الجزيرة:
2025-05-28@17:14:13 GMT

هل تحافظ الثورة السورية على مكتسباتها؟

تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT

هل تحافظ الثورة السورية على مكتسباتها؟

لا شك أن نجاح الثوّار في سوريا في إسقاط الطاغية بشّار الأسد وإنهاء حكمه هو انتصار كبير للسوريين وللربيع العربي، الذي تعثّر لسنوات؛ بسبب الثورات المضادة ووكلائها في الإقليم وخارجه.

وإذ نحيّي الشعب السوري على نجاح ثورته في إسقاط الطاغية وتحرير البلاد من نير الظلم والظالمين، فإننا في ذات الوقت ندرك حجم التحديات التي على الثوّار والثورة مواجهتها في الفترة القادمة.

وقد التزمت منذ بدء عملية "ردع العدوان" الصمت دون تعقيب على الأحداث، حتى أفهم وأستوعب ما يحدث في العملية الأخيرة، رغم أنني أستطيع الادعاء أنني متابع جيّد للثورة السورية، إلا أن تعقّد الوضع الحالي – ولا يزال- دافعًا للصمت المشوب بالقلق، والاكتفاء بالدعاء بتمام النصر.

لكن بعد سقوط بشّار وسيطرة الثوّار على دمشق، أصبح من الواجب الحديث عن مآلات ومستقبل الثورة، وما ينبغي فعله للسير على جمر تعقيدات المشهد الداخلي والخارجي.

قراءة في المشهد الراهن

يمكن للمتابع أن يشعر بالفرحة العارمة لسقوط بشّار، أو لتحرير أسير، أو عند تحرير مدينة، أو عودة لاجئ إلى بيته. ولكن ينبغي أن نتذكر هنا – من باب الاستفادة من دروس الماضي- أن نجاح أي ثورة لا يُقاس بالإطاحة برأس النظام الحاكم، بل بمدى قدرتها على بسط السيطرة على الأرض، وتحييد الأعداء والخصوم، وبناء بديل سياسي واجتماعي قادر على تحقيق أهداف الثورة والحفاظ على مكتسباتها.

إعلان أسئلة المآلات الحاسمة

الحديث عن المستقبل السوري لا يمكن أن يغفل تساؤلات جوهرية تتعلق بالمستقبل، وهي أسئلة مزعجة بطبيعتها، ولكن لا بد أن تُطرح، ومنها:

كيف نضمن أن تختلف نتائج الحراك الحالي عن نتائجه في دول الربيع العربي الأخرى أو حتى فلسطين، والعدو واحد، سواء كان إقليميًا أو دوليًا؟ هل سيعلن الثوّار السوريون دولة ديمقراطية علمانية ليس لها صلة بفلسطين، ويثبتون ذلك بكل طريقة ووسيلة، حتى لا يتم استهدافهم كغزة؟ هل سيحافظ الثوّار على نهج إسلامي معتدل ومنفتح تقبل به إسرائيل وأميركا والغرب؟ هل هناك تصوّر واضح لمن سيحل محل بشّار الأسد لقيادة المرحلة القادمة؟ وهل يتوقعون أن يسلم هذا القائد الجديد – أيًا كان- من عداوة الإيرانيين والروس وتنظيم الدولة وقسد وإسرائيل وأميركا؟ لو افترضنا أن المعارضة اجتمعت على قلب رجل واحد وتناغمت فكريًا وحركيًا كفصائل غزة، فهل لديهم السلاح الكافي والنوعي لمواجهة كل هؤلاء الفرقاء الذين تتباين مصالحهم؟ هل ستقوم القيادة الجديدة بإسناد غزة بدلًا من حزب الله؟ أو هل ستمنع أحدًا من القيام بذلك أم لا؟ هل ستنسق مع إسرائيل أو واشنطن لضمان سلامة الحدود، ومنع دخول السلاح إلى لبنان عبر سوريا؟ هل إذا رفضت التنسيق سيتركهم الكيان وواشنطن والغرب في حالهم؟ هل ستتخلى إيران عن مليشياتها أو الأراضي التي تسيطر عليها في سوريا، أم أنها ستمتص الضربة وتعود مجددًا كما حدث مع ثورات أخرى؟

