خطبتا الجمعة بالحرمين: للعلم والعلماء منزلة عظيمة في الإسلام.. وللصدقة صور عدة
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
ألقى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وأوصى بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته: إن التقوَى وصيَّة الله للأولين والآخرين {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}، وإن المرءَ لا يزالُ بخيرٍ ما اتَّقَى الله، وخالَفَ نفسَه وهواه، ولَم تشغَله دُنياه عن أُخراه.
وأوضح فضيلته أنَّه إذا كان العلم لدى كثير من الناس قِوام الحياة، وأساس النهضات، وعِماد الحضارات، ووسيلة التقدُّم للأفراد والمجتمعات، فإنه لدى أولي الألباب من عباد الرحمن فوق ذلك كله؛ إذ هو طريقٌ يسهِّل الله به دخول الجنَّة دار السلام، والحظوة فيها بالنعيم المقيم، الذي لا ينفد ولا يبيد، وقد بيَّن ذلك وأرشد إليه رسول الهدى -صلوات الله وسلامه عليه- بقوله: “وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا سَهَّلَ اللَّه له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ”. مشيرًا إلى أن العلم سبب السعادة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال معاذ بن جبل –رضي الله عنه-: “العلم حياة القلوبِ من الجهلِ، ومصابيحُ الأبصارِ من الظُّلَمِ، يبلغ العبدُ بالعلم منازلَ الأخيارِ، والدَّرجاتِ العلا في الدنيا والآخرة. به تُوصَلُ الأرحامُ، وبه يُعرَفُ الحلالُ من الحرامِ، وهو إمامُ العملِ، والعملُ تابعُه، يُلهَمُه السُّعداءُ، ويُحرَمُه الأشقياءُ”.
وأفاد إمام وخطيب المسجد الحرام بأن الله سبحانه وتعالى نوه بفضل العلم وأهله، ورفعة منزلتهم، وعُلو كعبهم، وشرف مقامهم، ونفى المساواة بينهم وبين غيرهم؛ إذ قال عزَّ اسمه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أولو الْأَلْبَابِ}. وجعل سبحانه للعلماء مقام الخشية الحقَّة منه؛ لأن العلم أرشدهم إلى كمال قدرته، وعظيم قوته، وبديع صفاته، فزادهم ذلك هيبة منه، وإجلالاً له، فقال عزَّ من قائل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِه الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّه عَزِيزٌ غَفُورٌ}. وشبَّه عز وجل العالم بالبصير، والجاهل بالأعمى والأصم، كما شبه كذلك العلم والإيمان بالنور، والجهل والكفر بالظلمات، ونفى المساواة بينهما كما تنتفي المساواة بين الظلِّ والحَرور الذي يُتضرَّر به، وكما لا يستوي الأحياء بنور العلم والإيمان، ولا الأموات الذين نَسوا الله وأعرضوا عن نوره، فأمات الله قلوبهم، فهي بذلك لا تتأثر بموعظة، ولا تستجيب لداعي الهدى؛ إذ قرن جل وعلا أهل العلم بذكر الملائكة في شهادتهم بالوحدانية لله تعالى، باستيقانهم أنَّه لا معبود بحق إلا الله، فعبدوه حق العبادة، ونَفَوا عنه الشركاء، فقال: {شَهِدَ اللَّه أَنَّه لَا إِلَه إِلَّا هُو وَالْمَلَائِكَة وَأولو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَه إِلَّا هُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
وأكد فضيلته أنَّه لفضل العالم قد بلغ الغاية، ولم لا يكون كذلك، وقد بيَّن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّ العلماء هم ورثة الأنبياء حقًّا؛ لأنَّ الميراث الذي تركه الأنبياء هو العلم، فقال عليه الصلاة والسلام: “مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيه علمًا سَهَّلَ اللَّه لَه طريقًا إلى الجنَّةِ، وإنَّ الملائِكَة لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ. وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَه مَن في السَّماواتِ ومن في الأرضِ، والحيتانِ في جوف الماءِ. وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ ليلة البدرِ على سائرِ الكواكبِ. وإنَّ العُلَماءَ ورثة الأنبياءِ، إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا وإنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَه أخذَ بحظٍّ وافرٍ”، إلى غير ذلك من نصوص الوحيين، الدالَّة على فضل العلم وأهله، وشرف منازلهم، وكريم مآلهم، مما كان له أعظم الآثار وأعمقها في نفوس السلف الصالح -رضوان الله عليهم-.
