لجريدة عمان:
2025-10-14@05:44:03 GMT

برزخية الأزمنة .. لا الليل انجلى ولا القيد انكسر

تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT

تذهب الفكرة هنا، إلى مناقشة بعدين أساسيين، الأول: اجتماعي، في تموضعاته الفردية والجماعية على حد سواء، ومجموعة الإشكاليات التي تواجهها المجموعة هذا ذاتها التي يواجهها الفرد نفسه - على اعتبار أن الفرد هو جزء من المجموعة - وهي عدم قدرته على تحقيق ما يصبو إليه، وذلك بسبب عراقيل لا أول لها لا آخر، والسبب في برزخية الأزمان غير المحققة للآمال على امتداد كل هذه الأجيال هو أن المسألة مرتبطة بتوالي هذه الأجيال، وكأن الأجيال لا تستفيد من أخطاء من سبقها فتعدل وتصحح حتى تتحرر مما وقع فيه ممن سبقها، وعائد ذلك كله إلى سوء إدارة الموارد، سواء كانت موارد بشرية، أو موارد مالية، أو موارد معنوية، وعلى ما يبدو أن سوء الإدارة هذا يعود إلى عدم رغبة الناس في التغيير، فقد أدمنوا ديمومة الأشياء التي ترسخها برزخية الزمن في نفوس الناس، وكأن التغيير سوف يسلب منهم الكثير من ما يعتبرونه استحقاقات شخصية (وجاهية، واجتماعية، وإدارية، وتسلطا).

والبعد الثاني في هذه المناقشة: هو البعد السياسي، والذي تتحكم فيه قوى استعمارية، من خلال أنظمة سياسية متنوعة ومتعددة، لا تستحق أن يطلق عليها سوى «قطاع طرق» وليسوا حكاما سياسيين جاؤوا لتحقيق مصالح البلاد والعباد، يسندهم في ذلك مجموعة كبيرة من خونة الأوطان، مسترزقين من خيانتهم، سواء في خيانة أوطانهم، أو في خيانة شعوبهم، أو خيانة ضمائرهم، أو خيانة دينهم، لا يهم، فالمهم أن يكون هناك عائد مدي، يقتاتون به، وكلا البعدين: الاجتماعي والسياسي، يبقى الفاعل الحقيقي فيهما، والمتحمل وزرهما، وعبء حمولتهما، هو الإنسان الحقيقي -غير الممنهج- والمنهجية المشار إليها هنا، هي: ذلك الإنسان البسيط الذي لا يمتثل لتوجيه معين، أو أنه واقع تحت تسييس، أو أجندة ما، ولذلك فهذا النوع من الناس واقع بين هاجسين: الأمل والرجاء، مع أنه منغمس، حتى أغمص القدمين، في العمل والجد والاجتهاد للخروج بشيء من المكاسب الفطرية التي تتوق إليها الأنفس، أو إحياء الأمل على الأقل، إلا إنه مع نهاية النفق يجد نفسه أنه لا يزال في مربعه الأول، ولذلك تراه في كل مرة يستبق الخطى ليوجد لنفسه موضع الخطوة الأولى ليبدأ في السير، فـ«مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة» كما هي القناعة، ولذلك وعلى الرغم من حالات اليأس القاتلة، والتي تداهمه في معظم محطاته في حياته، إلا أنه تظل هناك إشعاعات من أمل خفي، يربك هذا اليأس بين فترة وأخرى، فلا يستطيع اليأس أن يستأسد على الحالة الإنسانية برمتها، ولكن لأن اليأس وقعه ثقيل على النفس، بما يشيعه من فقدان الأمل، هي حالة مناورة مستمرة بين الحق والباطل، ينتصر فيها أحدهما في لحظة زمنية، وينحسر دور الآخر في لحظة مما ثلة، وتعاد الكرة من جديد، حيث تتبدل الأدوار، وتبقى المعركة حامية الوطيس بين كفتي المعادلة، ولعل في ذلك امتحانا يمتحن الله سبحانه وتعالى عباده، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ووفق الصورة أعلاه تظل برزخية الأزمنة هي المؤمل بأن تغير الكثير من موازين الحياة التي يقف على جانبي كفتيها هذا الإنسان الذي قال عنه إيليا أبو ماضي في رائعته «نسي الطين ساعة»: «نسي الطين ساعة أنه طين حقير، فصال تيها وعربد وكسى الخز جسمه فتباهى، وحوى المال كيسه فتمرد» ويقول: «لك في عالم النهار أماني، ورؤى والظلام فوقك ممتد» إلى أن يقول: « «ما الحياة التي تبين وتخفى، ما الزمان الذي يذم ويحمد أيها الطين لست أنقى وأسمى، من تراب تدوس وتتوسد سدت أو لم تسد فما أنت، إلا حيوان مسير مستعبد».

