الحزازات السياسية في السودان وأثرها على فشل المشروع الوطني الجامع
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
دكتور هشام عثمان
الحزازات السياسية في السودان ليست مجرد صراعات وقتية بين النخب، بل هي انعكاس عميق لواقع اقتصادي، اجتماعي، وسياسي شابته التفاوتات الهيكلية التي تكرست منذ فترة الاستعمار وحتى اليوم. عبر تحليل الاقتصاد السياسي، يمكن فهم جذور هذا التباين، وتأثيراته الممتدة على صناعة "البروليتاريا الرثة" في الأطراف، وكذلك الأبعاد النفسية والاجتماعية التي غذّت هذه الحزازات وأعاقت بناء مشروع وطني جامع.
---
الجذور التاريخية للحزازات السياسية والتنموية
1. الإرث الاستعماري والتفاوت الاقتصادي
الاقتصاد الموجه نحو الخارج:
ركز الاستعمار البريطاني على تطوير الاقتصاد بما يخدم مصالحه دون مراعاة للتوازن الجهوي داخل السودان. مناطق مثل الوسط والشمال، حيث تطورت مشاريع زراعية مثل الجزيرة، حظيت بتنمية نسبية، بينما أهملت الأطراف كدارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة.
التفاوت الإقليمي: أسس هذا التفاوت قاعدة للصراعات اللاحقة، حيث شعرت الأطراف بأنها تُستغل من أجل إثراء المركز.
2. فشل الدولة الوطنية بعد الاستقلال
الاعتماد على نموذج اقتصادي ريعي:
عانت الدولة الوطنية من غياب رؤية تنموية شاملة واستمرت في الاعتماد على تصدير المواد الخام مثل القطن والنفط، دون تطوير الصناعات التحويلية.
هيمنة المركز على الموارد: حافظت النخب الحاكمة في الخرطوم على سيطرتها على الموارد، مع تهميش الأطراف وإقصائها من عملية صنع القرار.
3. إدامة التهميش الهيكلي
تفاوت التنمية والخدمات:
تمركزت الخدمات والبنية التحتية في الخرطوم والمناطق المجاورة، بينما افتقرت الأطراف إلى أبسط الخدمات من صحة وتعليم وطرق.
استغلال الأطراف كمصادر للموارد: حوّلت الدولة الأطراف إلى مجرد خزانات للموارد الطبيعية دون أي استثمار في سكانها أو تطوير بنيتها الاقتصادية.
---
التهميش الاقتصادي والسياسي وتأثيره على الأطراف
1. ضعف البنية التحتية والتنمية الاقتصادية
إقصاء الأطراف من التنمية:
أدى ضعف الاستثمار في البنية التحتية إلى عزل الأطراف اقتصاديًا عن المركز، مما زاد من كلفة الإنتاج الزراعي والرعوي في المناطق المهمشة.
إضعاف الاقتصاد المحلي: بسبب نقص الدعم الحكومي، اعتمدت الأطراف على الزراعة التقليدية والرعي، مما أدى إلى فقر مزمن وأزمات معيشية مستمرة.
2. غياب التصنيع المحلي
الاعتماد على تصدير المواد الخام:
لم تُترجم ثروات السودان الطبيعية إلى صناعات تحويلية محلية توفر فرص عمل لسكان الأطراف.
نتيجة ذلك: بقيت الأطراف مجرد مصدر للمواد الخام دون أن تستفيد من عائدات هذه الموارد.
3. التأثيرات الاجتماعية والنفسية للتهميش
الإقصاء النفسي والمكاني:
ساهم هذا التهميش في خلق شعور لدى سكان الأطراف بأنهم خارج إطار الدولة، مما عمّق حالة الاغتراب والانفصال الاجتماعي.
إنتاج الغبن الاجتماعي: ترسخ شعور الأطراف بأنها مُضطهدة ومستبعدة من الاستفادة من مواردها.
