أصدرت وزارة التربية والتعليم دليل ممارسات الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية، الذي يمثل وثيقة أساسية تهدف إلى توجيه المعلمين والمشرفين وإدارات المدارس في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بفعالية لتعزيز جودة التعليم وتحقيق أهداف "رؤية عمان 2040"؛

يهدف الدليل إلى توفير الأسس اللازمة لتمكين الهيئة التعليمية من الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في المدارس، سواء في الجوانب التعليمية أو الإدارية.

ويتضمن توجيهًا شاملًا لبناء الخطط، تشكيل الفرق، وتحديد الاحتياجات التي تضمن دمج هذه التقنية الحديثة في كافة العمليات التعليمية.

كما يسعى الدليل إلى تعزيز الوعي لدى المعلمين بآليات الذكاء الاصطناعي وتقديم التدريب المناسب لهم لاستخدام هذه الأدوات بشكل أخلاقي وفعال، بما يسهم في تطوير بيئة تعليمية مبتكرة تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة. من خلال ذلك، يهدف الدليل إلى تحسين تجربة التعلم وتعزيز أداء الطلبة باستخدام الأدوات والأساليب المتطورة، بالإضافة إلى دعم ممارسات إيجابية وفعالة في توظيف هذه التقنية.

يؤكد الدليل على ضرورة تنظيم الجهود وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي داخل البيئة التعليمية، من خلال تشكيل فرق متخصصة، أبرزها الفريق المركزي المعني بإعداد وتنفيذ البرنامج الوطني لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم المدرسي. هذه الفرق ستكون مسؤولة عن تنسيق الجهود بين الجهات المختلفة لضمان تنفيذ الخطط التعليمية بشكل فعال، بالإضافة إلى متابعة تطبيق أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال.

كما يركز الدليل على أهمية التعاون بين المؤسسات التعليمية المختلفة لتبادل المعرفة والتجارب، وتقديم التقارير الخاصة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى لجنة التحول الرقمي في الوزارة لضمان مواكبة التطورات العالمية وتحقيق أهداف استخدام هذه التقنيات بشكل مستدام.

يكشف الدليل آلية تمكين الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية، مع التركيز على الصفوف الدراسية لتحسين جودة التعليم والتعلم. ويتطلب هذا تشكيل فرق عمل متخصصة من الهيئة التعليمية والمعنيين لتحديد الاحتياجات والمتطلبات الخاصة بالذكاء الاصطناعي في المدارس، والإشراف على تطبيقها بما يتوافق مع المبادئ الأخلاقية والتشريعات المعتمدة من قبل الوزارة.

الضوابط الأمنية

يتناول الدليل أيضًا الضوابط الأمنية اللازمة لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم المدرسي. في إطار هذا، يشدد على أهمية الالتزام بالقوانين واللوائح الخاصة بحماية البيانات الشخصية، وكذلك الامتناع عن مشاركة أي معلومات حساسة أو سرية خارج نطاق الوزارة. يُطلب أيضًا أن يتم استخدام التطبيقات الموثقة والمصرح بها فقط من قبل الوزارة، مع ضمان حماية البيانات الشخصية والموافقة المسبقة للأفراد عند استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تشمل تصميم شخصيات حقيقية.

المخاطر المحتملة

كما يعرض الدليل أبرز المخاطر المحتملة المرتبطة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعليم، بما في ذلك المخاطر الصحية مثل الإجهاد الجسدي الناتج عن الاستخدام المفرط للأجهزة، بالإضافة إلى المشكلات النفسية والاجتماعية مثل التوتر والاكتئاب، والمخاطر المعرفية، حيث قد يؤدي الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي إلى تقليص التفكير النقدي وضعف المهارات العقلية بسبب الاعتماد على معلومات غير دقيقة.

فضلاً عن المخاطر الاجتماعية، والتي تشمل التفاوت في الوصول إلى التكنولوجيا وتغيرات اجتماعية قد تحدث نتيجة لتحيزات خوارزميات الذكاء الاصطناعي، والمخاطر الأمنية، بما يتعلق بانتهاك الخصوصية والتعرض للاختراقات الإلكترونية التي قد تؤدي إلى تدمير الأنظمة أو تسريب البيانات الحساسة.

ويعد دليل ممارسات الذكاء الاصطناعي في التعليم خطوة مهمة نحو دمج التكنولوجيا المتطورة في العملية التعليمية العمانية، ويعكس التزام الوزارة بتطوير بيئة تعليمية مستدامة تعتمد على الابتكار. ويهدف هذا الدليل إلى ضمان أن يكون استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم أمرًا متكاملًا وآمنًا، بما يعزز من قدرات المعلمين والطلبة على السواء في مواجهة التحديات المستقبلية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی فی التعلیم استخدام الذکاء الاصطناعی فی العملیة التعلیمیة الدلیل إلى

إقرأ أيضاً:

حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي

كثر الحديث مؤخرًا عن لجوء بعض الكتّاب إلى «الذكاء الاصطناعي»؛ ليكتب عنهم المقالات الصحفيَّة في ثوان قليلة، ما اختصر لهم الوقت، وأراحهم من عناء الجهد والبحث. والنتيجةُ أنّ تلك المقالات افتقدت الروح، وغاب عنها الكاتب، فصارت كلُّ المقالات متشابهة في الشكل والمضمون، لدرجة أن أصبح القارئ يستطيع أن يميّز بين مقال الكاتب والمقال المنقول حرفيًّا من الذكاء.