ويحضر الزمن هنا بدوره الفاعل في مسيرة هذه الحياة، وتتمثل برزخيته في فتراته الفاصلة بين الأحداث، وقد تكون هذه الفترات طويلة الأمد، فتراكم من معززات اليأس، وقد تكون قصيرة الأمد، فتنعش جانبا من الأمل، الذي يكاد أن يكون مفقودا، وهذه الـ «برزخية» بفواصل فتراتها المستمرة، طولا وقصرا، والتي لا تنبئ كثيرا عن إشراقات الأمل المتتالية، توازي تلهف الناس إليه وحلمه الممتد، بقدر ما تكرس اليأس في نفوس الكثير من الناس أيضا، حيث ينظر إليها على أنها ديمومة لا نهاية لها تتكرر من خلالها الصور النمطية من الحروب التي لا تنتهي، ومن التسلط الذي لا يقف عند حد، ولو وضعنا حسبة مختصرة لمجل الأحداث على مدى خمس من العقود مضت، فسنجد أن البشرية عانت أكثر مما استنشقت حريتها التي تأملها، لا فرق بين هذه العقود وبعدها، حيث لا تزال الحالة الإنسانية تراوح ذاتها، إلا في تطورها المادي البحت، فقط، فالحروب قائمة، ولا تزال الدول مضطربة، ولا تزال النفوس قلقلة، ولا تزال المشاعر مستنفرة، الكل يبحث عن لحظة زمنية فارقة يستعيد فيها متنفسا آمنا، فتراه متنقلا عبر جغرافية الأرض - مشرقا ومغربا - لعله يجد فيها شيئا مما يفتقده في بلده الأم، ويجده في رحلة البحث هذه التي لا تتوقف، وأنى له ذلك في ظل سحابة كونية مغبرة بأتربة الصراعات والمشاحنات التي لا تهدأ ولا تتوقف، والقائمة على ليّ الأذرعة، واستغلال الظروف، وحالات الضعف، وقلة الحيلة، وتعطيل الحكمة، وتحييد المودة، وتعظيم الفارق المادي لمختلف المكاسب، ولو أدى ذلك إلى إنهاء الأنفس التائقة للحياة والأمل والأمان، وبقدر الأمل الذي يرى في الآخرون على أنه البارقة المضيئة في سماوات الكون، إلا أن كل فترة قادمة تمتحن فيها الإنسانية أكثر، تمتحن في صبرها، وفي محنتها، وفي قدرتها على الانعتاق من النرجسية، والخيلاء، والتكبر، والإستقواء على خلق الله، وكأن الطرف المغلوب على أمره لا يصنف من الذات الإنسانية التي تكيل على غيرها صنوف الهوان، والتعذيب، والاستعلاء، فأي إنسانية هذه تعيش هذه الازدواجية في المعايير، وفي اتخاذ المواقف، والكيل بمكيالين، لا عدالة قادرة على توازي الكفتي الخير والشر، على الأقل.