---
البروليتاريا الرثة: الواقع الجديد في الأطراف
1. نشوء البروليتاريا الرثة
الهجرة إلى المدن الكبرى:
دفع الفقر وانعدام التنمية سكان الأطراف للنزوح نحو المدن، حيث يعيشون في أحياء عشوائية تعاني من تدهور الخدمات وفرص العمل.
تشكل هوامش حضرية بائسة: أصبحت هذه الهوامش مصدراً للتوترات الاجتماعية والسياسية، حيث يتم استغلال سكانها في النزاعات والصراعات السياسية.
2. الدور السياسي للبروليتاريا الرثة
وقود الصراعات السياسية:
غالبًا ما تُستخدم هذه الفئة كأداة من قبل النخب السياسية لتعزيز نفوذها، مع غياب أي وعي طبقي موحد لهذه الفئة يمكن أن يغير واقعها.
---
الدور السياسي للحزازات وتأثيرها على فشل المشروع الوطني
1. غياب الرؤية الوطنية الموحدة
هيمنة المركزية السياسية:
أفرزت الحزازات السياسية نظامًا مركزياً مفرطًا في الهيمنة، ما منع الأطراف من المشاركة الفاعلة في صنع القرار الوطني.
افتقار المشروع الوطني إلى الشمولية: ظلت الخطط التنموية والسياسية تُصاغ بمعزل عن احتياجات الأطراف، مما عزز الانقسام الداخلي.
2. استغلال النخب للحزازات الاجتماعية
إذكاء الصراعات القبلية والإثنية:
استخدمت النخب السياسية الولاءات القبلية والإثنية كأدوات لإحكام السيطرة السياسية، مما أدى إلى تأجيج الحزازات السياسية والاجتماعية.
إدامة الانقسامات: أسهمت هذه السياسة في إعاقة أي جهود لبناء دولة قائمة على العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية.
---
نحو حلول للخروج من الأزمة
1. إعادة صياغة الاقتصاد الوطني
تحقيق التنمية الشاملة:
يجب التركيز على تطوير الأطراف من خلال بناء البنية التحتية، وتشجيع التصنيع المحلي، وتعزيز الاستثمار في القطاعات الإنتاجية.
إدماج الأطراف في الاقتصاد: توجيه الاستثمارات نحو المشاريع التنموية التي تحقق العدالة في توزيع الثروة.
2. بناء عقد اجتماعي جديد
إقرار الحقوق المتساوية:
صياغة دستور جديد يعترف بتنوع السودان العرقي والثقافي، ويضمن المشاركة العادلة للأطراف في السلطة والثروة.
تعزيز الحكم اللامركزي: تمكين المناطق من إدارة شؤونها المحلية بما يحقق التنمية المستدامة.
3. إصلاح المؤسسات السياسية
تمثيل الأطراف في صنع القرار:
يجب ضمان تمثيل الأطراف في المؤسسات التشريعية والتنفيذية لتعزيز المشاركة الوطنية.
4. معالجة الأبعاد النفسية والاجتماعية
إعادة بناء الثقة الوطنية:
عبر مشاريع تنموية وإصلاحات سياسية تستهدف تعزيز الشعور بالانتماء الوطني لجميع السودانيين.
---
الحزازات السياسية في السودان هي انعكاس لواقع اقتصادي واجتماعي معقد تغذيه سياسات التهميش والفشل التنموي. يتطلب تجاوز هذه الحزازات تبني رؤية شاملة تركز على إعادة توزيع الموارد، بناء بنية تحتية متوازنة، وتعزيز العدالة الاجتماعية. فقط من خلال هذا النهج يمكن للسودان أن يؤسس لمشروع وطني جامع يتجاوز الصراعات السياسية والاجتماعية التي عطلت تطوره لعقود.
hishamosman315@gmail.com
دكتور هشام عثمان
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر الشريف
نشرت القناة الأولى المصرية، بث مباشرلنقل شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر الشريف بمحافظة القاهرة.
