كشف الجيش الإسرائيلي -أمس الثلاثاء- عن تنفيذه ضربات جوية ضد ما يقرب من 80% من القدرات العسكرية السورية، وذلك في عملية تعد من أكبر العمليات الهجومية في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي.

في حين قالت مصادر أمنية إن توغل إسرائيل العسكري في جنوب سوريا وصل إلى نحو 25 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق، وأظهرت خرائط خاصة بالجزيرة سيطرة الجيش الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ، وعدد من القرى والبلدات داخل المنطقة منزوعة السلاح، بعمق يصل إلى 18 كيلومترا داخل الأراضي السورية.

واستغلت إسرائيل سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وهاجمت أكثر من 250 هدفا داخل الأراضي السورية، في خطوة يراها الخبراء -الذين استطلعت الجزيرة نت آراءهم- محاولة لإعادة ترسيم خطوط فض الاشتباك التي وقعتها مع الدولة السورية عام 1974، والتي احتفظت بموجبها إسرائيل بجزء من هضبة الجولان المحتلة حتى اليوم.

وتسارع الأحداث على هذا النحو يثير العديد من الأسئلة بشأن حجم العمليات الإسرائيلية داخل سوريا، ومدى قانونية ذلك في أعراف القانون والمواثيق الدولية التي وقعت عليها تل أبيب، ومآلات هذه التطورات في ترسيخ واقع جديد يبدو أنه يتشكل في أجندات القوى الإقليمية والدولية. وتناقش السطور القادمة هذه الأسئلة وغيرها من قبل خبراء عسكريين ومحللين سياسيين وأساتذة قانون دولي.

إعلان

أسامة خالد: أسباب التدخل الإسرائيلي في سوريا إستراتيجية ومآلاتها خطيرة

وائل علوان: إسرائيل لم تعد واثقة في الاتفاقات الدولية لتحقق لها بيئة آمنة

تاج الدين الحسيني: القانون الدولي يقف عاجزا أمام تعدد صور العدوان الإسرائيلي

رائد أبو بدوية: الاعتداء الإسرائيلي على سوريا يمثل انتهاكا لمعاهدة فض الاشتباك بينهما

أسامة خالد: أسباب التدخل الإسرائيلي في سوريا إستراتيجية ومآلاتها خطيرة

يعدد الخبير العسكري والأمني أسامة خالد أسباب التدخل الإسرائيلي في سوريا على النحو التالي:

هناك قناعة لدى صناع القرار في إسرائيل بخطورة الموقف إستراتيجيا، خاصة بعد التحول الخطير في دولة من دول الطوق بمكانة وأهمية سوريا، وهو ما يعني تهديدا أكيدا على مفهوم الأمن القومي لدى الاحتلال الإسرائيلي. وهناك احتمالية لدخول سوريا في حالة فوضى كبيرة على أساس حدوث اقتتال داخلي من قبل الفصائل السورية المختلفة، خاصة المدعومة من أطراف إقليمية، وهذه الفوضى يراها الاحتلال بيئة خصبة لانطلاق عمليات عسكرية ضد الحدود مع الجولان وفلسطين المحتلة. عندما سقط النظام في سوريا ترك خلفه كميات كبيرة من صنوف الأسلحة المختلفة في عدة مواقع مراكز سيطرة، وهي تمثل أصولا عسكرية إستراتيجية لسوريا الجديدة، التي قد يراها الجيش الإسرائيلي تفوقا عسكريا كبيرا، خاصة مع وجود طائرات عسكرية وأنظمة دفاع جوي ودبابات يمكن أن تكون مصدر تهديد لاحقا. تكمن أهمية التوغل الإسرائيلي بالأراضي السورية في تأمين المواقع والمستوطنات المحاذية لسوريا في القنيطرة ودرعا، عبر إنشاء حزام أمني (منطقة عازلة) في المناطق السورية الإستراتيجية القريبة، التي تعطي إشرافا معلوماتيا عاليا، وتمنع أي خطر بري وناري قد يصل لها. يرى الساسة في إسرائيل أن الوجود العسكري داخل سوريا يساعد على التدخل والتوسع بأرضها إذا تطور الأمر وأصبح هناك توجه حقيقي لتقسيم سوريا، ولا بد من موطئ قدم تستثمر فيه إسرائيل. إتمام تدمير ما تبقى من الوجود العسكري لكل من إيران وحزب الله ومقدراتهما، خاصة في الجنوب السوري الذي يعني نقطة تحول في إبعاد الخطر الإيراني الداهم على حدودها.

