عبد الله علي إبراهيم

ملخص
عاش السودان عقوداً من الديكتاتورية جراء عقيدة "الطبقة الكسبية" في اليسار واليمين في ديمقراطية غير ليبرالية: صوت واحد للمواطن المستحق. فمتى اعتلت فرق هذه الطبقة دباباتها بليل وحكمت، استبدت بالسلطة وبشعت بأحزاب الكثرة بالحل والمصادرة، بنشاف وجه مرموق.
في مثل هذه الأواخر من ديسمبر (كانون الأول) كان يزين الخرطوم حفل عيد ميلاد الإمام الصادق المهدي في الـ25 من ديسمبر (1935-2020)، إمام جماعة الأنصار التاريخية ورئيس حزب الأمة القومي.

فيجتمع فيه أحبابه الأنصار وغير الأنصار. بل كان الحفل سانحة الأخيرين ليردوا له دين حفاوته بهم وإصغائه لهم، ودماثته ونبله. بل والاعتذار عن طول شغب كثر منهم بوجهه لعقود. وانطوى هو على صبر كتوم لتواقح لم تهدأ ثائرته من خصوم لا يرعون عرفاً. ولكنه لم يغادر الدنيا إلا وقد أطلعنا في مقال الوداع عن سريرة الأذى الكثير الذي مني به كإنسان. فقال إن "من أدهش ما منيت به مقولة: الصادق أعجوبة! وأنه لا يمرض". أطلعنا الإمام على جراح إرعابنا الطويل الشقي له وهو في براثن مرض الكوفيد وظننا فسقاً أنه لن يطاله.

لنرى لوهلة كيف تأذى منا.
محاضرة واشنطن
ألقى الإمام الصادق محاضرة على جمع من الناس بمدينة واشنطن في تاريخ غير مبين، ولكن من المؤكد أنه قبل ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018. ووقف أحدهم ليعقب على المحاضرة. وقدم نفسه بأنه ممن يحترمون ويحبون الإمام. وهي مقدمة لم تصمد في أول تعقيبه. فقال إنهم في المدينة استمعوا لمحاضرات أخرى كثيرة، كانت محاضرة الإمام أضعفها بالمقارنة. وواصل قائلاً إن الإمام حامل تاريخ متناقض. فهو يدعو إلى الديمقراطية في حين أن ممارساته في حزبه ديكتاتورية بشهادة رموز كانت فيه واختلفت معه. وزاد بأنه أخذ فرصتين في قيادة السودان (1966-1967) و(1968-1989) وفشل فشلاً ذريعاً. وتساءل المعقب لماذا يصر الإمام على طرح نفسه لقيادة السودان؟ فهل عقمت حواءات السودان عن إنجاب قيادات أخرى حتى من أوساط حزب الأمة، حزب الإمام نفسه؟
ما وراء هذا الغل في تعليق عن المحاضرة صح من دونه؟

المتواقحون

تواقحنا الفظ مع الإمام بينة دامغة على عيبنا المشين مع الديمقراطية، وكان يعرف عنا ذلك. فقال عن المتواقحين معه إنهم جماعة "مودراليها (مضيعة) سلطة". وهم الطبقة ممن جاء جاههم بالكسب في التعليم وغير التعليم ممن سميناهم "الطبقة الكسبية"، في مواجهة من كان جاههم إرثاً في طوائف السودان الدينية والعشائرية ممن نسميهم بـ"الطبقة الإرثية". والطبقة الكسبية مصابة بحال "حسد انتخابي" مزمن من الإمام الذي هو في غزارة من الخلق بينما هي فئة قليلة لا تغلب. فهي تطلب الديمقراطية بصدق وبتضحيات ببينة أنها الطبقة التي تملك سر إدارة الدولة الحديثة. ولكن ما جاءت الديمقراطية حتى رأت ضآلة كسبها البرلماني وغلبة "الطبقة الإرثية".
ولهذه "الطبقة الكسبية" طرائق للتخلص من سطوة "الطبقة الإرثية" تمثلت في الانقلاب على حكومتها البرلمانية، أو بمحاصرتها لكي تصلح نفسها لتستحق الوجود السياسي، أو بالشغب في وجه رموزها.
ولما لم تأت الديمقراطية الليبرالية بالطبقة الكسبية إلى الحكم طلبوها بالقوة بارتكاب الانقلاب في المدينة، أو العمل المسلح في الهامش. فانقلب البكباشي جعفر نميري خلال مايو 1969 ضد حكومة ديمقراطية غلب فيها "الإرثيون". وقام بانقلابه على رأس "حلف تقدمي" مما قد تجده ضمن "قوى الحرية والتغيير" (قحت) في يومنا. وانقلب الإسلاميون خلال يونيو 1989 على حكومة الإمام الصادق المهدي. وخرج رهط من اليساريين والوسط من "قحت" للالتحاق بالحركة الشعبية لتحرير السودان بعد انتخابات 1986 سقماً من برلمان لم يأت على مشيئتهم. ووصفوا الديمقراطية التي نتجت منه بـ"الديموطائفية"، أي إنها بعبارة "ديكتاتورية الطبقة الإرثية".

