يمانيون../
شكل الانتداب الفرنسي نموذجاً تاريخياً لتقسيم سوريا على أسس طائفية وإثنية بكونه أول تطبيق فعلي لمشروع “الشرق الأوسط الجديد” في نسخته القديمة “اتفاقية سايكس بيكو”. التحديات الحالية التي تمر بها سوريا تعيد إلى الأذهان هذا النموذج، وإمكانية العودة له مع تعديلات معينة في سياق المشروع الأمريكي الإسرائيلي الجديد للتقسيم.
عاد الحديث مجدداً عن “الشرق الأوسط الجديد” منذ بداية طوفان الأقصى على لسان نتنياهو، إذ وجد الكيان الصهيوني في حدث طوفان الأقصى مبرراً لإطلاق العنان لهذا المشروع التدميري، وحشد الدعم الأمريكي والغربي الأوربي له.
سوريا بتعددها العرقي والديني والطائفي هي بيئة ملائمة لإعادة إطلاق هذا المشروع، ومن ثم توسيعه ليشمل دولاً أُخرى بما يتناسب مع الواقع المحلي لكل دولة؛ فمع إنهيار نظام بشار الأسد في سوريا، هناك مساع جدية لإعادة تشكيل “الشرق الأوسط”.
التقسيم الفرنسي لسوريا إبان الانتداب
شهدت سوريا عقب إعلان قيام المملكة العربية السورية عام 1920م تطورات سياسية وعسكرية أفضت إلى تقويض السيادة السورية لصالح الانتداب الفرنسي. بعد معركة ميسلون واستشهاد وزير الحربية يوسف العظمة، فرضت فرنسا سيطرتها على سوريا وأقرت سلسلة من المراسيم لتقسيمها إلى كيانات طائفية وإثنية مستقلة، كان أبرزها:
دولة دمشق (1920-1925): تضم دمشق وحمص وحماة وأجزاء من وادي العاصي، لكنها فقدت أقضيتها الساحلية (بيروت وطرابلس وصيدا والبقاع) لصالح دولة لبنان الكبير.
دولة حلب (1920-1925): شملت مناطق الشمال السوري وشرق الفرات، واحتوت على تنوع إثني من عرب وأرمن وكرد ومسيحيين.
دولة العلويين (1920-1936): مركزها اللاذقية، وضمّت مناطق العلويين والإسماعيليين.
دولة جبل الدروز (1921-1936): شملت السويداء ذات الأغلبية الدرزية.
دولة لبنان الكبير (1920-1926): تأسست كياناً مستقلاً يضم المناطق ذات الأغلبية المسيحية وبعض المناطق السنية.
لواء الإسكندرون: أُُعلِن أنه منطقة مستقلة لاحقاً، وأُلحق بتركيا في 1939م وهو أرض تاريخية سورية.
اعتمدت فرنسا في هذا التقسيم على مبدأ “فرِّق تسد” الذي طبقه الانجليز، مبررة بأن سوريا غير قابلة للحكم الموحد بسبب تنوعها الطائفي والإثني، ما أسهم في تعميق الانقسامات الداخلية وتهيئة الأرضية لصراعات مستقبلية، ورغم أن لبنان جزء صغير من سوريا فقد قامت فرنسا بتشكيل نظام سياسي لبناني على أسس طائفية ودينية.
احتمالات تقسيم سوريا في سياق مشروع
“الشرق الأوسط الجديد”
في ظل الحرب الدائرة في سوريا عقب الاحتجاجات الشعبية المستمرة عام 2011م حتى دخول الجماعات المسلحة دمشق وسقوط النظام السوري ديسمبر 2024م بِيَدِ الجمعات المسلحة المتطرفة، ظهرت مخاوف جدية بشأن احتمالات تقسيم سوريا ليكون ذلك جزءاً من مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي يهدف إلى إعادة رسم الحدود وفقاً لتوازنات طائفية وإثنية تخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني قبل أي دولة أخرى.
التقسيم الفعلي لسوريا إلى دول مستقلة سيؤدي إلى مزيد من الصراعات والتوترات في المنطقة، خاصة مع وجود مصالح دولية وإقليمية متضاربة، بالإضافة إلى ذلك، فإن التركيبة السكانية المتنوعة في سوريا تجعل من الصعب رسم حدود واضحة بين الطوائف والعرقيات المختلفة، وبينما يمكن تصور تقسيم سوريا نظرياً، فإن تطبيقه على أرض الواقع يواجه تحديات كبيرة، لكنه يظل ممكناً.
العوامل الداعمة لاحتمال التقسيم في الوقت الراهن هي السيطرة التركية على الشمال السوري، والتوسع الصهيوني نحو القنيطرة، ومساعي الصهاينة إقامةَ دولة درزية، ووجود القوات الأمريكية وحلفائها شرق الفرات، الذي يدعم الإدارة الذاتية الكردية، وبقاء القاعدة العسكرية الروسية في الساحل السوري. كما أن من شأن ممارسات الجماعات المتطرفة -بنزعتها الإرهابية- أن تخلق أزمة طائفية وتعزز العصبيات الدينية والعرقية والمذهبية، فقد ظهرت في الأيام الأخيرة مضايقات للمسيحيين واعتداء على قبورهم، ومحاولة اقتحام مقام السيدة زينب، ومداهمات منازل العلويين والمسيحين. وإن كانت هذه الممارسات حتى الآن ليست على نطاق واسع إلا أن الاستمرار فيها سوف يدفع مشروع التقسيم قُدماً.
