سودانايل:
2025-06-10@14:54:26 GMT

مصر والعلاقات المتغير مع القوى السودانية

تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT

السؤال الذي يخطر على بال أي متابع للشأن السياسي عندما يقرأ هذا العنوان؛ هل ماتزال مصر تعتبر الاتحاديين هم القوى السياسية التي يعتمد عليها في تنمية العلاقات السودانية المصرية؟ مرجعية السؤال ربما تكون علاقة السلطة المصرية قبل إستقلال السودان مع القيادات السودانية التي كانت تتبنى شعار "وحدة وادي النيل" و زيارات صلاح سالم، ثم وحدة الأحزاب الاتحادية و الأشقاء التي تمت بإشراف القيادة السياسية في مصر عام 1952م، و لكن العلاقة فترت مع جزء من الاتحاديين الذين كانوا على قيادة " الوطني الاتحادي" بعد الاستقلال، و ظلت قوية بعض الشيء مع الذين ذهبوا و كونوا حزب " الشعب الديمقراطي" و لكن بدأت العلاقة تخفت بعد انقلاب مايو 1969م.

. الذي أيدته قيادة "حزب الشعب الديمقراطي" و ربما تكون بإشعار من القيادة السياسية في القاهر.. و معلوم أن العلاقة بين الدول تقوى و تضعف وفقا للمصالح المشتركة، و مدى قدرة النخب السياسية في تطوير العلاقة و نقلها من جانبها السياسي الرسمي إلي جانبها الشعبي..
لذلك نجد أن العلاقة بين البلدين تتأرجح بين حالات الصعود و الهبوط وفقا لرؤية كل جانب للعلاقة و كيفية تطويرها و الاستفادة منها لمصلحة شعب كل جانب،.. في عقد السبعينات و منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي ركزت مصر في تعاملها مع السودان مع القيادة السياسية في الاتحاد الاشتراكي ، و عملت على تطوير العلاقة بعيدا عن المؤسسات الحزبية، و بعد سقوط نظام نميري، كان لابد لمصر أن تبحث عن علاقة جديدة في أروقة الأحزاب، و سعت من أجل تنمية العلاقة بشكل خصوصي مع الاتحاديين، في ذلك الوقت كانت العلاقة مع حزب الأمة فيها شيئا من التوتر، باعتبار أن حزب الأمة كانت تربطه علاقة وطيدة بنظام معمر القزافي في ليبيا.. و قد تأكد لمصر بعد اللقاء الذي تم بين الرئيس حسني مبارك و رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني في القاهرة، كأول لقاء بين الجانبين.. و الأجندة التي طرحت للنقاش، أن الإتحاديين لا يمكن أن يكونوا مدخلا للعلاقة التي تبحث عنها مصر مع السودان.. هذا اللقاء هو الذي جعل وزير الخارجية السوداني محمد توفيق في ذلك الوقت أن يقدم استقالته من الوزارة بعد ما خرج مباشرة من اللقاء.. تبين أن القيادات الاتحادية ليس لها أية رؤى سياسية مفيدة للشعبين أنما تسعى لمصالحها الخاصة..
بعد الانقلاب الجبهة الإسلامية أصبحت العلاقات بين البلدين في غاية الهبوط، حيث تم فيها محاولة اغتيال لرئيس حسني مبارك في أديس أبابا، ثم بدأ الضرب تحت الحزام بين الجانبين، حيث أقدمت الإنقاذ على مصادرت المؤسسات المصرية في السودان، باعتبار أن تلك المؤسسات تديرها المخابرات المصرية، و كذلك استطاعت أن تضيق مصر حركة المسؤولين السودانيين في مصر.. تحسنت العلاقة بعد المفاصة 1999م و زيارة عمر البشير للقاهرة.. كانت القاهرة تحتضن المعارضة السودانية، حيث تبين للقيادة في مصر أن التركيز على جانب واحد مضر بالعلاقة، خاصة إذا كان الجانب لا يملك