المآلات التدخل المبكر الإسرائيلي برا وجوا وتدميره مقدرات الشعب السوري الإستراتيجية وبنيته التحتية، وإلغاء اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا، كلها مسببات تلهب مشاعر السوريين والعرب والمسلمين، وسيتعاملون معها على أساس أنها تدخل عسكري وقوة احتلال جديدة يجب قتالها وطردها، ناهيك عن رفضهم الظلم الواقع من إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لأكثر من عام. إستراتيجية إسرائيل الجديدة للتعامل مع سوريا الوليدة تجعل منها بلدا ضعيفا منزوعا من السلاح الفعّال والإستراتيجي القادر على الدفاع عن نفسه وحماية أمنه القومي، وبالتالي إضعاف مباشر ومقصود للسلطة الإدارية والقيادة الجديدة في سوريا، التي لا تريد قتالا أو عداء مع أحد في ظل ترتيبها للبيت الداخلي وتسيير المرحلة الانتقالية بهدوء واستقرار.  السلوك الإسرائيلي ربما يتسبب في تفلت كثير من الجماعات وحتى الأفراد السوريين للاجتهاد والتفاعل الفطري العفوي لشن هجمات فردية أو جماعية على القوات الإسرائيلية التي احتلت مدنا وقرى عديدة في القنيطرة وأصبحت على مقربة من دمشق، وهذا "الوجود الاحتلالي" يعني شرعية لكل سوري لقتال الوجود الإسرائيلي على أساس أنه قوة احتلال يجب طردها من الأرض السورية. ربما تسعى إسرائيل لتغيير الديموغرافيا في سوريا عبر اللعب على وتر الأقليات، خاصة بما تملكه من علاقات قوية مع الطائفة الدرزية في سوريا وغيرها، وكذلك المشروع الكردي في شرقي سوريا، وبالتالي تشجيع أطراف دولية وإقليمية أخرى على التدخل وتقاسم ما يمكن تقاسمه، خاصة أن السلطة الجديدة منشغلة في ترتيب أمورها وطمأنة المحيط الإقليمي والدولي. ازدياد عوامل تفجر الموقف السياسي الإقليمي جراء تدخل إسرائيل في الأراضي السورية، الذي لا يمكن ضبطه عندما يتسبب في حالة من الفوضى وغياب الاستقرار بالمنطقة بعد الهدوء الحذر على جبهة لبنان التي كادت أن تفجر الأوضاع بالمنطقة كلها. إعلان

وائل علوان: إسرائيل لم تعد واثقة في الاتفاقات الدولية لتحقق لها بيئة آمنة

ويرى المختص في الشؤون السورية وائل علوان أن الموقف الإستراتيجي الإسرائيلي تغير في ظل تسارع الأحداث الإقليمية، ويرى أن التدخل الإسرائيلي في سوريا يعود إلى التالي:

بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لم تعد إسرائيل تثق بأن الاتفاقيات والتفاهمات الدولية والإقليمية ستحقق لها أمنها القومي، وأرادت الانتقال إلى شكل آخر من أجل ضبط أمنها وحدودها، حتى تكون حدود مستوطناتها مع دول الطوق محمية، ولذلك تلجأ إلى إنشاء منطقة فاصلة كافية غير قابلة للسكن، ولا يمكن أن يكون فيها أي نشاط عسكري أو أمني، ولا تحتوي على أي بنية تحتية عسكرية. تضاعفت المخاوف الإسرائيلية بعد سقوط نظام الأسد، وأصبحت حاجتها أكبر من أجل تأمين مستوطناتها في الجهة الشمالية، خاصة أن الوجود الروسي كان يضمن -نسبيا- لإسرائيل منذ عام 2018 ألا تكون هناك قوات تابعة لحزب الله أو للحرس الثوري الإيراني في هذه المنطقة. تريد إسرائيل أن يكون الجيش السوري في المستقبل القريب بلا سلاح، بما في ذلك السلاح الثقيل التقليدي، وتريد أن يكون جيشا ضعيفا غير قادر على تشكيل أي تهديد للأمن القومي الإسرائيلي بما في ذلك الحروب التقليدية، فضلا عن أن تقع أسلحة مثل الصواريخ بعيدة المدى والطيران المسير والأسلحة الكيميائية التي كانت إسرائيل تخشاها لدى النظام أو لدى حلفائه مثل المجموعات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. من الممكن أن تلجأ إسرائيل في الأيام القليلة القادمة إلى تدمير أكبر في المنطقة المحاذية للجولان المحتل، خاصة أنه يتزامن مع حملة قصف واسعة جدا طالت العديد من الأهداف التقليدية من مقدرات الجيش السوري، مثل منظومات الدفاع الجوي والثكنات العسكرية وميناء اللاذقية الذي قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن إيران كانت تستخدمه لأغراض أمنية وعسكرية. إسرائيل كانت تستهدف أماكن تقليدية في سوريا حتى قبل سقوط الأسد، مثل مراكز البحوث العلمية والمختبرات التي يتم فيها تطوير الأسلحة، لا سيما الأسلحة الكيميائية وما يرتبط بها، لكن الملاحظ أن القصف بعد نظام الأسد كان أوسع وأكبر، وشمل مطار المزة العسكري وحواضن الطائرات حتى المروحية منها ومستودعات أسلحة لا تعد خطرة ولا فتاكة ولا بعيدة المدى، بل أسلحة تقليدية حتى أحد المستودعات في الريف الغربي لدمشق كان يحتوي على سلاح متوسط فقط تم قصفه وتدميره بشكل كامل. إذن، هذا القصف على ما يبدو أنه مختلف بسياساته وإستراتيجياته البعيدة، فهو يستهدف كل ما يشكل تهديدا للأمن الإسرائيلي، وكان واضحا أنه يستهدف الترسانة العسكرية حتى لا تكون الدولة القادمة في سوريا مسلحة، بصرف النظر عن البديل القادم من الفصائل المعارضة التي تحكم دمشق الآن أو عبر انتقال سياسي بتداول سلمي للسلطة. إعلان

تاج الدين الحسيني: القانون الدولي يقف عاجزا أمام تعدد صور العدوان الإسرائيلي

ويعبر عن موقف القانون الدولي من العدوان الإسرائيلي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس بالرباط تاج الدين الحسيني ويقول:

للأسف الشديد، حتى الآن أصبح القانون الدولي عاجزا عن معالجة كل الإشكالات التي تنتج عن المواقف العدوانية والخطيرة التي تمارسها إسرائيل في هذه المنطقة من العالم، إذ وصل عدد الضحايا إلى ما يفوق 40 ألفا في غزة، وربما الآلاف في لبنان. نحن الآن أمام صورة جديدة لهذا العدوان، الذي لن يتمكن القانون الدولي الآن من معالجته، وهي الصورة التي تتمثل في استغلال تغيير النظام في سوريا لتقوم إسرائيل بأعمال عدوانية جديدة عبر اختراق المنطقة العازلة التي تفصل بين سوريا وإسرائيل، والتي يفترض أن تكون فيها قوات أمم المتحدة، ثم الهجوم على عدة قرى مجاورة في الشريط الفاصل بين الدولتين، ثم القيام بعمليات عدوانية عبر توجيه صواريخ إلى أماكن محددة حتى داخل العاصمة دمشق وعدة مناطق أخرى. وكل هذه الأفعال ترتكبها إسرائيل في إطار تبرير غير معقول وهو أن كل هذا له طبيعة دفاعية. وعندما نرجع إلى مقتضيات القانون الأساسي للعلاقات الدولية وميثاق الأمم المتحدة تشير المادة 51 إلى حق الدفاع الشرعي الذي لا يمارس إلا من قبل الدول التي تتعرض لنوع من العدوان باستعمال القوة المسلحة، والذي يكون في إطار الدفاع عن مكتسباتها وعن حدودها. الآن إسرائيل تتوسع في حدود البلدان المجاورة بهذه الطريقة، وتسوغ هذه المبررات من خلال المصادقة عليها من قبل دولة العظمى مثل الولايات المتحدة. كما أن مرتفعات الجولان تدخل كذلك ضمن الأراضي السورية التي احتلتها إسرائيل في سنة 1967، وما زالت تحتلها، ثم جاء الرئيس الأميركي المنتخب ليعترف بسيادة إسرائيل عليها إبان فترته الرئاسية الأولى. وهكذا تبدأ الأشياء عبر احتلال غير مشروع، ثم تبريره بشتى الوسائل، ثم إضفاء نوع من الشرعية المنفردة عليه من قبل إحدى الدول الكبرى. وبالتالي أعتقد أن ما يقع اليوم هو ذو طبيعة كارثية على مستقبل القانون الدولي وإمكانية استمرار هذا القانون في ضبط العلاقات بين الدول، لأن كل ضوابطه الآن يتم خرقها على نحو سافر من طرف إسرائيل من غير الخضوع لأي نوع من الجزاء أو العقاب الدولي. إعلان

رائد أبو بدوية: الاعتداء الإسرائيلي على سوريا يمثل انتهاكا لمعاهدة فض الاشتباك بينهما

رأي قانوني آخر يقدمه أستاذ القانون الدولي بالجامعة العربية الأميركية رائد أبو بدوية، ويرى أن:

الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية عبر السيطرة على مناطق جديدة محاذية للجولان السوري المحتل تمثل انتهاكا واضحا لاتفاقية ما يسمى "فض الاشتباك" بين القيادة الإسرائيلية وسوريا التي تم توقيعها عام 1974. هذه الاتفاقية ليست معاهدة سلام، ولكن مضمونها عبارة عن هدنة عسكرية نوعا ما، اسمها الرسمي "فك الاشتباك"، بهدف ضمان عدم تقدم أي جانب من الدولتين إلى حدود الدولة الأخرى بعد خط فك الاشتباك. وهذه الاتفاقية تمت برعاية دولية في سويسرا وبوجود الاتحاد السوفياتي في هذا الوقت، وإثر هذه الاتفاقية أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بإنشاء قوة دولية مراقبة على الحدود بين إسرائيل وسوريا، ومن جهة أخرى أبقت هذه الحدود المرسومة سيطرة إسرائيل على جزء كبير من الجولان، ولكن بعد انهيار النظام السوري زادت إسرائيل مساحات السيطرة من هذه الحدود مع الدولة السورية. هناك قرار دولي يدعو لتشكيل قوة أممية مراقبة، وهذه القوة موجودة حتى اليوم، وأنا أعتقد أنها رفعت تقارير إلى الأمم المتحدة على أساس أن هناك انتهاكات من قبل إسرائيل من أجل السيطرة على هذه المناطق. ولكن من الناحية القانونية، لا يفترض لإسرائيل أن تتعدى خطوط الاشتباك التي رسمتها اتفاقية عام 74. واضح أن انهيار النظام السوري وعدم قدرة النظام الموجود في سوريا حاليا أو وجود قوة تضمن هذه الحدود جعل إسرائيل تستخدم ذلك كذريعة من أجل زيادة احتلال الأراضي في الجولان المحتل أكثر مما كانت تحتله عام 67، وواضح أن إعلان نتنياهو أيضا انهيار هذه الاتفاقية والسيطرة على جبل الشيخ وعلى مناطق أخرى مؤشر على أن إسرائيل لن تعود إلى اتفاقية عام 74 مرة أخرى. هذه التوغلات الإسرائيلية غير قانونية، كما أن احتلال الجولان أصلا المستمر منذ عام 67 غير قانوني، وهو أرض سورية محتلة بموجب القانون الدولي ولا يفترض لإسرائيل ضمها كما فعلت عام 1981 ولا يفترض في إسرائيل توسيع سيطرتها حاليا. إسرائيل ستستغل فرص انهيار النظام والصراعات في العالم والإقليم، ووصول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب للحكم، وهو الذي اعترف في فترة حكمه الأولى بالجولان بوصفها أرضا إسرائيلية، وبالتالي أعتقد أن الظروف السياسية ستكون مهيأة حتى لا تعود إسرائيل إلى خطوط الاشتباك الأولى قبل انهيار النظام السوري. إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الأراضی السوریة القانون الدولی الإسرائیلی على هذه الاتفاقیة انهیار النظام فض الاشتباک إسرائیل فی على أساس من أجل من قبل