هذه التساؤلات لا تنبع فقط من مخاوف داخلية، بل من التعقيدات الإقليمية كذلك. فروسيا ترى سوريا أحد مفاتيح أمنها القومي، إذ تحافظ بها على وجود متقدّم على البحر المتوسط لمواجهة الناتو، وإيران تعتبر خسارة سوريا أسوأ من خسارة أجزاء من أراضيها، كما يجمع على ذلك خبراؤها، وإسرائيل وأميركا تنظران إلى الحراك السوري من زاوية مصالحهما ومخاوفهما الإستراتيجية، وهما تعتبران سوريا حديقة خلفية ودولة حاجزة لخصوم إقليميين ودوليين.

إعلان تشابهات ومفارقات مع تجارب الربيع العربي

يقدم ما جرى في دول الربيع العربي الأخرى دروسًا وعبرًا للثوار في سوريا. في مصر مثلًا، كان واضحًا غياب الرؤية الإستراتيجية للمستقبل بعد سقوط النظام.

وفي تونس، قدمت حركة النهضة تنازلات كبيرة لضمان القبول الدولي والمحلي، فحالفت أعداء الأمس، لكن الأمر انتهى بهم أيضًا إلى انقلاب دستوري نفذه الرئيس وزج بأغلبهم في السجون.

أولئك الذين لم يتحملوا حركة إسلامية قدمت كل التنازلات في دولة لا تحظى بأهمية سوريا الإستراتيجية، هل يتوقع أن يتقبلوا بسهولة جهاديين إسلاميين، مهما قدموا من تنازلات؟ وهل يطمئنون بوجودهم على مرمى حجر منهم؟ إنّ فهم سلوك اللاعبين الإقليميين والدوليين مهم جدًا لفهم المآلات المتوقعة.

مركزية الخطر الإسرائيلي

يجب أن يعي ثوّار سوريا أنه لا استقرار ولا رخاء ما دام الجولان محتلًا، والصراع في غزة وفلسطين مشتعلًا، فالاحتلال الإسرائيلي هو السبب الرئيسي لكل تخلّف ومشاكل المنطقة من فساد واستبداد. ونتنياهو صرّح أكثر من مرة قبل ذلك، بأن إسرائيل لن تقبل في محيطها الإقليمي إلا بدول صديقة.

حتى هذه اللحظة، كان هناك التقاء مصالح غير متفق عليه بين ثوار سوريا من ناحية، وبين أميركا وإسرائيل من ناحية أخرى، فسيطرة الثوار على المدن والبلدات التي كانت تمثل المنفذ البري للأسلحة التي تصل إلى حزب الله، هو من صميم الأهداف الأميركية والإسرائيلية، وإيران وحزب الله تمثل عدوًا مشتركًا.

وليس مستغربًا في هذه الحالة، أن إسرائيل التي كانت تضرب عشرات الأهداف يوميًا داخل سوريا في الأشهر الأخيرة، وقصفت مليشيات إيرانية تحركت من العراق لدعم النظام، لم تقم في المقابل بأي استهداف لقوات "ردع العدوان" أو الثوّار!

ولكن ها هي بعد يوم من دخول الثوار إلى دمشق تتحرك سريعًا لتحتل مناطق سورية جديدة لتكون منطقة عازلة تحمي بها وجودها في الجولان السورية المحتلة.

