المنازل الجاهزة.. ازمة جديدة أم حل لما بعد وقف النار؟
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
مع بدء موسم الشتاء فعلياً في لبنان، بات هاجس النازحين خارج مراكز الايواء، الشغل الشاغل للدولة اللبنانية، التي وضعت نصب اعينها هدفاً وحيداً وهو إيجاد حل لهذه المعضلة الكبيرة.
ولعل المنازل الجاهزة هي واحدة من الحلول المطروحة على الطاولة منذ بدء ازمة النازحين. فهل هذه المنازل قابلة للسكن؟ وهل هي قانونية؟
سؤال حملناه الى مصدر في نقابة المهندسين، الذي اكد لـ"لبنان 24" أن هذه المنازل صالحة للسكن وهي قادرة على ان تكون مأوى للنازحين الذين لم يجدوا حتى الان مكان سكن لهم، الا ان هذا الامر قد يرتب الكثير من التبعات المالية على الدولة خصوصاً وان كلفتها عالية في ظل الازمات التي تتخبط بها البلاد، مشيراً الى ان هناك العديد من المراكز الأخرى التي يمكن الاستعانة بها لايواء النازحين لا سيما لناحية الاستعانة بمباني الدولة الشاغرة والأماكن العامة.
ولفت المصدر الى ان البيوت الجاهزة يمكن استخدامها في المرحلة المقبلة، لا سيما في فترة اعادة الاعمار حيث يصار الى وضعها على ارض المنازل المهدمة في الجنوب مثلاً بانتظار الانتهاء من اعمار المنزل، وبالتالي لا يتم استعمال اراضي المشاع التابعة للدولة.
هذا من الناحية الهندسية، أما من الناحية القانونية، هل يجوز استعمال اراضي الدولة لبناء هكذا منازل؟
في هذا الاطار، اشار الباحث القانوني والاستاذ الجامعي، المحامي ميشال فلاح، الى ان أملاك الدولة، تشكل جزءًا اساسياً من محفظة اصول لبنان العامة، والتي قد تفوق قيمتها الاصول الاخرى مجتمعة، وتتراوح مساحتها بحسب التقديرات بين 20 و 25% من مساحة لبنان الاجمالية، وهي تتألف من:
1- الأملاك العمومية أو الملك العام، ويعود حق استعمالها للجميع، ومن دون مقابل. وتكون متميّزة عن الأملاك الخاصة التي لا يعود حق استعمالها أو التصرّف بها، إلا لصاحبها.
يرعى التشريع الأساس القرار رقم 144 الصادر في 10 حزيران 1925، حيث نصّت المادة الأولى منه: "تشمل الأملاك العمومية جميع الأشياء المعدّة بسبب طبيعتها، لاستعمال الجميع أو لمصلحة عمومية، وهي لا تباع ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن".
2- أملاك الدولة الخاصة
هي التي تملكها الدولة بصفتها شخصًا معنويًا ولا تكون مخصّصة للمنفعة العامة، سواء كانت تحت تصرّف الدولة الفعلي، أو تحت تصرّف أشخاص آخرين، كالأراضي المتروكة المرفقة الموضوعة تحت تصرّف الجماعات.
وتابع في حديث عبر "لبنان 24": "يمكن تقسيم أملاك الدولة الخاصة إلى فئتين حسب ما تكون هذه الأملاك بالتصرّف الفعلي للدولة، أو بتصرّف الأشخاص الآخرين. الفئة الاولى تشمل العقارات التي تعود للدولة. أما الفئة الثانية فهي بدورها تشمل نوعين، الأراضي الأميرية، أي الأراضي التي تكون رقبتها للدولة، ويكون للأشخاص الفرديين أو الحكميين عليها حق التصرّف، والأراضي المتروكة المرفقة أي الأراضي التي تخصّ الدولة ويكون لجماعة ما حق استعمال عليها، مميزاته واتساعه معينان وفق العادات المحلية أو الأنظمة الإدارية."