يحقن الشاعر الكبير -أبو القاسم الشابي- عبر قصيدته الرائعة «إرادة الحياة» النفوس بكثير من الهمة، والأمل وتجاوز معضلات الحياة، ولئن كانت للقصيدة مناسبة قالها الشاعر فيها، إبان الاحتلال الفرنسي البغيض لتونس، فإن المعاني الضمنية الأفقية والرأسية التي تتموضع بين جنبات القصيدة، فإنها ترفرف على سماوات الكون في كل زمن وحين، وإن الحالة الشعورية التي جسدها الشابي قبل أكثر من (80) عاما من اليوم، لا تزال تراوح مكانها، على امتداد، من يتخيل أنه مر على ذلك هذه الفترة ببرزخيتها الزمنية الممتدة، والتي لا تزال تخيم بضبابيتها القاتمة، وأقول بضبابيتها لأن الحالة الإنسانية لا تزال تراوح مكانها منذ ذلك الزمان، وإلى هذا الزمان، وإلى ذلك الزمان التي تستشرفه مخيلتنا كبشر، نتوق في يوم ما، أن نشعر بمكانة هذه البشرية على وجه البسيطة، وإنها هي الحاكمة والضابطة، ليس إلا، وللتأكيد على هذا القول حقيقة وجودنا نحن اليوم، التي، ربما، لم يتخيلها أبو القاسم الشابي قبل أكثر من (80) عاما، ولنحصر المسألة في واقعنا العربي على وجه الخصوص، ماذا تغير من حال؟ ما مجموعة المكاسب التي حققتها المجموعة العربية الممثلة في الـ (22) دولة من المحيط إلى الخليج، ولا أتحدث عن رخاء مادي استثنائي لبعض الدول، من أثر عوائد النفط، فقط، فهذا النوع من الثراء المادي ينظر إليه وفق استثنائيته المحدودة، ولكن تقيم المسألة هنا، وفي هذه المناقشة بالذات، وفق معطيات مختلفة، ومتنوعة، سياسية واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وجيوسياسية، وفي كل معطى من هذه المعطيات، تكتب قصتها الخاصة بها، فحين يتم الحديث عن صورة شاملة عامة، يفترض، أن تكون مجمل معززات الوجود الإنساني متحققة عبر مناخات هذه الشمولية وعموميتها، ولا تستقطع منها أجزاء صغيرة للحكم على الجميع، فالتسيد القاتل الذي تتحكم فيه مجموعة صغيرة في هذا العالم، هو الذي أضر بالإنسانية وضربها في مقتل الذل والهوان والانحسار.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفـي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی لا لا تزال

إقرأ أيضاً:

ديون الأسر البريطانية تهبط إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2002

تشهد الأسر البريطانية حاليًا أفضل أوضاع مالية منذ أكثر من عقدين، بعد فترة طويلة من ضبط الإنفاق تركت أثرًا واضحًا على الاقتصاد البريطاني.

 

الأسر البريطانية

 

ووفقًا لبيانات مكتب الإحصاءات الوطنية، انخفض إجمالي ديون الأسر كنسبة من الدخل بنحو 40 نقطة مئوية مقارنة بذروتها في عام 2008، لتسجل 117% في الربع الثاني من العام الحالي، وهو أدنى مستوى منذ عام 2002.

 

ويُعزى نصف هذا التحسن إلى الفترة التي تلت عام 2020، حين أدت موجة التضخم وارتفاع أسعار الفائدة إلى رفع مستويات الأجور من جهة، وتقليص الاعتماد على الاقتراض من جهة أخرى.

 

ويعتمد ما إذا كان هذا التحسن سيترجم إلى انتعاش مطلوب بشدة في إنفاق المستهلكين بشكل كبير على خطط وزير الخزانة ريتشل ريفز، التي تُعد لميزانية من المتوقع أن تتضمن زيادات ضريبية في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني.

 

وقد ينفق البريطانيون بحرية أكبر إذا جنبت ريفز العمال العاديين ضرائب إضافية وعززت التفاؤل بشأن الآفاق الاقتصادية، مما سيساعد حزب العمال على إصلاح المالية العامة وتنفيذ وعوده برفع مستويات المعيشة. لكن تكرار تجربة ميزانيتها الأولى في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي أضعفت الثقة، قد يحكم على البلاد بسنوات أخرى من الركود.

 

وقال جيمس سميث، الخبير الاقتصادي في الأسواق المتقدمة لدى "ING"، إن المستهلك "يمثل خطرًا صاعدًا على النمو، لأن معدل الادخار كان مرتفعًا جدًا".

 

وأضاف أن تحسن أوضاع ميزانيات الأسر يمثل مؤشرًا إيجابيًا بشكل عام، إلا أن "المشكلة حاليًا تكمن في أن الثقة لا تزال منخفضة نسبيًا".

 

ويُعد إنفاق المستهلكين عنصرًا حاسمًا في أي تعافٍ اقتصادي، إذ يشكل نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى عكس نظرائهم في أميركا، لا تزال الأسر البريطانية حذرة في الإنفاق بعد سلسلة من الأزمات في السنوات الأخيرة، بدءًا من الجائحة وصولًا إلى صدمة أسعار الطاقة. وبدلًا من ذلك، فضل البريطانيون الادخار، مما يشكل مصدرًا رئيسيًا لقوة الإنفاق إذا قرروا استخدامه.

