الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021-2026.. رؤية شاملة لتعزيز الحريات
تاريخ النشر: 10th, December 2024 GMT
«الاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية»، بهذه العبارة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال افتتاح الحوار الوطنى، تتجلى رؤية مصر نحو بناء مجتمع ديمقراطى يعترف بقيمة التعددية ويقوم على التفاعل بين كافة الأطياف دون تمييز، فلم يعد ملف حقوق الإنسان فى مصر مقتصراً على استجابة لنداءات دولية، بل أصبح جزءاً من رؤية وطنية تسعى من خلالها الدولة لترسيخ الحريات، وحماية الحقوق، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ومع إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021-2026، دخلت مصر مرحلة جديدة تتجاوز الخطاب إلى تنفيذ خطوات عملية فى بناء مجتمع قائم على احترام الإنسان وتطوير البنية الحقوقية.
إلغاء حالة الطوارئ قرار تاريخى أنهى عقوداً من الإجراءات الاستثنائية وعبّر عن ثقة الدولة فى تحقيق الاستقرارمصر تخطو نحو الديمقراطية مع إطلاق الحوار الوطنىوفى أكتوبر 2021، أعلن الرئيس السيسى إلغاء حالة الطوارئ فى مصر، وهو قرار تاريخى لم ينهِ فقط عقوداً من الإجراءات الاستثنائية، بل جاء تعبيراً عن ثقة الدولة المتزايدة فى قدرتها على تحقيق الاستقرار والأمن من خلال القانون والنظام العام، دون الحاجة إلى استثناءات، وكان لهذه الخطوة دلالة رمزية على رغبة مصر فى تبنى نهج جديد يقوم على احترام الحريات العامة، وإعطاء المواطنين مساحة كاملة للتعبير عن آرائهم وممارسة حقوقهم بحرية ضمن الإطار القانونى.
وأكد الرئيس السيسى أن هذا القرار هو نتيجة تعاون جماعى بين الدولة والمجتمع، إذ يعكس تحولاً فى فلسفة الحكم نحو ترسيخ الحقوق كجزء من الأمن القومى، بما يعزز من مكانة مصر دولياً ويفتح أمامها آفاقاً جديدة للتعاون مع المنظمات الحقوقية.
وفى إطار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، تقدم الدولة المصرية نموذجاً جديداً يهدف إلى بناء مجتمع متكامل وداعم للحقوق، وتم إعداد هذه الاستراتيجية بتعاون بين جهات حكومية ومنظمات مجتمع مدنى وشخصيات مستقلة، ما يعكس رغبة جادة فى إشراك الجميع فى هذا المشروع الوطنى.
دعم الشفافية أداة لضمان حوكمة رشيدة«حياة كريمة» تحسّن مستوى المعيشة فى المجتمعات الريفيةوترتكز الاستراتيجية على أربعة محاور رئيسية: الحقوق المدنية والسياسية، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حماية الفئات الأكثر احتياجاً، ونشر ثقافة حقوق الإنسان، فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، تهدف الاستراتيجية إلى تطوير البنية التشريعية بما يضمن حماية الحقوق الأساسية للمواطنين، مثل حرية التعبير والإعلام والحق فى التجمع السلمى، كما تؤكد دور القضاء كركيزة أساسية فى حماية حقوق الإنسان من خلال إجراءات تضمن نزاهة المحاكمات واستقلالية القضاء، إضافةً إلى ذلك، وضعت الاستراتيجية هدفاً لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد كأدوات تضمن حوكمة رشيدة ترتكز على احترام حقوق الأفراد وكرامتهم.
ولم تقتصر رؤية مصر لحقوق الإنسان على الحقوق السياسية فقط، بل امتدت لتشمل تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، بما فى ذلك حقوق العمال وتحسين أوضاع الفئات الهشة، وأطلقت الدولة عدداً من المبادرات لتحسين مستوى معيشة المواطنين، مثل مبادرة «حياة كريمة» التى تهدف إلى توفير حياة لائقة فى المجتمعات الريفية وتعزيز حقوقهم فى الرعاية الصحية والتعليم والخدمات العامة.
