إن ما يحسب لالقائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع أنه لم يكن ليتحرّك في قيادة الفصائل المسلحة من إدلب إلا بعد أن قرأ الموقف الأميركي بشكل صحيح، وأنه يعلم بدقة متى يتحرك؟ وكيف؟ وأين؟ ومع ذلك فإن أحدًا لم يكن يتوقع أن ينهار نظام الأسد بهذا الشكل، وبسرعة كبيرة، وصولًا إلى السقوط والانهيار في دمشق التي دخلتها الفصائل بقيادة هيئة تحرير الشام.

كان الشرع قد التقط مؤشراتٍ تدعم تحركه، وتشكِّلُ الغطاء الغربي له بشكل مضمون وفعَّال، ما دام أنه يتحرك تحت العنوان العريض الذي رسمه المجتمع الدولي بقيادة واشنطن للمنطقة، وهو "إخراج إيران من سوريا"، وبصرف النظر عما إن كان متوقعًا أو غير متوقع فإن هيئة تحرير الشام أصبحت الجهة التي تحكم دمشق، وأبو محمد الجولاني عاد لاسمه الحقيقي "أحمد الشرع" الذي يقابله المسؤولون الأميركيون ويخططون معه لمستقبل سوريا الجديد.

ماذا عن التصنيف على قوائم الإرهاب؟

من المتوقع أن يكون رفع الهيئة وزعيمها عن قوائم الإرهاب هو أحد أهم الأوراق التفاوضية التي ستضمن بها واشنطن انضباط الإدارة الجديدة في دمشق بما يناسب سياساتها في المنطقة.

وهذا الأمر لا يشترط أن يحصل سريعًا، حيث تستطيع الدبلوماسية الأميركية إجراء اللقاءات والتفاعل السياسي مع السلطة وليس مع الهيئة، والمثال القريب لذلك أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت تطالب الولايات المتحدة برفعها عن قوائم الإرهاب حتى عام 2022، علمًا أنها تسلّمت السلطة في الضفة والقطاع وأصبح لها تمثيل في المؤسسات الأممية.

إعلان الابتزاز برفع العقوبات

لا تقتصر الأوراق التفاوضية أو يمكن تسميتها بأوراق الضغط على رفع التصنيف، بل إن التحكم الأكبر ،للغرب عمومًا وللولايات المتحدة على وجه الخصوص، يتوقع أن ينطلق من ملف العقوبات، ليس على الأشخاص فقط، وإنما على القطاعات بما في ذلك مؤسسات الدولة ومصارفها.

كل ذلك تتعامل العواصم الغربية معه وفق مبدأ التحكم البعيد والفاعل، تمامًا كما هو الأمر حاليًا في العراق الذي سقط فيه النظام الذي تمت معاقبته منذ عام 2003؛ لكن العقوبات ما تزال أداة واشنطن الرادعة والضابطة لتبقى الحكومات المتعاقبة في بغداد تحت رحمة تمرير المبالغ النقدية يدًا بيد (حقائب الكاش) التي قد تتأخر أو تنقطع إذا ما أرادت الإدارة الأميركية التنبيه أو العقاب.

ماذا تريد الإدارة الأميركية من الإدارة في دمشق؟

هناك مجموعة واسعة من الشروط المعلنة التي ستبقى محل تفاوض وسجال بين الغرب وبين الإدارة الجديدة في دمشق، منها حماية الأقليات الدينية والطائفية والإثنية، وضمان حقوقهم، وإشراك جميع المكونات والشرائح والأطياف في حكم سوريا، وعدم اضطهاد المرأة وحرمانها من حقوقها، وتوفير الحريات واحترامها.

يُعتقد أن هذه شروط شكلية، بينما هناك شروط أهم وأكثر حساسيّة، وهي محل اختبار الدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، للإدارة الجديدة في دمشق، ويمكن تلخيص هذه الشروط كما التالي:

إيران لن تعود إلى سوريا

لم تخفِ واشنطن أن إدارة العمليات العسكرية نجحت نجاحًا مرحبًا به في إخراج إيران من سوريا، كما لم تخفِ أنها ستعمل مع أي إدارة سورية قادمة تضمن عدم عودة إيران، ليس فقط في نفوذ عسكري وأمني، وإنما حتى العودة السياسية أو الاقتصادية، أو أي نوع من الامتداد الخشن أو الناعم في المنطقة، ليكون ذلك إنهاء لجغرافيا واسعة كان يمتد بها مشروع "محور المقاومة والممانعة".

