سودانايل:
2025-08-02@20:51:55 GMT

حكومة تحت الإعلان

تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT

فيصل محمد صالح
وزير الإعلام السوداني السابق

تتلاحق الأحداث في السودان بشكل يجعل المقال الأسبوعي عاجزاً عن ملاحقتها؛ فخلال أيام قليلة تظهر تطورات جديدة في المشهد السوداني تستدعي مراجعة القراءات والكتابات السابقة وتجديدها لنواكب ما يحدث.

كتبنا في الأسبوع الماضي عن فكرة حكومة المنفى التي طرحتها بعض الحركات السياسية داخل اجتماعات الهيئة القيادية لتنسيقية «تقدم»، وما صاحبها من نقاشات وجدال بدا أنه قد تم حسمه لصالح من يرفضون فكرة تشكيل الحكومة، وإن كان البيان الختامي لم يعكس هذا الرأي القاطع.



ويبدو أن أصحاب الفكرة قد اتخذوا قرارهم بلا رجعة؛ فقد خرجوا للإعلام ليروجوا لفكرتهم ويدافعوا عنها، كما نقلت الأنباء أنهم انتظموا في اجتماعات في إحدى دول الجوار، وربما يتم الإعلان عن هذه الحكومة في أي لحظة. ومما ظهر حتى الآن، أنه قد تم حسم نقطتين أساسيتين في ما يتعلق بهذه الحكومة؛ الأولى أنها ليست حكومة منفى بالمعنى الذي تبادر للأذهان عندما تم طرح الفكرة في الاجتماعات، وإنما هي حكومة على جزء من أراضي السودان، والثانية أنها، بالضرورة، ستتم على أساس تحالفي مع «قوات الدعم السريع»؛ لأنها ستقوم في الأراضي التي تقع تحت سيطرتها.

ستقوم حكومة على جزء من أراضي السودان، مثلما هناك حكومة أمر واقع على جزء آخر تتخذ من مدينة بورتسودان عاصمة مؤقتة لها، وبالتالي سيكون البلد مقسماً بين حكومتين، هذا أمر لن يستطيع أحد إنكاره أو أن يدّعي غيره، وهو أمر وقع في ليبيا وفي اليمن وفي سوريا، وأنتج واقع تقسيم لا تزال هذه البلاد تعيشه حتى الآن. وبالتالي، فإن الإعلان عن تشكيل حكومة ثانية سيعني رسمياً الإعلان عن تقسيم السودان، مهما حاول مناصرو الفكرة الادعاء بغير ذلك.

ولا أحد من السذاجة بحيث يتصور أن قيام هذه الحكومة الجديدة سيعني بالضرورة نزع الشرعية عن الحكومة القائمة في بورتسودان، بل ربما يؤدي لعكس ذلك؛ فالاتحاد الأفريقي مثلاً لا يعترف بالحكومة الحالية؛ لأنها جاءت بانقلاب عسكري، ودول الغرب على إجمالها لها الرأي نفسه، لكنها تتعامل مع حكومة البرهان كحكومة أمر واقع، وعندما لا تجد الحكومة الجديدة أي اعتراف دولي، فهذا قد يتم تفسيره بأن دول العالم بالضرورة تعترف بحكومة بورتسودان.

الأمر الذي يثير الحيرة أيضاً هو التوقيت، فلا أحد يعلم تحديداً لماذا تم اختيار هذا التوقيت، وما هو مغزاه. ويذكر الناس أن هذه الفكرة تم طرحها في الأيام الأولى لانقلاب البرهان - حميدتي في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، حيث كانت الحسابات تقول إن معظم أعضاء مجلس الوزراء، عدا ستة وزراء يمثلون الحركات المتحالفة مع البرهان، ضد الانقلاب، وكذلك خمسة من أعضاء مجلس السيادة، يمكن أن يضاف لهم ممثلو الحركات الثلاث، مالك عقار والطاهر حجر والهادي إدريس، فتكون لهم الأغلبية، وكان الشارع ملتهباً وداعماً، لكن لم يتحمس البعض للفكرة، ومنهم المبادرون الحاليون، واستمروا في عضوية مجلس السيادة.

ليس هناك أي دلالات أو إشارات تجيب عن سؤال: «لماذا الآن...؟»، مثلما لا أحد يقف ليجيب عن سؤال: من سيعترف بهذه الحكومة؟

أهم النقاط التي تضعف فرص نجاح هذه التجربة ستكون علاقتها بـ«الدعم السريع»، بخاصة مع حجم الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها هذه القوات حيثما حلّت؛ فقد تكوّن موقف دولي رافض لممارسات «الدعم السريع»، وربما يصل لمرحلة الاستعداد لرفض أي دور سياسي مستقبلي لهذه القوات. اتسمت ممارسات هذه القوات بالتفلتات الكبيرة وعدم الانضباط، وهو أمر عجز القادة العسكريون لـ«الدعم السريع» عن معالجته، بخاصة مجموعات الفزع القبلي التي لم تتلقَّ تدريباً نظامياً، ولا يعلم أحد كيف ستخضع هذه القوات لقادة مدنيين لم يقاتلوا معهم، ولا ينتمون قبلياً وجهوياً للكتلة الكبرى من «قوات الدعم السريع».