على صعيد التشريعات، يسعى البرلمان المصرى حالياً إلى الانتهاء من صياغة المواد القانونية لإقرار قانون العمل الجديد الذى يعزز حماية حقوق العمال، خاصة العمالة غير المنتظمة، لضمان الحقوق الأساسية لهم فى بيئة عمل آمنة ولائقة.
يأتى هذا القانون استجابةً لتحديات اقتصادية واجتماعية، ما يعكس سعى كافة جهات الدولة المصرية للاهتمام بحقوق العمال وتحقيق العدالة الاجتماعية، لتصبح مصر فى طليعة الدول التى تعمل على تطوير بنيتها القانونية بما يتوافق مع المعايير الدولية.
وفى إطار سعى مصر إلى تحسين أوضاع السجناء وإعادة تأهيلهم، تم إنشاء مراكز الإصلاح والتأهيل الحديثة، مثل مركز وادى النطرون، التى صُممت وفقاً لأعلى المعايير الدولية.
وتمثل هذه المراكز تحولاً جذرياً فى «فلسفة العقاب» بمصر، حيث لم يعد الهدف منها فقط معاقبة المخالفين للقانون، بل أصبح التوجه نحو توفير بيئة إصلاحية تتيح للنزلاء فرصة التعليم والتدريب المهنى، ما يساعدهم على الاندماج فى المجتمع بعد انقضاء فترة العقوبة.
تعزيز دور المجتمع المدنى فى دعم منظومة حقوق الإنسان وتعزيز الحرياتبذلك، تصبح العقوبة ليست نهاية الطريق بل بداية فرصة جديدة، إذ توفر هذه المراكز دعماً شاملاً للنزلاء يعزز من قدرتهم على بدء حياة جديدة بعد الإفراج.أدركت الدولة المصرية فى عهد الرئيس السيسى أهمية المجتمع المدنى فى دعم منظومة حقوق الإنسان وتعزيز الحريات، حيث أُعلن عام 2022 عاماً للمجتمع المدنى، ويعد هذا التوجه اعترافاً من الدولة بالدور المحورى الذى تلعبه منظمات المجتمع المدنى فى ترسيخ الحريات ومتابعة التقدم فى ملف حقوق الإنسان.
مصر تعزز التعاون الدولى فى مجال حقوق الإنسانتعمل هذه المنظمات بالتعاون مع الحكومة على تنفيذ برامج تهدف إلى تحسين ظروف الفئات الأكثر ضعفاً فى المجتمع، وتقديم المشورة بشأن السياسات الحقوقية، حيث تضمن هذه الشراكة بيئة حقوقية ديناميكية تتيح للمجتمع المدنى لعب دور رقابى والمشاركة فى صياغة القرارات والسياسات، كما أتاحت الدولة مساحة أكبر لهذه المنظمات للمشاركة فى الحوار الوطنى وتقديم مقترحاتها حول تطوير السياسات العامة، بما يسهم فى تعزيز الحقوق والحريات بفعالية وشمولية.
البرلمان يسعى لإقرار قانون العمل الجديد لحماية حقوق العماللم تقتصر جهود مصر فى مجال حقوق الإنسان على النطاق المحلى فحسب، بل امتدت إلى تعزيز التعاون الدولى، حيث شاركت مصر بفاعلية فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتعاملت مع مختلف الآليات الدولية لتعزيز الشفافية والالتزام بالمعايير العالمية، كما تسعى مصر إلى تطوير التعاون مع المنظمات الدولية لتعزيز دورها كدولة مؤثرة فى مجال حقوق الإنسان على الساحة الدولية، وطرحت العديد من المبادرات لمواجهة التحديات العالمية، مثل مكافحة العنصرية والتطرف، ما يعكس رغبة الدولة فى الإسهام فى تطوير الآليات الدولية لحماية الحقوق.