العلاقة مع إسرائيل

لا يتوقع أن تقبل واشنطن وحلفاؤها من النظام الجديد الذي سيحكم دمشق ما كانت تقبله من نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد تجاه إسرائيل، لكن الأمر بات أكثر تعقيدًا مع تقدم الجيش الإسرائيلي وسيطرته على مناطق جديدة جنوب سوريا، ضمن المنطقة منزوعة السلاح وفق اتفاقية 1974، وفي مناطق تجاوزت فيها إسرائيل هذه المنطقة إلى قرى وبلدات أخرى.

إعلان

أبدى الشرع من دمشق موقفًا سريعًا وواضحًا من أن سوريا لن تتجه إلى أي مواجهة مع دول الجوار، أو مع أي جهة، فضلًا عن أن تكون قادرة على ذلك، وكان الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت قد دمر معظم القدرات العسكرية، بما يجعل سوريا عمليًا دولة منزوعة السلاح، ومع ذلك فإن رسائل الجيش الإسرائيلي ونتنياهو من قمة جبل الشيخ تؤكد أن إسرائيل لن تخرج في وقت قريب من المناطق التي سيطرت عليها بالتزامن مع سقوط نظام الأسد.

هذا الأمر سيعقد شكل العلاقة بين الإدارة الجديدة في دمشق وبين تل أبيب، فضلًا عن ملفات أخرى قد تساهم أيضًا في تعقيد العلاقة، مثل العلاقة بين من يحكم دمشق، وبين القوى الإقليمية في المنطقة ومنها تركيا.

السلاح الكيماوي

متصلًا بأمن إسرائيل وأمن المصالح الغربية في المنطقة فإن واشنطن ومن ورائها تل أبيب ستعمل سريعًا على ضمان تعاون من يريد حكم دمشق في تسليم جميع الأسلحة الكيماوية لإتلافها، الأمر الذي راوغ فيه النظام المخلوع كثيرًا، وبقي يشكل هاجسًا كبيرًا في إسرائيل.

صحيح أن الجيش الإسرائيلي دمر البنية العسكرية لسوريا، إلا أنه يعتقد أن المخزون الكيماوي من الخطر جدًا أن يتم التخلص منه، كما يتم التخلص من باقي أنواع الأسلحة التي دمرتها إسرائيل في مستودعاتها، لذلك لا بد من تعاون جاد وحقيقي من الإدارة الجديدة في هذا الملف، الأمر الذي يتوقع أن تتابعه الولايات المتحدة، وتبدي فيه الإدارة الجديدة مرونة عالية.

اختبار القدرة على فرض الاستقرار

كانت واشنطن خلال عقد من الزمن تتعامل مع الملف السوري من بوصلة المصالح الإسرائيلية وتأثير تل أبيب على القرار الأميركي في الشأن السوري، والذي كان يتجه إلى توازن الضعف بين فرقاء مختلفين في سوريا، يتفاعلون ضمن صراع مضبوط ومتحكم به.

حاليًا وبعد هذا التغير الواسع الذي ستمتد تأثيراته على الشرق الأوسط كاملًا، فإن إدارة ترامب ستتجه إلى حل النزاعات في العالم، وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط وشرق أوروبا، ربما هذا سيتطلب بعض الفوضى الموجهة للوصول إلى طاولة مفاوضات تنتج حل النزاعات وضمان الاستقرار، لكن بشكل عام فإن الهدف النهائي هو توقّف الحروب.

إعلان

في الشرق الأوسط هناك فرص كثيرة للاستثمار في الهدوء والاستقرار، والجيوسياسي السوري يجعل دمشق محورًا هامًا يجب أن تستطيع إدارتها أن تضبط الحكم، بما يتوافق مع توجه المصالح الأميركية، ومصالح حلفائها في المنطقة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الإدارة الجدیدة فی دمشق الجیش الإسرائیلی فی المنطقة یتوقع أن

إقرأ أيضاً:

هجوم بالنار على متضامنين مع إسرائيل.. من هو المصري الذي أرعب كولورادو؟

عواصم - الوكالات

كشفت السلطات الأميركية، تفاصيل جديدة بشأن الهجوم الذي وقع بالقرب من فعالية مؤيدة لإسرائيل في شارع "بيرل ستريت" الشهير بمدينة بولدر بولاية كولورادو، وأسفر عن إصابة 6 أشخاص على الأقل، بعضهم بحروق خطيرة.

