لاجئ سوداني لـ «التغيير»: البعد عن أطفالي حرمني من العمل بكفاءة بسبب الحرب
تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT
لم تكن حرب “الجنرالين” منذ اندلاعها تتجاوز الحدود الجغرافية لمنطقة الخرطوم في ساعتها الأولى، ولكن سرعان ما تمددت رقعة المواجهات العسكرية بسرعة مذهلة لتشمل مناطق أخرى في السودان.
التغيير: فتح الرحمن حمودة
في قلب المشهد الدامي، برزت دارفور كإحدى أبرز ساحات الحرب، حيث تمكنت قوات الدعم السريع من فرض سيطرتها على معظم مناطقها، لترسم فصولاً جديدة من المأساة وسط المدنيين.
وفي هذا النزاع الذي يوشك على دخول عامه الثاني، ما زالت تكتب صفحاته المليئة بالمعاناة. وبين هذه الفصول المظلمة تبرز آلاف القصص الإنسانية التي تحكي عن الناجين من جحيمها. فقصة الشاب “أ.م”، التي سردها لـ (التغيير)، واحدة من تلك الحكايات التي تجسد صمود السودانيين أمام قسوة الواقع الذي تعيشه البلاد حالياً.
الشاب، في الثلاثين من عمره، بدأ حياته في حي الوحدة بمنطقة زالنجي بولاية وسط دارفور كأستاذ، ثم تخلى عن التدريس ليعود إلى شغفه الأساسي في البحث عن الحقائق المتعلقة بواقع السودان وقضاياه الوجودية.
وعلى الرغم من أنه خريج كلية التجارة ومتخصص في المحاسبة، إلا أنه لم يواصل مساره المهني في هذا المجال واختار أن يغوص في أعماق القضايا الفكرية والمجتمعية التي تهمه شخصياً وتلامس جوهر هويته كإنسان.
وقال إنه قبل اندلاع الحرب كان يعيش حياة هادئة ومستقرة، حيث يمارس نشاطاته اليومية بكل همة، حتى انتقل إلى جبال النوبة للبحث في المعتقدات المحلية مثل “الكجور”.
وفي تلك الأجواء، يقول إنه نجح في بناء معرفة متعمقة حول الجوانب الوجودية للإنسان وكيف يمكن للمعارف الصغيرة أن تدعم الفرد في مسيرة حياته.
يمضي الشاب في حديثه قائلاً إنه متزوج وأب لخمسة أطفال، وكان يمارس الزراعة التقليدية خلال موسم الخريف ويحقق من خلالها اكتفاءً ذاتياً، حيث كان يزرع بكميات كبيرة تكفيه وأسرته إلى جانب بيع جزء منها لتغطية المصاريف الأخرى، وهو ما جعله راضياً وسعيداً بحياته البسيطة والمتوازنة في تلك الفترة.
وأضاف أنه بعد اندلاع الحرب انقلب كل شيء رأساً على عقب، مما أدى إلى تغيير حياته جذرياً. ولم يعد بإمكانه السفر أو العمل بالطريقة التي اعتاد عليها، ويقول إن الأبحاث التي كان يجريها لم تعد من الأولويات، إذ باتت الأولوية الآن لإيقاف الحرب وضمان الاستقرار.
وأشار إلى أن التأثير الأكبر للحرب على حياته الشخصية هو تفريق أسرته، حيث أصبحت زوجته وأطفاله في مكان وهو في مكان آخر، وبات لا يستطيع جمع شملهم بسبب انعدام الأمان وصعوبة التنقل.
ويؤكد أن هذا البعد عن أسرته أثقل عليه نفسياً وقلص من قدرته على العمل بكفاءة، إذ بات يقضي وقته يفكر في مصير أطفاله وكيف يعيشون وما إذا كانوا يأكلون بشكل كافٍ.
كان الشاب يعمل في منطقة الفولة بغرب كردفان، وعندما وصلت الحرب إلى هناك وجد نفسه عاجزاً عن التنقل.
ويقول إن أطفاله وزوجته اتجهوا إلى جبال النوبة، بينما قرر مغادرة البلاد، على الرغم من أن القرار كان صعباً عليه، لكنه شعر أن الحياة داخل البلاد قد توقفت تماماً، فذهب إلى مدينة جوبا ثم إلى أوغندا بعد أن سمع من أصدقائه عن ظروف اللاجئين هناك.
وأضاف قائلاً إنه عند وصوله إلى أوغندا لم يكن الواقع هناك كما توقع، حيث صُدم بالظروف القاسية في المخيمات، إذ كانت الخدمات الأساسية مثل السكن والطعام محدودة للغاية.
