الحاج يوسف: مقاومةٌ للموت في ظلِّ عزلةٍ تامة
تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT
منتدي الاعلام السوداني : غرفة التحرير المشتركة
اعداد وتحرير/ مركز الالق للخدمات الصحفية
الخرطوم بحري :27 ديسمبر 2024 –
يُقاومُ سكانُ الحاج يوسف شبحَ الموتِ مُتمسكينَ بأهدابِ الحياة. فمنذ انطلاق الحرب في 15 أبريل 2023، ظلت منطقة شرق النيل، ومنطقة الحاج يوسف على وجه الخصوص، تعيش في عزلةٍ تامةٍ عن العالم بسبب انقطاع الخدمات الأساسية.
وبالإضافة إلى هذه المعاناة، يُعاني السكان من إطلاق النار المُتكرر والقصف الطائش وأصوات المدفعية التي تتمركز داخل بعض الأحياء، مما أدى إلى سقوط عددٍ من القتلى والجرحى. وقد اضطر الكثير من السكان للنزوح واللجوء، إلا أن الغالبية لم تتمكن من ذلك بسبب الفقر وتوقف مصادر الدخل. ومما زاد الطين بلة، نزوحُ عددٍ كبيرٍ من سكان بحري وكوبر والسامراب والجزيرة إلى الحاج يوسف بعد سقوطها في يد قوات الدعم السريع، فأصبحت المنطقة مكتظةً بالسكان من مختلف المناطق. صمودٌ في وجهِ الموت:
صمدت مستشفى البان جديد في وجهِ هذه الظروف القاسية، وظلت تعمل منذ انطلاق الحرب بالسودان بمجهودات غرف طوارئ شرق النيل والمتطوعين من أبناء المنطقة. وعلى الرغم من تعرضها لإطلاق نار لأكثر من مرة وإغلاقها وسقوط ضحايا من الكادر الطبي، إلا أنها ظلت المشفى الرئيسي الذي يُقدم الخدمة الطبية للمواطنين بمختلف فئاتهم، خاصةً قسم الولادة.
إلا أن المستشفى تُعاني نقصاً حاداً في الأدوية المنقذة للحياة، ويكاد الأكسجين يكون معدوماً، الأمر الذي أدى إلى وفاة عددٍ من المواطنين. يقول محمد علي إن أحد أقاربه، وهو شابٌ مدنيّ، تعرض لإطلاق نار في البطن، فحاولوا إسعافه في عددٍ من المستشفيات والمراكز، إلا أنه توفي بسبب انعدام الأكسجين. كما اضطر حماد عبد الله، وهو مواطنٌ من شرق النيل، إلى السفر إلى بورتسودان بسبب تلف أصابع قدمه بعد أن تعرض للضرب من قبل أفراد من قوات الدعم السريع. وبعد معاناة البحث عن علاج، انتقل حماد للعلاج بمستشفى النو التعليمي بأم درمان، وبسبب نقص الرعاية الطبية تدهورت صحته، فسافر إلى بورتسودان حيث تم بتر قدمه من المُنتصف، وهو حالياً يعيش حالةً نفسيةً صعبةً ومعاناةً كبيرةً بسبب ما تعرض له.
وتُوثق غرفة طوارئ شرق النيل العديد من هذه القصص المأساوية. فمنذ أسابيع، نفذت صيدلية حي التكامل التابعة للغرفة مسحاً قصيراً لعددٍ من أصحاب الأمراض المزمنة، ووزعت عدداً من الأدوية. وكشف المسح أن 80% من أصحاب الأمراض العقلية والنفسية توقفوا عن تناول الأدوية بسبب انعدامها، كما أن أدوية السكري والضغط شبه معدومة، وكذلك أدوية أمراض القلب والكلى.
وخلال شهر نوفمبر، تعرضت منطقة شرق النيل والحاج يوسف إلى موجة حمى مجهولة وحمى الضنك، الأمر الذي أدى إلى عددٍ من الوفيات وسط النساء والأطفال، بجانب الوفيات وسط الحوامل وكبار السن. وقد ناشدت غرفة طوارئ شرق النيل في بيانٍ لها بتاريخ 15 ديسمبر بضرورة السماح بدخول الأدوية والمعينات الطبية. كما يُواجه المواطنون ارتفاع أسعار الأدوية، حيث وصل سعر شريط البندول إلى 9,000 جنيه، وحقن الملاريا إلى 20,000 جنيه.