إعلان تحدّي "قسد"

تسيطر المليشيات الكردية "قسد" على نحو ربع مساحة سوريا، وتحديدًا على الأجزاء الغنية بالنفط والغاز قرب الحدود العراقية والتركية، أو ما يسمّونه "سوريا المفيدة"، وهي تحظى برضا إسرائيلي ودعم أميركي بالسلاح والغطاء الجوي، وخططها التي أعلنت مؤخرًا بالتوغل في الأراضي السورية لتشكيل حزام أمنيّ أوسع لا يمسّ تلك المليشيات على الإطلاق. فما الذي يمكن فهمه؟

جلي أن واشنطن وتل أبيب تسعيان إلى إقامة دولة كردية في الشرق السوري، مهمتها أن تناكف وتستنزف تركيا، وتكون دولة حاجزة لإيران ونفوذها في العراق، وتمثل جنبًا إلى جنب مع إسرائيل والولايات المتحدة طوقًا يحيط بالنظام السوري الجديد، وتواصل حرمانه من الأسلحة المتقدمة، وتتركه نهشًا لصراع الفصائل، فيما تعربد إسرائيل في سمائه وأرضه.

ولا ننسى أن سجون قوات "قسد" تحوي نحو 10 آلاف مقاتل من تنظيم الدولة، ويمكن وقت الحاجة إطلاق سراح هؤلاء ليشكلوا مصدر خطر مسلح على النظام السوري الوليد الذي تؤسسه المعارضة، كما أنهم سيمنحون مبررًا دوليًا لاستدعاء التحالف الدولي للواجهة من جديد، لينقض – بحجة وجودهم – على الثورة ومكتسباتها.

ما الحل؟

الحفاظ على مكتسبات الثورة السورية يتطلب إستراتيجية متعددة الجوانب، تراعي تعقيدات المشهد المحلي والإقليمي، وهي تضم النقاط التالية:

الحفاظ على الفوضى المنظمة: والمقصود بها ألا يتم التعجل في إنهاء الحالة الثورية بحثًا عن الاستقرار والنظام.. وهذا خطأ وقعت فيه معظم ثورات الربيع العربي، فقد ظنت أن سقوط الطاغية هو نهاية العهد بنظامه، وأن الساعة لن ترجع للوراء، فسعت بسرعة إلى العودة للأوضاع الطبيعية، وكبلت نفسها بقيود الالتزام بقوانين لا يلتزم بها الخصوم.الفوضى المنظمة تتيح للثوار مساحة حركة يحتاجونها للتعامل مع فلول النظام السابق، والمخاطر التي تحيط بالنظام الوليد. وهي مساحة لا يوفرها التطبيع السريع للأوضاع، فالأخير يقيد حرية الحركة، ويضع الثوار قيد المساءلة.. وهكذا، فلو بادر الثوار إلى حل الفصائل أو دمجها في الجيش أو وزارة الداخلية سعيًا وراء الاستقرار والتنمية، لما أمكن لهم التحرك بذات السرعة والكفاءة لو داهمهم خطر من مخاطر المرحلة الأولى. التصدي لتغول إسرائيل: الضربات الجوية العديدة التي تنفذها إسرائيل بشكل متكرر على أهداف في سوريا، هي اختبار حقيقي للثوار. إذ عليهم أن يجعلوا من سماء سوريا خطًا أحمر، فيوقفوا التمادي الذي يهدف إلى تدمير أسلحة سوريا الثقيلة، واحتلال مساحات جديدة من أراضيها. التقارب مع روسيا: علاقة روسيا ببشار الأسد لا تعني أن الطريق بينها وبين الثوار السوريين مقطوع، فروسيا دولة براغماتية إلى أقصى درجة. ففي السودان مثلًا عملت مع حميدتي، ثم انقلبت عليه بعد أن عقدت صفقة مع الجيش السوداني، واستقبلت قادة حماس نكاية في واشنطن، وطبعت علاقاتها مع طالبان عدوها التاريخ اللدود ورفعتها من قائمة الإرهاب، وبدأت بالمشاركة في جهود إعادة الإعمار. صحيح أن لروسيا خطاياها الكبيرة في سوريا، ولكن تحييدها أو كسبها إلى صف الثورة ضروري في ظل الخطر الأميركي الإسرائيلي المحدق على الحدود. وبراغماتية الروس تجعل التفاهم معهم ممكنًا. شراكة إستراتيجية مع تركيا: للحفاظ على مكتسبات الثورة، لا بد من دولة وازنة. تركيا تريد إعادة السوريين إلى بلدهم، وهي ورقة يراهن عليها الرئيس وحزبه في الانتخابات القادمة. كما تحتاج إلى بيئة تضمن عدم انطلاق موجات هجرة جديدة إليها. وهي كذلك تريد نظامًا يساعدها في تحقيق أهدافها لمنع قيام دولة كردية برعاية أميركية على حدودها.ثوار سوريا في المقابل، سيحتاجون إلى صديق يملك الخبرة والمصلحة، ليشارك في مهام إعادة الإعمار، وتدريب الجيش والشرطة وإنشاء القواعد العسكرية، وتأهيل الحكومة، إضافة إلى اتفاقات دفاع مشتركة، فمن شأن هذا أن يمنح غطاء سياسيًا وعسكريًا للنظام الناشئ الذي تحيط به المخاطر. عدم استعداء إيران وحزب الله: مهما بلغت العداوة مع هذين الطرفين، فإن الانشغال بالصراع معهما سيكون خطرًا. وإذا كانت قيادة "ردع العدوان" قد أمّنت قيادات النظام وجنوده الذين قتلوا وعذّبوا وأفسدوا في سوريا طيلة خمسين عامًا على أنفسهم، فما المانع من معاملة إيران وحزب الله على نفس القاعدة؟! أبدى الثوار فهمًا لفقه الأولويات عندما أدركوا أن الوقت ليس مناسبًا للانشغال بتصفية الحسابات الداخلية ونكْء جراح الماضي البعيد والقريب. وأبدوه وهم يتحاشون التورط في معارك كلامية أو عسكرية مع إسرائيل قبل أن تستقر أقدامهم على الأرض، وهم من ذات المدخل قد يجدون في إيران وحزب الله خطرًا أقل من الخطر الإسرائيلي والأميركي، بل وربما يجدون أشكالًا من التعاون معهم في وجه عدوهما المشترك الذي يجسد الخطر الأكبر. حكومة توافقية مشروع وطني جامع: يجب أن تكون هناك رؤية سياسية واضحة تجمع مختلف الفصائل والتيارات تحت مظلة واحدة. تحقيق ذلك يتطلب تنازلات متبادلة، ولكنها ضرورية لضمان وحدة الصف. إعلان

إذن، وكما أسلفنا، فإن أخطر ما يمكن أن تقع فيه الثورة السورية، هو الظن أن سقوط النظام يعني نهاية الثورة. تجارب الربيع العربي أظهرت أن ذلك يجعلها هدفًا سهلًا للقوى المضادة.

الثورة السورية تحتاج إلى رؤية بعيدة المدى تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الداخل والخارج، وتضع مصلحة الوطن أولًا. وتحتاج لتحقيق تلك الرؤية، إلى إبقاء آليات الثورة وأدواتها، كإطار سياسي واجتماعي قادر على تحقيق تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات إیران وحزب الله الثورة السوریة الربیع العربی فی سوریا

إقرأ أيضاً:

توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل

كتب توماس فريدمان أنه رأى هذه المرة إشارات جديدة في إسرائيل تشير إلى أن مزيدا من الإسرائيليين، من اليسار والوسط وحتى من اليمين، يستنتجون أن استمرار هذه الحرب كارثة على بلدهم أخلاقيا ودبلوماسيا وإستراتيجيا.