وذكر أنه لم يستطع جلب أسرته كما كان يأمل، فقد أصبح عاجزاً عن توفير الحد الأدنى من الاستقرار لنفسه. ومع ذلك، قال إنه تمسك بالصبر وتحمل المسؤولية وحده، آملاً أن تتحسن الأوضاع ليتمكن من العودة إلى وطنه يوماً ما.
وعلى الرغم مما مر به، إلا أن الشاب ما زال متمسكاً بالأمل. وقال إنه لا يحبذ فكرة اللجوء الدائم، مؤكداً أن عودته إلى البلاد مرهونة بوقف الحرب. وبالنسبة له، هذه الحرب ليست سوى محاولة لمصادرة حقوق الشعب السوداني في التعبير عن نفسه.
واختتم الشاب حديثه بدعوة صادقة لوقف الحرب، مناشداً الجهات الداعمة أن تقف مع خيار الشعب السوداني في تحقيق السلام والتحول المدني.
وقال إنه يؤمن بأن السودان لن يستعيد عافيته إلا بعودة الأمن والاستقرار، ليعود هو وأمثاله إلى حياتهم الطبيعية، وتلتئم شمل الأسر التي فرقتها أهوال الحرب.
الوسوماللاجئين السودانيين النزوح واللجوء حرب السودانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: اللاجئين السودانيين النزوح واللجوء حرب السودان
إقرأ أيضاً:
المصافحة التي لم تتم.. خلافات عميقة تعوق التوصل لاتفاق في غزة برعاية أمريكية
في الوقت الذي تتكثف فيه الجهود الدولية للتوصل إلى هدنة توقف نزيف الدم في قطاع غزة، تكشف المقترحات المتبادلة بين الأطراف المعنية عن حجم الهوة التي تفصل بين مواقف كل من حركة "حماس" وإسرائيل، برعاية ومتابعة أمريكية مباشرة.
ومع كل اقتراب من نقطة الاتفاق، تظهر الشروط المتبادلة كحواجز أمام تحقيق اختراق سياسي حقيقي، مما يُبقي المشهد مفتوحًا على مزيد من التعقيد والمعاناة الإنسانية.
كشفت تقارير إعلامية، الإثنين، أن حركة "حماس" وافقت مبدئيًا على مقترح هدنة تقدّم به المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، يقضي بوقف إطلاق النار لمدة 70 يومًا مقابل الإفراج عن 10 رهائن أحياء على دفعتين، إلى جانب إطلاق سراح مئات من الأسرى الفلسطينيين، بينهم محكومون بأحكام عالية ومؤبدات.
غير أن متحدثًا باسم ويتكوف نفى هذه الموافقة، مشيرًا إلى أن المفاوضات لا تزال مستمرة، وسط تضارب في الروايات. ووفق صحيفة "إسرائيل هيوم"، فإن مسؤولًا إسرائيليًا رفيعًا – لم يُكشف عن اسمه – وصف المقترح بأنه لا يعكس "نية حقيقية من قبل حماس للمضي قدمًا"، مشددًا على أن "أي حكومة مسؤولة في إسرائيل لا يمكن أن تقبل بهذا الطرح"، ما يعكس موقفًا إسرائيليًا رافضًا للعرض الأمريكي – أو على الأقل لبعض بنوده.
مطالب جديدة تثير الجدلالمقترح الذي طُرح عبر وسطاء تضمن بنودًا غير مسبوقة من قبل حركة حماس، من بينها طلب مصافحة علنية بين خليل الحية، القيادي في الحركة ورئيس وفدها المفاوض، والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، كرمز لضمانة بعدم استئناف القتال عقب فترة التهدئة. كما تضمن الإفراج التدريجي عن 10 رهائن، 5 منهم في اليوم الأول من الهدنة، والباقون بعد شهرين.
هذه البنود – بحسب الصحافة العبرية – تتناقض مع الخطة الأصلية التي قدمها ويتكوف، والتي تنص على إطلاق سراح جميع الرهائن على مرحلتين: الأولى مع بداية التهدئة، والثانية في نهايتها. كما شملت مطالب حماس انسحابًا واسعًا للقوات الإسرائيلية من المناطق التي سيطرت عليها في قطاع غزة، إضافة إلى إدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية، وهو ما تعتبره إسرائيل "تنازلات مفرطة".
