النمسا تطالب بتطوير استراتيجية أوروبية لإعادة اللاجئين السوريين في مرحلة ما بعد الأسد
تاريخ النشر: 18th, December 2024 GMT
مع تطورات الوضع السوري الأخيرة وتداعيات سقوط نظام بشار الأسد، بدأت أوروبا في إعادة تقييم سياساتها المتعلقة باللاجئين السوريين الذين فروا إلى أراضيها جراء الحرب الطاحنة التي دامت أكثر من عقد من الزمن.
في هذا الإطار، طرحت النمسا فكرة استراتيجية أوروبية موحدة تهدف إلى إعطاء اللاجئين السوريين فرصًا للعودة إلى بلدهم، شريطة أن تكون هناك ضمانات بتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في سوريا، ويأتي هذا الطرح في وقت حساس، حيث تسعى أوروبا لإيجاد حلول متكاملة ومشتركة تجاه ملف الهجرة، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة على بعض دول الاتحاد.
المستشار النمساوي يؤكد ضرورة التحرك الأوروبي الموحد
في تصريحات لصحيفة "فيلت" الألمانية، شدد المستشار النمساوي، كارل نيهامر، على أن الاتحاد الأوروبي بحاجة ماسة إلى وضع استراتيجية شاملة لمواجهة تداعيات الوضع في سوريا.
وأوضح نيهامر أن مسألة إعادة توزيع اللاجئين السوريين بين دول أوروبا لن تكون كافية ولا مفيدة على المدى الطويل، مشيرًا إلى أن الهدف يجب أن يكون إعطاء الشعب السوري آفاقًا جديدة في وطنه.
وقال نيهامر: "لا يمكن لأوروبا أن تحل المشكلة بتوزيع اللاجئين داخل أراضيها، بل يجب أن تتجه الأنظار نحو سوريا، بحيث يكون هناك دعم حقيقي لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها وتعزيز الديمقراطية فيها".
وأكد أن هذا الأمر يستدعي التنسيق مع القيادة السورية الجديدة بعد سقوط الأسد، داعيًا إلى تعيين مبعوث خاص للاتحاد الأوروبي لإجراء مفاوضات مباشرة معها، بهدف وضع آلية للعودة الآمنة للاجئين وضمان حقوقهم الأساسية.
التعاون الأوروبي في تشكيل سياسات اللجوء المستقبلية
وفي إطار التحركات الأوروبية، أعلن نيهامر عن لقاءات مرتقبة مع دول أخرى في الاتحاد الأوروبي مثل إيطاليا وهولندا والدنمارك، التي تتبنى مواقف مشابهة بشأن الهجرة واللجوء.
وأوضح أن الهدف من هذه الاجتماعات هو تعزيز التعاون بين هذه الدول لوضع إطار عمل مشترك يحدد كيفية التعامل مع قضية اللاجئين السوريين في المرحلة المقبلة.
كما أشار إلى أهمية مراجعة سياسة اللجوء الأوروبية بشكل شامل، مع التركيز على ضرورة التوصل إلى حلول طويلة الأمد تسمح للاجئين بالعودة إلى وطنهم مع ضمان سلامتهم واستقرارهم.
من جانب آخر، بدأت بعض الوفود الأوروبية زيارة العاصمة دمشق بهدف دراسة الوضع عن كثب، والتعرف على احتياجات سوريا في مرحلة ما بعد الأسد، مما قد يسهم في بناء استراتيجية لإعادة اللاجئين بشكل تدريجي ومدروس.
هذه الزيارات تبرز الجهود الأوروبية المبذولة للتفاعل مع الواقع السوري الجديد في ظل التغييرات السياسية المحتملة.
التحديات الاقتصادية وتأثير عودة اللاجئين على أسواق العمل الأوروبية
على الصعيد الاقتصادي، أظهرت دراسة حديثة أجراها المعهد الاقتصادي الألماني في كولونيا أن عودة اللاجئين السوريين قد تؤثر سلبًا على سوق العمل في ألمانيا.
ووفقًا للدراسة، هناك نحو 80 ألف سوري يعملون في وظائف حيوية في ألمانيا، مثل الهندسة الطبية، الرعاية الصحية، والتعليم، والقطاعات التي تعاني من نقص في العمالة، مثل هندسة السيارات وتكنولوجيا المناخ.
وتتمثل إحدى أبرز القضايا في النقص الكبير في المهارات في هذه المجالات التي يتم سدها بشكل جزئي من قبل العمالة السورية.
وأفادت الدراسة أنه في قطاع هندسة السيارات، يعمل أكثر من 4 آلاف سوري، مما يسهم بشكل كبير في سد الفجوة في هذا المجال.
كما يشغل نحو 5300 طبيب سوري وظائف في المستشفيات والعيادات الألمانية، ما يخفف الضغط على القطاع الطبي في البلاد، كذلك يعمل العديد من السوريين في مجالات التدفئة والتكييف، والإنشاءات، والتعليم.
