في مثل هذا اليوم، الرابع من يناير عام 1921م، الذي يوافق الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة 1339هـ، رحل عن دنيانا العالم الجليل والمفتي الفقيه، الشيخ محمد بن محمد بن القاضي إسماعيل الأنصاري البرديسي، الحنفي. ورغم مرور أكثر من مئة عام على وفاته، لا يزال إرثه العلمي والفقهي يتردد صداه في أروقة العلم والتاريخ الإسلامي.

مولده ونشأته

تحتفي هيئة كبار العلماء بذكري وفاة العالم الجليل، وتفرد بعض المعلومات القيمة حول ميلاده ونشأته وحياته العلمية المثمرة، فتقول: “وُلد الشيخ محمد إسماعيل البرديسي في عام 1864م، الموافق 1281هـ، في بلدة برديس التابعة لمركز البلينا بمحافظة سوهاج. نشأ في أسرة علمية مشهود لها بالتقوى والفضيلة، حيث كان جده القاضي إسماعيل الأنصاري البرديسي قاضي المحكمة الشرعية ببرديس، مما كان له الأثر الكبير في تكوين شخصيته العلمية والدينية”.

تعليمه ومسيرته العلمية

 

وتابعت: تلقى الشيخ البرديسي تعليمه في رحاب جامع الأزهر الشريف، حيث تخرج منه وازداد تأثرًا بعلمائه العظام، خاصة من خلال سماعه لدرس السيد جمال الدين الأفغاني الذي كان له دورٌ بارز في تشكيل توجهاته الفكرية.

 كان الشيخ البرديسي أحد العلماء الذين لم يقتصروا على التلقي، بل بدأوا بتأدية دورهم في نشر العلم والتدريس في الأزهر الشريف، حيث تصدر للتدريس ونشر معارفه.

بعد أن أتم دراسته، شغل الشيخ العديد من المناصب القضائية المرموقة، بدءًا من نائب محكمة قنا الابتدائية الشرعية، مرورًا بعضويته في محكمة المحروسة الابتدائية الشرعية، وصولًا إلى مفتش في القضاء الشرعي. لم يكن دور الشيخ البرديسي مقتصرًا على التعليم والإفتاء فحسب، بل كان له بصمة واضحة في العمل القضائي الذي خدم من خلاله الأمة الإسلامية.

مفتي الديار المصرية وعضو هيئة كبار العلماء

في عام 1920م، تم تعيين الشيخ محمد إسماعيل البرديسي مفتيًا للدِّيار المصرية، إضافة إلى اختياره شيخًا للسادة الحنفية. وقد شهدت تلك الفترة من حياته بروزًا كبيرًا لدوره الفقهي والعلمي، حيث كان له إسهامات هامة في مجالات الفقه الشرعي. وتقديرًا لعطاءه العلمي الكبير، تم اختياره عضواً في هيئة كبار العلماء بموجب الإرادة السنية الصادرة من رياسة مجلس الوزراء في أغسطس 1920م.

مؤلفاته العلمية

من بين مؤلفاته القيمة التي تبرز مكانته العلمية، نجد كتابه الشهير "الإتحاف في أحكام الأوقاف"، الذي يعكس علمه الواسع وتعمقه في المسائل الفقهية. كما أن مكتبة الأزهر الشريف تحتفظ بآثار علمية له تُعد مرجعًا للباحثين والدارسين في علوم الشريعة.

رحيله

رحل الشيخ محمد إسماعيل البرديسي عن عالمنا في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة 1339هـ، الموافق الرابع من يناير 1921م، بعد رحلة طويلة من العلم والبحث والاجتهاد، وكان لوفاته وقعٌ كبير في الأوساط العلمية والدينية، إذ فقدت الأمة أحد أبرز علمائها الذين أسهموا في رفعة العلم الشرعي في مصر والعالم الإسلامي.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: هيئة كبار العلماء البرديسي الأزهر کبار العلماء الشیخ محمد کان له

إقرأ أيضاً:

أمين كبار العلماء من مدريد: الأزهر يتبنى خطابا عالميا يحمي كرامة الإنسان

أكد الدكتور عباس شومان، أمينُ عامِّ هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن رسالة الأزهر الشريف، بقيادة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، تقوم على إعلاء قيمة الإنسان، ودعم مسارات السّلم العالمي، وتعزيز جسور التفاهم بين أتباع الديانات، مشيرًا إلى أن الإسلام جاء حاملًا لرسالة الرحمة واحترام التنوع الإنساني، وأن جميع الأديان السماوية التقت على ترسيخ مبدأ التعايش ونبذ العنف.