أية رؤى لتطوير هذه العلاقة.. في جانب أخر استطاع السيد الصادق المهدي أن يقيم العديد من اللقاءات الحوارية مع النخب المصرية في " مؤسسة الإهرام الصحفية و مركز دراسات الإهرام و في نقابة الصحفيين المصرية" و أيضا كانت له حوارات في " دور الأحزاب المصرية" و أقام ندوة في الجامعة الأمريكية في القاهرة، إلي جانب اللقاءات الصحفية المتكررة.. هذا النشاط المحموم كان يبين الفروقات في القيادات السياسية السودانية خاصة للنخب المثقفة المصرية و القيادات السياسية المصرية.. أيضا كانت هناك لقاءات فكرية و سياسية التي أقامها رموز الإنقاذ و خاصة الدكتور غازي صلاح الدين.. القضية الأخرى الحضور للقيادات السياسية في المراكز الثقافية و مراكز الدراسات السودانية و مشاركتهم الفاعلة في الحوارات السياسية التي كانت تغيب عنها القيادات الاتحادية، كانت ترسل إشارات لصناع القرار في مصر من هي القوى السياسية التي يجب التعامل معها مستقبلا في تطوير العلاقة بين البلدين.. فالدول تراهن على القوى الفاعلة و ليست القوى الخاملة في المجتمع..
أن ثورة ديسمبر و تغيير نظام الإنقاذ و ظهور قوى جديدة في المشهد السياسي، تجعل أي دولة لابد أن تعيد حساباتها، و تقيم تجاربها السابقة، و تتعامل مع ما يفرزه الواقع و ليس الرهان على التاريخ.. أن الذي يصنع الحدث و يستطيع أن يحدث تغييرا في الواقع هو الذي يفرض نفسه على الدول صاحبة المصلحة، و هي كانت بداية التغيير في رؤية مصر و نظرتها للواقع السياسي في السودان، خاصة عندما استضافت مصر الاجتماع الذي ضم الجبهة الثورية التي تضم الحركات قبل انشقاقها و فود من قوى الحرية و التغيير.. ثم أيضا دعوتها للقوى السياسي للحوار في مصر في2022 عندما اشتد الخلاف بين جناحي الحرية و التغيير " الحرية المركزي و الديمقراطي" كلها كانت تؤكد أن مصر بدأت تنظر لمصالحها ليس على الثوابت التاريخية في العلاقة مع الأحزاب، أنما من خلال التغييرات التي يفرزها الواقع السياسي السوداني، لذلك دعت إلي الحوار الوطني السوداني في يوليو 2024م كان محاولة تهدف إلي تغيب شعار الإقصاء.. و الآن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يدعو إلي حوار ثاني في مصر دون أية إقصاء.. الأمر الذي يؤكد تماما أن مصر أصبحت تنظر للعلاقة مع السودان من خلال التواصل مع القوى الفاعلة في الساحة..
أن العلاقات بين الدول تتقدم و تنمو من خلال تبادل المصالح، و أيضا تتغير التحالفات بينها عندما تتعرض هذه المصالح لهزات كبيرة تؤثر سلبا فيها.. كان في العقود الأولى بعد الاستقلال الاتحاديون هم الذين قادرين على صناعة الأحداث و الـاثير فيها سلبا و إيجابا، و لكن تراجع هذا الدور خاصة بعد حكم الإنقاذ، حيث أصبح دورهم تجميل صورة النظام، باعتباره تعددي، وكانوا بعيدين عن صناعة القرار فيه، الأمر الذي جعلهم بعد سقوط الإنقاذ أضعف القوى السياسي، و دعوتهم ليس لأنهم قوى فاعلة لكن لكسب جماهيرهم العريضة التي تفتقد لقيادة تستطيع أن تيقظ هذا المارد.. الأمر الذي يجعل مصر تعيد حساباتها.. نسأل الله حسن البصيرة..


zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: السیاسیة فی فی مصر

إقرأ أيضاً:

المقاومة.. الأفق الحضاري في مواجهة القُطرية

في زمن الانقسام والارتهان، يتكرر الحديث عن جدوى المشاريع القُطرية الكبرى في العالم الإسلامي والعربي، مثل تلك التي تشهدها دول كتركيا ومصر وإيران، حيث يروج البعض لهذه المشاريع باعتبارها الأمل المتاح في ظل إكراهات الواقع، ويعللون دعمهم لها بأنها قادرة، حين تقوى، على أن تصبح رافعة للإقليم بأكمله، خاصة في ظل عجز الأقطار الصغيرة وضعفها، والتي غالبا ما تُستخدم كأدوات هدم أو توابع تخضع لهيمنة القوى الكبرى. لكن هذا التفاؤل يصطدم بجدار من الحقائق السياسية والتاريخية العميقة التي تؤكد أن هذه المشاريع، مهما بلغت من تطور، تظل أسيرة لعقلية القُطر والحدود السياسية المصطنعة، ولا تتحرر من رواسب الاستعمار الذي قسّم الأمة إلى وحدات وظيفية تقوم بأدوار محددة.

فالمشروع التركي رغم تبنيه لخطاب إسلامي ظاهري، إلا أنه في جوهره قومي يخدم المصلحة التركية أولا، وكذلك المشروع الإيراني الذي يتحرك ضمن أفق قومي شيعي واضح، أما المشروع المصري فظل رهين نزعة قُطرية تتضخم على حساب غيرها من الأقطار. ومن هنا يظهر أن منطق دعم هذه المشاريع باعتبارها الوسيلة الوحيدة المتاحة، يتجاهل أن النظام الدولي القائم لا يسمح لتلك القوى بأن تتجاوز سقفا معينا، إذ يتم دعمها مرحليا لاستخدامها في ضرب قوى أخرى، ثم تُكبح حين تحاول الخروج عن الدور المرسوم لها، وهو ما حدث مع العراق سابقا، ومع إيران وتركيا ومصر في محطات متعددة.

هذا الواقع لا ينبع فقط من طبيعة النظام الدولي، بل أيضا من ضعف حضاري داخلي، وفقدان لمشروع جامع يتجاوز القُطرية، إذ إن التيارات الإسلامية نفسها انزلقت في مستنقع التحيز لقطر على حساب قُطر آخر، وبدل أن تكون قوة توحيد وبعث حضاري، صارت أداة في لعبة المحاور الإقليمية، تُستخدم وتُستنزف وتُعاد صياغتها بحسب متطلبات النظام الذي تعمل تحته.

وقد يقال إن غلبة إحدى القوى الكبرى في الأمة ليس بالضرورة أمرا سلبيا، بل كان في عصور ماضية مدخلا لحماية الإقليم وضمان استقراره، كما حدث في فترات الدولة العثمانية، أو حتى المماليك، حيث كانت غلبة دولة مركزية قوية تؤدي إلى نوع من الوحدة السياسية والعسكرية التي تحفظ الأمة وتحمي حدودها، وكانت تلك القوى، رغم ما فيها من خلل، تعتبر نفسها مسؤولة عن كامل الجغرافيا الإسلامية، وكان في قدرتها أن تتدخل لحماية الشعوب الضعيفة وصد العدوان عنها، لكن ذلك كان قبل الانقلاب الحضاري الكبير الذي قلب موازين القوة عالميا، وهيّأ لهيمنة الغرب الحديثة، ومعه تسرب الفكر القُطري إلى بنية الوعي العام في الأمة، بحيث باتت كل دولة ترى نفسها كيانا منفصلا، له مصالحه وهويته الخاصة، بل ويعاد تعريف الإسلام نفسه داخل هذه الأطر الضيقة.