مجرد إجراءات وصور

ولمنصور خالد الكاتب والوزير بيان واف في كساد برلمانية الاقتراع وكفى. ففي رأيه أن الحريات الديمقراطية مجرد إجراءات وصور. فالديمقراطية الليبرالية في قوله لا تتحقق إلا حين تتنازل القوى التقليدية فتأذن بمشاركة غيرها الشوكة والثروة. ودعا إلى الديمقراطية الاجتماعية التي فرق فيها بين "الخبز" و"الحرية"، فاستنكر على الصفوة اللغو عن الحرية في حين أن الناس في غير مأمن على عيشهم في جنوب السودان وغير الجنوب. وجاء بهزء "برتراند راسل" من الديمقراطية الليبرالية، ديمقراطية إجراءات الاقتراع الفارغة بقوله "إذا أعطاك أحدهم الديمقراطية وأعطاك الآخر كيساً من قمح، فعند أي مستوى من جوعك ستفضل القمح على الاقتراع؟". وزاد راسل بقوله إن من امتلك قوت يومه وحده من بوسعه القول "ليس بالخبز وحده".

خصومة مفترضة

ومع ذلك فهذه الخصومة المفترضة بين الليبرالية والاجتماعية لا أساس لها من الصحة. فمطلب العدالة الاجتماعية نفسه لا يقوم إلا من فوق ممارسة نشطة للحقوق الأساس المكفولة في الديمقراطية الليبرالية، وعبر تمثل عميق لها. وبغير هذا الربط بين الخبز والحرية سننتهي في أفضل الأحوال إلى نظم الاشتراكية الاجتماعية المعاصرة التي طال فيها تأجيل الحرية السياسة حتى تتوافر العدالة الاجتماعية أولاً، وهي نظم في المعسكر الاشتراكي التاريخي انطوت خيمها أمام ناظرينا.
وعاش السودان عقوداً من الديكتاتورية جراء عقيدة "الطبقة الكسبية" في اليسار واليمين في ديمقراطية غير ليبرالية: صوت واحد للمواطن المستحق. فمتى اعتلت فرق هذه الطبقة دباباتها بليل وحكمت استبدت بالسلطة وبشعت بأحزاب الكثرة بالحل والمصادرة، بنشاف وجه مرموق. ويكفي أن مال الإمام الصادق وأسرته وعقارهم تعرض للمصادرة مرتين في نظامي الرئيسين جعفر نميري وعمر البشير. ومكنت من فرط سوء ظنها بالليبرالية وأحزابها لحزب واحد آمر في مقاس المصالح الحكومية مثل الاتحاد الاشتراكي والمؤتمر الوطني ينقضي بانقضاء حكمه ويتبخر. ولسخرية القدر تخرج الطبقة الكسبية نفسها في دورة أخرى شاقة لاستعادة الديمقراطية التي ضيعتها صيفاً.