وبحسب ما نقلته شبكة "فوكس نيوز"، فإن المشتبه به هو رجل يحمل الجنسية المصرية ويدعى محمد صبري سليمان، ويبلغ من العمر 45 عاماً، وكان قد دخل الأراضي الأميركية قبل عامين بتأشيرة مؤقتة انتهت صلاحيتها، ما جعله مقيماً بشكل غير قانوني في البلاد.

وأوضح مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) أن المهاجم استخدم قاذف لهب بدائي الصنع أثناء تنفيذ الهجوم، وكان يردد عبارة "فلسطين حرة"، ما دفع المكتب لتصنيفه مبدئياً كـ"هجوم إرهابي موجه"، حسب ما صرّح به كاش باتيل، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي.

وقال المدعي العام لولاية كولورادو، فيل وايزر، إن الهجوم "يبدو كجريمة كراهية تستهدف الجالية اليهودية"، بينما لفت قائد شرطة بولدر، ستيفن ريدفيرن، إلى أن التحقيق ما زال في مراحله المبكرة، مؤكدًا أن "المعلومات أولية للغاية" ومن المبكر الجزم بالدوافع النهائية.

الهجوم وقع خلال تجمّع أسبوعي لأفراد من الجالية اليهودية نظمته "رابطة مكافحة التشهير" على ممر المشاة في بيرل ستريت، حيث اعتاد المشاركون على المشي أو الركض دعمًا للرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023.

وقالت الرابطة، عبر منصة "إكس" (تويتر سابقًا): "نحن على علم بالتقارير التي تفيد بوقوع هجوم خلال الفعالية، ونتابع التطورات مع السلطات الأمنية".

ويأتي هذا الهجوم بعد أقل من أسبوعين على حادثة مشابهة في واشنطن العاصمة، حيث اعتُقل رجل من مواليد شيكاغو، يبلغ من العمر 31 عامًا، بعد أن أطلق النار على اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية، مرددًا العبارات نفسها، مما أدى إلى مقتلهما لاحقًا في تبادل إطلاق نار مع الأمن.

وتعكس هذه الهجمات تصاعد التوترات في الولايات المتحدة على خلفية الحرب المستمرة في غزة، واحتمال تحوّل المواقف المتطرفة إلى أعمال عنف تستهدف تجمعات مدنية.

من جانبها، أعلنت شرطة كولورادو أن التحقيق جارٍ حاليًا باعتبار الحادث "عملاً إرهابيًا محتملاً"، مؤكدة أنه "لا يُعتقد وجود متورطين آخرين" في الهجوم. فيما تستمر جهود التعرف على خلفيات المشتبه به ودوافعه، وتقييم ما إذا كانت هناك صلة بتنظيمات خارجية أو تيارات فكرية متطرفة.

في المقابل، التزمت السلطات الفيدرالية الصمت بشأن تفاصيل التحقيق، مكتفية بالإشارة إلى أن التنسيق جارٍ بين مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة الأمن الداخلي، وشرطة الولاية.

مقالات مشابهة

  • هجوم بالنار على متضامنين مع إسرائيل.. من هو المصري الذي أرعب الصهاينة؟
  • هجوم بالنار على متضامنين مع إسرائيل.. من هو المصري الذي أرعب كولورادو؟
  • المدير التنفيذي لسوق دمشق للأوراق المالية الدكتور باسل أسعد: افتتاح سوق دمشق يوم تاريخي مهم لسوريا، ونحن متأهبون للعودة وممارسة دورنا خلال الفترة القادمة حيث ستكون الاستثمارات أكبر وأوسع في سوريا الجديدة
  • سوريا.. اختفاء سبعة علويين بظروف غامضة في دمشق
  • بوريطة: الموقف الذي عبرت عنه المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية سيعزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف
  • واشنطن بوست: سوريا قد تُساق لحرب أهلية من جديد!
  • وزيرا الإدارة المحلية والمالية: أبواب سوريا مفتوحة للاستثمار ولا بد من تعدد مصادر تمويل إعادة الإعمار
  • موقع أمريكي: إسرائيل تشعر بتداعيات وقف إطلاق النار الذي أعلنه ترامب مع الحوثيين (ترجمة خاصة)
  • صحيفة إسرائيلية: تركيا أصبحت القوة الجديدة التي تُقلق إسرائيل في الشرق الأوسط!
  • وفد من قسد يتوجه إلى دمشق للقاء القيادة السورية الجديدة