وبالإضافة إلى الأزمة الصحية، فإنّ العزلة الكبيرة التي تعيشها المنطقة وانعدام الخدمات الأساسية يزيدان من معاناة السكان. ويعاني الكثير من انعدام مصادر الدخل وارتفاع أسعار السلع، حيث وصل سعر رطل اللبن إلى 1700 جنيه، وكيلو السكر إلى 4,000 جنيه، وكيلو العدس إلى 6,000 جنيه. كما تُباع 4 رغيفات بسعر 1,000 جنيه. ويعمل في السوق عدد كبير من الأطفال والنساء وكبار السن والفتيات. وقد راح ضحايا العمليات العسكرية عدد كبير من النساء والأطفال العاملين في السوق نتيجة لسقوط قذائف ومسيرات بأطراف سوق ستة. كما أُصيبت منازل بانهيار كامل على أصحابها، وراح ضحيتها أكثر من ثلاث أسر كان بعضهم يستعد للسفر والنزوح.
ويُشكل سوق ستة مصدر رزق للكثيرين، ويضم أصحاب مهن مختلفة توقفوا عن العمل بسبب الحرب، منهم المعلمون والأطباء والحرفيون والعمال والفنيون. وتحكي أستاذةٌ بمرحلة الأساس عن وضعها، حيث كانت تعمل مُعلمةً للغة الإنجليزية، واضطرت بعد توقف المدارس بسبب الحرب إلى العمل في بيع العصير والماء والحلويات في السوق لتُنفق على ابنتها الطالبة في السنة الأولى بالجامعة وابنها. وتقول: “لا أستطيع العيش إن لم أعمل لتوفير لقمة العيش. نحن في حاجة إلى السلام والاستقرار”. والكثير من المعلمين أمثالها يعملون في السوق ويجدون المضايقات، ولكن لا مفر أمامهم إلا العمل.
ومن الجدير بالذكر أنه حتى الآن لم تدخل أي مواد إغاثة إلى منطقة شرق النيل والحاج يوسف، كما أن الدكاكين والطواحين أصبحت خاليةً بسبب السلب والنهب المُستمر، وذلك بالرغم من وجود عددٍ كبيرٍ من النازحين الذين يقطن بعضهم في المدارس، وآخرون مع أقاربهم أو في المنازل التي هجرها أهلها قسراً.
وفي 24 و 25 ديسمبر، فتحت أربعة مدارس بمنطقة الحاج يوسف أبوابها أمام التلاميذ بعد التوقف لأكثر من عام، بمجهودٍ قام به متطوعون وبمجهوداتٍ من غرف الطوارئ والمعلمين العالقين ولجان الأحياء. وقد أعرب أولياء أمور عن استيائهم بسبب استمرار الحرب وضياع مستقبل الأبناء.
ونفذت غرفة طوارئ شرق النيل برنامجاً للدعم النفسي للأطفال تضمن تنفيذ أيام للدعم النفسي. وقد أظهرت رسومات ولوحات بعض الأطفال التأثر بالحرب، حيثُ قاموا بصناعة ألعابٍ تُحاكي السلاح وما يُعرف بـ “التاتشر”، وهي سيارة دفع رباعي تُستخدم في القتال. كما أطلق الأطفال ألقاباً على بعض الحلويات مثل حلاوة “مسيرة”.
وتزداد الأوضاع الإنسانية سوءاً يوماً بعد يوم، حيثُ تُعاني النساء من المضايقات والخوف ونقص المُستلزمات الخاصة، مثل الفوط الصحية التي وصل سعر البكج الواحد منها إلى 3,000 جنيه. ولا توجد وسيلةٌ للتواصلِ مع العالم الخارجيّ إلا عبر “الأس زتار لنك” بسعر 3,000 جنيه للساعة الواحدة.
وفي ظلِّ هذه الأوضاع المُتردّية، يُواصلُ سكانُ الحاج يوسف مُقاومتهم للحربِ والموتِ، مُتمسكينَ بأملِ الحياةِ والسلام.
ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني
#SilenceKills #الصمت_يقتل #NoTimeToWasteForSudan #الوضع_في_السودان_لا_يحتمل_التأجيل #StandWithSudan #ساندوا_السودان #SudanMediaForum
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان الحاج يوسف طوارئ شرق النیل الحاج یوسف فی السوق 000 جنیه إلا أن من الم
إقرأ أيضاً:
رسوم أميركية دون مقاومة.. ترامب يفرض والعالم يستسلم
في تحول لافت عن المواجهات التجارية التي ميزت الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بدا أن أغلب شركاء أميركا التجاريين، باستثناء الصين، قد اختاروا في ولايته الثانية قبول الرسوم الجمركية الجديدة بدلا من الدخول في حرب تجارية واسعة، وفق ما أفاد به تقرير موسع نشرته بلومبيرغ.
وبينما توقع اقتصاديون موجة من الإجراءات الانتقامية العالمية ردا على سياسة ترامب الحمائية، فإن هذه التوقعات لم تتحقق. كما كتب كبير اقتصاديي بنك جي بي مورغان، بروس كاسمان، في مذكرة للمستثمرين "إنها ليست حربا عندما يقاتل طرف واحد فقط"، مشيرا إلى أن غياب الردود العقابية خفف من التأثير السلبي على النمو العالمي المتوقع.