وأعلنت وزارة الأوقاف عن موضوع خطبة الجمعة اليوم والتي ستكون تحت عنوان: "الأوطان ليست حفنة من تراب"، محددة الهدف من موضوع الخطبة وهو تسليط الضوء على قيمة الوطن وأهمية العقل في حماية مقدراته، إلى جانب التحذير من الفكر المتطرف الذي يُعد من أخطر ما يفسد العقول ويهدد استقرار الدول.
وأكدت وزارة الأوقاف، أن خطبة الجمعة اليوم ستوضح أن حب الوطن لا ينفصل عن الدين، بل هو مظهر من مظاهر الإيمان الحقيقي، وأن صون الوطن، والحفاظ على هويته ومؤسساته وممتلكاته واقتصاده، يُعد من أسمى صور البر والانتماء.
كما أشارت الأوقاف إلى أن الخطبة ستُبيّن أن مفهوم الوطن يتجاوز كونه مجرد مساحة جغرافية أو ترابًا، ليصبح كيانًا متكاملاً، له حقوق ينبغي رعايتها، وواجبات يجب أداؤها، داعية إلى التكاتف لمواجهة كل من يسعى لهدمه أو تهديد أمنه واستقراره.
افتتاحات المساجدوتواصل وزارة الأوقاف جهودها لإعمار بيوت الله – عز وجل– بافتتاح (٨) مساجد اليوم الجمعة، الموافق ١٣ من يونيو ٢٠٢٥م، حيث تم إنشاء وبناء مسجد جديد، وإحلال وتجديد (٣) مساجد، وصيانة وتطوير (٤) مساجد.
وأعلنت وزارة الاوقاف، وصول إجمالي عدد المساجد المفتتحة منذ أول يوليو ٢٠٢٤م حتى الآن، إلى (١٣٩٠) مسجدًا، من بينها (٩٤٥) مسجدًا بين إنشاء وإحلال وتجديد، و (٤٤٥) مسجدًا صيانةً وتطويرًا، وأكدت الوزارة أن إجمالي ما تم إحلاله وتجديده وصيانته وفرشه منذ يوليو ٢٠١٤ بلغ (١٣٤٧١) مسجدًا، بتكلفة إجمالية تقدر بنحو ٢٣ مليارًا و ١٠ ملايين جنيه.
وشهدت قائمة المساجد المقرر افتتاحها تنوعًا جغرافيًا، بيانها كالتالي:
ففي محافظة الغربية:
تم إحلال وتجديد مسجد بوادي بقرية محلة مرحوم – مركز طنطا.
تم صيانة وتطوير مسجد المناصرة بقرية بلكيم – مركز السنطة.
وفي محافظة الإسكندرية:
تم إحلال وتجديد مسجد الرحمة بقرية العلا الشرقية بالنهضة – حي العامرية أول.
وفي محافظة قنا:
تم إحلال وتجديد مسجد آل التليب بقرية القارة بالكرنك – مركز أبو تشت.
وفي محافظة الجيزة:
تم إنشاء وبناء مسجد المحمود بمنطقة عبده رشوان – مركز ومدينة كرداسة.
تم صيانة وتطوير مسجد عبد الرحمن بن عوف بشارع المحطة – الجيزة.
وفي محافظة الدقهلية:
تم صيانة وتطوير المسجد الكبير بقرية الكفر الجديد – مركز ميت سلسيل.
وفي محافظة كفر الشيخ:
تم صيانة وتطوير مسجد نور الهدى بعزبة سليم – مركز مطوبس.
وأكدت وزارة الأوقاف، أن هذه الجهود التزام وزارة الأوقاف بتطوير بيوت الله – عز وجل – وتحديثها؛ لتوفير بيئة إيمانية مناسبة للمصلين في مختلف أنحاء الجمهورية في إطار اهتمام الوزارة بإعمار بيوت الله – عز وجل – ماديًّا وروحيًّا وفكريًّا.