إقرأ أيضاً:

استخدام إسرائيل سلاح التجويع بحربها على غزة من منظور القانون الدولي الإنساني

يُعَاني قطاع غزَّة أزمة إنسانيَّة متفاقمة ومتعددة الأبعاد والتَّداعيات، نتيجة سياسات التَّجويع التي تستخدمها قوَّات الاحتلال الإسرائيلي تجاه القطاع منذ السَّابع مِن تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث تستخدم إسرائيل سلاح الجوع والتَّجويع كإحدى أدوات وأساليب الحرب، فقد أعلنت منذ اليوم الأول للحرب عن فرض حصار شامل وكامل على القطاع، وقطعت إمدادات المياه والكهرباء، وأغلقت المعابر الحدوديَّة، واعتبرت قطاع غزَّة كيانا معاديا.

تحدث هذه الجريمة رغم أن القانون الدَّولي الإنساني يحظر استخدام تجويع السُّكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، ولا يجوز للطَّرف الذي يفرض الحصار أن يعمد إلى حرمان المدنيِّين من الإمدادات الأساسيَّة لبقائهم على قيد الحياة (مثل الغذاء والمياه والإمدادات الطبيَّة) في منطقة مُحاصَرة، وأن يتَّخذ ذلك وسيلة مشروعة لإخضاع عدوِّه.

يُعدُّ تجويع المدنيين أسلوبا محظورا من أساليب الحرب في القانون الدولي الإنساني الحديث. وقانونيّا يُعرَّف التَّجويع بأنّه حرمان المدنيِّين عمدا من الطَّعام إلى جانب حرمانهم من دُخُول المساعدة الإنسانيَّة، وهو ما يعتبر دليلا كافيا على أنَّ تجويعَهُم هو الغَرض الأساسي مِن الحِصار. وتستمدُّ هذه القاعدة شرعيَّتها من مبدأ التَّمييز المنصوص عليه في القانون الدَّولي الإنساني، للمرَّة الأولى في البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 المادة 54 (1) من البروتوكول الإضافي الأول: المادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني، واليوم تعتبر قانونا عرفيّا في النِّزَاعات المسلَّحة الدوليَّة وغير الدوليَّة (القانون الدَّولي الإنساني العرفي، القاعدة 53).

يعتبر التَّجوِيع جزءا من الإبادة الجماعيَّة التقليديَّة، التي تُركِّز على التَّدمِير الجسدي والبيولوجي للمجموعة العرقيَّة، ويعتبر التجويع أحد الأفعال الماديَّة التي إذا ما ارتكبت في سياق معيَّن يمكن اعتباره فعلا مِن أفعال الإبادة الجماعيَّة في اتفاقيَّة الإبادة الجماعيَّة لعام 1948
كما نصَّ نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة عام 1998 على أنَّ تجويع المدنيِّين عمدا عبر "حرمانهم من العناصر الأساسيَّة لبقاء حياتهم، بما في ذلك تعمُّد عرقلة إمدادات الإغاثة"، يُعدُّ جريمة حرب، ولا يشتَرط القصد الإجرامي اعتراف المعتدي؛ بل يمكن استنتاجُه من مجمل الظُّروف المحيطة بالحملة العسكريَّة، ومع ذلك فإنَّ هذا التصنيف ينطبق فقط على النِّزاعات المسلَّحة الدوليَّة.