وأشار الدكتور أسامة خياط إلى أنه يتعين على طالب العلم أن يذكر أنَّه إذا كان المؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف، فإن من القوَّة المحبوبة عند الله تعالى قوَّة المسلم في علمه وعمله، تلك المتمثلة في كمال المحبة لهذا العلم، ودوام المدارسة له، والاستكثار من البحث في دقائقه، والكشف عن غوامضه، والاستعانة على التمكُّن من أزمِّته بالعمل به وتعليمه، ولا ريب أنَّ قوَّة المسلم هي قوَّة لأمَّته، وأنَّ كلَّ ما يحرزه من تفوُّق، أو يصيبه من نجاح، أو يبلغه من توفيق، عائدٌ أثره عليها لا محالة. والحرص على العناية بهذا العلم، بتصحيح النيات، التي هي قوام قبول الأعمال، وتعاهد الإخلاص لله تعالى فيه، وبذل أسباب التمكُّن منه، ورعايته حق رعايته، في طلبه وتحمُّله، وفي تعلُّمه وإشاعته، والعمل بما يقتضيه، فإن العمل هو ثمرة العلم، وعماد الانتفاع به، ومبعث الرِّفعة التي ذكرها الله بقوله: {يَرْفَعِ اللَّه الَّذِينَ آمنوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
وذكر فصيلته أنه وإن كان المراد بالعلم الميراث النبوي، وهو: علم الكتاب والسنة، وما له تعلقٌ بهما، إلا أنَّ الحق أنه شامل أيضًا لكل علم تنتفع به الأمة، ويعلو به قدرها، ويعزُّ به جانبها، ويكثر به خيرها، ويطرد به تقدُّمها، وتأخذ به مكانها بين الأمم، ويكون سببًا في رسم الصورة الصحيحة الحقة لهذا الدين، في ربطه بين الدين والدنيا، وسعيه لشعائره وشرائعه كافة لتحقيق السعادة للمسلم في الحياتين. وإن في العناية بعلوم الحياة على اختلاف ألوانها، عناية بعلوم الكتاب والسنة، ببيان جملة وافرة من معانيهما، بالاستعانة بما تقدمه تلك العلوم من فوائد وقواعد، وما توفره من وسائل، وما تستند إليه من كشوفٍ ومخترعات، والحرص على الاشتغال بكل علمٍ نافع، وكل عملٍ صالح، تبلغون به رضوان الله، والرفعة لأمتكم في حياتكم الدنيا.
اقرأ أيضاًالمملكةأمطار رعدية على معظم مناطق المملكة
* وفي المدينة المنورة قال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الشيخ الدكتور خالد بن سليمان المهنا في خطبة الجمعة اليوم إن الله تعالى خص نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بخصائص ميزه بها على جميع الأنبياء والمرسلين، وجعل له شرعة ومنهاجًا، أفضل شرعة وأكمل منهاج، كما جعل أمته خير أمة أخرجت للناس، فهم يوفون سبعين أمة، هم خيرها وأكرمها على الله من جميع الأجناس، فجمع الله لأمته بخاتم المرسلين وإمام المتقين وسيد ولد آدم أجمعين ما فرقه في غيرهم من الفضائل، وزادهم من فضله أنواع الفواضل. ألا وإن من فضائل هذه الشريعة العظام ومحاسنها الجسام كثرة سبل الخير وتنوع أعمال البر التي يتقرب بها كل مؤمن إلى مولاه غنيًا كان المؤمن أو فقيرًا، قويًا كان أو ضعيفًا.