اتفاقات تحت الضغطوخلال الأسابيع الماضية، توصلت إدارة ترامب إلى سلسلة اتفاقات مع شركائها، تشمل خفض الحواجز التجارية أمام المنتجات الأميركية، رغم فرض رسوم جمركية مرتفعة على وارداتهم.
أبرز تلك الاتفاقات كان مع الاتحاد الأوروبي، الذي قبل يوم الأحد الماضي فرض رسوم بنسبة 15% على معظم صادراته إلى أميركا، مقابل خفض متوسط التعريفة الأوروبية على السلع الأميركية إلى أقل من 1%.
وسبق ذلك اتفاق مماثل مع اليابان، شمل رسوما بنسبة 15%، مقابل دعم طوكيو لمبادرة تمويلية بقيمة 550 مليار دولار – لم تتضح تفاصيلها بعد.
كما وافقت كوريا الجنوبية هذا الأسبوع على النسبة نفسها، مقابل تعهدات بالاستثمار في قطاعات الطاقة وبناء السفن الأميركية.
وفي الشهر الماضي، وافقت كل من فيتنام وإندونيسيا على رسوم بنسب 20% و19% على التوالي، مقابل إعفاء الصادرات الأميركية من أي رسوم، فيما وصفه ترامب بـ"نموذج النجاح التبادلي".
اقتصاد عالمي يجنّب الأسوأ.. لكنه يودّع التعدديةورغم أن صندوق النقد الدولي حذر هذا الأسبوع من "صدمة تجارية كبيرة" وأن البيئة الحالية "لا تزال هشة"، فإن ما حدث قد يكون أقل سوءا مما كان متوقعا.
إعلانويبلغ متوسط الرسوم الأميركية اليوم 15%، أي ما يعادل 6 أضعاف مستواها قبل عام، ويُعد الأعلى منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وفق بيانات بلومبيرغ إيكونوميكس.
لكن، بالمقابل، يرى اقتصاديون من معهد "كيل" للاقتصاد العالمي في ورقة بحثية أن الوضع كان يمكن أن يختلف تماما لو نسق الحلفاء مواقفهم. فحتى لو كان كل اقتصاد منفرد -أو حتى الاتحاد الأوروبي مجتمعا- لا يملك وحده ما يكفي من النفوذ لمواجهة تهديدات ترامب التجارية، فإن تحالفا منسقا كان قادرا على فرض تكلفة اقتصادية على أميركا.
بَيد أن هذا التنسيق لم يحدث، ويعود ذلك، وفق بلومبيرغ، إلى عدة عوامل، منها مخاوف الحكومات من رفع معدلات التضخم بعد صدمة كوفيد، وخشية من ردة فعل الناخبين الذين أطاحوا بعدة إدارات بسبب أزمة غلاء المعيشة.
لكن البعد السياسي والأمني كان حاسما أيضا، كما أشار الباحث هولغر غورغ، من معهد كيل: "الدول قلقة من الصورة الأكبر، فترامب لا يستخدم التجارة فقط كأداة اقتصادية، بل أيضا لتحقيق أهداف جيوسياسية".
في حالة أوروبا، جاء اتفاق الرسوم بعد التزام الاتحاد الأوروبي برفع إنفاقه الدفاعي في سياق الحرب الروسية على أوكرانيا، وهو ما ساعد في تهدئة ترامب داخل حلف الناتو.
ويرى غورغ أن قضايا الأمن كانت "الفيل في الغرفة" خلال المفاوضات التجارية الأخيرة.
الدول الأخرى، كذلك، دخلت في تفاوض فردي مع واشنطن بسبب "خلافات ثنائية"، ما مكن إدارة ترامب من اتباع نهج "فرق تسد"، وإضعاف الموقف الجماعي للحلفاء.
تفكك نظام التجارة العالميوفي سياق متصل، حذرت الخبيرة الاقتصادية إيزابيل ميجان، أستاذة الاقتصاد في "ساينس بو" في باريس، من أن التطورات الحالية قد تؤدي إلى "دورة جديدة من الحماية التجارية" تقوض مكاسب 50 عاما من التعددية.
وقالت "في عالم لم تعد تحكمه قواعد متعددة الأطراف، قد تلجأ حتى الشركات الفردية للتفاوض مباشرة مع الإدارة الأميركية، وهذا سيكون مدمرا للنظام القائم".
وتُعد هذه الانعطافة تراجعا حادا عن منظومة التجارة العالمية التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة منظمة التجارة العالمية، والتي تقوم على قواعد جماعية، لا تفاوضات انتقائية.
وبينما تُجنّب الاتفاقات الحالية العالم حربا تجارية شاملة، فإنها تمهد في المقابل لتحولات جذرية في بنية الاقتصاد العالمي، يقودها رئيس أميركي لا يخفي استخدامه للأدوات الاقتصادية في معارك النفوذ والهيمنة.