وفي هذا السياق، أشار فابيان سمسارها، الخبير الاقتصادي في معهد العمل الدولي، إلى أن العاملين السوريين يشكلون جزءًا أساسيًا في التخفيف من نقص المهارات في العديد من الصناعات الألمانية.
وقال سمسارها: "إن عودة هؤلاء اللاجئين إلى سوريا قد تؤدي إلى تفاقم أزمة نقص المهارات في ألمانيا، خاصة في القطاعات التي تعاني من ضغط شديد في الطلب على العمالة المتخصصة".
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: اجتماعية اعادة اللاجئين استراتيجية أراضيها اجتماعات الاجتماعات اقتصادي الاجتماعية الاستقرار السياسي الاستقرار الإطار الهدف التحركات الاقتصادية الدراسة الديمقراطية الدنمارك التدفئة التعاون التعامل الضغوط الإقتصادية الطل العاصمة دمشق اللاجئين السوريين اللاجئين المرحلة المقبلة المستشار النمساوي كارل نيهامر المستشار النمساوي المستشار المدى الطويل
إقرأ أيضاً:
سياسي: خطة المفوضية الأوروبية تجاه أموال روسيا المجمدة تهدد الاقتصاد الأوروبي
قال المحلل السياسي المهتم بالشأن الدولي محمد عمر، إنه في ظل تواصل المواجهة ما بين روسيا وأوكرانيا وانهزام الأخيرة بشكل ملحوظ في الميدان، وسعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتطبيق خطة سلام، يقف قادة الدول الأوروبية حجر عثرة أمام هذه الجهود ويعملون على تأزيم الصراع بدعم أوكرانيا رغم المشاكل الإقتصادية الصعبة التي تواجه دولهم.
وأضاف أن ترامب استخدم "كلمات حادة" خلال حديثه الأخير مع قادة أوروبا بشأن الحرب الأوكرانية وانتقد الرئيس الأمريكي قادة أوروبيين واصفا إياهم بالضعفاء، وفي مقابلة مطولة مع موقع بوليتيكو، أشار الى أن دولا أوروبية متدهورة فشلت في ضبط الهجرة أو اتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء حرب أوكرانيا مع روسيا، متهما إياها بترك كييف "تقاتل حتى تنهار".
وتابع المحلل، أنه في الوقت الذي كان يُتوقع أن ينفق فيه الاتحاد الأوروبي على استدامة اقتصاده وتحسين معيشة شعوبه، تقوم حكوماته بإعادة توجيه موارد مالية ضخمة في إطار الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي أفرز أزمة معيشية خانقة لدى المواطن الأوروبي، موضحا أنه بموازاة ذلك، تعمل المفوضية الأوروبية على بلورة آليات قانونية ومالية معقدة للاستفادة من الأصول الروسية المجمدة في الغرب، والتي تقدر قيمتها بنحو 300 مليار دولار.
وأوضح أنه بذلك تضع أوروبا قدمها على حافة الهاوية من خلال السعي لتحقيق مكاسب مالية عاجلة من أصول مجمدة لتعويض خسائر سياسية متوقعة، مقابل مخاطر اقتصادية وقانونية وأخلاقية بعيدة المدى قد تعيد رسم علاقاتها الدولية وتعيد فتح ملفات ماضيها الاستعماري.
وأكد أن النقاش لم يعد يدور حول دعم أوكرانيا فقط، بل حول الثمن الذي سيدفعه الاتحاد الأوروبي وشكل النظام المالي الدولي في المستقبل، مشيرا إلى أنه لا يمكن فهم حجم الضائقة الحالية بمعزل عن أزمات بنيوية مزمنة، فمنذ عام 2009، تعاني منطقة اليورو من أزمة ديون سيادية هيكلية، تمثلت في عدم قدرة عدة دول (مثل اليونان والبرتغال وإيرلندا وإسبانيا) على تسديد ديونها أو إنقاذ بنوكها الوطنية دون مساعدة خارجية.
واستطرد المحلل، أن هناك عوامل هيكلية ساهمت في تفاقم هذه الأزمة، أهمها وجود اتحاد نقدي "عملة واحدة" دون وجود اتحاد مالي موحد بمعايير ضريبية ومعاشات مشتركة، مما حد من قدرة القادة الأوروبيين على الاستجابة بشكل فعال، حيث خلفت هذه الأزمة آثارا اقتصادية وسياسية عميقة، وصلت معدلات البطالة في بعض البلدان إلى 27%، وأدت إلى تغيير الحكومات في أكثر من نصف دول منطقة اليورو.
وأضاف أنه مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، تحولت الأزمة البنيوية إلى أزمة مركبة، حيث أدت الحرب إلى تعطيل واردات أساسية مثل الطاقة والمعادن والغذاء، بسبب الحصار الاقتصادي والعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، ما تسبب في ارتفاع التضخم في دوله إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود.
