من أرض الدقم إلى أسوار الفضاء «كواليس إطلاق أول صاروخ فضائي عماني»
تاريخ النشر: 18th, December 2024 GMT
خطت سلطنة عمان مطلع ديسمبر الجاري أولى خطواتها نحو سبر الفضاء من أراضيها، واحتفلت بإطلاق أول صاروخ فضائي تجريبي، من منطقة الكحل في الدقم. ويعد هذا الإطلاق علامة فارقة في المسيرة العمانية في هذا القطاع، باعتبارها أيضًا أول دولة عربية خليجية تطلق صاروخا فضائيا من ميناء إطلاق فضائي من أراضيها.
ما هي مهمة دقم-١؟
هدفت مهمة «دقم-١» في الأساس إلى تنفيذ إطلاق تجريبي ناجح من ميناء إطلاق فضائي بسرعة قصوى تصل إلى ١٥٣٠ كم/س، وتحقيق اختراق شبه مداري، مع متابعة مسار الصاروخ بعد الإطلاق حتى هبوطه في بحر العرب، وقد تم بناء الصاروخ بشكل مشترك من قبل شركة خدمات الطيران والفضاء الوطنية وشركة سنودون الاستشارية المحدودة، في شراكة دولية جمعت مختصي ومهندسي مركبات الإطلاق من سلطنة عمان ونيوزيلندا.
وجاء ميناء الإطلاق الفضائي على بُعد ١٧٠ كم من ميناء الدقم، وتم اختيار هذا الموقع لما يتمتع به من مميزات، منها قربه من المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، بالإضافة إلى أنه يدعم الإطلاقات شبه المدارية ويقدم خط رؤية مباشرا بين مركز التحكم والمراقبة أثناء عمليات الإطلاق.
ومن أهم النقاط التي تم مراعاتها عند الإطلاق هي تحديد مناطق السلامة حول موقع الإطلاق والاستعداد لمواجهة المخاطر المحتملة أثناء عملية الإطلاق وبعدها، بالإضافة إلى تحديد مكان هبوط الصاروخ بدقة، وتم تتبع الصاروخ خلال رحلته باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي لضمان سلامة العملية.
مخاطر محتملة
الطبيعة الجغرافية لسلطنة عُمان تعد أبرز التحديات الرئيسية في مهمة إطلاق الصواريخ مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى. فمنطقة الدقم، لكونها منطقة صحراوية تكتسيها الرمال ودرجة حرارة الشمس العالية بشكل خاص خلال فصل الصيف، أثرت بشكل كبير على عملية إطلاق الصاروخ. هذا التأثير تجلى في عدة جوانب، منها: وجود رياح مستمرة واحتمالية حدوث عواصف رملية، مما يؤثر سلبا على الرؤية والإرسال. بالإضافة إلى ذلك، فإن درجة الحرارة المرتفعة تؤثر بشكل مباشر على درجة حرارة الصاروخ والغاز المستخدم في عملية الإطلاق. ومن المعروف في مجال إطلاق الصواريخ الفضائية أنه يجب مراعاة جميع الشروط والمعايير الصحيحة، سواء كان الإطلاق تجريبيا شبه مداري أو لأهداف علمية، أو حتى لإطلاق صاروخ إلى الفضاء. هذه الشروط والمعايير تختلف باختلاف نوع الصاروخ وموقع ميناء الإطلاق والظروف الجوية والجغرافية المحيطة.
وفي هذه المهمة وكأول عملية إطلاق من السلطنة من منطقة الدقم كانت الطبيعة الجغرافية الصحراوية من التحديات الأساسية التي واجهت الشركة المنفذة، إلا أن الفريق العامل في هذه المهمة نمكن من التعامل مع هذه التحديات وإطلاق الصاروخ في الظروف المناسبة.
ماذا يعني هذا الإطلاق؟
سألنا الشركة الوطنية للخدمات الفضائية «ناسكوم» عن أهمية هذا الإطلاق، وقالت في تصريحات خاصة لـ«عمان العلمي»: «هذا الإطلاق يأخذ السلطنة يدا بيد إلى تعزيز جاهزية إدارة العمليات المتعلقة بالإطلاقات شبه المدارية، وهذا يشمل عدة جوانب منها دمج المركبات والخدمات اللوجستية المحلية والدولية، ومراقبة المدى والسلامة، وتنسيق المجالين الجوي والبحري».