وأضاف فضيلته: من رحمته سبحانه وفضله على عباده أن رزقهم كلهم، ثم خص بعضهم بالغنى ليبلوهم بالشكر وليتقربوا إليه بالزكاة والصدقات؛ فتعظم أجورهم، وتطهر أموالهم، وتزكو نفوسهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. ثم إنه سبحانه –وهو البر الرحيم- شرع لعباده من القربات ما يشرك به الفقير أخاه الغني فيصير بمنزلته في حسن الثواب. أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه من حديث الصحابي الجليل أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم. قال: “أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميده صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة“. قالوا يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: “أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر”.
واستطرد الشيخ المهنا يقول: إن نصوص الوحيين الشريفين دلت على سعة مفهوم الصدقة، وأن ما كان منها مالياً فإنه غير محصور في الفقير والمسكين، وإن كان فضل الصدقة عليهما ثابتًا جزيلاً، وأن ثمت أبواباً وسبلاً يلج منها العبد المنفق مهما قلّت جدته إلى ديوان المتصدقين، ويلحق به ركب ذوي اليسار المنفقين منها الإنفاق على العيال والأهل، بل الإنفاق على النفس. قال عليه الصلاة والسلام: “إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة“. وقال -صلى الله عليه وسلم-: “دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار أنفقته على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك”. ومن وجوه الصدقة أن يغرس المسلم غرساً أو يزرع زرعاً فينتفع به إنسان أو حيوان.. قال عليه الصلاة والسلام: “ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة”.
واختتم فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الخطبة بقوله: إن كل ما أعان المسلم أخاه عليه من جلب نفع أو دفع ضر أو إزالة مكروه أو أدخل السرور عليه.. كل ذلك صدقة؛ قال عليه الصلاة والسلام: “إفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن طريق الناس لك صدقة، وهدايتك الرجل في أرض الضالة صدقة“. وقال عليه الصلاة والسلام: “والكلمة الطيبة صدقة“.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: “ما تصدق رجل بصدقة أفضل من موعظة يعظ بها جماعة فيتفرقون وقد نفعهم الله بها”.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية صلى الله علیه وسلم إمام وخطیب المسجد رسول الله ل الله
إقرأ أيضاً:
أنظمة التطبيع معاول هدم لكل مقومات النهوض الإسلامي
يمن الأنصار سيظل دوما إلى جانب محور القدس حتى تطهير كامل الأرض العربية من التواجد الاستعماري.
“الثورة” ترصد تفاعل يمن الإيمان والجهاد مع قضية المقدسات في السطور التالية:
الثورة / أمين العبيدي
كانت البداية مع الأخ حسين محمد المهدي الذي تحدث قائلا : إن اليهودَ المتصهينين باعتدائهم على أرض فلسطين وسوريا ولبنان يكشفون للعالم عن وجوههم القبيحة، فقد سلكوا طريق الهلاك والبوار، وركبوا مطية البغي والاستكبار، ومن ركب مطية البغي لم ينل بغيته، ولم يحصل على أمنيته، فدولة المجاهدين في حزب الله ولبنان وسوريا وغزة فلسطين يحوطها الدين، وكلّ دولة يحوطها الدين لا تغلب، كما أن كُـلّ نعمة يحرسها الشكر لا تسلب.
مضيفاً أن الصهيونية اليهودية التي يقودها “نتن ياهو” وأمثاله قد هبطت إلى الدرك الأسفل من الانحطاط الأخلاقي والخُلُقِي، وبَنَتْ جيشها من شذاذ الآفاق، ودربتهم على سفك الدماء وقتل الأبرياء، واحتلال أرض العرب والمسلمين، وزرعت في أفكارهم خيال قيام دولة يهودية على أرض العرب والمسلمين وهيهات أن يتم لهم ذلك.