وسأل المحامي فلاّح أنه في ظل تراكم التعديلات القانونية والمعاني والممارسات، وربطاً “بالعادات المحلية أو الأنظمة الإدارية” غير المحدّدة، كيف تمّ ويتمّ مسح وتسجيل الأراضي المتروكة المرفقة؟ من يملكها؟ هل تتضمّن المشاعات؟ ما هي الحقوق عليها، من يحميها وكيف تتمّ إدارتها؟
وعن حدود تصرف الدولة بأملاكها، شرح فلاّح بأن قاعدة عدم جواز التصرّف بالملك العام ، لا تنفي إمكان الترخيص ببعض الحقوق عليه، ولكن شرط أن يتمّ من دون المساس بتخصيص العقار للاستعمال العام، ومن ذلك ما أقرّته المادة 14 من القرار رقم 144/1925 لناحية إمكان الترخيص بصفة مؤقّتة قابلة للإلغاء ومقابل رسم ما بإشغال قطعة من الأملاك العمومية إشغالاً شخصيًا مانعًا، ولا سيما إذا كانت المسألة تتعلّق بمشروع ما. يعدّ المشروع امتيازًا إذا كان منُشأ كمصلحة عمومية، وأما الإجازة بالإشغال فلا تكون لمصلحة عمومية.
وتابع: "في المقابل، وعلى عكس التصرّف بالأملاك العامة، تتصرّف الدولة بملكها الخاص تصرّف الأشخاص العاديين بملكهم الخاص. نتيجة ذلك، قسّم القانون هذه الأملاك إلى أراضٍ زراعية تباع وتؤجّر، وإلى أراضٍ غير زراعية تباع وتؤجّر بوجه خاص بالمزايدة العمومية، وبعد تخمين تضعه لجنة خبراء خاصة."
وختم المحامي فلاّح بالتأكيد على أن قانون الملكية العقارية الصادر بالقرار رقم 3339 في 12/11/1930 وضع ضمانات أشبه بالحماية للعقارات، مثلاً "لا يسري مرور الزمن على الحقوق العقارية، ولا تكتسب ملكيتها بوضع اليد إذا كانت تتعلّق بالأملاك العائدة للدولة والبلديات وبالمشاعات التي تملكها القرى ملكية جماعية." كذلك "لا يكتسب بمرور الزمن حق على العقارات المتروكة والمحمية والمرفقة." أما الاستثناء الوحيد فهو القانون رقم 110 الصادر في 26/6/2010 الذي نص على تعديل أحكام القانون رقم 332 تاريخ 24/3/ 1994 (الملكية العقارية) وتمديد العمل بها، بحيث "سمح للمهجر بالبناء على العقار الذي يملك فيه حصة بالشيّوع، شرط الحصول على موافقة جميع مالكي الأسهم. وهذا ايضاً كان مصدرًا أساسًا لكثير من التعديات على الأراضي المشاع.
وأضاف: "على الرغم من "الضمانات"، إلا أن طرق الاستغلال التي تتعرّض لها الأراضي المشاع، كثيرة. منها مسألة العرف والقانون السائد، حيث أن عمليات المسح لتحديد الملكيات عامة كانت أو خاصة أو مشاعًا، لم تتم ( 20% من الأراضي اللبنانية لم يتم مسحها حتى الآن، وربما أكثر)، فاتحة الباب إما لاستمرار العرف والقانون السائدين الذين يلقيان عبء تحديد الملكية على عاتق المختارين، وذلك عبر إصدار "العلم والخبر" الذي يتم بموجبه تأكيد الملكية الخاصة في سياق إجراء متبع يقضي بإبلاغ المخفر المعني بالعلم والخبر، ولاحقًا الدوائر الرسمية المعنية. إن الإلتباس الحاصل حول تحديد الملكية طرح تساؤلات وشكاوى عديدة عن إمكان الإستيلاء على أجزاء واسعة من الأراضي المشاعية، تحت حجة العلم والخبر، حيث برزت شكاوى حول تزوير ملكية أراضٍ لدى وزارة الداخلية. وقد برزت في الفترة الأخيرة، عمليات نهب منظّمة في بعض المناطق، وتحت حجة العلم والخبر، ومن خلال إشراك عدد كبير من المختارين، كما أن غض النظر من قبل القوى المسؤولة، أو قوى الامر الواقع، أدّت إلى السطو على مساحات هائلة من أراضي المشاعات."
اذا، ازمة جديدة قد تضاف الى الازمات التي تعصف بالبلاد وقد تكون بداية لفتح باب لمخيمات اضافية على ارض الدولة، ويبقى الامل الوحيد في عودة جميع النازحين الى منازلهم بانتظار اعادة الاعمار. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: التصر ف
إقرأ أيضاً:
العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!