جاء ذلك خلال كلمة ألقاها في المؤتمر الذي يعقده المركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة الإسبانية مدريد، تحت عنوان: «دَور المؤسسات الدِّينيَّة في صناعة وعي آمن.. الأزهر الشريف أنموذجًا»، والذي يهدف إلى إعادة قراءة خطاب الأديان في مواجهة التطرف وتحصين المجتمعات من مخاطر العنف والكراهية.

وأشار أمين عام هيئة كبار العلماء ، إلى أن المؤتمر يمثل منبرًا مهمًّا لعرض الصورة الحقيقية للإسلام بوصفه دينًا يرسّخ قيم المحبة والإخاء، موضحًا أن حرمة الدم الإنساني ثابتة بديهةً وعقيدةً، وأن احترام خصوصيات الآخرين قاعدةٌ شرعيةٌ أصيلة، لا تنفصل عن مقاصد بقاء الأمم واستقرار المجتمعات، مستشهدًا بعدد من الآيات القرآنية التي أكدت وحدة الأصل الإنساني وضرورة التعارف والتواصل، مبينًا أن الخطاب القرآني حين يخاطب «الناس» يخاطبهم على أساس إنسانيتهم المشتركة، لا على أساس اختلاف أعراقهم أو أديانهم.

وشدّد الدكتور شومان ، على أن الحضارات لم تنهض يومًا على التمييز أو الإقصاء، بل قامت على الانفتاح والتسامح وإتاحة مساحات التلاقي بين الثقافات، موضحًا أن الأزهر عبر تاريخه الطويل قدّم نموذجًا عمليًّا للتعايش، تجلّى في مبادراته الكبرى مثل: بيت العائلة المصرية، ووثيقة الأخوّة الإنسانية، وحوار الشرق والغرب، ومبادرة صناع السلام التي حملت رسائل الأزهر للعالم.

ولفت إلى أن التطرف والعنصرية ليست نتاجًا للأديان، بل هي أمراض حضارية تولَد حين تطغى المادية على القيم، مؤكدًا أن عدالة القوانين وإعلاء قيمة الإنسان هما الأساس الحقيقي لترسيخ التسامح والتعايش، مشيرًا إلى خطورة توظيف التكنولوجيا بلا منظومة قيمية، إذ أصبحت من أكبر أدوات تشكيل الوعي، كما أن استخدامها بعيدًا عن الأخلاق قد يؤدي إلى تمزيق نسيج المجتمعات بدل بنائه.

وأكد الدكتور شومان، أن الدين لم يكن في تاريخه مصدرًا للصراع، وإنما أُسيء استخدامه حين غاب العدل وانحرفت بوصلة القيم، داعيًا إلى إعادة الدين إلى دوره الحقيقي في تقريب الناس إلى الله، وإلى بعضهم البعض، وبناء أوطانهم.

وختم أمين عام هيئة كبار العلماء كلمته بأن مؤتمر مدريد يُعَدُّ نقطةَ انطلاقٍ نحو إعادة تشكيل الوعي العالمي على أساس من الإنصاف الحضاري، لافتًا أن «السلام» لم يعد خيارًا تجميليًّا، بل ضرورةَ بقاءٍ للبشرية، وأن التجارب المريرة أثبتت أن إقصاء الآخر يُغذّي التطرف، فيما يفتح الحوارُ والاندماجُ أبوابَ الاستقرار الحضاري، داعيًا إلى تبنّي وعيٍ عالميٍّ بالقيم يضع الإنسان فوق كل انتماء، ويعيد للدين دوره في تعزيز السلام، وصون الكرامة الإنسانية، ومواجهة خطاب الكراهية بكافة أشكاله.

طباعة شارك هيئة كبار علماء الأزهر مدريد مؤتمر «مدريد» الأزهر عباس شومان

مقالات مشابهة

  • معنى سمة "ذبح العلماء" الذي عرف على مر العصور.. علي جمعة يوضح
  • مفتي الديار اليمنية وعلماء الحديدة: الوعي سر الصمود.. وتحذير من الدور الخطير للعملاء
  • الشيخ عبد العال هريدي.. سيرة مفتيٍ اجتمع له العلم والقضاء والمكانة العلمية
  • أمين كبار العلماء من مدريد: الأزهر يتبنى خطابا عالميا يحمي كرامة الإنسان
  • الأزهر عن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد: صاحب الحنجرة الذهبية الذي جاب بلاد العالم
  • صاحب الحنجرة الذهبية.. "الأوقاف" تحيي وفاة ذكرى الشيخ عبدالباسط عبدالصمد
  • ذكرى الشيخ عبدالباسط عبدالصمد.. صوت مكة الذي قرأ في الحرمين والأقصى
  • ذكرى وفاة صاحب الحنجره الذهبيه الشيخ عبد الباسط عبدالصمد
  • ذكرى رحيل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.. سفير القرآن الذي صدح صوته آفاق العالم
  • ذكرى الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.. سفير القرآن الذي صدح صوته أفاق العالم