ويدفع هذا النجاح- وفقًا للشركة- إلى الترويج لسلطنة عُمان عالميا في قدرتها على الإطلاق التجاري بالإضافة إلى الترويج لميناء إطلاق فضائي. ومن الأهداف المهمة التي تسعى شركة «ناسكوم» إلى تحقيقها في هذا الصدد هي إثبات قدرتها على إطلاق صواريخ تجارية مما سيعزز فرص تطوير المنطقة وفرص التعامل مع شراكات دولية عالمية ذات كفاءة عالية في مجال إطلاق الصواريخ الفضائية.
وبعد نجاح هذه المهمة التاريخية، أثبتت لنا مهمة دقم-١ قدرة الميناء للإطلاق الفضائي على تقديم بنية أساسية قابلة لعمليات إطلاق شبه مداري ومن هنا وفقًا للشركة الوطنية للخدمات الفضائية فإنها تسعى إلى تحقيق تعزيز قدرة السلطنة على تنفيذ العمليات المأمونة والآمنة بالتعاون مع الكيانات الداخلية والخارجية وأيضا على بناء القدرات المحلية لخدمات مركبات الإطلاق الفضائية من خلال الشراكة مع مؤسسات دولية.
«الدقم» كمنطقة إطلاق عالمية
وتهدف شركة «ناسكوم» إلى تهيئة منطقة الدقم، بسبب موقعها الاستوائي الساحلي ونظرا لخط عرضها، حيث تتمتع هذه المنطقة بثاني أسرع سرعة إطلاق م/ث مقارنة بأفضل خمسة مواقع إطلاق مستخدمة في العالم؛ وتعمل على تجهيز مجمع متكامل لإطلاق الصواريخ الفضائية وفق معايير دولية مع توفير جميع الاحتياجات والمرافق اللازمة لإطلاق الصواريخ الصغيرة والكبيرة أيضا.
ويركز العمل الرئيسي في شركة ناسكوم على دفع بناء القدرات الوطنية في مجال البحث العلمي وعلى تعزيز الشراكات العالمية في قطاع الفضاء ولجذب جميع المهتمين والشغوفين والباحثين في قطاع الفضاء وفتح آفاق المعرفة الجديدة التي ستعزز على بناء مستقبل أفضل ومستدام في هذا المجال في سلطنة عمان. حققت الشركة هدفها الأول في عملية إطلاق صاروخ شبه مداري والآن تعمل على ثلاثة إطلاقات جديدة مع قدوم السنة الجديدة 2025.
وقد صممت شركة ناسكوم ثلاثة مجمعات لإطلاق الصواريخ الفضائية، كل منها يدعم أنظمة إطلاق معين، كالتالي:
• مجمع الإطلاق ١: تم تصميم هذا المجمع ليكون مهيئا لدعم أنظمة الإطلاق حتى الفئة الكبيرة كما هو محدد في تعريفات إدارة الطيران الفيدرالية.
• مجمع الإطلاق ٢: مصمم ليكون مهيئاً لدعم أنظمة الإطلاق حتى الفئة المتوسطة كما هو محدد في تعريفات إدارة الطيران الفيدرالية.
• مجمع الإطلاق 3 : مهيئ لدعم أنظمة الإطلاق من فئة (micro)؛ أي المركبات الفضائية مثل Rocketlab Electron وOrbex Prime، ويضطلع أيضاً بقدرة على دعم عمليات الإطلاق الأولية أو المستمرة للصواريخ شبه المدارية والسبر، وما يميز مجمع الإطلاق ٣ هو وجود منصتين مختلفتين للإطلاق: منصة إطلاق أساسية ومنصة إطلاق ثانوية (احتياطية) هدفها استكمال عملية أي إطلاق عند حدوث ضرر أو تجديد في المنصة الأساسية.