وفي هذا السياق يبدو أن المقاومة، بوصفها مشروعا شعبيا تحرريا جامعا، هي البديل الحقيقي لكل المشاريع القومية والقُطرية، فهي وحدها القادرة على تجاوز حدود سايكس بيكو، وعلى إعادة الاعتبار للأمة كوحدة حضارية، لا كمجموعة دول متفرقة. فالمقاومة ليست مجرد فعل عسكري، بل منظومة متكاملة من القيم والوعي والتعبئة الشعبية، تنهض بالأفراد وتوحد الشعوب وتعيد تشكيل الانتماء على أساس جامع يتجاوز الجغرافيا والسياسة الضيقة، وهي التي تربك العدو وتُرهق المحتل، وتفتح الباب لإبداع نابع من الأرض والناس والحق، لا من الأنظمة والصفقات والتفاهمات المرحلية. بل إن المقاومة في عمقها الأصيل، كما يبيّن طه عبد الرحمن في كتابه "ثغور المرابطة، ليست موقفا سياسيا فحسب، بل مقام روحي، تُربى فيه النفس على العبودية الحقة، وتُختبر فيه الإرادة على مقام الصبر والتوكل، حيث تتحول المواجهة إلى نوع من المجاهدة، ويصبح الثغر الذي يُرابط عليه المقاوم ليس مجرد ساحة قتال، بل ساحة تزكية وتطهر، يتجدد فيها المعنى، ويُستعاد فيها الإنسان من بين أنقاض التشييء والارتهان.

فالمقاومة ليست مشروع قوة فقط، بل مشروع إحياء، ولا يمكن أن تستقيم ما لم تتصل بالغيب وتتشبّع بالأخلاق، إذ بدون هذا البعد، تتحول إلى رد فعل غريزي سرعان ما يُستهلك، بينما حين تُصبح مرابطة على الثغور بمعناها الوجودي، تصير فعلا دائما يعيد تشكيل الزمن ويُنبِت المعنى في أرضٍ جُرفت منها الروح.

والمقاومة، بخلاف المشاريع الأخرى، لا ترتبط بدولة أو نظام، بل هي وعي شعبي متجذر، لا يُخترق بسهولة، ولا يُستبدل حين تتغير التحالفات، بل يُراكم وعيه ويصنع واقعه بإرادته، ولهذا فإن القوى الكبرى تخشاه وتحاول ضربه أو تشويهه لأنه يعجزها عن السيطرة عليه.

ومن هنا فإن المقاومة هي خيار المستقبل، لأنها المشروع الوحيد الذي يجمع بين القيم والتحرر، بين الدين والكرامة، بين الوعي والقوة، في حين أن كل المشاريع القومية أو القُطرية أثبتت أنها تظل محدودة، بل وخادمة لغيرها في كثير من الأحيان، وربما تتحول إلى أدوات تُستخدم ضد الأمة نفسها.

لذا فإن الرهان الحقيقي لا يكون على حدود رسمها المستعمر، ولا على أنظمة ترعى مصالحه، بل على شعوب قادرة على قلب الطاولة حين تدرك أن المقاومة ليست مجرد رد فعل، بل مشروع حياة شامل يعيد تشكيل الواقع ويعيد للأمة دورها ومكانتها بين الأمم.

مقالات مشابهة

  • البعثة الأممية تطلق مشاورات مع الشباب في نالوت حول العملية السياسية
  • الأردن والعراق… وطنان بنبضٍ واحد
  • صوفان: وجود شخصيات على غرار فادي صقر ضمن هذا المسار له دور في تفكيك العقد وحل المشكلات ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد.. نحن نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة
  • الأردن والعراق… وطنان بنبضٍ واحد
  • حين تشغلنا التحليلات السياسية وننسى أنفسنا
  • الغاء المباراة الودية بين منتخبي تونس وجمهورية إفريقيا الوسطى التي كانت ستلعب بالدار البيضاء
  • المقاومة.. الأفق الحضاري في مواجهة القُطرية
  • والدة جندي إسرائيلي قتيل : جثة ابني تلاشت وكذلك القوة التي كانت معه
  • حُلم العودة
  • والدة جندي إسرائيلي قتل بكمين خان يونس: جثة ابني تلاشت وكذلك القوة التي كانت معه