بورتسودان، 15 أكتوبر 2025، (سودان تربيون) –   قبل اندلاع الحرب، كانت حياة والدة الطالب من الخرطوم مستقرة، حيث كانت تعمل في مصنع بمنطقة الباقير وتستطيع تدبير نفقات أسرتها. لكن بعد أن أجبرها القتال على النزوح إلى الولاية الشمالية، وجدت نفسها بلا عمل، والأهم من ذلك، بلا قدرة على دفع متطلبات مدرسة ابنها في المرحلة الثانوية.

“لقد ترك ابني الدراسة لعجزي عن توفير متطلبات المدرسة “، قالت  سيدة لـ”سودان تربيون” طالبة عدم الكشف عن اسمها.

فقصتها ليست فريدة من نوعها، بل هي انعكاس لمصير ملايين الأسر السودانية التي وجدت نفسها في مواجهة انهيار اقتصادي ونظام تعليمي فوضوي منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023. فمع نزوح الملايين وتوقف المؤسسات الحكومية، تحول الحصول على التعليم الأساسي من حق مكفول إلى رفاهية لا يقدر عليها إلا القليلون.

في الولايات التي يسيطر عليها الجيش، مثل البحر الأحمر ونهر النيل والشمالية، أصبحت المدارس، وخاصة الخاصة منها، تفرض رسوماً باهظة وصلت في بعض الحالات إلى 1.2 مليون جنيه سوداني للمرحلة الأساسية و2 مليون جنيه للمرحلة الثانوية. أما رسوم رياض الأطفال فقد تجاوزت 500 ألف جنيه للطفل الواحد.

يقول إبراهيم عبد الرزاق، وهو أب لتلميذ في ولاية نهر النيل، إنه يدفع الآن 1.6 مليون جنيه سنوياً لطفليه، بالإضافة إلى 50 ألف جنيه شهرياً للمواصلات. ويضيف في حديثه لـ”سودان تربيون” : “تكاليف التعليم ارتفعت بشكل لا يطاق بعد الحرب ” .

ولم تعد المدارس الحكومية استثناءً. ففي أم درمان، يكشف معلم في المرحلة الثانوية، طلب عدم ذكر اسمه، أن المدارس الحكومية تفرض رسوماً تصل إلى 400 ألف جنيه تُدفع بالتقسيط، بالإضافة إلى “رسوم أسبوعية” بقيمة 2000 جنيه لتسيير الدراسة وتغطية نفقات المعلمين المتطوعين.

فاتورة باهظة

ترى درية أحمد بابكر، مديرة إدارة التعليم الخاص السابقة بولاية الخرطوم، أن هذه الفوضى هي نتيجة مباشرة لتخلي الدولة عن مسؤولياتها. وقالت لـ”سودان تريبيون” : “ما نشهده من ارتفاع في تكلفة التعليم ليس له سند قانوني. لقد جعل المجتمع يدفع فاتورة باهظة”.

وتشير بابكر إلى أن القوانين السودانية والمواثيق الدولية، كاتفاقية حقوق الطفل، تكفل حق التعليم الأساسي الإلزامي والمجاني. لكن الحرب فاقمت الأزمة؛ فالمدارس تعرضت للدمار، والتي نجت منها تعاني من نقص حاد في المعلمين والمقاعد الدراسية وانعدام المياه والكهرباء، مما يدفع إداراتها لفرض رسوم لتغطية تكاليف التشغيل والصيانة.

وتضيف: “هذا يجعل التعليم لمن استطاع إليه سبيلاً، مما يفتح الباب لتسرب أعداد كبيرة من التلاميذ، وهؤلاء قد يصبحون وقوداً للحرب الدائرة”.

ويوافقها الرأي سامي الباقر، المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين، الذي أكد أن “تكلفة التعليم أصبحت عالية بسبب تنصل الدولة عن دورها في دعم التعليم”، مشيراً إلى أن عدم التزام الحكومة بدفع رواتب المعلمين جعل المواطنين يتكفلون بتقديم حوافز لهم لضمان استمرار الدراسة.

فساد يستغل الأزمة

وفي خضم هذه الفوضى، يبرز وجه آخر للأزمة وهو الفساد. كشفت لجنة المعلمين بمحلية الخرطوم مؤخراً عن قيام مسؤول تعليمي بفرض رسوم غير قانونية على المعلمين مقابل الحصول على استمارة “إجازة بدون مرتب”.

وبحسب اللجنة، بدأت الرسوم بـ 2000 جنيه للاستمارة الواحدة، ثم ارتفعت لتصل إلى 10,000 جنيه، ليصبح المبلغ الإجمالي المطلوب من كل معلم 40,000 جنيه. وتؤكد اللجنة أن المبالغ كانت تُدفع إما نقداً للمسؤول أو عبر تحويل إلى حسابه البنكي الشخصي، بعيداً عن أي قنوات رسمية.

