الى متى يعاني اهل بلادنا من الحرب والكوليرا والمجاعة؟
تاريخ النشر: 26th, May 2025 GMT
الكوليرا تحصد الارواح في قلب العاصمة، والمجاعة تتمدد بعد فشل المواسم الزراعية وتدمير محطات الكهرباء، لا رعاية صحية لا دواء ولا ماء نظيف. والذين لجأوا لدول الجوار بحثا عن الأمان طاردتهم الرسوم الباهظة وانقطاع الموارد القليلة وصعوبة إجراءات الإقامة. رائحة الموت تغطي سماء الوطن كله ينعدم الأمان وسط انتهاكات بحق المدنيين من كل أطراف الحرب، وتنعدم ابسط الخدمات حتى في المناطق البعيدة.
حرب دمرت الأخضر واليابس، كم من الأرواح كان يمكن انقاذها لو جنحت الأطراف المتحاربة الى السلم منذ اتفاق جدة الأول؟ أو أرسل الجيش وفده الى مفاوضات جنيف؟ كم من مشاريع البنية التحتية كان يمكن انقاذها؟ محطات الكهرباء ومستودعات البترول وغيرها؟ والتي سيصبح إعادة انشائها بعد توقف الحرب عبئا على شعب فقد كل شيء.
حزب يصر على استمرار الحرب، يصر على العودة الى السلطة فوق أشلاء وطن، حزب خرجت الملايين ضده في ثورة شهد لها العالم، ثورة بدأت ترفع أنقاض أكثر من ثلاثة عقود وتداوي جروحا جسيمة خلّفها النظام الكيزاني في جسد هذا الوطن. لكن النظام الذي بقي بعد الثورة في كل مؤسسات الدولة وتواطأت معه اللجنة الأمنية التي خلفت المخلوع، لم يسعده ان تبدأ الروح تدب في جسد بلادنا، فسعى بكل قوته لعرقلة التحول الديمقراطي وحين فشل انقلاب فض الاعتصام وفشل الانقلاب الثاني، دفع البلاد الى محرقة الحرب.
حرب لم تدمر فقط الأرواح والممتلكات، لكنها تشعل الفتن بين أبناء الوطن وتمهد لتقسيمه وفق اهواء التنظيم الكيزاني الذي فصل الجنوب ويسعى لفصل أجزاء أخرى.
ماذا استفادت بلادنا من فصل الجنوب؟ انفصل جزء عزيز من بلادنا، لقد حرصت الحكومات الوطنية منذ الاستقلال على عدم التفريط في وحدة هذه البلاد، رغم ان تلك الحكومات لم تكن لها خطط استراتيجية تضمن تنفيذ ذلك المطلب، فلم تستطع إيجاد حل نهائي لمشكلة الجنوب، لكن يُحمد لتلك الأنظمة انها كانت تحرص على ابقاء الجنوب ضمن الوطن الواحد، حتى ان بعض تلك الحكومات كانت تقوم بتسليم الحكم للعسكر حين تستنفذ كل محاولات إيجاد حل وحتى لا تتحمل المسئولية التاريخية لتفاقم تلك المشكلة.
نظام الإنقاذ الكيزاني كان النظام الوحيد الذي سعى علنا لفصل الجنوب، خسرنا الجنوب الذي ربطتنا بأهله أواصر الدم والمصير المشترك. لم يكن حل المشكلة مستحيلا قبل انقلاب الإنقاذ الذي جاء لقطع الطريق على مبادرة الميرغني قرنق التي كانت تمثل آخر فرصة لإبقاء هذه البلاد موحدة. عمليا كان الانفصال خسارة للجنوب وللشمال. الشمال بثرواته وأراضيه الزراعية الواسعة والجنوب بثرواته المعدنية والغابية، ببتروله الذي أدى استثماره لتلك الفترة المحدودة قبل الانفصال الى انتعاش اقتصاد البلاد رغم الفساد الذي ابتلع معظم عائدات البترول. فلولا الفساد الانقاذي لكان عائد استثمار البترول لو أُحسن استغلاله في التنمية المتوازنة، كافيا لإنهاض هذه البلاد ولمنع وقوع الانفصال او الحروب.
يريد نفس النظام الان تكرار نفس الخطأ. بين سكان هذه البلاد شمالا وجنوبا شرقا وغربا تمتد أواصر الدم والعلائق الأسرية القوية. ستجد اللغة النوبية تتحدث بها بعض المجموعات السكانية في اقصى غرب وجنوب بلادنا. ستجد ضمن نسيج الشمال مواطنين اصولهم من الغرب، كما ان تجار الشمال الذين انتشروا في كل أقاليم السودان اندمجوا في المجتمعات المحلية وتصاهروا معها وعاشوا لعشرات السنين في وئام وسط أهلهم في كل بقاع السودان. الإنقاذ سعت ومنذ ميلادها المشئوم لبث عوامل الفرقة والفتن بين أبناء هذه البلاد، كان النظام الكيزاني يخشى دائما من وحدة رؤى أبناء هذه البلاد، لذلك سعى لتدمير الكيانات الاهلية والحزبية وحتى منظمات المجتمع المدني، وسعى لترسيخ القبلية بدلا من استخدام الوعي لمحاربتها لصالح الانتماء للوطن الواحد. حتى الولايات تم تقسيمها على أساس القبيلة، وأصبح كتابة اسم القبيلة واجبا في كل استمارات المعاملات الرسمية، في ردة لم يشهد لها العالم كله مثيلا. ظلت الإنقاذ تبحر عكس كل التيارات حتى اوصلتنا الى جحيم الحرب الحالية.