بدورها، قالت السفيرة مشيرة خطاب، رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، إن الدولة المصرية حققت تقدماً محرزاً فى ملف حقوق الإنسان، إلا أن أمامنا الكثير يتعين علينا القيام به، مؤكدة أن إصدار «دستور 2014» يعد الإنجاز الأكبر الذى حققته مصر فى هذا المجال، وحجر الزاوية لحقوق الإنسان فى مصر، والقادم أفضل.
وأضافت رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان فى تصريحات لـ«الوطن»، أن الحوار الوطنى يعكس رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى، التى عبر عنها أثناء إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، كما أن الرئيس لديه رؤية شاملة، ودائماً ما يعبر عن أفكاره، كقوله «استقرار الأوطان يأتى من رضا الشعوب»، حيث إن الرضا يتحقق عندما يجد المواطن مساحة يعبر فيها عن رأيه، ويشعر بأن رأيه مسموع ومحل تقدير، حتى وإن لم يُنفذ بالكامل، فإن الاستماع فقط يعزز حالة الرضا، وفى حالة إذا تمت الاستجابة لمطالب المواطن، فإن هذا يزيد من مستويات الرضا بدرجة أكبر.
وأوضحت: أننا لا نتحرك بناءً على ضغوط دولية، حيث إن الدافع الأساسى لنا هو الشعب المصرى، فهو الذى يستحق التمتع بأعلى مستوى ممكن من جميع الحقوق التى يكفلها له الدستور والقانون، ويمارس حقوقه دون تمييز، لأن حقوق الإنسان تركز على الفئات الأكثر ضعفاً، ومن هنا تأتى أهمية مبادرة «حياة كريمة»، حيث إنها تستهدف الفئات الأكثر احتياجاً، وتركز على «الجذور».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: اليوم العالمي لحقوق الإنسان يوم حقوق الإنسان الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان الاستراتیجیة الوطنیة لحقوق الإنسان ملف حقوق الإنسان الدولة المصریة الفئات الأکثر الحوار الوطنى حقوق العمال فى المجتمع مصر فى
إقرأ أيضاً:
مصر ضمن الـ10 الكبار اقتصاديا: رؤية إسلامية لنهضة اقتصادية شاملة (1)
في لحظة فارقة من تاريخنا، تتلاقى تحديات الحاضر مع آمال المستقبل. هل يمكن لمصر أن تتحول من مجرد حلم إلى واقع ينبض بالحياة؟ هل يمكن أن تصبح نموذجا حقيقيا للنهضة في عالم يتغير بسرعة؟ هذه ليست أسئلة عابرة، بل دعوة لكل مواطن وفكر وقلب ليكون جزءا من رحلة صنع الغد. رحلة تتطلب رؤية واضحة، إرادة صلبة، وعزيمة لا تلين. هنا تبدأ قصتنا، قصة بناء مستقبل يُعيد لمصر مكانتها ويُحيي روحها الخلاقة.
وفي عالم يشهد تحولات اقتصادية جذرية كل يوم، وفي ظل منافسة عالمية شرسة تعيد تشكيل خريطة القوى الاقتصادية، تطرح مصر على نفسها سؤالا محوريا: هل يمكن أن تصبح واحدة من أقوى عشرة اقتصادات في العالم خلال العقد والنصف القادمين؟
الإجابة ليست مجرد "نعم" متفائلة، بل "نعم" مدعومة بخارطة طريق علمية واقعية نكشف عنها اليوم من خلال سلسلة استراتيجية تحمل عنوان "مصر ضمن الـ10 الكبار اقتصاديا"، والتي تمتد عبر مقالات متخصصة، تحول الحلم المصري إلى مشروع نهضوي إسلامي قابل للتحقيق.
وسط هذا السباق المحموم، أين تقف مصر؟ وما هي فرصها الحقيقية في أن تكون لاعبا أساسيا وليس مجرد متفرج؟
هذه السلسلة تنطلق من مبدأ إسلامي راسخ، وهو أن الله سبحانه وتعالى استخلف الإنسان في الأرض ليعمرها ويطورها، كما قال عز وجل: "هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" (هود: 61)، فالتنمية الاقتصادية والنهضة الحضارية ليست مجرد طموح دنيوي، بل واجب شرعي ومسؤولية حضارية.