تبقى بعد ذلك أسئلة كثيرة عن طبيعة ونوع الخدمات التي يمكن أن تقدمها هذه الحكومة لمواطني المناطق التي توجد بها «قوات الدعم السريع»، فهؤلاء المواطنون نزح معظمهم من هذه المناطق لافتقادهم الأمن والسلام بعد كل ما تعرضوا له، ولم تبقَ إلا مجموعات قليلة اضطرتها الظروف القاهرة للبقاء. والإدارات المدنية التي شكّلتها «الدعم السريع» بولاية الجزيرة لم تستطع أن توفر مجرد الإحساس بالأمان للمواطن، ولم تثبت أن لها أي سلطة على العسكريين، فهل يكون هذا هو أيضاً مصير مدنيي الحكومة الجديدة؟  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع هذه الحکومة هذه القوات

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الإفريقي يحذر من تقسيم السودان ويرفض الاعتراف بالحكومة الموازية لـ”الدعم السريع”

رفض الاتحاد الإفريقي الاعتراف بالحكومة الموازية التي أعلنتها قوات الدعم السريع في السودان، محذرا من خطر تقسيم البلاد وتداعيات ذلك على جهود السلام، وداعيا المجتمع الدولي إلى عدم التعامل مع الكيان الجديد.

دعا الاتحاد الإفريقي إلى عدم الاعتراف بالحكومة الموازية التي أعلنتها قوات الدعم السريع في السودان، محذرًا من تداعيات هذه الخطوة على وحدة البلاد وجهود السلام الجارية، في وقت تتصاعد فيه الأزمة الإنسانية نتيجة الحرب المستمرة منذ أكثر من عام.
تحذير من تقسيم السودان

وفي بيان له، دعا مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي “جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي إلى رفض تقسيم السودان وعدم الاعتراف بما يُسمى الحكومة الموازية” التي شكلتها قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المدعو “حميدتي”.

وأكد البيان أن هذه الخطوة “ستكون لها عواقب وخيمة على جهود السلام ومستقبل السودان”، منددا مجددا بـ”جميع أشكال التدخل الخارجي التي تؤجج النزاع السوداني، في انتهاك صارخ” لقرارات الأمم المتحدة.
حكومة موازية وسط رفض محلي ودولي

وأعلنت قوات الدعم السريع يوم السبت 26 تموز/يوليو تشكيل حكومة موازية تتألف من 15 عضوا، يرأسها حميدتي، ويتولى عبد العزيز الحلو، زعيم “الحركة الشعبية لتحرير السودان”، منصب نائب رئيس المجلس الرئاسي. كما تم تعيين محمد حسن التعايشي رئيسا للوزراء، والإعلان عن حكام للأقاليم، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقد في مدينة نيالا، كبرى مدن إقليم دارفور.

وكان حميدتي قد أعلن في نيسان/أبريل الماضي، في الذكرى الثانية للحرب الأهلية، نيته تشكيل “حكومة السلام والوحدة”، مؤكدا أن التحالف الجديد يمثل “الوجه الحقيقي للسودان”، مع وعود بإصدار عملة ووثائق هوية جديدة، واستعادة الحياة الاقتصادية.

وقد أعربت الأمم المتحدة في حينه عن قلقها العميق من خطر “تفكك السودان”، محذّرة من أن مثل هذه الخطوات ستؤدي إلى تصعيد إضافي في النزاع وترسيخ الأزمة.
اتهامات لـ”الدعم السريع” باستهداف المدنيين

وقبل أيام، اتهمت مجموعة “محامو الطوارئ” السودانية، المعنية بتوثيق الانتهاكات خلال الحرب المستعرة في البلاد، قوات الدعم السريع بارتكاب مجزرة راح ضحيتها 30 مدنياً على الأقل، بينهم نساء وأطفال، خلال هجوم استمر يومين على قرية بريما رشيد بولاية غرب كردفان.

وذكرت المجموعة، في بيان صدر الجمعة 25 تموز/يوليو، أن الهجوم وقع يومي الأربعاء والخميس واستهدف القرية الواقعة قرب مدينة النهود، وهي منطقة استراتيجية لطالما شكلت نقطة عبور للجيش السوداني في إرسال التعزيزات نحو الغرب. وأسفر اليوم الأول من الهجوم عن مقتل ثلاثة مدنيين، بينما ارتفع عدد الضحايا في اليوم التالي إلى 27.