وتابع: إن الذي يقبل بقيام دولة صهيونية متوحشة تنتهك الحرمات، وتحتل الأرض، وتريد الاستيلاء على المقدسات، فليس على وجه الأرض عاقل يقبل بما ترمي إليه الصهيونية، ولا يوجد قانون يسمح لهؤلاء الشذاذ المتصهينين بشيء مما يطمحون إليه، ومن المستحيل أن يوجد على وجه الأرض عاقل يؤمن بالله ويعترف بحقوق الإنسان، يسمح للصهيونية المتوحشة التي تسفك الدماء ليل نهار بالاستيلاء على غابات مليئة بالسباع الضواري والحيات والأفاعي، فضلًا عن أن يسمح لهذه العصابة الصهيونية المتوحشة بالاستيلاء على شعوب ذات حضارة وأخلاق إنسانية وإسلامية، فكما لا يمكن أن تكون للقضايا صورة مخصوصة ثم تظهر منها بعد ترتيبها نتيجة غير ما تستدعيه القضايا وترتيبها بوجه خاص، كذلك فَــإنَّه لا يمكن أن تكون للأجزاء الكيمائية خصائص ثم يظهر بعد امتزاجها وتركيبها شيء تختلف خصائصه عما يقتضيه تركيب تلك الأجزاء، هذه سنن ثابتة، وترتيباً على ذلك فلا يمكن للصهيونية أن تتحدث عن حقوق الإنسان وهي تقتل الإنسان وتسفك دمه، ولا يمكن أن تتحدث عن دولة يهودية تحمي الحقوق والحريات وتبني نهضة عمرانية وهي تسعى إلى هدم العمران وانتهاك الحقوق والحريات واحتلال الأرض واغتصاب الديار وسفك الدماء على مرأى ومسمع من العالم! وتسعى إلى محاربة الثقافة التي تصونُ القيم وتحترم المشاعر والمعتقدات وتحافظ على بنية الإنسان ثم تزعُمُ أنها تريدُ للإنسان خيراً وهي تحشوه بكل عوامل الشر.. لعمر الحق إن ما تسعى الصهيونية إليه لا يمكن أن يتحقّق أبداً، إن دين الإسلام وحده هو المرشح الوحيد لإقامة دولة إسلامية على الأرض كلها؛ لأَنَّه جاء بنظام يقوم على إصلاح كُـلّ شؤون الحياة الدينية والدنيوية؛ فقد أناط الفلاح بمن يعمل الصالحات ويحمي الحقوق والحريات، ووعد الله الإنسان فيه بالاستخلاف في الأرض (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، فالآية الكريمة توضح نظرية الدولة في الإسلام إيضاحاً مبنيًّا على الإيمان بالله وقواعد المنطق والعقل بعمل الصالحات؛ فالإسلام لا يسعى إلى تعطيل القوى الفكرية والبشرية والتحكم في مصالح الناس والإضرار بعقيدتهم ومصالحهم كما تفعل الصهيونية، فهو يحجم الفساد ويسعى إلى إزالته فَــإنَّما جاء الإسلام ليقيم نظام العدالة الاجتماعية على أَسَاس ما أنزله الله من البينات (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) (لَقَدْ أرسلنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ).
وتابع قائلاً: الدولة التي جاء بها الإسلام ليس لها غاية سلبية، بل إن هدفها الأسمى هو نظام العدالة الاجتماعية والنهي عن المنكرات واجتثاث شجرة الشر من جذورها، وَالأمة الإسلامية هي المؤهلة لذلك كله، دل على ذلك قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّـة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ) أما بنو “إسرَائيل” فقد أخبر الله عن فسادهم ووعد المسلمين باجتثاثهم ودخول المسجد الأقصى وتطهيره من دنسهم ووعد بالنصر عليهم وأمر بقتال من يقاتل المسلمين أَو يحتل أرضهم فقال سبحانه وتعالى: (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) ولن يثني عزائمهم أبداً استهداف زعمائهم من قبل الصهيونية، بل يزيدهم قوة وعزيمة فكل فرد من أفراد هذه الأُمَّــة يؤمن بما جاء به القرآن وبما جاء به محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وكلّ مؤتمن على ذلك وَإذَا عمل به يكون مرشحاً لقيادة الجيوش ومؤهلاً لقتال اليهود والمنافقين؛ فقادة المسلمين كثر في الأُمَّــة فهم كالنجوم كلما غرب نجم سطع آخر وفي الأُمَّــة اليوم بحمد الله ملايين الدكاترة والعلماء في مختلف التخصصات الذين يدينون بدين الإسلام وهم قادرون ومؤهلون على النهوض بالأمة وقيادة الجيوش وبناء دولة إسلامية قادرة على اجتثاث الصهيونية من جذورها وفي مقدمة هؤلاء أنصار الله وحزبه العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والهزيمة والخزي لليهود والمنافقين، ولينصرن الله من ينصره أن الله لقوي عزيز..