يعتبر التَّجوِيع جزءا من الإبادة الجماعيَّة التقليديَّة، التي تُركِّز على التَّدمِير الجسدي والبيولوجي للمجموعة العرقيَّة، ويعتبر التجويع أحد الأفعال الماديَّة التي إذا ما ارتكبت في سياق معيَّن يمكن اعتباره فعلا مِن أفعال الإبادة الجماعيَّة في اتفاقيَّة الإبادة الجماعيَّة لعام 1948. ويُعرّف التَّعليق على البروتوكولات الإضافيَّة لاتفاقيَّات جنيف لعام 1977 التَّجويع بأنَّه "سلاحٌ لإبادة السُّكَّان أو إضعافهم"، إلَّا أنَّ النصَّ الصَّرِيح الذي يحمي المدنيين، ويَحْظِر استخدام التَّجْوِيع كسِلَاح حربٍ مَوجُود في المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول، وتنصُّ على أنَّه "يُحظَر مُهَاجمَة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد الَّتِي لا غنى عنها لبقاء السُّكَّان المدنيين، مثل المواد الغذائيَّة والمناطق الزراعيَّة لإنتاجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشُّرب والإمدادات وأعمال الري، بغرضٍ محدَّدٍ هو حرمان السكَّان المدنيِّين أو الطَّرف الخصم من قيمتها الغذائيَّة، مهما كان الدَّافع، سواء كان ذلك لتجويع المدنيِّين أو لإجبارهم على النُّزُوح أو لأيِّ دافع آخَر".

منظَّمَة أوكسفام الخيريَّة الدولية، أكدت في تقاريرها أنَّ التَّجويع يُستخدم كسِلَاح حرب ضد المدنيِّين في غزَّة، وجدَّدَت دعوتها للسَّمَاح بدخول الغذاء والماء والوقود وغيرها من الضَّرُوريات، وقامت الوكالة الدوليَّة بتحليل بيانات الأمم المتحدة، ووَجَدت أنَّ 2 في المئة فقط من الغِذَاء الَّذِي كان من المفترض أن يتمَّ تسليمُه دخَل غزَّة منذ فرض الحِصَار الشَّامل الَّذِي قد شُدِّد حاليا.

كما أن اللَّجنة الخاصَّة للأمم المتَّحدة للتحقيق في الممارسات الإسرائيليَّة كانت قد أصدرت تقريرا سابقا، أكَّدت فيه على أنَّ الحرب التي تشنُّها إسرائيل في غزَّة تتسق مع خصائص الإبادة الجماعيَّة، مع سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيِّين، وفرض ظروف تُهدِّد الحياة عمدا على الفلسطينيِّين هناك. ويغطي التقرير الفترة من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى تموز/ يوليو 2024. وقالت اللَّجنة: "من خلال حصارها لغزة، وعرقلة المساعدات الإنسانيَّة، إلى جانب الهجمات المستهدفة وقتل المدنيِّين وعُمَّال الإغاثة، وعلى الرغم من النِّداءات المتكرِّرة للأمم المتحدة، والأوامر الملزمة من محكمة العدل الدوليَّة، وقرارات مجلس الأمن، فإن إسرائيل تتسبَّب عمدا في المَوت والتَّجويع والإصابات الخطيرة، باستخدام التَّجويع -كأسلوب من أساليب الحرب- وفرض عُقُوبَات جماعيَّة على السكَّان الفلسطينيِّين".