تتباين التقييمات المتعلقة بالاقتصاد العراقي، حسب اختلاف مصادرها سواء كانت تقارير دولية، أو تصريحات وأرقام رسمية عراقية (في حال توفرها طبعا، فثمة عداء تاريخ بين المؤسسات العراقية وحق الوصول إلى المعلومات) حتى ليبدو الأمر وكأننا نتحدث عن دولتين مختلفتين!
فلو راجعنا موقع البنك المركزي العراقي، سنجد أن آخر تقرير عن الاستقرار المالي يعود إلى عام 2023، وإلى نهاية الشهر الخامس عام 2025، ولم يصدر تقرير الاستقرار المالي لعام 2024!
كما لم يصدر حتى اللحظة التقرير الخاص بالفصل الأول من عام 2025 الخاص بـ«الإنذار المبكر للقطاع المصرفي». لكن مراجعة التقرير الخاص بالفصل الرابع عام 2024 تكشف انخفاض صافي الاحتياطي الأجنبي بنسبة (10.2٪) حيث بلغ 103.8 ترليون دينار عراقي بعد أن كان 145.6 تريليون دينار عراقي نهاية الفصل الرابع عام 2023، ولم يقدم البنك تفسيرا لأسباب هذا الانخفاض، بل اكتفى بالقول إن «النسبة بقيت إيجابية ومؤثرة لأنها أعلى من النسبة المعيارية المحددة بنسبة 100٪»!
يشير التقرير أيضا إلى أن الدين الداخلي حقق نموا في الفصل الرابع من العام 2024 بنسبة 17.0٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، ليسجل 83.1 ترليون دينار عراقي (حوالي 63 مليار دولار) بعد أن كان 70.6 ترليون دينار (53.48 مليار دولار) في الفصل الرابع من العام 2023. وأن نسبة هذا الدين بلغت 53.92٪ من إجمالي الدين العام، فيما انخفض معدل الدين الخارجي في هذا الفصل بنسبة 2.9٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، وشكل الدين الخارجي 46.08٪ من إجمالي الدين في هذا الفصل (مقارنة الدين الخارجي هذه بالأرقام التي أطلقها الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية والذي تحدث عن انخفاض الدين الخارجي الى 9 مليارات دولار فقط تبيّن الاستخدام السياسي لهذه الأرقام)!
أما بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، فيشير التقرير إلى أنه قد سجل ارتفاعا في الفصل الرابع من العام 2024 ليبلغ 95.6 ترليون دينار عراقي بالأسعار الجارية، مسجلا نموا بنسبة 7.5٪ مقارنة بذات الفصل من عام 2023، إذ كان يبلغ 88.9 ترليون دينار. ويقدم التقرير سببا وحيدا لهذا النمو وهو «نتيجة ارتفاع الإنفاق الحكومي بنسبة تجاوزت 30٪ خلال ذات الفترة»! ولكن التقرير لا يقدم لنا أي معلومة أو تفسير لأسباب هذا الارتفاع غير المفهوم للإنفاق الحكومي، وإذا ما كان مرتبطا بتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام، أم مرتبط بسياسات ارتجالية ذات أهداف سياسية بحتة، فارتفاع الإنفاق الحكومي قد يكون في أحيان كثيرة دليل على الفشل وليس النجاح، خاصة إذا أدى الى عجز أو ارتفاع الدين العام وزيادة معدلات الفساد!
أما فيما يتعلق بالتضخم، فتقرير العام 2023 «الإنذار المبكر للقطاع المصرفي» ينبهنا إلى الانخفاض في نسب التضخم إلى آلية حساب تلك النسبة، إضافة إلى تغيير سنة الأساس من احتساب الرقم القياسي للأسعار من 2012 إلى 2022، وبالتالي نحن أمام أرقام خادعة تماما فيما يتعلق بحساب نسب التضخم وذلك لارتفاع نسبة التضخم في العام 2022 قياسا إلى العام 2012.
واعتمادا على ذلك فقد سجل معدل التضخم في الفصل الرابع من عام 2024 (2.8٪) بعد أن كان 3.5٪ في الفصل الثالث من ذات العام، لينتهي إلى أن هذا يدل على «وجود استقرار في المستوى العام للأسعار»، من دون أن يقارن ذلك مع معدل التضخم في الفصل الرابع من العام 2023 وفقا لمنهجية التقرير! ولكن الترسيمة المصاحبة تقول شيئا مختلفا تماما، فقد سجل الفصل الأول من العام 2024 تضخما بنسبة 0.8٪، ليرتفع هذا المعدل في الفصل الثاني إلى 3.3٪، ثم ليرتفع إلى 3.5٪ في الفصل الثالث، وبالتالي فإن الانخفاض الذي سجله الفصل الرابع الذي عده التقرير دليلا على «الاستقرار في المستوى العام للأسعار» تنقضه تماما هذه الأرقام، وتكشف عن معدل تضخم وصل في الفصل الرابع إلى 3.5 أضعاف معدل التضخم في الفصل الأول، وهو دليل على عدم استقرار المستوى العام للأسعار!
