صدى البلد:
2025-07-30@12:01:47 GMT

منى أحمد تكتب: القنديل بين الأصالة والحداثة

تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT

قادتني الصدفة إلي مشاهدة رائعة الروائي الكبير يحيى حقي قنديل أم هاشم وصراع العلم والمعتقدات المتوراثة, المتراكمة في الوعي الجمعي لشريحة كبيرة باختلاف طبقاتها.


جاءت النسخة السينمائية للطرح الإبداعي لحقي مشرقة بأنوارها ومجابهة بأفكارها لموروثات شعبية, ومجسدة  لفكرة الصراع بين العادات والمورثات التي تقف علي النقيض من التطور العلمي, وهي من الروايات الرمزية  غير المباشرة التي ُنسجت في إطار درامي, بمعالجات دلالية حول إشكالية التفاعل مع الثقافات الغربية والموقف المذبذب منها.

 


فقنديل أم هاشم كان صراع بين المجتمع الأصولي وبين الحداثة الوافدة, من خلال بطل الرواية إسماعيل الذي ولد وعاش في حي السيدة زينب بعاداته وتقاليده المتشبعة بنمطا من التدين الشعبي ,لينتقل فجأة لدراسة الطب في أوروبا.


وتصطدم مكونات التسامي الإيماني الظاهري لديه بحضارة الغرب المنفتح بكل منجزاته ومادياته,وتحدث الصدمة الحضارية ويعود لوطنه آسيرا لكل ما رأه من حريات وأفكار, فيقع بين مطرقة ما نشأ عليه وسندان ما اطلع عليه من حداثة.


أضيف إلي هذا الصراع تحدي أخر تمثل في إصابة أبنة عمه فاطمة بضعف في الأبصار, يهددها بالعمي في وسط  اجتماعي يلجأ فيه بسطاؤه إلى العلاج ببركة الصالحين, والرمز هنا هو قطرات من زيت القنديل المبارك وهو الأمر الذي يرفضه العلم وجسدته المعالجة الدرامية بتحطيم د.إسماعيل قنديل المسجد.


لكنه هو الآخر يفشل  في علاجها  بالعلم وينفض عنه مرضاه ،بعد فشله الناتج عن تحديه لمعتقداتهم الدينية ويصبح علمه مرفوضا من جميع من حوله.


وتنهار ثقة إسماعيل فيما تلقاه من علم , فلا الزيت ولا العلم  قدما العلاج لعين فاطمة , وتزداد حالته سوءا ويصبح بلا عمل , وبعد صراع كبير يقرر منهجًا جديًدا مستخدما العلم والايمان معًا.


ويبدأ مرحلة جديدة من علاج ابنة عمه ,معترفا ببركة زيت القنديل في الشفاء لكن مع الاستعانة بالأدوية, وبمرور الوقت تتعافي وتبصر مرة أخري,دون أن يعلم أحد هل العلاج بالدواء أم بالتسليم والرضوخ الروحاني للفكرة. 


فعندما دخل بطل الرواية في دوامة الصراع الوجودي عبر معاناة داخلية مظلمة,أنتهت باكتشاف النور المتواجد في مكنونات النفس, والذى أدي التخلى الكامل عنه لتحويل العلم المكتسب إلى طائر بجناحٍ واحد.


وجاء رحاب أم هاشم بكل ما ترمز إليه من دلالات روحانية, ليمد جسرا يصل ما بين ما وصل إليه العلم وبين حياة الناس ومورثاتهم الراسخة,فالجانب الروحى الخلاق الذى يرمز إليه الحضور المضيئ للقنديل ،ويمتد إلى الزيت الذى يؤمن ببركاته من يقبلون عليه يصل في نهايته إلى اليقين بحتمية أقتران العلم المادي بالروحانيات.

ومن أجل هذا وصف حقي القنديل بأنه أبدي ويتعالى على كل الصراعات,فكل نور يبدأ باصطدام بين ظلام يجثم وضوء يدفع ,إلا هذا القنديل فإنه يضئ بغير صراع. 
على كثرة نصوص الأدب العربي التي طرحت إشكاليات الصراع بين الأصالة والحداثة , تظل رواية قنديل أم هاشم متفردة بوصفها مرجعا أصيلا فند هذا الصراع علي ارض الواقع.
ورغم تنوع أعمال يحيي حقي ستظل رائعته قنديل أم هاشم هي الأشهر والأهم في أعماله ,التي تميزت بجمال الصياغة وروعة الفكرة والتراكيب اللغوية المتفردة في إيقاعاتها المتدفقة,والقدرة الفائقةعلى استخدام الإيحاء والتجسيد والتأثير.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: يحيى حقي قنديل أم هاشم المزيد قندیل أم هاشم

إقرأ أيضاً:

شيخة الجابري تكتب: كنز ليوا الأخضر

انتهى مهرجان «ليوا للرطب»، وانتهت معه أجمل الأيام التي شهدت عروضاً مميزة، واهتماماً رسمياً كبيراً، وحضوراً جماهيرياً مدهشاً، ومنتجات يفخر بها الوطن، ومشاركات فاقت التوقعات. إن المهرجان الذي خصصت دورته هذا العام للاحتفاء بالنخلة كان موفقاً في ذلك، حيث إن منطقة الظفرة تحفل بالعديد من أصناف وأنواع النخل التي تُبهج القلوب، وتضعك أمام حيرة فيما تختار منها تبارك الرحمن، إنها خيرات وطن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، صاحب اليد الخضراء الذي كان يرى في النخلة امتداداً للإنسان وثقافته، واهتمامه وعمره الناضح بالطموح والأمل.
النخلة هي عمة العرب، بل هي رفيقتهم، وصديقة حياتهم منذ الأزل، ارتبط إنسان هذا المكان بالنخلة، فكانت له خير صديق وأنيس، إن النخلة هي المُحبّ النافع مثلها مثل الكتاب تعطي بلا حدود، ولا شروط، ولا مِنّة، فيهما وفاء لا حدود له، ولهما مكانة لا تقدير لها، تشبه ذاك الحب الممتد من قلب إلى قلب ينبض بالشوق والمحبة، النخلة هي الشجرة «المبروكة» التي ينال منها الإنسان أجمل الحصاد والغذاء.
النخلة هي المثال الحي للاستدامة بمفهومها الواسع والعلمي كذلك، فالإنسان ينتفع بها منذ أن يغرسها في الأرض وحتى أن تورق وتطرح من الخير الكثير، لقد استفاد الإنسان في الخليج والجزيرة العربية على الدقة من كل جزء من أجزاء النخلة، وكانت تشكّل لابن الإمارات في القديم مصدر اكتفاء غذائي، وكذلك حملت إليه الكثير من المنافع الأخرى، النخلة في صغرها تشبه الفتى اليافع، وفي هرمها تشبه الكبير العاشق لها، لذا فإن دورة حياتها كالإنسان من حيث الولادة، ثم الانطفاء.
لم يأت احتفاء ليوا بالنخلة من فراغ، بل من إيمان حقيقي بقيمتها، ووعي تام بأهميتها، فهي المُلهمة، وهي التي تربطنا بتراث وماضي وطننا ومستقبله كذلك، فالتنوع الذي شهده المهرجان في نوع وشكل وحجم الرطب الذي شاركت به عديد من الجهات، يؤكد أهمية النخلة، والجهود التي تبذلها الدولة لتشجيع المواطنين على الاعتناء بها، والإبداع في إكثارها، وتعدد أصنافها، ففي الوقت الذي كان الناس يعرفون فيه «لخلاص ولخنيزي وبومعان والرزيز» وغيرها من الأصناف، صاروا اليوم يتباهون بالأصناف الجديدة التي يشاركون بها في المهرجان ويتسابق الناس إلى شرائها.
إنك وأنت تتجول بين الأجنحة المشاركة في مهرجان «ليوا للرطب» تشعر بعبق التراث، ورائحة الماضي الجميل، ولون الحب الذي تعمر به القلوب، إن كلمة شكر وتقدير واجبة لكل القائمين على المهرجان من مسؤولين ومنظمين ومشاركين، وكل سنة وكل حول ووطننا عامر بالمهرجانات الوطنية الرائعة.

أخبار ذات صلة شيخة الجابري تكتب: بخصوص ما يبتكره اللصوص! شيخة الجابري تكتب: دمعة بدور وأغلى شعور

مقالات مشابهة

  • بالصور: ليلى أحمد، طفلة غزة التي تقاوم الجوع وتكتب حكاية صمود
  • عبد الخالق ونميري ومنصور خالد في محاكم الشجرة: كما تكونوا يُفَكَر لكم
  • الصيام المتقطع… بين العلم والتجربة
  • ناشئ قطار المنيا.. قصة كفاح تكتب فصلاً جديداً في ملحمة الحلم الكروي
  • بلال قنديل يكتب: الاختيار
  • حادثة العلم الفلسطيني في مهرجانات البترون.. هذا ما كُشف عنها
  • نورزاد هاشم صاحبة الـ 23 عاما.. دخلت المستشفى روحا خرجت جـ ثة
  • تعلن نيابة ومحكمة خولان الابتدائية أن على المتهمين/ بندر شاكر وعبدالكريم إسماعيل الحضور إلى المحكمة
  • شيخة الجابري تكتب: كنز ليوا الأخضر
  • سمر الشهوان: المواطَنة الصّلبة والحداثة السائلة!