طُـوفان الأقصى انتصار للأمة
واكد الأخ شهاب الرميم بقوله : عملية “طُـوفان الأقصى” وما حملته معها من انتصار للقضية الفلسطينية، عمدته دماء الآلاف من الشهداء والجرحى، وسطرته حركات الجهاد وفصائل المقاومة في غزة بانتصارات وتضحيات وصمود ،أثبتت فشل قوات العدوّ الإسرائيلي بعملية الزحف العسكري البري، وعجزه عن تحقيق أي نصر ميداني يذكر على الأرض؛ ما دفعه لتعويض تلك الانتكاسة والفشل بارتكاب المزيد من المجازر المروعة بحق المدنيين من النساء والأطفال إضافة إلى استهداف البنية التحتية والمرافق الخدمية، أهمها القطاع الصحي وفرض حصار مطبق، مستغلاً الصمت الأممي المخزي والخذلان العربي الرهيب، وأمام هذه المستجدات كان على أحرار الأُمَّــة العربية والإسلامية في محور المقاومة دون غيرهم أن يتحملوا شرف القيام بمسؤوليتهم الدينية والأخلاقية لنصرة غزة وفلسطين عُمُـومًا، والمساهمة بشكل كبير في فرض معادلة الضغط على العدوّ ما أمكن والعمل على خنقه اقتصادياً وضربه عسكريًّا، حتى يوقف جرائمه ويرفع حصاره عن غزة والذهاب نحو توسيع دائرة الحرب على مستوى المنطقة كاملة، شاملة الأهداف العسكرية والحيوية للكيان والقواعد الأمريكية المساندة له المتمركزة في ربوع المعمورة، وجعلها مسرحاً للعمليات العسكرية للمحور.
ظاهرة النفاق وخطورتها
من جانبه أشار د. محمد عبدالله شرف الدين إلى أنه ليس (اليهود / المنافقون) ظاهرة عصرية طارئة، ولا قضية تَرَفِيَّةً، لا تمس متغيرات الواقع، وللموضوع ثلاثة محاور، وهي: (المعطيات -العلاقات -النتائج).
أولا: المعطيات:
ملفوظ (اليهود)؛ عبارة عن مفهوم ومصطلح، ولعل أول ظهور للمفهوم (اليهود) في أعمق تأثيل على إثر الانقسام بين أبناء نبي الله يعقوب، فيعد الأبناء المخالفون أول تشكل لتيار منحرف بين أظهر بني “إسرائيل”، واتسع مع مرور العصور حتى بلغ الانحراف الكامل حين دعوة النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله وعن المصطلح (اليهود) ارتبط بالمنحرفين عن دعوة الإسلام لنبي الله موسى عليه السلام، وقرن القرآن الكريم بين المصطلح والمفهوم لليهود، ليعبر عن فريق الشر المحض وعند مفهمة مصطلح (النفاق)، وما يشتق منه، قد يتبادر في الذهن ارتباطه بالقاموس القرآني؛ لكن إنعام النظر يشف عن كون الحديث الواسع في القرآن الكريم عن ظاهرة النفاق، وخطرها، والتحذير منها، ليس؛ لأَنَّها وليدة الواقع العربي في مرحلة نزول القرآن الكريم، وإنما لكونها خطر كَبير أسقط ممالك قبل دعوة النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله لقد عانى بنو “إسرائيل” أشد العناء من هجمات قوميات أُخرى عليهم قبل عهد مملكة نبي الله داوود، وكان الأخطر من المهاجمين هم منافقون، يرفعون المعلومات الاستخباراتية للقوميات الأُخرى؛ إذ قلوبهم موالية لأُولئك.
