قواعد اشتباك جديدة : الإمارات تنقل الحرب إلى ميدان الاقتصاد.
تاريخ النشر: 9th, August 2025 GMT
1 وقف الرحلات الجوية المباشرة بين السودان والإمارات ليس لا انسانى فقط بل هو قرار سياسي، اقتصادي، بل عسكري بامتياز، يتعلق بمجريات الحرب ووقائعها وأساليب خوضها عبر أوجه متعددة. كيف؟ ،
تعلم الإمارات أن الأطنان التي تتدفق على أسواق الذهب بدبي من السودان إنما تسلك في أغلبها طريقاً واحداً ظل سالكاً لعشرات السنوات دون أن يتأثر بأي تغييرات سياسية، وذلك الطريق كان عبر الجو… إذ يُصدَّر الذهب بيسر وترجع عوائده بالسرعة اللازمة ليلعب دوره في الاقتصاد.
الغريب أن دولة الإمارات إلى عهد قريب كانت لا تخلط بين التجارة والسياسة على مستوى اقتصادها الداخلي، ورغم الضغوط والاتهامات بأن دبي مركز لغسيل الأموال وأن الذهب الذي يرد إليها من المليشيات في إفريقيا هو ذهب معجون بالدم، فإنها ظلت ترفض تسييس التجارة، ولكن في حالة السودان استخدمت السلاح الاقتصادي والتجاري لأول مرة منذ بداية الحرب!!.
2
وقف الرحلات الجوية يربك تجارة الذهب سريعاً لكنه لا يوقفها،كما من شأنه أن يضعف منافسة الذهب السوداني في سوق دبي، لأن أرباح التجار عادة لا تتجاوز 1% أو 2% من سعر البورصة العالمية.انقطاع مسار الشنط اليدوية (Hand-Carry) الذي كان ينقل جزءاً كبيراً من الذهب مع المسافرين على رحلات تجارية إلى دبي، يوقف هذا المسار فوراً، ويرفع كلفة النقل ويطيل زمن التسليم. ومن ناحية أخرى، سيضغط على السيولة والأسعار المحلية لقلة المشترين الفوريين (الكاش)، وتباطؤ الشحن يوسّع فرق السعر بين بورتسودان وسعر دبي، فيُباع “الذهب السوداني” بسعر أقل مقارنة بالسعر العالمي بسبب صعوبة التصدير، فيهبط سعر الشراء من المنقّبين ويسبب خسائر كبيرة لهم.
3
كل ذلك يعني أن تجارة الذهب الآن تتعرض لمخاطر ودخلت ساحة الحرب وأصبحت إحدى أدواتها . تهدف الإمارات بهذه الخطوة إلى الإضرار بالاقتصاد السوداني، وبالتالي قدرة الدولة على الاستفادة من مواردها في الدفاع عن البلاد. تعلم أبوظبي أن السودان يعتمد الآن على الذهب في ميزانيته بشكل كبير ، بعض الخبراء الاقتصاديين رجحوا أن الاعتماد الفعلي على الذهب بعد الحرب قد يتجاوز 65–75% من الإيرادات القابلة للتسييل السريع في السوق الدولية.
إجمالي الذهب رسمي وغير رسمي في تقديرات الفايننشيال تايمز تشير إلى أنه قد يبلغ 80 طنًا بقيمة تفوق 6 مليارات دولار، مع تهريب أكثر من نصف الكمية.في عام 2024، أفاد بنك السودان ان الصادرات الرسمية من مناطق سيطرة الجيش أن نحو 97% من الذهب المُصدَّر رسمياً اتجه إلى الإمارات، بإيراد حوالي 1.8 مليار دولار.
4
توقف صادرات الذهب فجأة إلى السوق الرئيسي التي كانت الدولة السودانية تتعامل معه يسبب إرباكاً ونقصاً كبيراً في واردات النقد الأجنبي للدولة،وبالتالي سيؤثر على سعر الصرف المتدهور أصلاً، وكذلك على قدرة الدولة بالايفاء بالتزاماتها الخارجية،وخاصة المشتريات العسكرية التي تتطلب عملات صعبة و تدفقات مستمرة حتى تتمكن القوات المسلحة التي تحارب على الأرض استكمال تجهيزاتها والتعويض المستمر لخسائرها واحتياجاتها. ولذا، فإن هذا القرار يستهدف ضرب المقدرات العسكرية للجيش السوداني، وخاصة أنه جاء بعد عملية نيالا التي أجهزت على 40 مرتزقاً كولومبياً كانوا على متن طائرة إماراتية، مما حدا بالمراقبين إلى الإشارة إلى أن الضربة كانت قوية ومؤثرة لدرجة جعلت الإمارات تتخلى عن سياستها المعهودة بعدم الربط بين التجارة والسياسة والحروب.
الإمارات تستورد بين 47٪ و95٪ من الذهب الأفريقي — وهذا يشمل الذهب الرسمي والمهرب من السودان، جنوب السودان، الكونغو، وجمهورية أفريقيا الوسطى.، والسودان يورد 97% من ذهبه للإمارات ولكن قيمته ليست كبيرة
( 6 مليارات اذا حسبنا الذهب المهرب)، تجارة أبوظبي تبلغ ما بين 50 إلى 130 مليار دولار كقيمة موثوقية لحجم تجارة الذهب في الإمارات. عليه فان أبوظبي قد لا تتأثر كثيراً، ولذا تستخدم تجارة الذهب أداة اقتصادية / عسكرية لإضعاف الجيش السوداني من خلال إضعاف عوائده وبالتالي مقدرته على إدارة اقتصاد حرب موفور الموارد.
