري عاش قبل ما بين 4500 إلى 4800 عام، أي في زمن بناء الأهرامات الأولى.
ووفقا للدراسة التي نشرت يوم 2 يوليو/تموز في مجلة نيتشر، تشكل هذه النتيجة لحظة فارقة في فهم العلماء للتاريخ الوراثي لمصر القديمة وعلاقاتها الثقافية والإنسانية بجيرانها في غرب آسيا.
يعد هذا التسلسل الجيني هو الأول من نوعه على الإطلاق من مصر القديمة، ويأتي بعد أكثر من 40 عاما على أولى محاولات العلماء لاستخلاص الحمض النووي من مومياوات مصرية، وهي محاولات باءت بالفشل بسبب صعوبة الحفاظ على المادة الوراثية في المناخ الحار والجاف.
تقول الباحثة الرئيسية في الدراسة، "أديلين موريس جاكوبز" -الباحثة في الأنثروبولوجيا البيولوجية والمتخصصة في دراسة علم الوراثة السكانية بجامعة ليفربول جون مورز، البريطانية، إن الفريق استخرج الحمض النووي من سن شخص دفن في قرية "النويرات" في محافظة سوهاج (على بُعد نحو 265 كيلومترا جنوب القاهرة).
ووفقا لتصريحات الباحثة لـ"الجزيرة.نت"، تعود رفات هذا الشخص إلى فترة انتقالية في التاريخ المصري، بين العصر العتيق وبداية الدولة القديمة، أي قبل أن تصبح عمليات التحنيط ممارسة شائعة، وهو ما ساعد في الحفاظ على الحمض النووي بشكل استثنائي.
وبتحليل الحمض النووي، اكتشف الباحثون أن نحو 80% من أصول هذا الفرد تعود إلى شمال أفريقيا، بينما الـ20% المتبقية ترتبط بأشخاص عاشوا في الهلال الخصيب، وتحديدًا في منطقة بلاد ما بين النهرين، تحديدا ما يُعرف اليوم بدولة العراق.
وهذا أول دليل جيني مباشر يُثبت حدوث تمازج سكاني بين مصر وشعوب غرب آسيا خلال تلك الحقبة، بعد أن كانت الأدلة على ذلك تقتصر على الفخار والنقوش والرموز المشتركة.
إعلان"كشفت الجينات ما لم تروه الآثار وحدها، إذ يمثل هذا الشخص دليلا على التبادل البشري الحقيقي، لا مجرد تبادل للسلع أو الأفكار. لقد منحنا هذا الحمض النووي نافذة غير مسبوقة على التحولات السكانية في قلب الحضارة المصرية" كما أوضحت "جاكوبز".
لم يكتفِ الفريق بتحليل الجينات، بل استعانوا أيضا بعظام وأسنان الفرد لاكتشاف مزيد من تفاصيل حياته. وبفحص بصمات كيميائية دقيقة في مينا الأسنان، تأكد العلماء من أنه نشأ في مصر، ولم يكن وافدا من الخارج.
كما كشفت عظام هذا الشخص عن نمط حياة ربما ارتبط بالحرف، وبالأخص صناعة الفخار، حيث ظهرت على مفاصله علامات جلوس متكرر مع تمدد الساقين، وحركة دورانية مستمرة للذراعين، تماما كما يفعل الخزاف عند استخدام عجلة الفخار.
لكن المفارقة، كما توضحها الباحثة، أن طريقة دفنه كانت فاخرة، لا تتماشى عادة مع مكانة الحرفيين البسطاء، إذ إن الهيكل العظمي يحكي عن شخص ربما كان صانع فخار، لكن مستواه الاجتماعي يشير إلى مكانة أعلى من المعتاد؛ فمن المحتمل أنه كان موهوبا أو ناجحا بشكل استثنائي، وهذا قد يكون ما جعله يستحق هذا الدفن المميز.
القصة لا تنتهي عند هذا الفرد، بل تمتد لتشمل رحلته بعد الموت، فقد نقلت رفاته من مصر خلال الحقبة الاستعمارية إلى بريطانيا، ضمن مقتنيات أثرية جمعت في بعثات تنقيب في أوائل القرن العشرين، وأُودعت لاحقا في متحف "وورلد" بمدينة ليفربول، حيث بقيت محفوظة لعقود، بل ونجت من القصف الجوي خلال الحرب العالمية الثانية، الذي دمر معظم المجموعات البشرية في المتحف.
ويعتقد الباحثون أن هذا الشخص عاش في وقت حاسم من تاريخ مصر، وسافر بعد وفاته آلاف الكيلومترات، ونجا من الحرب، ليخبرنا اليوم عن ماضينا المشترك.
تمثل النتائج التي توصل إليها الفريق بداية فقط، لا نهاية. فرغم القيمة الكبيرة لهذا الجينوم الوحيد، يشير الباحثون إلى ضرورة تحليل مزيد من العينات لفهم الصورة الكاملة للأنساب في مصر القديمة. كما يأملون في توسيع التعاون مع علماء مصريين لتحقيق ذلك، في إطار من الشراكة العادلة.