فإذا ما اختفت الدولة الوطنية المركزية -التي تضمن مصالح الجميع- سوف تعود المجتمعات المحلية إلى الهويات الخاصة تتعصب حولها لحماية نفسها.
قد يتم التوصل إلى حدود الدويلات عبر المفاوضات بين الفصائل المختلفة الممثلة للعرقيات والطوائف والمذاهب لتحديد الحدود وتقاسم الموارد، ومن المحتمل أن تستمر الصراعات لفترة طويلة حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي.
وسيترتب على تقسيمٍ كهذا صراعاتٌ جديدة بين هذه الكيانات على الحدود والموارد، وستظل القوى الإقليمية والدولية حاضرة في الساحة السورية لضمان مصالحها. التقسيم هذا سيعني نسف الهوية الوطنية السورية والدولة السورية المستقلة، التي برزت إلى الوجود عقب رحيل المستعمر الفرنسي في العام 1947م.
خارطة سوريا الجديدة
افتراض وقوع حرب أهلية طويلة الأمد في سوريا مدعومة بتدخلات خارجية قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية والديمغرافية، حيث يمكن أن تظهر عدة كيانات أو دول جديدة تستند إلى التوازنات الطائفية، والعرقية، والسياسية. بناءً على الوضع الحالي والتوترات المعروفة. يمكن تخيل سيناريوهات التقسيم على النحو الآتي:
دولة علوية في الساحل:
تشمل مناطق الساحل السوري (اللاذقية وطرطوس) وتمتد إلى أجزاء من حمص وحماة، غالبية سكانها علويون، وقد تستفيد من الدعم الروسي أو الإيراني لحمايتها بكونها كياناً منفصلاً.
دولة كردية شمال شرق سوريا:
تمتد على المناطق ذات الغالبية الكردية، مثل الحسكة والقامشلي، وصولاً إلى الحدود العراقية والتركية. تتمتع بدعم غربي، خاصة من الولايات المتحدة، على غرار إقليم كردستان العراق.
دولة سنّية في الشمال والوسط:
تشمل المناطق ذات الأغلبية السنية مثل حلب وإدلب وجزء من دير الزور والرقة، وقد تكون مدعومة من تركيا وبعض الدول الخليجية، مع نفوذ قوي للفصائل الإسلامية المتطرفة.
دولة درزية جنوب سوريا:
تتركز في السويداء وجزء من ريف درعا، تتمتع بتوازن عرقي وديني معتمد على حماية خارجية من “إسرائيل”.
دمشق وريفها قد تكون منطقة حكم خاص أو عاصمة رمزية، تخضع لسيطرة جهة دولية أو قوة محلية متعددة الأطراف للحفاظ على أهميتها الدينية والتاريخية.
موقع أنصار الله – أنس القاضي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الشرق الأوسط الجدید تقسیم سوریا فی سوریا
إقرأ أيضاً:
السوداني: سوريا تمثل أمنا قوميا للعراق.. أفكار التقسيم مرفوضة
أعرب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الثلاثاء، عن رفض بلاده فكرة تقسيم سوريا، واعتبر الإبادة المتواصلة في قطاع غزة "انتكاسة إنسانية".
وقال السوداني، إن "سوريا تمثل أمنا قوميا للعراق، واستقرارها مهم، ونحرص على أن يتمتع الشعب السوري بالأمن والاستقرار وبعملية سياسية تشمل جميع مكوناته".
ودعا إلى "أن يكون هناك موقف واضح ضد الإرهاب والعنف والكراهية والتطرف، وما قامت به بعض الجماعات في سوريا أمر مروع ومؤسف يذكرنا بالإرهاب الذي ضرب العراق".
وأضاف: "نرفض تقسيم سوريا، وقدمنا مبادرة لإقامة حوار وطني بين مكونات الشعب السوري في مؤتمر القمة العربية التي عقدت في بغداد".
وبشأن الإبادة الإسرائيلية في غزة، اعتبرها السوداني "انتكاسة حقيقية لكل المعايير الإنسانية والأخلاقية والقانونية، وهي ترسم مستقبلا قاتما للمجتمع الدولي، حيث أن غزة تشهد إبادة جماعية في ظل المجاعة والقتل، وهو أمر مؤسف".
وعن العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران، أكد السوداني أن "ايران دولة جارة ولدينا معها علاقات مستندة إلى مشتركات دينية وثقافية واجتماعية، وقدمت لنا الدعم في الحرب ضد الإرهاب".
وأعرب عن رفضه "العدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، محذرا من "زج العراق بهذه الحرب، أو أن تكون أجواؤه ممراً للاعتداء على دولة جارة".
وبشأن الانتخابات البرلمانية المرتقبة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، اعتبرها السوداني "حدثا ديموقراطيا مهما يؤكد رغبة الشعب العراقي في التمسك بالمسار الديموقراطي والتداول السلمي للسلطة".
وفيما يتعلق بالتحالف الدولي، أكد السوداني أن "الحكومة أجرت حوارا جادا ومسؤولا مع الأصدقاء في التحالف الدولي، وتوصلنا لاتفاق على إنهاء مهمة التحالف 2026".
وأضاف: "لن نسمح لأي جهة بمصادرة قرار السلم أو الحرب، وهو مسؤولية الحكومة وفق الدستور والقانون، وبدعم من المرجعية العليا والقوى السياسية والشعب العراقي".