وبدلا من أن تدق هذه الأرقام ناقوس الخطر حول الوضع المالي، أعلنت الحكومة العراقية في جلستها يوم 15 نيسان 2025، تخويل وزارة المالية سحب مبالغ الأمانات الضريبية التي لم يمض عليها خمس سنوات، وهي تزيد على 3 ترليونات و45 مليار دينار عراقي لتمويل وتسديد رواتب شهر نيسان والأشهر اللاحقة، ويعني هذا عمليا أنها قد أضافت إلى موازنتها المقررة مبلغا يزيد على 2.6 مليار دولار، وأنها أضافت دينا داخليا إضافيا إلى إجمالي الدين العام بمبلغ يزيد على 2.6 مليار دولار دون سند قانوني، وأنها خالفت قانون الموازنة وقانون الإدارة المالية للدولة!
على الجانب الآخر أصدر صندوق النقد الدولي يوم 15 أيار 2025 البيان الختامي لخبراء الصندوق في ختام مشاورات جرت في بغداد وعمان. وكان من بين التوصيات أن على العراق اتخاذ تدابير عاجلة للمحافظة على الاستقرار المالي.
فالتقرير يتوقع أن يتراجع الناتح المحلي الاجمالي للعراق الى نسبة 2.5٪ في العام 2014، وهو ما يتناقض مع الأرقام التي قدمها البنك المركزي! ويرجع التقرير إلى التباطؤ في الاستثمار العام، وفي قطاع الخدمات، فضلا عن زيادة الضعف في الميزان التجاري، وبالتالي لا أحد يعرف أين يذهب هذا الحجم الكبير من الإنفاق العام الذي أشار اليه البنك المركزي العراقي.
لكن تقرير صندوق النقد الدولي يتورط باعتماد الرقم الرسمي العراقي المتعلق بنسبة التضخم، دون أن ينتبه إلى مغالطة الأرقام!
والتقرير يشرح أسباب تراجع الوضع المالي وانخفاض الاحتياطي الاجنبي، فيؤشر على أن العجز المالي للعام 2014 بلغ 4.2٪ من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بنسبة 1.1٪ في العام 2023. وهو يعزو أسباب ارتفاع الإنفاق الحكومي إلى الارتفاع في الأجور والرواتب (بسبب سياسات التوظيف المرتبطة برشوة الجمهور) ومشتريات الطاقة، وليس إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام. ويتوقع التقرير أن يتباطأ الناتج المحلي الاجمالي عام 2025، فضلا عن انخفاض الاحتياطات الأجنبية!
أما بالنسبة لأولويات السياسات المطلوبة تبعا لصندوق النقد الدولي، فيقينا أن لا يلتفت إليها أحد في العراق؛ ولن توقف الحكومة الحالية التوسع الكبير في الإنفاق الحكومي والمالية العامة، أو تقوم بفرض ضرائب انتقائية على الاستهلاك أو زيادتها، لاسيما أننا في موسم انتخابات، بل بالعكس هو ما سيحدث!
وستبقى سياسات التوظيف قائمة لأنها أداة رئيسية لرشوة الجمهور ووسيلة لصنع الجمهور الزبائني، وبالتالي لن يتوقف ارتفاع الدين العام، تحديدا الدين الداخلي، لتمويل العجز، ولن تفكر أي حكومة في إصلاح ضريبة الدخل، أو الحد من الاعفاءات الضريبية، أو تحسين الجباية فيما يتعلق بالخدمات، أو فرض ضريبة مبيعات، أو الحد من التوظيف في القطاع العام، أما مكافحة الفساد، او الحد منه، فهو أمر مستحيل، لأن الفساد في العراق أصبح فسادا بنيويا، وبات جزءا من بنية النظام السياسي، وجزءا من بنية الدولة نفسها، والأخطر من ذلك أنه تحول إلى سلوك بطولي في المجتمع العراقي!
القدس العربي