الدبلوماسية المغربية...رؤية استراتيجية وأداء متميز
تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT
تمتد الدبلوماسية المغربية عبر تاريخ طويل يعود للعصور القديمة، فهي انعكاس لتاريخ المملكة المغربية، حيث أنها تجمع بين التاريخ العريق والمرونة في التعامل مع التحديات الدولية بفضل موقعها الاستراتيجي وثقافتها المتنوعة، مما جعلها قوة أساسية في القضايا الإقليمية والدولية، إذ استطاعت إقامة علاقات دبلوماسية متميزة مع دول وشعوب عديدة، وكانت أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة عام 1977، كما كانت من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع اوروبا خاصة اسبانيا والبرتغال.
تحت قيادة الملك محمد السادس، تعتمد الدبلوماسية المغربية على نهج مرن يتسم بالقدرة على التكيف مع المتغيرات الدولية واتخاذ مبادرات استباقية، مما ساهم في تعزيز موقع المملكة المغربية كلاعب إقليمي ودولي مؤثر، وأصبحت قوة تساهم في تشكيل معالم المشهد السياسي والاقتصادي في المنطقة بانتهاجها لخطة استراتيجية جمعت بين الدفاع عن القضايا الوطنية وتوسيع الشراكات الاقتصادية والتنموية.
تمثل قضية الصحراء المغربية العمود الفقري للدبلوماسية المغربية، حيث تمكن المغرب من كسب اعترافات أهم الدول كالولايات المتحدة، فرنسا، اسبانيا، هولاندا، المانيا، الاتحاد الإفريقي وغيرهم من الدول الأوروبية، العربية،الافريقية والآسيوية، ويستمر الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء في التوسع مدعوما بتأييد مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي ونهائي للنزاع، كما عزز هذا الاعتراف بفتح أكثرمن 30 دولة افريقية، عربية وآسيوية لقنصليات في الأقاليم الجنوبية، مما يعكس الدعم المتزايد لمغربية الصحراء.
مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب في عام 2007 كحل سياسي للنزاع في الٌاقاليم الجنوبية يهدف إلى منحها حكما ذاتيا واسع النطاق تحت السيادة المغربية، مبادرة وصفها مجلس الأمن بأنها "جدية وذات مصداقية"، تمنح سكان الصحراء الحق في إدارة شؤونهم المحلية عبر مؤسسات منتخبة ديموقراطيا، تشمل كل المجالات ضمن إطار السيادة المغربية ورموزها.
اكتسب المغرب سمعة دولية كميسر للسلام، حيث لعب دور الوسيط في حل النزاعات الإفريقية والعربية، فقد استضاف عدة جولات من الحوار الليبي في مدينتي الصخيرات وبوزنيقة ، مما ساهم في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية، كما دعم أيضا جهود تحقيق السلام في الشرق الأوسط فيما يخص القضية الفلسطينية في إطار لجنة القدس التي يرأسها الملك محمد السادس.
أولى الملك محمد السادس أهمية خاصة لتعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية، اهتمام تكلل بعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في يناير 2017، واستعادته لدوره الفاعل والأساسي في القضايا التنموية والأمنية في القارة الإفريقية، وأصبح المغرب شريكا أساسيا للعديد من الدول الإفريقية سواء عبر استثمارات مباشرة أو تعزيز البنية التحتية، أو عبر المبادرات التنموية التي تهدف إلى تحسين أوضاع الشعوب الإفريقية.
يحتل المغرب المرتبة الثانية كأكبر مستثمر في افريقيا، بفضل دور مؤسسات مثل التجاري وفابنك، إذ تلعب هذه المؤسسة البنكية المغربية دورا مركزيا في تعزيز العلاقات الإقتصادية بين المغرب ودول افريقيا، وتتمتع بشبكة واسعة تمتد إلى أكثر من 26 دولة منها 15 دولة إفريقية، مما يجعلها من بين أكبر الفاعلين في القطاع المالي الإفريقي.
نهج المغرب سياسة فك العزلة عن العواصم والمدن الإفريقية من خلال عدة برامج استثمارية أبرزها الطرق البرية، حيث يساهم في تطوير مشاريع الطرق السريعة التي تربط بين شمال افريقيا ودول غرب افريقيا، عزز أيضا الربط الجوي، إذ أصبحت تسير الخطوط الملكية المغربية رحلات منتظمة إلى أكثر من 30 وجهة إفريقية، واهتم بمشاريع الطاقة والاتصال من أجل تحسين الربط الطاقي والاتصالات الرقمية بين العواصم الإفريقية.