وأكد البيان أن “من بين القتلى نساء وأطفال، ما يجعل من الهجوم جريمة ترقى إلى انتهاك جسيم لقواعد القانون الدولي، لاسيما من حيث الاستهداف المتعمد والعشوائي للمدنيين”.

وفي تطور خطير، اتهمت المجموعة قوات الدعم السريع باقتحام عدد من المنشآت الطبية في النهود، بينها مستشفى البشير والمستشفى التعليمي ومركز الدكتور سليمان الطبي، ووصفت ذلك بأنه “انتهاك صارخ لحرمة المرافق الطبية”.

ولم تصدر قوات الدعم السريع حتى الآن أي تعليق رسمي على تلك الاتهامات.
انقسام ميداني يعمق الأزمة الإنسانية

وتخوض قوات الدعم السريع منذ 15 نيسان/أبريل 2023 حربا دامية ضد الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، أسفرت عن مقتل عشرات آلاف الأشخاص وتشريد أكثر من 13 مليون نازح ولاجئ، بحسب الأمم المتحدة. وتسيطر قوات الجيش على مناطق الشمال والشرق والوسط، بينما تفرض قوات الدعم السريع سيطرتها على معظم إقليم دارفور وأجزاء من كردفان.

في ظل هذا الانقسام، تعاني البلاد التي يبلغ عدد سكانها نحو 50 مليون نسمة من أزمة إنسانية غير مسبوقة، تتفاقم مع انتشار المجاعة وصعوبة وصول المساعدات.
13 وفاة بسبب الجوع في دارفور

وفي مؤشر على عمق الكارثة الإنسانية، أعلنت مجموعة “شبكة أطباء السودان” أمس الثلاثاء عن وفاة 13 طفلا في مخيم لقاوة بشرق دارفور خلال الشهر الماضي بسبب سوء التغذية. ويأوي المخيم أكثر من 7000 نازح، معظمهم من النساء والأطفال، ويعاني من نقص حاد في الغذاء.

ودعت المجموعة المجتمع الدولي ومنظمات الإغاثة إلى زيادة الدعم الإنساني العاجل، محذرة من تفاقم الوضع في ظل تزايد معدلات الجوع بين الأطفال. كما ناشدت منظمات الإغاثة الأطراف المتحاربة السماح بدخول المزيد من المساعدات إلى مناطق النزاع.
أزمة إنسانية خطيرة

وبحسب تقييمات الأمم المتحدة، يعيش السودان واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، في ظل تعقيدات أمنية وسياسية تحول دون الوصول الآمن للمساعدات. ومع تزايد المبادرات المنفردة لتقاسم السلطة، تبدو البلاد مهددة بتفكك فعلي، في غياب تسوية شاملة للنزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع.

من جهة أخرى، قالت المنظمة الدولية للهجرة إنه “رغم احتدام الصراع في السودان ظهرت بؤر من الأمان النسبي خلال الأشهر الأربعة الماضية، مما دفع أكثر من 1.3 مليون نازح للعودة إلى ديارهم، لتقييم الوضع الراهن قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلدهم نهائيا”.

وأضاف المدير الإقليمي للمنظمة الدولية للهجرة عثمان بلبيسي أن “أغلبية العائدين توجهت إلى ولاية الجزيرة، بنسبة 71% تقريبا، ثم إلى سنار بنسبة 13%، والخرطوم بنسبة 8%”.

وتوقع بلبيسي عودة “نحو 2.1 مليون نازح إلى الخرطوم بحلول نهاية هذا العام، لكن هذا يعتمد على عوامل عديدة، ولا سيما الوضع الأمني والقدرة على استعادة الخدمات في الوقت المناسب”.

يورو نيوز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • السودان.. مقـ.ـتل 15 مدنيا برصاص قوات الدعم السريع في دارفور
  • عاجل.. الجيش السوداني يُعلن إسقاط طائرة مسيرة تابعة لـ الدعم السريع في مدينة الفاشر
  • هل يقود إعلان تشكيل حكومة مليشيا الدعم السريع وحاضنتها السياسية الى تفكك وإضعاف المليشيا عسكرياً؟
  • جواهر المبارك في تسجيل تحدد مكان اعتقالها من قبل الدعم السريع
  • السودان.. الجنائية الدولية تتسلم ملف جرائم الدعم السريع في دارفور
  • الدعم السريع (الجنجويد)، «مليشيا إرهابية تتحرك كأعمدة موت»
  • “الجنائية” تتسلم ملف جرائم “الدعم السريع” في السودان
  • شاهد بالفيديو.. كيكل: سنطارد “الدعم السريع” حتى “أم دافوق”
  • “الدعم السريع” تنشئ كلية حربية في إحدى مدن غرب السودان
  • الاتحاد الإفريقي يحذر من تقسيم السودان ويرفض الاعتراف بالحكومة الموازية لـ”الدعم السريع”