شراكات داعمة
ولضمان نجاح هذه المهمة والخطوة الكبيرة في السلطنة عملت عدة قطاعات يداً بيد في هذه المهمة لتوفير الظروف الملائمة لتحقيق أهداف دقم-١ ومنها: وفرت شركة إطلاق المرافق الأرضية، وإدارة العمليات التشغيلية بالإضافة إلى خدمات التحكم في المدى والسلامة. وقدمت عمانتل حلول الاتصال المتطورة مثل الاتصال عبر شبكات 5G، والنطاق العريض عبر الألياف، وحلول WiFi، ولا ننسى كون عمانتل شريكا استراتيجيا ومستثمرا في ميناء الإطلاق الفضائي. وقامت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات بوضع السياسات الوطنية ونسقت الجهود الحكومية اللازمة. وهيئة الطيران المدني عملت على إدارة المجال الجوي، ولضمانات الأمن والسلامة قدمت هذه الجهود من قبل شرطة عمان السلطانية ووزارة الدفاع. وتم منح التراخيص اللازمة لتتبع الصاروخ من هيئة تنظيم الاتصالات.
ريم اليعربية باحثة في مجال الفلك
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إطلاق الصواریخ الفضائیة بالإضافة إلى هذا الإطلاق هذه المهمة فی مجال
إقرأ أيضاً:
ماذا سيحدث إذا ولد طفل في الفضاء؟
#سواليف
مع تسارع خطط البعثات إلى #المريخ، تبرز أسئلة محيرة حول قدرة #الجسم_البشري على التكيف، خاصة فيما يتعلق بالحمل و #الولادة في الفضاء.
وقد كشفت أحدث الدراسات العلمية عن مخاطر مروعة يمكن أن تواجه أي محاولة للإنجاب خلال رحلات الفضاء البعيدة، في تحذير صارخ يهدد أحلام استعمار الكواكب الأخرى. فبحسب فريق من الباحثين المتخصصين، فإن البيئة الفضائية القاسية تشكل تهديدا وجوديا للأجنة و #الأطفال حديثي الولادة.
وتبدأ القصة من لحظة #الإخصاب، حيث توضح الدراسات أن ثلثي الأجنة البشرية ( 66%) في ظروف الأرض الطبيعية تنتهي بالإجهاض التلقائي، وهي نسبة مرشحة للارتفاع بشكل كبير في #الفضاء بسبب الظروف القاسية.
مقالات ذات صلةففي رحم الأم في الفضاء، سيواجه الجنين تحديين رئيسيين: انعدام الجاذبية والإشعاع الكوني.
انعدام الجاذبية
رغم كونه عائقا أمام عملية الإخصاب الميكانيكية، قد لا يؤثر بشكل جذري على استمرار الحمل بعد انغراس الجنين. والمفارقة تكمن في أن الجنين ينمو أساسا في بيئة تشبه انعدام الوزن داخل السائل الأمنيوسي. لكن الولادة نفسها ستكون تجربة صعبة، حيث تطفو السوائل والأجسام بحرية، ما يجعل عملية التوليد والعناية بالمولود أكثر تعقيدا بآلاف المرات مقارنة بالأرض.
اﻹشعاع الكوني
يأتي الخطر الحقيقي من الإشعاع الكوني – تلك الجسيمات الذرية عالية الطاقة التي تسير بسرعة الضوء. فعلى الأرض، يحمينا الغلاف الجوي والمجال المغناطيسي، لكن في الفضاء، تصبح هذه الجسيمات القاتلة تهديدا يوميا.
وقد تكون إصابة واحدة من هذه الجسيمات للجنين في الأسابيع الأولى قاتلة، ومع تقدم الحمل، يزداد الخطر حيث يصبح الرحم والجنين هدفا أكبر للإشعاع، ما يزيد احتمالية الولادة المبكرة ومضاعفاتها الخطيرة.
وسيواجه الأطفال المولودون في الفضاء تحديات تنموية فريدة. فمن دون جاذبية، كيف سيتعلم الرضيع رفع رأسه أو الزحف أو المشي؟ هذه المهارات التي نعتبرها بديهية تعتمد كليا على وجود جاذبية أرضية. كما أن التعرض المستمر للإشعاع قد يؤثر على النمو العقلي والإدراكي لهؤلاء الأطفال.
ورغم هذه التحديات، لا يستبعد العلماء إمكانية نجاح الحمل الفضائي في المستقبل. لكن الطريق طويل ويتطلب حلولا مبتكرة للحماية من الإشعاع، ومنع الولادة المبكرة، وضمان نمو صحي في بيئة منعدمة الجاذبية.
وحتى ذلك الحين، تبقى فكرة “أول طفل يولد في الفضاء” حلما علميا يحتاج إلى الكثير من البحث والتجريب قبل أن يصبح حقيقة.