غضب إسرائيلي داخليردًا على هذه التطورات، أصدر "منتدى عائلات الرهائن" بيانًا غاضبًا، انتقد فيه استمرار الحرب ورفض الاتفاقات الجزئية، واصفًا إياها بأنها "خسارة إسرائيلية يمكن، بل يجب، تجنبها". وطالب المنتدى بعقد اتفاق شامل يعيد جميع الأسرى الـ58 وينهي الحرب، مشيرًا إلى أن "الحكومة يمكنها التوصل إلى مثل هذا الاتفاق صباح الغد إذا اختارت ذلك"، في إشارة إلى وجود دعم شعبي واسع لهذا الخيار.
مقترح "بحبح" بين التفاؤل والتشكيكفي خضم هذا التوتر، كشفت تقارير إعلامية عن وثيقة جديدة يُبحث فيها حاليًا، قدمها الوسيط الفلسطيني–الأمريكي بشارة بحبح، بالتنسيق مع ويتكوف، تقضي بوقف شامل للحرب خلال فترة الهدنة، وتعهد من حماس بعدم تنفيذ هجمات أو تهريب أسلحة أو تطوير ترسانتها العسكرية خلال هذه الفترة.
لكن هذه الوثيقة لم تُعلن رسميًا، وتُقابل بقدر من التشكيك في إسرائيل، خصوصًا في ظل تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأخيرة، والتي جدّد فيها التزامه بإعادة جميع الرهائن "أحياء وأموات"، تزامنًا مع مواصلة جيشه قصفه المكثف على القطاع.
وفي ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتفاقم الكارثة الإنسانية، انتقد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، موقف المجتمع الدولي، وخصوصًا الإدارة الأمريكية، مؤكدًا أنها لا تمارس ضغطًا حقيقيًا على إسرائيل لوقف إطلاق النار أو إدخال المساعدات.
أمريكا لا تمارس ضغطًا حقيقيًا على الاحتلالوأضاف الرقب في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن ما تفعله إدارة ترامب لا يتجاوز الضغط السياسي، عبر مقترحات مثل تلك التي تقدم بها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، والتي رفضتها إسرائيل رغم قبول حماس بها، في محاولة لإفشال الجهد الأمريكي.
وأوضح الرقب أن واشنطن، رغم قدرتها على التأثير الفعلي، تكتفي بتصريحات سياسية لا ترقى إلى مستوى الأفعال، مضيفًا: "لو أرادت الإدارة الأمريكية وقف العدوان لعلّقت إمدادات السلاح والذخيرة، لكنها تتواطأ ضمنيًا مع حكومة نتنياهو المتطرفة". ولفت إلى أن تصريحات ترامب المتناقضة توحي برغبته في وقف الحرب، دون أي تحرك عملي يجسد هذه الرغبة، معتبرًا أن ما يصدر عن واشنطن ليس سوى "دغدغة مشاعر" ومحاولة لتبرئة الذات من الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
وفي ما يخص الموقف الأوروبي، أشار الرقب إلى وجود تحول نسبي في الخطاب الأوروبي نتيجة الجرائم المتواصلة في غزة، واستخدام الاحتلال لسياسة التجويع، وهو ما بدأ يحرج الاتحاد الأوروبي.
وأوضح أن دولًا مثل فرنسا تتحرك فعليًا لعقد مؤتمر دولي للسلام، بينما ما تزال دول أخرى كالمجر والنمسا ترفض أي ضغط على الاحتلال.
وأكد أن أوروبا تمتلك أوراق ضغط مهمة، لكنها لم توظفها بعد بشكل مؤثر.
وفي ختام تصريحاته، شدد الرقب على أن واشنطن وبروكسل قادرتان على وقف الحرب وإنهاء معاناة غزة، لكن غياب الإرادة السياسية واستمرار سياسة الكيل بمكيالين، يمنحان الاحتلال مزيدًا من الوقت لارتكاب مجازره دون رادع، وسط تصريحات دولية شكلية لا تغير من واقع المعاناة اليومية للفلسطينيين.
وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف هجومها على غزة، يتبيّن أن الطريق نحو هدنة حقيقية ما زال طويلًا، وأن أي تقدم مشروط بقبول تنازلات مؤلمة من الطرفين.
ومع تعنّت الحكومة الإسرائيلية، ومطالب حماس التي تعكس عمق معاناة الشعب الفلسطيني، يبقى أفق التهدئة رهينًا بإرادة سياسية غير متوفرة بعد، ما ينذر باستمرار الأزمة الإنسانية في القطاع الذي يقبع تحت نار الحرب منذ أكثر من 19 شهرًا.