طرح المغرب أيضا المبادرة الملكية الأطلسية، هذه المبادرة المبتكرة تهدف إلى تمكين بلدان منطقة الساحل الإفريقي من الوصول إلى المحيط الأطلسي، بما يعزز الربط التجاري والتنمية الاقتصادية للدول المحصورة جغرافيا، وتشمل هذه المبادرة أربع دول رئيسية وهي مالي، تشاد، النيجر وبوركينافاسو، ويتم ذلك من خلال توفير منافذ بحرية لدول الساحل الإفريقي التي لا تملك حدودا ساحلية، مما يسهل تبادل السلع والبضائع مع الأسواق العالمية، كما يتم دعم بناء ممرات نقل تجارية فعالة بين الدول والموانئ المغربية المطلة على المحيط الأطلسي.
يعتمد المغرب على رؤية استراتيجية تجمع بين التنمية المستدامة والتكامل الإقليمي وتركز على تطويربنية تحتية متقدمة ومشاريع استثمارية كبرى تعزز من الربط الجغرافي والتجاري بين المغرب ودول افريقيا، من أبرز المشاريع نجد الطريق السريع أغادير – تزنيت الذي يمثل نقطة وصل استراتيجية تسهل الربط بين شمال المملكة المغربية وجنوبها وصولا إلى العمق الإفريقي، كما نجد أيضا مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب مرورا ب 13 دولة والذي يعد مشروعا استراتيجيا يربط غرب افريقيا وأوروبا، ويوفر فرصا اقتصادية هائلة للدول الإفريقية المشاركة، أيضا تم إنشاء خط تجاري بحري يربط بين المغرب ودول الغرب الإفريقي، وتحديدا ميناء اغادير ونظيره بدكار السنغالية.
يعتمد المغرب على سياسة التنوع والتعدد، لذلك عمل طيلة السنوات الأخيرة على تحقيق التوازن في علاقاته، فبالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي عزز شراكاته معها في مجالات الأمن، مكافحة الإرهاب والطاقة، أصبح المغرب شريكا اقتصاديا مهما للاتحاد الأوروبي، حيث تم توقيع اتفاقيات شراكة قوية في مجال الزراعة والصيد البحري، ونجح أيضا في تعزيز علاقاته مع الصين وروسيا، هاتين القوتين العالميتين خاصة في مجال البنية التحتية والطاقة.
تعتبر الدبلوماسية الإقتصادية إحدى الركائز الأساسية للسياسة الخارجية للمغرب، حيث لعبت دورا هاما في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع مختلف دول العالم، تبنى المغرب من خلالها رؤية أساسها تنويع شراكته الاقتصادية، معتمدا على بيئته الاستثمارية المشجعة من خلال استقراره السياسي، بنيته التحتية المتطورة، والحوافز الضريبية الموجهة للمستثمرين، وقد نجح في أن يصبح رائدا في مجالات الطاقة المتجددة، صناعة السيارات والطيران وأيضا في مجال السياحة عبر الترويج لمقوماته المتعددة في هذا المجال.
استكمالا لنهج مدروس من هيئة دبلوماسية رفيعة المستوى حققت مجموعة من الإنجازات الهامة خلال السنوات الماضية تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، يرتكز المغرب خلال سنة 2025 على رؤية تهدف إلى ترسيخ مكانته كقوة إقليمية ودولية مؤثرة، تجمع بين الحنكة السياسية، الاستباقية في مواجهة التحديات والانفتاح على الشراكات المتمرة لتحقيق التنمية المستدامة داخليا وتعزيز موقعه في المشهد العالمي، مع استمرار قضية الصحراء المغربية الملف الأبرز والعمل على تكريس الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية من خلال تكثيف الجهود داخل الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدبلوماسية المغربية المملكة المغربية الملك محمد السادس قضية الصحراء المغربية المغرب محمد السادس فی تعزیز من خلال
إقرأ أيضاً:
بوتين يكشف استراتيجية التسوية الأوكرانية.. من تبادل الأسرى إلى صاروخ «أوريشنيك»
أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال لقاء جمعه مع نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في جزيرة فالام الروسية، عن ارتياحه لنتائج المفاوضات التي جرت مؤخراً مع أوكرانيا في إسطنبول، والتي شملت تبادل أسرى، مؤكداً في الوقت ذاته أن الأهم يكمن في معالجة الأسباب الجذرية للنزاع لضمان سلام طويل الأمد في المنطقة.
وقال بوتين إن نتائج المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا “مهمة ومطلوبة دائماً”، مشدداً على أن النظام السياسي في روسيا قائم على الدستور والقانون، في مقابل أوكرانيا التي وصفها بأنها تفتقر للاستقرار السياسي القانوني.
وأوضح أن مجموعات العمل الروسية-الأوكرانية المعنية بالتسوية لم تبدأ نشاطها بعد، وأن شروط روسيا بخصوص تسوية القضية الأوكرانية التي أعلنتها صيف 2024 ما زالت قائمة دون تغيير.