إسرائيل تتسبَّب عمدا في المَوت والتَّجويع والإصابات الخطيرة، باستخدام التَّجويع -كأسلوب من أساليب الحرب- وفرض عُقُوبَات جماعيَّة على السكَّان الفلسطينيِّين
وكانَ مَسؤُول السياسة الخارجيَّة في الاتِّحاد الأوروبي السَّابق "جوزيب بوريل" قد أكَّد على "أنَّ إسرائيل تتسبب في مجاعة في غزة، وتستخدم التَّجويع كسلاح حرب، وقال بوريل في افتتاح مؤتمر حول المساعدات الإنسانيَّة لغزَّة في بروكسل: "في غزَّة لم نعد على شفا المجاعة، نحن في حالة مجاعة تُؤثِّر في آلاف الأشخاص"، بينما أكَّد مُفوِّض عام وكالة الأمم المتَّحدة لغوث وتشغيل اللَّاجئين الفلسطينيِّين "أونروا" فيليب لازاريني أنَّ إسرائيل استخدمت الجُوع كسِلَاح في قطاع غزَّة، مشيرا إلى حرمان السُّكَّان من الضَّرُوريات الأساسيَّة للبقاء على قيد الحياة.

بفضل هذه السياسات ويواجه أكثر من مليوني فلسطيني في غزَّة أزمة إنسانيَّة غير مسبوقة نتيجة القيود الإسرائيليَّة المفْرُوضة على دُخُول المساعدات منذ مطلع آذار/ مارس 2025، عقب انهيار المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة. ووفقا لتقرير التَّصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي الصَّادر مؤخرا، سيواجه 470 ألف شخص في غزة جوعا كارثيّا (المَرْحلة الخامسة والأشد من التَّصنيف) خلال الفترة بين أيار/ مايو وأيلول/ سبتمبر 2025، بزيادة قدرها 250 في المئة عن تقديرات التَّصنِيف السَّابقة. ويُحدِّد التَّقرير أنَّ السُّكَّان بأكملهم يعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما يُتوقَّع أن يحتاج 71 ألف طفل وأكثر من 17 ألف أُم إلى علاج عاجل من سوء التَّغذية الحاد.

وفي بداية عام 2025 قدَّرَت الوكالات أنَّ 60 ألف طفل سيحتاجون إلى العِلَاج العاجل، حيث أكدت "هيُومن رايتس ووتش" أنَّ أطفال غزَّة يموتُون مِن مُضَاعفات الجُوع منذ أن بدأت الحكومة الإسرائيليَّة في استخدام التَّجويع كسِلَاح حرب، وهو ما يُعدُّ جريمة حرب. وقد ذكر أطبَّاء وعائلات في غزَّة أنَّ الأطفال -بالإضافة إلى الأمَّهات الحوامل والمرضعات- يُعَانون من سوء تغذية حاد وجفاف، وعدم تأهيل المستشفيات لعلاجهم.

مقالات مشابهة

  • استخدام إسرائيل سلاح التجويع بحربها على غزة من منظور القانون الدولي الإنساني
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تتوغل في “القنيطرة” السورية وتقيم حاجز تفتيش.. والأهالي يتخوفون من استمرار تلك الأعمال الاستفزازية
  • صحيفة إسرائيلية: تركيا أصبحت القوة الجديدة التي تُقلق إسرائيل في الشرق الأوسط!
  • وزير الدفاع الإسرائيلي يكشف تفاصيل الضربات الأخيرة على سوريا
  • إسرائيل تشن غارات جوية مستهدفة مواقع عسكرية في سوريا
  • "قو للاتصالات" توقّع مذكرة تعاون مع وزارة الاتصالات السورية لتسريع التحول الرقمي وتمكين الذكاء الاصطناعي في سوريا
  • لقطات من رعاية رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع لمراسم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الطاقة السورية ومجموعة UCC الدولية لتطوير قطاع الطاقة في سوريا
  • الرئيس التنفيذي لشركة أورباكون القابضة رامز الخياط: الاتفاقيات التي تم توقيعها اليوم ستحول سوريا من دولة لديها عجز في مجال الطاقة إلى دولة مصدرة لها
  • المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك: هذه اللحظات لا تتكرر دائماً وكل جهود الإدارة الأمريكية تصب في مصلحة الحكومة السورية الجديدة
  • رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع يستقبل المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا السيد توماس باراك في قصر الشعب بالعاصمة دمشق