عزم إبراهيم أن يزور هاجر عليهم السلام في مكة. ولما وصل إلى مكة المكرمة سأل عن دار ولده إسماعيل ودُل عليها لكن وجد هاجر قد ماتت. وفي الدار إمرأة لا يعرفها. فسألها: أين إسماعيل؟ فقالت ذهب للصيد. قال: ومن أنت؟ قالت أنا زوجة إسماعيل. فاستفسر عن أحوالهم. فقالت: نحن في حال ضنك. وشكت من ضيق المعيشة. فقال لها: أبلغي إسماعيل السلام وقولي له يغير عتبة داره.
ثم عاد إبراهيم للتو إلى مدينة الخليل حسب مبلغ علمي في فلسطين على حماره.
ولما عاد إسماعيل من مهمته قال لزوجته: هل جاءكم أحد. إني أشم رائحة نسمة مباركة. فقالت: نعم جاءنا رجل عجوز. فقال وماذا قال لك؟ قالت: قال لي قولي لزوجك يغير عتبة داره. فقال: إنه أبي وقد أمرني أن أفارقك. وطلقها.
بعد فترة استأذن إبراهيم زوجته سارة لزيارة مكة المكرمة. وقد قضيت أربعين سنة من عمري أتساءل لماذا لم يمكث إبراهيم بمكة ولو لبضع ساعات ليرى ولده إسماعيل. وفي الرحلة هذه وجد زوجة أخرى كانت لطيفة معه وطلبت منه أن يقبل ضيافتها ولكنه اعتذر وثنى عنان حماره عائدا من حيث جاء دون المكوث في مكة، وقال لها قولي لزوجك يثبت عتبة داره. ولما عاد إسماعيل إلى بيته سأل زوجته ما هذه النسمة الحبيبة التي تعبق في الدار؟ فقالت له نعم جاءنا رجل مبارك ولكنه أعتذر عن قبول ضيافتي. فقال إسماعيل: هل قال لك شيئا؟ قالت: نعم. إنه يأمرك أن تثبِّت عتبة دارك. فقال: ذاك أبي وهو يأمرني بالمحافظة عليكِ زوجة.
وعند تأمل هذه الرحلات، وجدت أن سيدنا إبراهيم زار مكة أول مرة ومعه هاجر ورضيعها إسماعيل. وترك أسرته هناك وحيدين ليس معهما إلا الله. ومكث ما شاء الله في فلسطين ثم ارتحل إلى مكة وقد شبّ إسماعيل وتزوج. ثم رحلة ثالثة لم ير فيها ولده إسماعيل. وهذا كله بلا شك بوحي من الله. وهو ما يستدعي العجب كيف سافر مدة شهر تقريبا وبعد وصوله عاد إلى فلسطين دون رؤية ابنه.
وفي الرحلة الرابعة لإبراهيم، قام ومعه ولده إسماعيل ببناء الكعبة المعظَّمة. ثم أذن بالحج إليها بأمر الله. وفي الحج تقررت شعيرة السعي بين الصفا والمروة سبع مرات كما فعلت هاجر حين كانت مع ابنها الذي يعاني من الجوع حتى أذن الله بانبجاس بئر زمزم.
وقبل بضعة أسابيع، اطلعت على كلام الطبرسي في كتاب “مجمع البيان في التفسير” فقد قال أن إبراهيم استأذن زوجته سارة في الذهاب إلى مكة لزيارة ابنه إسماعيل، فأذنت له ولكن على شرط ألا ينزل عن حماره. وقد التزم بالشرط الذي اشترطته عليه سارة. وبقي لهاجر لسان صدق في مستقبل البشرية.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: تفاهمات محتملة بين الرياض وواشنطن حول حرب السودان
مع تزايد تعقيدات المشهد السوداني وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية، يبرز سؤال محوري هل تلتقي إرادة الرياض وواشنطن فعلاً على تسوية تنصف الشعب السوداني، أم أن منبر جدة لا يزال إطارًا شكليًا لتجميد الأزمة لا لتجاوزها؟ إن تتبّع الإشارات السياسية وخطابات القادة، خاصة ما ورد في كلمة ولي العهد السعودي خلال القمة الخليجية الأميركية، يفتح نافذة لفهم طبيعة التفاهمات الجارية، وما إذا كانت تعبّر عن تحوّل في الرؤية أم مجرد إعادة إنتاج لأدوات احتواء قديمة. في هذا المقال، نحاول قراءة هذا المشهد في ضوء تلك المؤشرات.
من الواضح أن واشنطن تعتمد في الآونة الأخيرة نهج التفويض في الملفات الإقليمية المعقدة، ومن بينها الملف السوداني الذي بات جزءًا من لعبة التوازنات الكبرى في البحر الأحمر . ومن هنا تبرز السعودية، عبر “منبر جدة”، كفاعل رئيسي في محاولة ضبط هذا الملف، وهو ما أكده ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال كلمته ، حين شدد على التزام المملكة بالوصول إلى وقف إطلاق نار شامل في السودان بالتعاون مع واشنطن. هذه العبارة “شامل” – في تقديري – جديدة يجب أن نتوقف عندها.