تحادثت قبل فترة مع جار عاد الى الولاية الشمالية بسبب الحرب وكان يعمل في تجارة المعدات الزراعية. قال لي مندهشا: سمعنا ان البعض ينادون بفصل دارفور! لو حدث ذلك لن نجد عملا، فكل اعمالنا مع دارفور! مجرد رجل بسيط لكنه يعي مصالحه ولا يجد في اهل دارفور سوى امتداد طبيعي لأهله في كل ارجاء السودان، مستثمر آخر بدأ مشروعا لعصر الزيوت في الشمال بعد الحرب ثم توقف حين قامت قوات الدعم السريع بوقف تصدير المحاصيل الزراعية، وحين سألته الا توجد مصادر أخرى للفول السوداني؟ أوضح لي: ان الفول المنتج في دارفور بجودته العالية هو الوحيد الذي يصلح لإنتاج الزيت، رغم ذلك تتصاعد دعوات التنظيم الذي فصل الجنوب وأشعل الحرب، تتصاعد دعواتهم القديمة المتجددة لفصل أجزاء أخرى من بلادنا حتى يضمن استدامة حكمه لأقاليم الشمال كما يتوهم. لقد سعت ثورة ديسمبر لمواجهة تلك الأوهام (يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور) فأشعلوا الحرب لتدمير ثورتنا بقيمها العظيمة.
بلاد واسعة وبها خيرات ومصادر كثيرة، وسكانها تربطهم اواصر الدم والرغبة في العيش المشترك، لكن الحكومات هي التي تثير المشاكل والفرقة بينهم. قبل الإنقاذ كانت الحكومات المحلية والإدارات الاهلية تسعى لحل المشاكل التي تنشأ بين الرعاة والمزارعين، وتدفع التعويضات والديات في حال حدوث صدامات. بدلا من ذلك وزّعت الإنقاذ البنادق وزرعت الفتن بين كل المكونات، لتجني بلادنا ثمرات زرعهم حروبا ومصائب.
لا بد من جلوس أطراف الحرب للتفاوض على وقفها وتسليم إدارة هذه البلاد لأهلها. لابد من حل جميع المليشيات لصالح جيش وطني تنحصر مهمته في حماية هذه البلاد. بعد محاسبة كل من ارتكب جرائم او انتهاكات خلال هذه الحرب وفي فترة الحكم الانقاذي التي قادت جرائمها وممارساتها للوضع الحالي.
#لا_للحرب
أحمد الملك
ortoot@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: هذه البلاد
إقرأ أيضاً:
انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية.. نهاية صراع دموي وبداية أمة جديدة ماذا حدث؟
عام 1865أسدل الستار على واحدة من أعنف الحروب في تاريخ الولايات المتحدة، عندما سلّم الجنرال الكونفدرالي روبرت إي. لي قواته إلى الجنرال الاتحادي أوليسيس غرانت في محكمة أبوماتوكس بولاية فرجينيا.
هكذا انتهت الحرب الأهلية الأمريكية، التي استمرت أربع سنوات ومزقت البلاد بين ولايات الشمال المؤيدة للاتحاد وولايات الجنوب المطالبة بالانفصال.
خلفيات الصراع..عبودية وانقسام سياسيكانت جذور الحرب تعود إلى انقسامات عميقة بين الشمال الصناعي والجنوب الزراعي، خاصة حول قضية العبودية.
ففي حين طالب الشمال بإلغائها، تمسك الجنوب بها كمصدر رئيسي لاقتصاده القائم على زراعة القطن.
ومع انتخاب أبراهام لينكولن رئيسًا في عام 1860، شعرت ولايات الجنوب بالتهديد، لتعلن إحدى عشرة ولاية انفصالها عن الاتحاد وتشكيل “الولايات الكونفدرالية الأمريكية”.
حرب بكل المقاييساستمرت الحرب من عام 1861 إلى 1865، وخلفت وراءها أكثر من 600 ألف قتيل، لتكون بذلك أكثر الحروب دموية في تاريخ أمريكا. شهدت المعارك استخدام تقنيات عسكرية حديثة آنذاك، إلى جانب حصارات وتجويع ومواجهات شرسة، مثل معركة غيتيسبيرغ الشهيرة التي شكلت نقطة تحوّل لصالح قوات الاتحاد.
النهاية… والسلام الصعبجاءت لحظة الحسم في أبريل 1865 بعد سلسلة من الهزائم المتلاحقة للجنوب.
استسلمت الجيوش الكونفدرالية تباعًا، وكانت بداية النهاية في أبوماتوكس، حيث قدم الجنرال لي استسلامه في مشهد طغت عليه المروءة والاحترام المتبادل بين القادة.
لكن نهاية الحرب لم تعن نهاية الأزمات، فبعد إطلاق النار على الرئيس لينكولن بعد أيام قليلة من نهاية الحرب، دخلت البلاد في مرحلة “إعادة الإعمار” التي استغرقت سنوات لإعادة دمج الجنوب في الاتحاد وإعادة بناء ما دمّرته الحرب