السبيل الثاني
أما سبيل الطبقة الكسبية الثاني للتأثير في الأحزاب التقليدية فهو بالزحام عند بابها مطالبة إياها بأن تطور أو تحدث حالها لتنصلح الديمقراطية. فانتهت أحزاب الكسبيين في الوسط واليسار خصوصاً إلى محاق حتى سار القول إن عضوية الواحد منها لا تملأ حافلة ركاب. واعتزل هذه الأحزاب نفر منها اتفق لهم الانضمام إلى الأحزاب التقليدية، ولكن بنوع من الإزعاج. فأرادوا حملها على ما عرف بـ"المؤسسية" وهي أن تصلح نفسها بطلاق بينونة للحزب من أسرة الزعامة في الجماعة الدينية. فانطبق على هؤلاء المصلحين المشردين سياسياً قولنا "الكديسة أم خيط". وتقال هذه العبارة في الذي بلا دار يتغشى الأبواب.
فظل هذا النفر اللحوح طوال "عهد الإنقاذ" يدعو أحزاب الغزارة مثل "حزب الأمة" أن تتحول إلى المؤسسية كما مر. وهذه عودة ركيكة لخطة الجيل الأول من "الطبقة الكسبية" في الأربعينيات خلال الحركة الوطنية مثل محمد أحمد محجوب، رئيس الوزراء عن حزب الأمة في النصف الثاني من الستينيات، الذي طلب الوجاهة السياسة بالانضمام للأحزاب التقليدية بغير قيد أو شرط. أما جيل اليوم منهم فيريد نفس الوجاهة بشروطه يتطفل بها على تكوين هذه الأحزاب التاريخي. إذ دخل في روع هذه الفئة أنه يمكن أن يكون في زعامة هذه الأحزاب من الناس غير مثل الإمام الصادق. كأن لهذه الأحزاب سبباً للوجود غير تسلسل التاريخ والبركة في أبناء وبنات المؤسس الأول. وواضح أن التذرع بالمؤسسية هذه هو خطة لاختطاف هذه الأحزاب الطائفية لا إصلاحها. وكان الإمام الصادق يستمع لهذه الفئة بدماثته المعروفة بخلاف السيد محمد عثمان الميرغني، زعيم جماعة "الختمية" والحزب الاتحادي الديمقراطي، الذي كلما قالوا له "المؤسسية" رد عليهم بـ"المرجعية"، يعني نفسه، فشتت شملهم.

تجارب إصلاحية
ومن الزاوية التاريخية لا تزال أكثر التجارب واقعية في إصلاح الطائفة وحزبها ما قام به السيد الصادق المهدي في منتصف الستينيات. وميزة هذا الإصلاح أن قام به الإمام وشيعته أصالة عن أنفسهم ودفعوا كلفته برضى، وهو ثمن فادح قسم الطائفة وفرق الحزب. فأراد الإمام تجديد الطائفة والحزب بحملهما على الحداثة في شرطها الذي لا مهرب منه. فكانت الحداثة شاعت في المجتمع عرضاً وطولاً في النقابات والاتحادات وتجمعات القبائل. وترتب على هذا أن أضحت ممارسات طائفية كـ"الإشارة" (أن يتبع الأنصار إشارة إمامهم سمعاً وطاعة) موضوع نقد واستهزاء. ولم يكن بمقدور الطائفة أن تستمر في الوجود بغير تعديل صفتها لتأخذ في الاعتبار مقتضى الحداثة وعاداتها. ولم يأت الإمام الصادق إلى تحديث الطائفة والحزب يجرجر رجليه. فهو نفسه منتج للحداثة كما كشف عن هذا كتاب ترجمته "سيرة ومسيرة" (2015 - 2016) الذي حررته ابنته رباح الصادق. فكان تأثير أمه رحمة بنت عبدالله ود جاد الله مثلاً كبيراً. وكانت شغوفة بقصص المهدية والأنبياء وبغناء الحقيبة لعشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته. ولها صالون أدبي وانشغال بمسألة النساء. فكونت جمعية "ترقية المرأة" لتلك الغاية. بل ظل الإمام الصادق من وراء مشروع ظل يرعاه منذ الستينيات حتى وفاته وهو تحويل جزيرة آبا، التي دارت فيها أول معركة في المهدية ضد الحكم التركي المصري في عام 1881 ومعقل أسرة المهدي، وأرضهم فيها إلى تعاونية للأنصار تكفل لهم العيش الكريم.
الإمام شهيد الديمقراطية التي يريدها الكسبيون. وللمفارقة كان هو الكاسب منها لـ"ذنب" لم يقترفه وهو ميلاده في بسطة من الخلق التي تمحضه ولاء خالصاً لله والوطن. فكرهوا منه كرئيس الوزراء الخطابة صرفاً للأمر. فقالوا إنه كثير الكلام قليل الفعل حتى سموه "أبو الكلام آزاد" على اسم أول وزير للتعليم في الهند المستقلة. وحاكموه هنا كما لا يخفى بعادة الاستبداد لا بعادة الديمقراطية. فقد نشأ أكثر الجيل الحاضر من الكسبيين في ظلال نظم ديكتاتورية يصدر زعيمها قرارات في خطر تحويل السودان إلى الاشتراكية، أو الإسلام بليل. ولا نأمة. وهذا بخلاف الإمام الصادق رئيس الوزراء المنتخب من أعلى إلى أسفل، الذي ما جاء إلا بالديمقراطية التي تلجمه بتحالفاتها وبرلمانها وقضائها وصحافتها وشارعها السياسي الذي لا ينضب. ولو كان خصومه ديمقراطيين حقاً لحمدوا له تصريف الأمر باللغة حتى يرسى، وإلا كان سلم الحكم للقوات المسلحة كما فعل عبدالله خليل رئيس الوزراء عن حزب الأمة في عام 1958 حين ضاق ذرعاً بـ"ألاعيب" السياسة كما قال. والديمقراطية كلام وليس من شاهد قاطع على هذا من "الفلبستر" في الديمقراطية الأميركية. وهو حال كلام لساعات بل لأيام ولياليها يدخل فيها النائب أو النواب الذين يريدون تعطيل إجازة مشروع لا يتفق معهم.
إذا استحق شخص ما نسبة الفضل إليه منفرداً في تمديد عمر النظام البرلماني في آخر الثمانينيات، على علاته، فهو السيد الصادق المهدي. لقد أخطأ الصادق مرات ومرات ومرات ولكنه لم يرتكب الخطأ القاتل وهو إدارة ظهره نهائياً لنظام التعددية الحزبية كما فعل الليبراليون في رابعة النهار. فظل يبدي ويعيد ويشرح صورته لهذا النظام، ويتمسك بها بغير كلل ولا ونى حتى عددناه "أبو كلام". ويرثي المرء له يوم لم يجد ميزة لحكومته غير قوله إنها أطول حكومة ديمقراطية استمرت بغير أن ينقلب عليها الجيش أو غيره. وهذا من باب العودة من الغنيمة بالإياب. وانقلبوا عليه في خاتمة المطاف.
طب حيث أنت يا الإمام الصادق في رحاب أرحم الراحمين.