هذه التصريحات ربما تتجاوز فكرة الوساطة إلى إعادة صياغة هندسة إقليمية جديدة تبدأ من البحر الأحمر ولا تنتهي عند الخرطوم. كما تتجاوز منبر جدة، إلى الإعلان الضمني بأن السودان لم يعد قضية هامشية في حسابات الأمن الإقليمي، بل على العكس، فإن الخرطوم تمثل اليوم نقطة تقاطع بين مصالح السعودية، ومصر، وقطر، بل والولايات المتحدة نفسها، في ظل تمدد الميليشيات، وتهديد طرق الملاحة، وتصاعد نفوذ فاعلين غير تقليديين في المشهد السوداني.
في الجانب الأميركي، تظهر ملامح تبدّل واضح في العقيدة الاستراتيجية. واشنطن لم تعد مهووسة بالسيطرة المباشرة على الملفات، بل باتت تفضّل الشراكة غير المتكافئة، تفويضًا وتنسيقًا، مع حلفاء إقليميين أقوياء. ولعل اللقاءات المتكررة بين الرياض وواشنطن حول السودان تمثل أحد ملامح هذا التحول. فالتفاهمات الناشئة بين الجانبين تعكس رغبة واشنطن في احتواء الصراع السوداني دون التورط المباشر، عبر تفويض “منبر جدة” الذي ظل يحتاج للضغط علي المليشيا وداعميها لإنفاذ الإتفاق. الا ان المراقبون يرون غياب الضغط سببه البحث عن تسوية تراها بعض الأطراف، وهو ما ترفضه الحكومة والجيش السوداني.
غير أن هذا المسار لا يخلو من تناقضات، خاصة مع الدور المثير للجدل الذي تلعبه أطراف مثل الإمارات في دعم الميليشيا ، بحسب تقارير دولية، الأمر الذي يشكّل ضغطًا إضافيًا على الرياض لإعادة هندسة الاصطفافات الإقليمية، بما يضمن توازنًا لا يتقاطع مع مصالحها على البحر الأحمر، ولا يهدد أمنها في اليمن أو نفوذها الإقليمي، بعد أن باتت الدولة الأقرب إلى واشنطن من خلال استثمارها في السلام والأمن، بما يتوافق مع السياسات الأميركية الجديدة في المنطقة.
في عمق هذا المشهد، باتت حرب السودان ساحةً لصراع إرادات إقليمية، وربما ميدانًا لتصفية حسابات استراتيجية. استخدام الطائرات المسيّرة في الشرق السوداني، وتحركات مصرية، وسعودية، وقطرية، كلها مؤشرات على أن السودان قد غدا خطًا أحمر في معادلات الأمن العربي.
من الواضح – ووفقًا لهذه المعطيات – أن الرياض تعتبر زعزعة الاستقرار في السودان سينعكس مباشرة على أمن البحر الأحمر، ويُخلّ بالتوازنات. أما القاهرة، فهي ترى أن انهيار الدولة السودانية يعني تهديدًا وجوديًا لأمنها القومي. فيما تتحرك الدوحة في خلفية المشهد كصانع للسلام من خلال تجربتها في سلام دارفور، عبر منبر الدوحة الذي تُوّج بتوقيع وثيقة الدوحة في 14 يوليو 2011، لذلك فهي وسيط مقبول لدى أطراف متعددة.
من جهة أخرى، تشير التطورات الأخيرة في المنطقة إلى تحولات في التحالفات التقليدية. زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة، وتوجهاته الجديدة حينها في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، تعكسان محاولة لإعادة تشكيل النظام الإقليمي بما يتناسب مع مصالح الولايات المتحدة في المرحلة الحالية.
في هذا السياق، تبرز أهمية التنسيق بين الدول العربية، مثل السعودية وقطر ومصر، في صياغة موقف مشترك تجاه الأزمة السودانية. هذه الدول تدرك أن استقرار السودان يعد جزءًا لا يتجزأ من أمن المنطقة. السودان لم يعد تفصيلًا في مشهد إقليمي متداخل، بل بات جوهر التوازن الجديد، إما أن يُستعاد عبر تسوية شاملة، أشبه بالتفاهمات التي جرت في سوريا، تضمن سيادته وامنه القومي ووحدة أراضيه ، وإما أن يمضي تجاه خيارات بديلة مع شركاء آخرين لتحقيق ذلك .
عليه، فإن التفاهمات بين الرياض وواشنطن بشأن السودان لا يمكن فصلها عن الصراع الأوسع على النفوذ، ولا عن إعادة تشكيل الأمن الجماعي العربي. وكلما اقتربت نهاية الحرب، اقترب معها السؤال المهم: من سيكون شريك السودان في ما بعد الحرب؟ ومن سيُقصى من المعادلة؟ يُظهر المشهد الإقليمي أن السودان لم يعد مجرد ساحة صراع داخلي، بل أصبح عنصرًا فاعلًا في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية والدولية.
إبراهيم شقلاوي
دمتم بخير وعافية.
الخميس 15 مايو2025م Shglawi55@gmail.com