5
إذن، ما العمل وما هي الخيارات البديلة…؟ هناك مسارات وأسواق أخرى تصدير الذهب السوداني إليها وعبرها، ولكنها معقدة وبها إشكالات لابد من إيجاد أفكار وسبل حلها. المشكلة الرئيسية التي تواجه كل المسارات انها تزيد التكلفة بنحو 3/5%، وزمن التسليم 5–10 أيام، للشحنات المتجهة للإمارات عبر مطارات وسيطة أو البحر.
مثلاً، يمكن تصدير الذهب عن طريق مصر، وهي الآن تستقبل الذهب المهرَّب بكل أريحية، ولكن هناك مخاطر وتعقيدات مالية وبيروقراطية اشتهرت بها الدولة المصرية، والأهم أن ذلك يرفع تكلفة التصدير ويمكن أن يعرض التجار لخسائر ومخاطر شتى. كذلك يمكن التصدير عبر إريتريا، ولكن ذلك أيضاً يرفع التكلفة، و الزيادة في التكاليف تجعل سعر الذهب السوداني أعلى من أسعار البورصة العالمية.
6
يمكن لكبار التجار أن يصدروا ذهبهم بطرود عبر طائرات خاصة بتكلفة عالية وتتطلب ترتيباً قانونياً أدق وامتثالاً أعلى في الإمارات، وخاصة أن الذهب القادم عبر أطراف ثالثة غالباً ما يواجه تدقيق “اعرف عميلك/مصدر الذهب” في مصافي وتجار الإمارات، ما قد يعطل التصفية والدفع.
7
هناك أيضاً خيار تصدير الذهب إلى استطنبول، لكن تركيا بها تعقيدات إدارية ومالية، ولفترة رفضت استقبال الذهب السوداني بسبب سياسات البنك المركزي التركي. وهناك أيضاً فرصة لتصدير الذهب إلى قطر، ولكن السوق القطري من ناحية لا توجد به مصافٍ كبيرة للذهب، وإلى الآن هناك مصفاة واحدة فقط بطاقة إنتاجية محدودة، ولا تبدو السياسات الاقتصادية القطرية منفتحة على الدخول إلى سوق تجارة الذهب بشكل كبير، لأن تلك التجارة بها مخاطر وارتبطت بصراعات سياسية في إفريقيا وغيرها، ولا تود الدوحة أن تخلط سياستها الخارجية الداعية للسلام والتفاوض بدم الحروب وذهبها.
8
يمكن التصدير عبر الشحن البحري من بورتسودان إلى الخليج/آسيا، لكن هذا المسار أبطأ ويستلزم توثيقاً وشركات لوجستية موثوقة، ولا يخلو من مخاطر، وقد تصدر الإمارات أيضاً قراراً بوقف البواخر القادمة من السودان.
هناك مسار آخر وسوقه أكثر انفتاحاً، وقد بدأ بالفعل قبل أن تبدأ حرب الذهب هذه، وهو مسار مسقط.
عُمان دولة نامية ومنفتحة على تجارة الذهب وبها سوق متطور. وفق بيانات حتى نوفمبر 2024، بلغ إجمالي واردات الذهب في عُمان حوالي 372 مليون ريال عُماني (نحو 966 مليون دولار أمريكي). وهو مبلغ هامشي لا يعتد به في تجارة الذهب ولكنها البدايات.السودان في المرتبة الثالثة ضمن المصدرين للذهب إلى عُمان، بقيمة تقارب 6.4 مليون ريال عماني.
هذه التجربة المحدودة في تصدير الذهب إلى عُمان،كانت ناجحة رغم الصعوبات التي اكتنفتها في بدايتها، وخاصة من جهة سرعة التحويلات البنكية والإجراءات. ولكن عموماً سوق عُمان كبير وآمن ومنفتح على تجارة الذهب، وكانت هناك محاولة سودانية قبل عام لفتح مصرف في محافظة ظفار لم تنجح، ينبغي إحياء الفكرة والاسراع في تطبيقها. مسقط يمكن، وبسرعة، أن تكون سوقاً بديلاً لدبي.
9
في الأثناء، لابد من بحث جاد عن بدائل سريعة بحل الاشكالات التي تواجه تجارة الذهب في أربعة دول صديقة وهى مصر، تركيا قطر، عُمان وإلا ترتب على التلكؤ آثار اقتصادية وسياسية وعسكرية تعمق الأزمة وتقود إلى تداعيات خطيرة. ولنتذكر دائماً أن 75% من مواردنا الحالية من الذهب.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الذهب السودانی تجارة الذهب تصدیر الذهب من الذهب الذهب فی
إقرأ أيضاً:
بث مباشر.. مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء ونظيره السوداني
في خدمة مميزة نقدم بث مباشر لـ المؤتمر الصحفي المشترك لرئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي ورئيس مجلس الوزراء الانتقالي بجمهورية السودان كامل إدريس.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، أن العلاقة بين مصر والسودان هي علاقة تاريخية، وأن مصر منذ بدء الأزمة في السودان تقدم الدعم الكامل لكل الأشقاء في السودان بناء على طلب من الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأضاف خلال مؤتمر صحفي مع كامل إدريس رئيس مجلس الوزراء الانتقالي بجمهورية السودان، أن مصر فتحت أبوابها للأشقاء في السودان، وأن مصر تتمنى الاستقرار في السودان، وأن مصر ترفض أي مساس بالسودان تحت أي مسمى أو ظرف.
وأوضح رئيس الوزراء، أن مصر والسودان كالجسد الواحد وعلاقاتهما ضاربة في جذور التاريخ.