إزاء تنامي الجدل حول الموضوع؛ هل هو انتحال وسرقة أم أنه بحكم التطور وضع طبيعي؟ قررتُ أن أخوض حوارًا مباشرًا مع أحد هذه الأنظمة؛ بحثًا عن فهم أعمق لهذا الكائن الرقمي. كانت المفاجأة أني كنتُ في حوار أقرب ما يكون مع إنسان وليس مع آلة، وبدا لي أنّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرات هائلة تفيد الكاتب في جوانب كثيرة في البحث عن المعلومة والترجمة وفي تقييم المقال نفسه، لكنه مهما كان من أمر فإنه لا يمكن أن يعوّض عن حضور الكاتب. سألتُ الذكاء عن هذا الأمر، فأقرّ بأنّ البعض يستخدمه لأداء المهمة كاملة دون تحرير أو إضافة ذاتية ما يجعل النص أقرب للانتحال، حتى لو لم يكن هناك مؤلف بشري يُنسب له المحتوى. سألتُ: هل يمكن أن يُقدّم الذكاء المقال نفسه لشخص آخر؟ فردّ بأنّ ذلك ممكن، خاصةً إذا كانت الأسئلة متشابهة أو عامة، ما يُظهر أهمية التفرّد في الطرح، والحرص على أن تكون الكتابةُ نابعةً من هوية الكاتب نفسه. هنا سألته: ماذا يمكن أن يفيد الذكاء الكتّاب والصحفيين؟ كان الرد: «دعم الكتابة والتحرير عن طريق صياغة الأفكار، وتوليد المحتوى، واقتراح زوايا مختلفة للموضوع أو حتى تقديم مسودة أولية. ويمكن الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من المعلومات في وقت قصير، واستخلاص النقاط المهمة». وأهم نقطة ذكرها أنّه بترجمته الفورية السريعة يسهل التواصل مع مصادر من ثقافات مختلفة، ويمكنه استخراج الخلاصة من مقابلات طويلة، أو من وثائق كثيرة.

تشعّب الحديث بيننا - وكأني أمام صديق مثقف - سألتُه: كيف نضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه؟ فردّ قائلًا: «إنّ الحفاظ على هذا التوازن يتطلب ترسيخ القيم الإنسانية في تصميم الأنظمة، وسن تشريعات ذكية، وتوعية الناس بعدم الاستسلام المطلق للأداة».

انتقلنا في الحديث عن الكتابة إلى الطب، فسألتُه سؤالًا سبق أن أثار جدلًا واسعًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُلغي وظيفة الطبيب العام مثل الكثير من الوظائف التي ستُلغى؟ أجاب أنّ دوره سيتغيّر، لكنه لن يُلغى، فبينما يستطيع الذكاء دعم التشخيص، وتحليل البيانات يظل الطبيب البشري يتمتع بقدرة لا يمكن للآلة أن تمتلكها، وهي التعاطف، والحدس، والتعامل مع تعقيدات النفس البشرية.

طرحتُ عليه سؤالًا يحمل بُعدًا أمنيًا وأخلاقيًا، وقد تردّد كثيرًا عبر المنصات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعلّم الناس صناعة القنابل أو الأسلحة؟ فكان جوابه حازمًا: «الشركات المطوّرة تضع فلاتر صارمة لمنع هذه الاستخدامات، لكن يبقى الخطر قائمًا إذا تم التحايل أو إساءة الاستخدام. وهنا تزداد الحاجة إلى يقظة قانونية ومجتمعية تتجاوز التطوّر التقني نفسه».

أخذني الحماس فسألتُه عن أغرب طلب وُجِّه إليه فقال: «هناك من طلب مني أن أكتب خطابًا يعتذر فيه عن حادثة كسر كوب زجاجي أمام مجلس تنفيذي لشركة كبرى، ويجب أن يتضمن استعارات عن تحطم الأحلام والزجاج المعشق». وواصل: «هناك من يسألني عن أسرار الكون، ومن يطلب صياغة قصيدة غزلية، ومن يبحث عن دعم نفسي في لحظة صعبة، وحتى من يطلب نصيحة قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة. وهناك من يريد أن أفسّر له الأحلام. أشعرُ وكأنّي كتابٌ حيّ مفتوح دومًا مليء بالمفاجآت». ولم ينس أن يسألني: هل لديك سؤالٌ غريب يا زاهر؟!

حقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي الآن قوي، ومع الأسف صار الكثيرون يعتمدون عليه في الكتابة الحرفية فقط، وتركوا الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يقدّمها. وفي تصوري أنّ ما ينتظره العالم منه في المستقبل يفوق التصوّر، وهو ما أكده لي عندما سألتُه عمَّا هو متوقع منه في المستقبل؟ فأجاب: «سيصبح الذكاء الاصطناعي مثل «سكرتير رقمي» يعرف جدولك، وشخصيتك، ومزاجك، حتى نواياك، يتوقع احتياجاتك قبل أن تطلبها، ويُقدِّم خيارات حياتية مصممة لك بالذكاء. أما في المجال الطبي فسيتمكن من تحليل الحمض النووي لكلِّ فرد وإعطاء علاج خاص به، وقد يُساعد في اكتشاف الأمراض قبل ظهور أعراضها بسنوات». أما عن مجال التعليم فقد قال: «تخيّل فصلًا دراسيًّا لكلّ طالب على حدة، يُدرّسه الذكاء الاصطناعي حسب سرعة فهمه واهتمامه. سيساعد الذكاء في ردم الفجوة التعليمية بين المناطق المختلفة».

ولكن المثير أنه قال: «ستجري روبوتات عمليات جراحية، وترعى كبار السن، وتُناقشك في الفلسفة، تمزج بين الحس العاطفي والذكاء التحليلي. سيشارك الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى، كتابة الروايات، رسم اللوحات، وحتى ابتكار نكات».

لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن «يفهم» المشاعر؟ كان الرد: «إنّ الأبحاث تتجه نحو أنظمة تُدرك نبرة الصوت، وتعابير الوجه حتى المزاج!».

الذكاء الاصطناعي يشكّل قفزة كبيرة تُشبه القفزات النوعية في التاريخ، مثل اختراع الطباعة أو الإنترنت. وكلُّ هذا مجرد بداية رغم أنّ الناس باتوا يرونه من الآن مستشارًا، وشريكًا معرفيًّا، ومُحفِّزًا للإبداع، وأحيانًا صديقًا للدردشة.

كشفَتْ لي تجربةُ الحوار المطول، قدرات الذكاء الاصطناعي، وصرتُ على يقين بأنّ محرِّكات البحث مثل «جوجل» قد تصبح من الماضي؛ لأنّ البديل قوي، ويتيح ميزات لا توجد في تلك المحرِّكات، كالنقاش، وعمق البحث عن المعلومة، والترجمة الفورية من أيِّ لغة كانت. وما خرجتُ به من هذا الحوار - رغم انبهاري الشديد - هو أنّ الأداة لا تُغني عن الإلهام، وأنّ الكلمة لا تُولَد من الآلة فقط، بل من الأفكار، ومن التجارب الإنسانية، ومن المواقف، ولكن لا بأس أن تكون التقنية مساعِدة، وليست بديلة، فهي مهما كانت مغوية بالاختصار وتوفير الجهد والوقت؛ فستبقى تُنتج محتوىً بلا روح ولا ذاكرة ولا انفعالات، وهذه كلها من أساسيات نجاح أيِّ كتاب أو مقال أو حتى الخطب. وربما أقرب صورة لتوضيح ذلك خطبة الجمعة - على سبيل المثال -؛ فعندما يكون الخطيب ارتجاليًّا يخطب في الناس بما يؤمن به فسيصل إلى قلوب مستمعيه أكثر من خطبة بليغة مكتوبة يقرأها الخطيب نيابةً عن كاتبها.

وبعد نقاشي المطول معه، واكتشافي لإمكانياته أخشى أن يُضعف هذا (الذكاء) قدرات الإنسان التحليلية والإبداعية في آن واحد؛ بسبب الاعتماد المفرط عليه، خاصة أني سألتُه: هل يمكن لك أن تجهِّز لي كتابًا؟ كان الرد سريعًا: نعم.

في كلِّ الأحوال لا غنى عن الذكاء الاصطناعي الآن، لكلِّ من يبحث عن المعلومة، ويريد أن يقويَّ بها كتبه ومقالاته وأبحاثه. لكن النقطة المهمة هنا هي أنه يجب أن يبقى خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه، كأن يتجاوز أدواره - مثلًا -، ويحل محله في أمور تتطلب الحكمة، أو الوجدان، أو الأخلاق. ويجب أن يبقى معاونًا وشريكًا، ولكن ليس بديلًا كاملًا عن الإنسان كما يريده البعض.

مقالات مشابهة

  • هيئة مكافحة الاحتكار الإيطالية تحقق مع ميتا بشأن دمج الذكاء الاصطناعي في واتساب
  • السباق الاستخباراتي على الذكاء الاصطناعي
  • الصين تعزز استخدام الذكاء الاصطناعي في الزراعة الذكية
  • معضلة الذكاء الاصطناعي والمؤلف العلمي
  • حلقة عمل حول الذكاء الاصطناعي لتعزيز الترويج السياحي
  • أخلاقيات الإبداع: مستقبل العلاقة الجدلية بين الذكاء الاصطناعي والملكية الفكرية
  • حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
  • الحكومة: تطوير 94 منهجًا لجميع المراحل التعليمية و الاستعانة بكبار الأكاديميين لمراجعة المناهج
  • الموافقة على تخصيص أراضٍ لـ 20 مدرسة جديدة لدعم العملية التعليمية بالمنيا
  • هل تنفجر معدلات النمو الاقتصادي في زمن الذكاء الاصطناعي؟