ibrahima@missouri.edu

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدیمقراطیة اللیبرالیة الدیمقراطیة التی الإمام الصادق الصادق المهدی هذه الأحزاب حزب الأمة

إقرأ أيضاً:

العراق بين الجمهوريين والديمقراطيين: استعادة الديمقراطية لا الاعتذار عنها

بقلم : محسن عصفور الشمري ..

تُثبت فلسفة التاريخ حقيقة يصعب إنكارها: من لا يقرأ التاريخ يظل تابعًا، يُقاد إلى حيث يشاء الآخرون. ورغم أن التاريخ لا يُعاد، فإن تصحيح مساراته ممكن وضروري وملحّ.

في زيارته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية (13 أيار 2025)، أدلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بتصريحات لافتة بشأن العراق، ضمن نقده المستمر لسياسات خلفائه من الحزب الديمقراطي، لا سيما أوباما وبايدن، في الشرق الأوسط. ورغم أن تصريحاته حملت قدرًا من الصواب السياسي، فإنها جاءت متأخرة. فالمطلوب اليوم ليس فقط تشخيص الأخطاء، بل السعي الجاد لاستعادة المسار الديمقراطي الذي بدأ مع إدارة جورج بوش الابن، قبل أن ينحرف بشكل خطير خلال حقبة أوباما.

ورغم التحفظات الكبيرة على طريقة التدخل الأميركي في العراق عام 2003، فقد تبنّت إدارة بوش الابن مشروعًا معلنًا لبناء عراق ديمقراطي تعددي، قام على صياغة دستور جديد، وتنظيم انتخابات، ودعم مبدأ التداول السلمي للسلطة. صحيح أن التطبيق كان هشًا، وأن البنية الداخلية للدولة العراقية كانت منهكة، لكن تلك المرحلة مثّلت فرصة تاريخية لصياغة نظام سياسي مختلف عما كان عليه الحال في ظل الجمهوريات العسكرية التي حكمت منذ 1958 وحتى 2003.