ثانياً: العلاقات:
أما العلاقة بين اليهود وأدوات النفاق العربي؛ فتبدأ من أرض الشام، وتنتهي في أرض الشام، لقد نفي أمية من مكة؛ لفجوره، وحط به المقام عشرين عامًا في الشام بالذات، الشام التي كان يخصها بزيارات سنوية في رحلة الصيف، وهذا يكشف عمق العلاقة بين أمية، وأهل الشام، ولكن من منهم بالتحديد؟
خصت علاقة أمية من أهل الشام بيهودها خَاصَّة، ومن الشام تقاطر اليهود إلى حول المدينة قبل البعثة النبوية، وهي منفى مِن أجلِي من اليهود في عهد النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله، من حول المدينة، فالشام بؤرة خطيرة، وبيئة خصبة لتنامي العلاقة بين النفاق واليهود لقد وجه النبي محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- قبل وفاته جيش أسامة جهة الشام، ففتح الله الشام على أيدي تلاميذ رسول الله، من ربتهم سورة التوبة، ورفع من معنوياتهم غزوة تبوك وفتحت الشام؛ ليختطفها منافقو العرب؛ إذ ولى عمر بين الخطاب يزيداً بن أبي سفيان، وبعد موته ولى أخاه معاوية لعشر سنوات، فضجت العرب من فساده وإفساده، فقال عمر: دعوه، إنه كسرى العرب، لقد اختيرت الشام مهبط منافقي الإسلام، وهو اختيار بعناية تمتد إلى تلك الجذور لقد كان معاوية المتراس الأول لمنع امتداد الفتح الإسلامي إلى الغرب الكافر، ومن بعده بنو أمية كان لمعاوية طبيب، وكان مكيناً في مكانته، وقدره، ناهيك باليهود المجليين من حول المدينة، فهم للاستشارة، وحلحلة المعضلات، وقلب مفاهيم الدين الإسلامي، فلهم خبرة تمتد لآلاف السنين، ولذا قد جعلوا لكل قائم مائلًا، وكان مجلس هشام بن عبد الملك يرتاده يهوداً، للمنادمة، وهتكوا عرض رسول الله في ذلك المجلس، أصبح سرجون بن منصور النصراني كاتب معاوية، واستمر متنقلاً حتى عهد عبد الملك بن مروان، فمثل دوره، كدور سفراء دول الغرب الكافر في عالمنا الإسلامي، وهناك عدد من النصارى عمال على أمصار ولاهم بنو أمية.
إن طبيعة العلاقة بين اليهود والمنافقين تتمثل في أواصر (الأخوة)، فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}، [سُورَةُ الحَشرِ: ١١] وهذه اللفظة ذاتها، نطقها من يطلق عليه رئيس رابطة العالم الإسلامي في السعوديّة العيسي أثناء حديثه عن طبيعة علاقة السعوديّة باليهود؛ إذ قال: وقف أنا وإخوتي من اليهود وفي معاصرتنا قادة النفاق النظام السعوديّ يعطي كيان العدوّ الإسرائيلي في معركة (طُـوفَان الأقصى) ملايين الدولارات، كدعم في مواجهة الحرب ويشارك النظام الإماراتي مع العدوّ الإسرائيلي الاجتياح البري لغزة بفرق متعددة، ناهيك بمشاركة الطيران
ثالثا: النتائج:
ولكن ما نتائج تلك العلاقات؟
قطعاً قطعاً؛ قال تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}، [سُورَةُ الحَشرِ: ١٢] لقد أدبر السعوديّ والإماراتي عند الاعتداء على اليمن لإرضاء اليهود والنصارى، وهَـا هو يدبر في قطاع غزة، فثمة أكثر من أسير إماراتي في قبضة حركة حماس ولا قلق من تجمعهم، فهم في خلاصة جمعهم لا يخرجون من دائرة حزب الشيطان الذي قال الله عنه: {أولَـٰۤىِٕكَ حِزبُ الشَّيطَـانِ ألا إِنَّ حِزبَ الشَّيطَـانِ ٰنِ هُمُ الخَـاسِرُونَ}، [سُورَةُ المُجَادلَةِ: ١٩] لقد اجتمع ثلاثي الشر في غزو العراق، وفشلوا، وفي اليمن تقهقروا، وها هم اليوم في فلسطين ولبنان يجرون ويلات الهزيمة وهَـا