معركة المستقبل تبدأ اليوم
في اللحظة التي تقرأ فيها هذه السطور، تخوض دول العالم معركة ضارية لإعادة تموضعها على الخريطة الاقتصادية العالمية. الصين تطمح لتكون الاقتصاد الأول عالميا، الهند تسعى للوصول للمركز الثالث، كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة تعزز مواقعها كقوى تكنولوجية، فيما تحاول دول كالبرازيل وإندونيسيا وتركيا ترسيخ أقدامها بين الكبار.
وسط هذا السباق المحموم، أين تقف مصر؟ وما هي فرصها الحقيقية في أن تكون لاعبا أساسيا وليس مجرد متفرج؟
الحقيقة أن مصر تقف اليوم على مفترق طرق تاريخي؛ إما أن تستغل نافذة الفرص المتاحة وتطلق مشروعا نهضويا شاملا يضعها في المقدمة، أو تظل أسيرة التحديات والصعوبات وتكتفي بدور هامشي في الاقتصاد العالمي.
لماذا مصر قادرة على المعجزة؟
قبل أن نغرق في التفاصيل، دعونا نؤكد حقيقة جوهرية: مصر تمتلك مقومات نادرة تجعل حلم الوصول للعشرة الكبار ليس مجرد طموح، بل هدف قابل للتحقيق.
أولا، الموقع الجغرافي الاستثنائي الذي يجعل مصر همزة الوصل بين ثلاث قارات، وبوابة التجارة العالمية عبر قناة السويس التي تمر بها 12 في المئة من التجارة العالمية. هذا الموقع لا يمكن أن تمتلكه أي دولة أخرى في العالم.
ثانيا، الثروة البشرية الهائلة المتمثلة في أكثر من 105 ملايين مصري، 60 في المئة منهم تحت سن الـ30، وهو ما يعني قوة عمل شابة ومنتجة لا تتوفر لكثير من الدول المتقدمة التي تعاني من شيخوخة السكان.
ثالثا، التنوع الاقتصادي النسبي الذي يجعل مصر أقل اعتمادا على قطاع واحد، مقارنة بدول أخرى تعتمد على النفط أو الزراعة أو الخدمات فقط.
رابعا، الإرث الحضاري والثقافي الذي يمثل قوة ناعمة هائلة يمكن استثمارها اقتصاديا في قطاعات السياحة والصناعات الإبداعية والثقافية.
دروس من معجزات اقتصادية حقيقية وتجارب حضارية إسلامية
التاريخ المعاصر مليء بقصص نجاح مذهلة لدول حققت نقلات اقتصادية جذرية في فترات قصيرة نسبيا. سنغافورة تحولت من مستعمرة فقيرة في الستينيات إلى مركز مالي وتجاري عالمي اليوم، كوريا الجنوبية انطلقت من اقتصاد زراعي محطم بعد الحرب إلى قوة تكنولوجية عالمية، الصين نفسها بدأت إصلاحاتها الاقتصادية في 1978 وأصبحت اليوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وإذا نظرنا للتاريخ الإسلامي، نجد نماذج ملهمة للنهضة الاقتصادية المبنية على القيم والأخلاق. بغداد في العصر العباسي كانت مركز التجارة العالمية وأغنى مدن العالم، الأندلس شهدت ازدهارا اقتصاديا وعلميا لا مثيل له، ومصر ذاتها في عهد صلاح الدين الأيوبي كانت قوة اقتصادية وعسكرية عظمى. هذه النماذج تؤكد أن الحضارة الإسلامية قادرة على تحقيق التفوق الاقتصادي عندما تطبق قيمها ومبادئها بشكل صحيح.