التحوّل الحاسم وقع مع إدارة الرئيس أوباما، حين انسحبت القوات الأميركية من العراق دون توفير أي ضمانات لحماية التجربة الديمقراطية الوليدة. لم يكن الخطر محصورًا في الفراغ الأمني، بل تجلى في انزلاق المنظومة السياسية إلى الاستبداد المقنّن عبر مؤسسات الدولة نفسها. ويُعد قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 55 لسنة 2010 نموذجًا فاضحًا لذلك الانحراف؛ إذ فسّر مفهوم “الكتلة الأكبر” في البرلمان بطريقة أجهضت نتائج الانتخابات، ومنحت القوى المهيمنة أداة شرعية لاحتكار السلطة والتحكم بمصير البلاد.

أدى ذلك القرار إلى نقل الديمقراطية من صناديق الاقتراع إلى غرف الصفقات المغلقة. وبدأت ممارسات الإقصاء تتسيد المشهد، وتعمّقت المحاصصة السياسية، وتكرّست طبقة حاكمة عاجزة عن الإصلاح، ومنفصلة عن تطلعات الشعب.

وفي هذا السياق، فإن تصريحات ترامب حول العراق تُعبّر عن وعي جزئي بمشكلة حقيقية، لكنها تفتقر إلى تصور عملي شامل لاستعادة التوازن. ليس كافيًا انتقاد أوباما، أو الإقرار بأخطاء الماضي؛ المطلوب اليوم هو دعم مشروع سياسي عراقي وطني يعيد للديمقراطية معناها ومؤسساتها. وهذا ما يزال ممكنًا، سواء في ظل احتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، أو عبر مراجعة جدّية للعلاقة العراقية الأميركية، من منطلق شراكة لا وصاية.

ولتحقيق ذلك، لا بد من خارطة طريق وطنية واضحة تشمل:
1. مراجعة الدستور العراقي وإغلاق الثغرات التي فتحت المجال للتلاعب.
2. تفكيك نظام المحاصصة السياسية الذي أصبح حاجزًا أمام الإصلاح.
3. ضمان استقلال القضاء كركيزة لاستعادة الثقة بالمؤسسات.
4. تمكين المواطن من مساءلة السلطة وفق أدوات قانونية ودستورية فعّالة.

إن الديمقراطية لا تُبنى بالنيات أو الشعارات، بل بمؤسسات راسخة وضمانات دستورية حقيقية. والعراق لا يحتاج إلى وصاية خارجية، بل إلى شراكة عادلة تحترم سيادته وتطلعات شعبه في الحرية والعدالة والكرامة.

ولا يمكن الحديث عن فشل التجربة العراقية دون الاعتراف بمسؤولية الشركاء المحليين الذين تسلموا السلطة بعد عام 2003. فالكثير منهم أظهروا قصورًا ذاتيًا واضحًا، وافتقارًا للرؤية، فيما اندمج آخرون في أجندات إقليمية مناهضة لمفهوم الدولة الوطنية العراقية. وفي المقابل، جرى تجاهل وإقصاء آلاف الكفاءات العراقية في المهجر، التي كان يمكن أن تُسهم في بناء نموذج سياسي مختلف وأكثر تماسكًا.

استعادة المسار الديمقراطي ليست ترفًا سياسيًا، بل شرط لبقاء الدولة ومنع تفككها. والمسؤولية مشتركة بين الداخل والخارج، بين النخبة والمجتمع، وبين الذاكرة والتطلعات.

محسن الشمري

مقالات مشابهة

  • روسيا تتهم الطبقة الحاكمة في أوروبا باستخدام الأوكرانيين كوقود للحرب
  • الساعدي: من يسمع كلام سماحة المفتي مأجور عند الله
  • لاعب منتخب المغرب تحت 20 سنة: عازمون على كتابة التاريخ من جديد
  • الجيش الوطني والفيدرالية الديمقراطية
  • وداعاً أيها الشاعر الذي أزعج الظالمين والقتلة والفاسدين كثيراً ..!
  • العراق بين الجمهوريين والديمقراطيين: استعادة الديمقراطية لا الاعتذار عنها
  • وفاة الفنان السوداني محمد الجزار إثر عارض صحي مفاجئ
  • «غزة» تحتضر أيها العالم
  • كلمات تفك الكرب.. الشيخ الشعراوي ينصح المهموم
  • وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)