هي قمة الرياض المخزية للمرة الثانية، تجر أذيال الذل والعمالة، والتآمر على قضية فلسطين، ولذا ليست بقمة إسلامية؛ إنما قمة النفاق: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ، فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ}، [سُورَةُ المَائـِدَةِ: ٥٢]، فخاتمتهم الندم الشديد، وما خاتمة زعماء عرب سبقوهم تولياً لليهود والنصارى عنهم ببعيد، فيرونه بعيدًا، ونراه قريباً وكما سجل التاريخ منافقي الأُمَّــة الأوائل في صفحات المقت، والخزي، والعار، والفناء؛ فلن يكون منافقو الأُمَّــة في المعاصرة ببعيدين عن ذلك، والندم على جرائرهم أشد وطأة عليهم واليهود حالهم المزري لا ينفك عن ملاحقتهم، الذل، والخزي، والخوف، والقلق، ويكفيهم جميعًا العذاب النفسي اليوم، فسينفقون، ثم تكون عليهم حسرة، ويغلبون، وهم جميعًا في النار: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ المُنَاٰفِقِينَ وَالكَاٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}، [سُورَةُ النِّسَاءِ: ١٤٠] أما نحن أُمَّـة الإسلام؛ فقد حدّدنا مسارنا، وبدقة متناهية، وبتوجيهات مكللة بالعون الإلهي، فقال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ، إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}، [سُورَةُ النِّسَاءِ: ٧٦].
الإبادة الجماعية وأنظمة التطبيع
وفي هذا السياق يقول الأخ أحمد المتوكل: الإبادة الجماعية والاستهداف الشامل لكل مقومات الحياة، ومنع دخول الماء والغذاء والدواء هو ما يقوم به العدوّ الإسرائيلي اليهودي بحق الفلسطينيين واللبنانيين في قطاع غزة ولبنان وبمساعدة ودعم من أمريكا والأنظمة العربية المتصهينة، لم يكن (طُوفَان الأقصى) في السابع من أُكتوبر وشماعة استعادة الأسرى هو الدافع الإسرائيلي لاستهداف غزه ولبنان، بل هو امتداد لسلسلة جرائمه الصهيونية على مدى خمسة وسبعين عامًا من احتلاله لفلسطين وتنفيذًا لمخطّطه الإجرامي الخبيث في السعي لإنشاء دولته المزعومة والتي يسميها بدولة “إسرائيل الكبرى”، والتي تمتد من النيل في مصر إلى الفرات في العراق، وتضم جزءًا من مصر وثلثَي السعوديّة وتشمل مكة والمدينة ودول الشام والعراق كان لا بُـدَّ للعدو الإسرائيلي لتحقيق هدفه وإنشاء دولته المزعومة أن يقوم بتغييرات جيوسياسية في المنطقة العربية، وإشعال الثورات والحروب الأهلية لتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، وتهيئة الأنظمة العربية للتطبيع، وصناعة القاعدة وداعش والجماعات التكفيرية لتهيئة البلدان للاحتلال الأمريكي والإسرائيلي الجدير بالذكر أن النظام السعوديّ هو النظام السبَّاق في قتل المسلمين قبل العدوّ الإسرائيلي، فقد قتل أكثر من ثلاثة آلاف حاج يمني فيما تُعرف بمجزرة تنومة، وذلك قبل احتلال اليهود لفلسطين، وهو أول من سارع في إهداء فلسطين لليهود وسمَّاهم بالمساكين، وهو من شنَّ عدوانه لأكثر من عشر سنوات على اليمن؛ بهَدفِ إفشال ثورة الواحد والعشرون من سبتمبر وإعادة اليمن لحضن التطبيع ومنع سيطرة أنصار الله لمضيق باب المندب وكل ذلك يصب في حماية العدوّ الإسرائيلي ومساعدته في إنشاء دولته المزعومة، ولم يكتفِ النظام السعوديّ عند هذا الحد، بل قام بدعم الجماعات التكفيرية في سوريا والعراق، وإشعال الاقتتال في السودان بمساندة من شريكه الإماراتي.