وبشأن إمكانية استمرار الحوار، أشار بوتين إلى أن روسيا مستعدة للانتظار إذا لم تجد كييف ضرورة للتعامل معها في الوقت الحالي، لكنه أكد أهمية مناقشة التسوية في إطار أوسع يشمل الأمن الأوروبي الشامل، معتبراً أن ضمان أمن روسيا هو الهدف الأساسي في القضية الأوكرانية.
وفي جانب إنساني، أفاد بوتين بأن روسيا نقلت آلاف الجنود القتلى إلى الجانب الأوكراني، واستلمت بدورها عشرات الجثث من جنودها، داعياً إلى العمل على “سلام دائم وطويل الأمد” في أوكرانيا دون تحديد إطار زمني.
كما نفى وجود العدد الكبير من الأطفال المنقولين إلى روسيا، الذي تم ذكره في “القائمة الأوكرانية” خلال مفاوضات إسطنبول.
وعلى الصعيد العسكري، أعلن بوتين عن بدء الإنتاج المتسلسل لصاروخ “أوريشنيك” الذي دخل بالفعل الخدمة العسكرية الروسية، مشيراً إلى أن الخبراء الروس والبيلاروسيين اختاروا مواقع انتشار هذه الصواريخ، وأن توريدها إلى بيلاروس يجري وفق الجدول المخطط له.
كما أكد تقدم القوات الروسية على طول خط التماس في العملية العسكرية الخاصة بأوكرانيا، معرباً عن تقديره لبطولة الجنود الروس، ومشيراً إلى أن الغرب يبذل جهداً مكثفاً لوقف تقدم موسكو.
وانتقد بوتين الوضع السياسي والأمني في أوكرانيا، موضحاً أن القيادة في كييف تفتقر إلى فهم دقيق للوضع في ميادين القتال، ومؤكداً أن تعزيز سيادة روسيا هو من أهداف العملية العسكرية.
في السياق السياسي الأوروبي، انتقد بوتين الاتحاد الأوروبي بسبب فقدانه “السيادة السياسية والاقتصادية”، مشيراً إلى تفشي الفساد في عدد كبير من دول العالم بما فيها أوكرانيا، حيث وصف مؤسسات مكافحة الفساد بأنها “فشلت تماماً خلال عشر سنوات”.
وأكد أن أوكرانيا لا تحتاج إلى مؤسسات حوكمة خارجية، بل إلى دعم الشعب لاستعادة توازنه وسيادته.
وأكد بوتين أن “محاولة أوكرانيا لاستعادة جزء من سيادتها صحيحة”، لكنه شدد على ضرورة البحث عن حلول سلمية وتحقيق سلام شامل ومستدام في المنطقة عبر محادثات مكثفة.
ألمانيا تزود أوكرانيا بمنظومات “باتريوت” على مراحل مع وعد أمريكي بالتعويض السريع
أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أن برلين ستبدأ بتزويد أوكرانيا بمنظومات الدفاع الجوي “باتريوت” على أجزاء، حيث سيتم تسليم منصات الإطلاق أولاً، فيما ستصل بقية مكونات النظام خلال شهرين إلى ثلاثة أشهر.
وأكد الوزير بوريس بيستوريوس، أن ألمانيا التزمت خلال مفاوضات حلف الناتو بدعم كييف بأنظمة “باتريوت” إضافية، مشيراً إلى أن شرطها كان توفر الولايات المتحدة لأنظمة “باتريوت” جديدة بأسرع وقت ممكن لتعويض المخزونات الألمانية.
وقال بيستوريوس: “سيقوم الجيش الألماني أولاً بتزويد أوكرانيا بمنصات إطلاق إضافية، يليها خلال أشهر تسليم عناصر إضافية لتعزيز الدفاع الجوي الأوكراني”.
ويأتي هذا في إطار اتفاق مع وزارة الدفاع الأمريكية تجعل ألمانيا أول دولة تستلم منظومات “باتريوت” من الجيل الأخير بطريقة عاجلة، بتمويل ألماني كامل.
وكان الوزير قد أوضح سابقاً أن تسليم منظومات “باتريوت” سيتم فقط إذا تم تعويض المخزونات خلال 6 إلى 8 أشهر، فيما أعلنت الاتفاقيات مع واشنطن تزويد كييف بخمسة أنظمة كاملة.
وفي تطور ميداني، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تدمير 3 منصات إطلاق “باتريوت” في أوكرانيا.
وتأتي الخطوة الألمانية ضمن جهود غربية لتزويد أوكرانيا بأسلحة متقدمة، رغم رفض دول أوروبية أخرى المشاركة، بينما تصر واشنطن على شراء ألمانيا ضعف عدد أنظمة الدفاع الجوي المتفق عليها سابقاً.