وبينما تتزايد التكاليف وينتشر الفساد، يبقى مستقبل جيل كامل من الأطفال السودانيين على المحك. وترى درية بابكر أن الحل يبدأ بوقف الحرب لتحقيق استقرار سياسي يسمح للمؤسسات بالقيام بواجباتها، مع ضرورة توجيه الموارد بكفاءة وشفافية لقطاع التعليم. وحذرت قائلة : “التعليم هم مجتمعي في المقام الأول، ويحتاج وقفة من الجميع لإنقاذ مستقبل أطفالنا”.

ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (سودان تربيون)، بهدف تسليط الضوء على الانهيار الحاد في قطاع التعليم بالسودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، حيث ارتفعت رسوم التعليم المدرسي بشكل غير مسبوق، ما يؤدي إلى تسرب آلاف الطلاب. ويكشف عن استغلال الفوضى عبر فرض رسوم غير قانونية وفساد إداري، في ظل غياب دور الدولة وانعدام الدعم للمعلمين. ويحذر الخبراء من أن استمرار الأزمة يهدد بضياع جيل كامل ما لم تتوقف الحرب ويُعاد بناء النظام التعليمي بشفافية ومسؤولية.

 

 

 

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

خبير: أوضاع اقتصادية متدنية وفساد وراء احتجاجات مدغشقر

قال السفير الدكتور صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية، إن التطورات الأخيرة في مدغشقر بدأت في 25 سبتمبر، عندما اندلعت احتجاجات شعبية قوية قادتها مجموعة شبابية تُعرف باسم "z"، وانضمت إليها شرائح واسعة من المواطنين، رافعين مطالب تتعلق بالإصلاح السياسي والاقتصادي.

رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي يعرب عن قلقه العميق إزاء التطورات في مدغشقررئيس مدغشقر يغادر البلاد بعد احتجاجات جيل زدرئيس مدغشقر يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيالبمشاركة ديانج.. مالي تكتسح مدغشقر برباعية في تصفيات كأس العالم

وأوضح حليمة، خلال مداخلة مع الإعلامي ياسر رشدي، على قناة "القاهرة الإخبارية"، أن هذه المظاهرات واجهت ردود فعل عنيفة، شملت إطلاق الرصاص، ما دفع بعض النخب السياسية والعسكرية إلى الانضمام للمحتجين وتوفير الحماية لهم، وهو ما شكّل نقطة تحول في مسار الأحداث.

وأضاف أن النخبة التي انحازت للشارع استولت لاحقًا على السلطة، مستفيدة من وجود البرلمان، لكنها حلّت كافة المؤسسات السياسية الأخرى، بما في ذلك مجلس الشيوخ، الذي ينص الدستور على أن رئيسه يتولى مهام رئيس الدولة في حال غيابه، مما أدى إلى تعطيل فعلي للدستور وغياب مرجعية شرعية واضحة.

وأشار إلى أن جذور الأزمة في مدغشقر تعود بالأساس إلى أوضاع اقتصادية متدهورة، تترافق مع استياء واسع من تفشي الفساد وسوء الإدارة، إضافة إلى فشل في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية المطلوبة من البنك الدولي، خاصة فيما يتعلق بالإنتاجية والحوكمة.

وعن الموقف الدولي، قال حليمة إن التكتلات الإقليمية التي تنتمي إليها مدغشقر، ومن بينها الاتحاد الإفريقي، لم تعلن موقفًا واضحًا حتى الآن، لكنها تميل إلى رفض أي تغييرات غير دستورية، وهو ما عبّر عنه مجلس السلم والأمن الإفريقي في اجتماعه الأخير.

وفي ختام حديثه، أشار حليمة إلى أن قائد المجموعة التي استولت على السلطة أعلن عن فترة انتقالية، يتولى خلالها الحكم إلى حين إجراء انتخابات نزيهة وشفافة خلال فترة زمنية تُقدّر بحوالي عدة أشهر، في محاولة لاستعادة الشرعية الدستورية.

طباعة شارك مدغشقر اخبار التوك شو احتجاجات احتجاجات مغشقر رئيس مدغشقر

مقالات مشابهة

  • موعد صرف حوافز المعلمين 2025.. «1000 جنيه» بتوجيه من الرئيس السيسي
  • ننشر التفاصيل الكاملة لخطة التعليم لسد عجز المعلمين في المدارس
  • إلى السيد وزير التعليم العالي.. هذا القرار مخالف للدستور
  • خبير: أوضاع اقتصادية متدنية وفساد وراء احتجاجات مدغشقر
  • إطلاق برنامج نوعي لتمكين المعلمين من توظيف السياحة في التعليم
  • جنوب السودان وطقوس الاستسقاء.. عندما يكون الجفاف موازيا للإعدام
  • اليونسكو: مصر تقود التحول الرقمي في التعليم وتضع المعلمين بقلب الثورة التكنولوجية
  • لجنة المعلمين تطلب بنشر نتيجة التحقيق مع مدير التعليم بالخرطوم
  • زيزو بعد التأهل التاريخي للمونديال: حققت حلما من أحلامي