وذكر الكاتب المعروف بميوله الليبرالية -في عموده بصحيفة نيويورك تايمز- أن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، وهو من الوسط، كتب مقالا لم يتردد فيه في مهاجمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه، قائلا إن "حكومة إسرائيل تخوض حاليا حربا بلا هدف ولا تخطيط واضح، ودون أي فرص للنجاح"، وأضاف "ما نفعله في غزة الآن حرب إبادة، قتل عشوائي للمدنيين بلا حدود، وحشي وإجرامي"، وخلص إلى القول "نعم، إسرائيل ترتكب جرائم حرب".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2باحث أميركي: البوسنة والهرسك فاشلة حتى بعد 30 عاما من التدخل الدوليlist 2 of 2إندبندنت: إسرائيل مستمرة بهدم جسور الثقة بينها وبين الغربend of list

أما من اليمين، فهذا أميت هاليفي، وهو عضو حزب الليكود اليميني الذي ينتمي إليه نتنياهو، وهو مؤيد شرس للحرب، يعتقد أن تنفيذها كان فاشلا، وأن إسرائيل لم تنجح في تدمير حماس.

 

ومن اليسار، صرح زعيم التحالف الليبرالي الإسرائيلي يائير غولان بأن إسرائيل في طريقها إلى أن "تصبح دولة منبوذة مثل جنوب أفريقيا، إذا لم تتصرف كدولة راشدة لا تحارب المدنيين، ولا تتخذ قتل الأطفال هواية".

الحرب أنهكت المجتمع

وذكّر فريدمان بأنه لم يُسمح تقريبا لأي صحفي أجنبي مستقل بالتغطية المباشرة من غزة، وبالتالي عندما تنتهي الحرب وتمتلئ غزة بالمراسلين والمصورين الدوليين الأحرار، سيتم الإبلاغ عن حجم الموت والدمار وتصويره بالكامل، وستكون تلك فترة عصيبة للغاية بالنسبة لإسرائيل ويهود العالم.

إعلان

ولذلك كان غولان، وفقا لفريدمان، محقّا في تنبيهه شعبه إلى ضرورة التوقف الآن، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، واستعادة المحتجزين، وإرسال قوة دولية وعربية إلى قطاع غزة، ولكن نتنياهو أصر على مواصلة الحرب.

ومع استهداف الجيش الإسرائيلي مزيدا من الأهداف الثانوية، تكون النتيجة هي قتل مدنيين من غزة كل يوم، مع أنه ليس ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة وحده هو ما يثير غضب الإسرائيليين المتزايد ضد الحرب، حسب فريدمان، بل ما يثيره هو أن الحرب أنهكت المجتمع بأسره.

واستشهد فريدمان هنا بما قاله عاموس هاريل المحلل العسكري لصحيفة هآرتس بأن مؤشرات الفشل تشمل كل شيء من "تزايد حالات الانتحار إلى تفكك العائلات وانهيار الشركات".

وإذا كان العديد من الإسرائيليين يشعرون بأنهم محاصرون من قبل قادتهم، فإن سكان غزة أيضا يشعرون بمثل ذلك -حسب فريدمان- وإذا كان بعض القادة الإسرائيليين سوف يواجهون الحساب عندما تصمت مدافع الحرب، فإن الشيء ذاته سيحدث لقادة حماس بغزة.

وإذا كان قادة حماس قد ظنوا أنهم ينزلون كارثة بإسرائيل، فإنهم -حسب فريدمان- منحوا نتنياهو فرصة لتدمير حليفهم حزب الله في لبنان وسوريا، مما أضعف قبضة إيران على هاتين الدولتين، وحتى على العراق، بل ساعد في إخراج روسيا من سوريا، فيما اعتبرها الكاتب هزيمة مدوية "لشبكة المقاومة" التي تقودها إيران.