وأكد أنه سبق وأن قدر بنك الاستثمار الأوروبي حجم الصدمة الناجمة عن ارتفاع فواتير الطاقة وانخفاض الصادرات بارتفاع نسبة الشركات الخاسرة في الاتحاد الأوروبي من 8% إلى 15%، كما أن نسبة الشركات المعرضة لخطر التخلف عن سداد ديونها قد ترتفع من 10% إلى 17%.
وتعكس أرقام التضخم في الاقتصادات الكبرى بمنطقة اليورو صورة واضحة لآفاق الأسعار في التكتل، ففي ألمانيا، أكبر اقتصاد في المنطقة، ارتفع معدل التضخم على نحو غير متوقع إلى أعلى مستوى له منذ تسعة أشهر، وشهد قطاع الصناعة خسائر تتراوح بين 100-160 مليار يورو، كما ارتفعت تكلفة المعيشة وأسعار الطاقة في كل من فرنسا وإسبانيا وبريطانيا، أكبر دول الاتحاد.
وتابع المحلل، أن الاتحاد الأوروبي يواصل تقديم دعم مالي ضخم لأوكرانيا، وقد طرحت المفوضية الأوروبية منذ أيام خطة جديدة بقيمة 90 مليار يورو لتغطية ثلثي احتياجات كييف التمويلية لعامين، باستخدام الأصول الروسية المجمدة كضمان، إلا أن هذه الخطة تواجه معارضة ومخاطر جسيمة منها مخاطر قانونية حيث حذرت شركة "يوروكلير" البلجيكية - التي تحتفظ بأكبر حصة من الأصول الروسية المجمدة - من أن استخدام هذه الأصول قد يتم تفسيره على أنه "مصادرة"، مما يقوض ثقة المستثمرين الدوليين بأوروبا ويؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض لجميع دول الاتحاد.
كما رفض البنك المركزي الأوروبي ضمان قرض سابق بقيمة 140 مليار يورو لأوكرانيا، معتبرا أن ذلك يعد "تمويلا نقديا" مباشراً للحكومات، وهو ما يحظره القانون الأوروبي.
وأشار إلى أن هناك انقسام داخلي حيث ترفض دول مثل بلجيكا والمجر الخطة لغياب الضمانات الكافية أو لمعارضة أي تمويل إضافي، مما يعكس انقساما أوروبيا حول كيفية تحمل هذا العبء المالي الجديد.
وقال إن تنفيذ هذه الخطة سيؤدي الى تقويض ثقة المستثمرين الأجانب ببيئة الاستثمار الآمنة في أوروبا، مما قد يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال وتراجع النمو، كما أنها ستعمل على تأجيج عداء طويل الأمد مع روسيا، وتشويه صورة أوروبا كحامية للقانون الدولي وحقوق الإنسان، ويضمن حق روسيا بالرد القاسي على هذه الخطوة.
وأكد أنها قد تفتح الباب أمام مطالبات تعويضات تاريخية من دول أخرى، خاصة في أفريقيا، عن جرائم الحقبة الاستعمارية. وهذا ما بدأ يطفو على السطح، كما جاء في تصريحات وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف الذي دعا خلال مؤتمر حول "تجريم الاستعمار" إلى "حق أفريقيا في التعويض العادل واستعادة الممتلكات المنهوبة".
وأوضح المحلل، أن المواطن الأوروبي العادي يعاني واقعا مريرا من ارتفاع متواصل في أسعار الغذاء والطاقة والنقل، بينما تبقى الرواتب كما هي دون زيادات تذكر، وقد حذرت دراسات من أن الارتفاع الكبير في الأسعار يضرب الأسر ذات الدخل المنخفض بشكل غير متناسب، وخاصة في دول أوروبا الوسطى والشرقية، مما يهدد بدفع مئات الآلاف إلى دائرة الفقر.
وأكد أن ما يزيد الوضع تعقيدا هو أن أسواق السندات العالمية بدأت تطالب بعوائد أعلى على ديون الدول الأوروبية، مما يشير إلى مخاوف المستثمرين المتزايدة من تراخي السياسات المالية وتراكم الديون في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية لفرض تقشف مالي، وفي الوقت نفسه، يمثل الإنفاق العسكري والأمني المتزايد نتيجة الدعم للنظام في كييف استنزافا إضافياً للموارد التي كان من الممكن توجيهها لتحسين الخدمات الاجتماعية والبنية التحتية.
وتساءل إلى متى ستستطيع اقتصادات أوروبا تحمل تكلفة الحرب المزدوجة وتكلفة إنقاذ اقتصادها الداخلي من الإنهيار، وتمويل جهود عسكرية خارج حدودها - دون أن يدفع المواطن الأوروبي الثمن الأكبر من رفاهيته ومستقبله الاقتصادي، موضحا أن الإجابة مرتبطة بمسار الحرب نفسها، وإلى أي مدى يمكن للقادة الأوروبيين التوصل إلى حلول سياسية تخفف من هذا العبء المالي الذي يثقل كاهل شعوبهم، والتعاون مع الولايات المتحدة في خطتها المطروحة للسلام.