الدرس المهم هو أن التحول الاقتصادي الجذري ممكن، لكنه يحتاج إلى رؤية واضحة مستندة للقيم، وإرادة سياسية قوية، واستراتيجية محكمة، وتنفيذ منضبط يراعي ميزان العدل والإحسان.
منهجية إسلامية فريدة تجمع الأصالة والمعاصرة
ما يميز سلسلة مقالاتنا أنها لا تكتفي بنسخ التجارب الغربية أو الآسيوية، بل تقدم نموذجا إسلاميا مصريا فريدا يستلهم الهدي النبوي والقيم الإسلامية السمحة، ويوظفها كميزة تنافسية في الاقتصاد العالمي.
فالرسول صلى الله عليه وسلم وضع أسس النظام الاقتصادي المتوازن عندما قال: "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" (البخاري)، مؤكدا على أن العمل والإنتاج عبادة، وأن التنمية الاقتصادية مسؤولية جماعية.
مبادئ العدالة والشفافية والإحسان والتكافل الاجتماعي والشورى في اتخاذ القرار ليست مجرد مُثُل أخلاقية، بل محركات حقيقية للنمو الاقتصادي والابتكار والإنتاجية. النموذج الاقتصادي الإسلامي يقدم بدائل عملية للرأسمالية المتوحشة، ويحقق توازنا مثاليا بين الكفاءة والعدالة، كما أمرنا الله: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا" (القصص: 77)، هذا المنهج الإسلامي لا يتعارض مع التقدم التكنولوجي والعلمي، بل يؤطره بالقيم والأخلاق، فالإسلام دين العلم والعمل والحضارة، ولا تعارض بين التقدم المادي والرقي الروحي.
خريطة طريق متكاملة في عدد من المحطات
مبادئ العدالة والشفافية والإحسان والتكافل الاجتماعي والشورى في اتخاذ القرار ليست مجرد مُثُل أخلاقية، بل محركات حقيقية للنمو الاقتصادي والابتكار والإنتاجية. النموذج الاقتصادي الإسلامي يقدم بدائل عملية للرأسمالية المتوحشة، ويحقق توازنا مثاليا بين الكفاءة والعدالة
تتوزع هذه السلسلة محاور متعددة مثل التعليم، وريادة الأعمال، والصيرفة الإسلامية، والأمن السيبراني، والاقتصاد الدائري، والتكامل الإقليمي، والطاقة المتجددة، وغيرها من الموضوعات التي تشكل ركائز النهضة الشاملة.
سلسلة "مصر ضمن الـ10 الكبار اقتصاديا" ليست مجرد مقالات متناثرة، بل مشروع متكامل يشبه الكتاب الإلكتروني المتسلسل، حيث يبني كل مقال على سابقه، ويمهد للاحق، ليشكل في النهاية دليلا شاملا للنهضة الاقتصادية المصرية.
المحطة الأولى تبدأ بوضع الأسس الفكرية والفلسفية للنهضة، حيث نستكشف فلسفة الاقتصاد الإسلامي في عصر الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية، ونضع المنطلقات الشرعية للتنمية المستدامة، ونقدم النموذج التنموي الإسلامي للقرن الحادي والعشرين، مستفيدين من تجارب معاصرة ناجحة كماليزيا التي نجحت في تطبيق نماذج تنموية تحترم القيم الإسلامية.
المحطة الثانية تركز على الإصلاح المؤسسي والإداري، لأن أي نهضة اقتصادية حقيقية تبدأ من إصلاح منظومة الحكم والإدارة. سنتناول الحوكمة الرشيدة، وتطوير الجهاز الإداري، وتحديث الإطار التشريعي، وتهيئة المجتمع للتحول.
المحطة الثالثة تستكشف المقومات الاستراتيجية المصرية الفريدة، من الموقع الجغرافي الذي لا يُقدر بثمن، إلى الثقافة والهوية المصرية كميزة تنافسية عالمية، إلى خريطة الموارد الطبيعية والبشرية وكيفية استغلالها الأمثل.