 

وتُظهر بيانات من "نومورا" أن استهلاك الأسر البريطانية ارتفع بوتيرة أبطأ بكثير من جميع الاقتصادات المتقدمة الأخرى في أوروبا وأميركا الشمالية ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، إذ زاد بنسبة 0.7% فقط منذ نهاية 2019، مقارنة مع 3.9% في منطقة اليورو و16.4% في أميركا.

 

ونتيجة لذلك، لا يزال الاقتصاد البريطاني أكبر بنسبة 5% فقط مما كان عليه قبل الجائحة، مقارنة بـ13% في أميركا، وأكثر من 8% في كندا، وما يقرب من 7% في إيطاليا.

 

وتُقدّر "PwC" أن النمو سيصل إلى 1.6% في العام المقبل إذا قررت الأسر استخدام مدخراتها، أي أعلى بنحو 0.4 نقطة مئوية من السيناريو الأساسي.

 

الحذر رغم تراجع الديون

 

ولا تزال الأسر البريطانية حذرة رغم تراجع ديونها إلى ما دون المتوسط طويل الأجل في بيانات تعود إلى عام 1987. وقد أدى نمو الأجور القوي إلى رفع الدخل القابل للإنفاق لدى الأسر بنسبة تقارب 33% منذ 2019، وهو معدل أعلى بكثير من الزيادة البالغة 16.5% في ديون الرهن العقاري، و7.4% في الائتمان الاستهلاكي، بحسب بيانات "WPI Strategy".

 

وقال مارتن بيك، كبير الاقتصاديين لدى "WPI Strategy"، إن "الأسعار والأجور ترتفع بسرعة، ما سيؤدي إلى تآكل القيمة الحقيقية للديون"، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن "الطلب على الاقتراض ظل ضعيفًا نسبيًا، خصوصًا بعد فترة الجائحة التي شهدت قيام الناس بسداد ديونهم"، بحسب الاسواق العربية.

 

ويتوقع بنك إنجلترا تعافيًا في إنفاق الأسر خلال السنوات المقبلة، لكن العضو في لجنة السياسات النقدية كاثرين مان قالت، في خطاب ألقته يوم الخميس، إن الحفاظ على سياسة نقدية مشددة أمر ضروري لتعزيز ثقة المستهلكين، إذ يجب أن يشعر الناس بأن التضخم بات تحت السيطرة.

 

محافظ الجيزة: توزيع 2 طن من لحوم صكوك الأضاحي على الأسر الأولى بالرعاية إيمان كريم تؤكد أهمية التكاتف المجتمعي ودعم الأسر لتحسين حياة ذوي الشلل الدماغي معلومات الوزراء يرصد جهود "حياة كريمة" في دعم الأسر الأولى بالرعاية أوقاف البحيرة تتسلم طنين من لحوم الأضاحي لتوزيعها على الأسر الأولى بالرعاية تأجيل محاكمة متهمي خلية "الأسر التربوية" التابعة للإخوان قافلة تحيا مصر تصل الفيوم لدعم 5 آلاف من الأسر الأولى بالرعاية 49% من الأسر المصرية ينشرون محتوى لأطفالهم على الإنترنت الغرف التجارية: أهلاً مدارس منصة سنوية لضبط السوق ودعم الأسر المصرية دينا أبو الخير تحذر من خطورة المال الحرام على الأسر.. يمحو البركة ويجلب المصائب محافظ الغربية يرسم البسمة على وجوه طلاب الأسر الأولى بالرعاية لبلبة تشارك «راعي مصر» في جولة إنسانية بالمنيا لدعم الأسر الأكثر احتياجًا.. صور

 

مقالات مشابهة

  • دار الإفتاء توضح دعاء قيام الليل
  • وزارة التخطيط تمنح شهادات «القيد» لعدد من شركات المقاولات
  • طقس اليوم |خريفي مائل للبرودة ..واحذر ساعات الليل المتأخرة
  • حدث منتصف الليل| قائمة المشاركين في قمة شرم الشيخ.. وحصص الأحزاب في مجلس الشيوخ بعد التعيينات
  • حالة الطقس غدا .. الأرصاد تتوقع جوا مائلا للحرارة نهارا باردا في آخر الليل
  • ديون الأسر البريطانية تهبط إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2002
  • مهرجان القاهرة السينمائي يعلن أفلام برنامج عروض منتصف الليل في دورته الـ46
  • عدد ركعات قيام الليل 
  • أدعية ثلث الليل الواردة عن النبي الكريم
  • الأونروا: أقل من 40% من المستشفيات في غزة لا تزال تعمل وجميعها معطلة جزئيا