وإذا كانت عمليات نتنياهو العسكرية مهدت للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما يرى فريدمان، فإن نتنياهو يضيع فرصة السلام هذه برفضه أن يفعل الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يطلق العنان لسياسة المنطقة بأكملها، ألا وهو فتح الطريق أمام حل الدولتين مع سلطة فلسطينية مُصلحة.

قبيلة اليهود ضد قبيلة الديمقراطية

ولا عجب أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يريد إضاعة الوقت مع نتنياهو، فهو يذهب إلى الدول التي تعطيه، لا إلى الدول التي تطلب منه مثل إسرائيل، ولكن نتنياهو لن يسمح لترامب بصنع أي تاريخ معه.

إعلان

غير أن ترامب، ربما ليست لديه أي فكرة عن مدى التغيير الداخلي الذي طرأ على إسرائيل، خاصة أن العديد من اليهود الأميركيين لا يدركون مدى ضخامة وقوة المجتمع الديني المتطرف والقوميين المتدينين الاستيطانيين في إسرائيل، ومدى اقتناعهم برؤيتهم لغزة كحرب دينية، كما يقول الكاتب.

وقد أوضح الرئيس السابق للكنيست أفروم بورغ، متحدثا عن اليمين القومي المتدين الاستيطاني في إسرائيل "بيبي (لقب نتنياهو) هو في الواقع بيدقهم وليس اللاعب الحقيقي".

وأضاف بورغ "حدِّثهم عن إمكانية تحقيق إسرائيل السلام مع السعودية، يتجاهلونك ويقولون إنهم ينتظرون المسيح، حدثهم عن فرصة إسرائيل لتحقيق السلام مع سوريا، يردون بأن سوريا ملك للشعب اليهودي، حدثهم عن القانون الدولي، يحدثونك عن القانون التوراتي. حدثهم عن حماس، يحدثونك عن العماليق".

وخلص بورغ إلى أن الانقسام الحقيقي في إسرائيل اليوم ليس بين المحافظين والتقدميين، "بل بين القبيلة اليهودية والقبيلة الديمقراطية. والقبيلة اليهودية هي المنتصرة الآن".

وختم فريدمان بمقارنة بين أسلوبي نتنياهو وترامب المتشابهين في تقويض ديمقراطيتيهما، حسب زعمه، فكلاهما يحاول تقويض محاكم بلاده و"الدولة العميقة"، أما الهدف فهو بالنسبة لترامب إثراء نفسه شخصيا ونقل ثروات البلاد من الأقل حظا إلى الأكثر امتيازا، أما بالنسبة لنتنياهو فهو التهرب من تهم الفساد ونقل السلطة والمال من الوسط الإسرائيلي الديمقراطي المعتدل إلى المستوطنين والمتدينين.

مقالات مشابهة

  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • السلطات السورية تغلق بحضور ممثلين عن المغرب المباني التي استخدمها انفصاليو “البوليساريو” في دمشق
  • الرئيس السوري أحمد الشرع: من قلب حلب أعلن للعالم أن حربنا مع الطغاة انتهت
  • سوريا تؤكد إغلاق المقرات التي كان يشغلها انفصاليو البوليساريو
  • الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية مؤسسة لكشف انتهاكات النظام السوري المخلوع
  • أول دولة أوروبية تعتزم حظر التجارة مع إسرائيل
  • اللواء أبو قصرة: نتعاون مع وزارة الداخلية في ملاحقة فلول النظام وضبط السلاح وحصره بيد الدولة ومنع أي تعديات أو تجاوزات على الشعب السوري
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في لقاء خاص مع قناة الإخبارية السورية: صورة وسمعة الجيش السوري السابق مشوهة بسبب ما قام به من جرائم بحق الشعب السوري، ونحن اليوم نسعى لترميم هذه الفجوة بين الجيش والشعب
  • مطلوبون في لبنان يخدمون في سوريا!
  • معرض في دمشق يوثق لافتات أهالي بلدة كفرنبل بريف إدلب أثناء الثورة السورية المباركة