المحطة الرابعة تضع الإنسان المصري في قلب عملية التنمية، من خلال بناء منظومة تعليمية متطورة، وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال، وتمكين المرأة والشباب كقوة دافعة للاقتصاد.
المحطة الخامسة تقدم رؤية ثورية للنظام المالي والمصرفي المتوافق مع الشريعة الإسلامية، حيث نستكشف إمكانيات الصيرفة الإسلامية في عصر التكنولوجيا المالية، ونقدم نماذج مبتكرة للتمويل الإسلامي القائم على المشاركة في الربح والخسارة بدلا من الفوائد الربوية، ونضع استراتيجية لجذب الاستثمارات العالمية الحلال، ونفعل دور الزكاة والوقف في التنمية الاقتصادية.
المحطة السادسة تركز على القطاعات الإنتاجية الاستراتيجية، من الصناعة والزراعة والسياحة، إلى الخدمات اللوجستية واقتصاديات المعرفة والاقتصاد الرقمي.
المحطة السابعة تتناول البنية التحتية والتنمية المستدامة، من ثورة البنية التحتية والتنمية العمرانية الذكية، إلى الطاقة المتجددة والاقتصاد الدائري.
المحطة الثامنة تستكشف فرص التكامل الإقليمي والدولي، وكيف يمكن لمصر أن تكون قائدا للتكامل العربي والإسلامي مستلهمة مبدأ الأخوة الإسلامية: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (الحجرات: 10)، ولاعبا مؤثرا في الاقتصاد العالمي من خلال نموذج تنموي أخلاقي يقدم بديلا حضاريا للنماذج السائدة.
المحطة التاسعة والأخيرة تقدم آليات الحوكمة والتقييم، ومؤشرات قياس التقدم، واستراتيجيات ضمان الاستدامة.
لمن هذه الخارطة؟
هذه السلسلة ليست موجهة للاقتصاديين المتخصصين فقط، بل لكل من يهمه مستقبل مصر الاقتصادي؛ صناع القرار في الحكومة سيجدون فيها دليلا عمليا للسياسات المطلوبة، رجال الأعمال والمستثمرون سيكتشفون فرصا ذهبية لم تكن واضحة من قبل، الشباب سيجد خريطة طريق لدوره في النهضة، المثقفون والإعلاميون سيحصلون على مادة غنية لنشر الوعي الاقتصادي.
الوقت الآن أو لا
الحقيقة القاسية أن النوافذ التاريخية للتحول الاقتصادي لا تظل مفتوحة للأبد، العالم يتحرك بسرعة مذهلة، والدول التي تتردد اليوم ستجد نفسها غدا خارج السباق تماما.
السؤال الآن: هل ستستغل مصر هذه الفرص أم ستتركها تفلت من بين يديها؟
خلال الأسابيع القادمة، ستكشف لكم هذه السلسلة أن مصر ليست فقط قادرة على الوصول لمصاف العشرة الكبار، بل إنها تستحق أن تكون هناك محققة للرسالة الحضارية التي حملتها عبر التاريخ. والأهم من ذلك، ستقدم لكم الطريق العملي لتحويل هذا الحلم إلى حقيقة ملموسة يعيشها كل مصري بحلول عام 2040، في إطار مشروع نهضوي يحقق قول الله تعالى: "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ" (النجم: 39).
مع كل مقال في هذه السلسلة، نخطو خطوة جديدة نحو تحقيق هذا الحلم، خطوة تتطلب عزيمة لا تلين، وإيمانا بأن مصر قادرة على استعادة مكانتها الاقتصادية والحضارية. الطريق ليس سهلا، لكنه واضح، والفرصة الآن. فلنبدأ معا، ونعمل بإصرار، مستنيرين بهدي الإسلام، حتى نكتب فصلا جديدا من تاريخ مصر، فصوله النهضة والازدهار والكرامة.
مصر تستحق المقدمة.. والطريق واضح.. وبالعزيمة والتوكل على الله نبدأ الرحلة نحو عمارة الأرض والنهضة الحضارية الشاملة.