أطفال فوق ناطحات سحاب..فنانة تبتكر صورًا خيالية لهونغ كونغ بالذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تُعَد بيانكا تسي من بين عدد متزايد من الفنانين الذين أصبحوا يعتنقون الذكاء الصناعي.
وقالت الفنانة البالغة من العمر 43 عامًا، وهي تجلس أمام صورة بعنوان "مساحة تنفس" (Breathing Room)، وهي صورة عُرضت مؤخرًا بمعرض "بلو لوتس" في هونغ كونغ: "لقد اختصر (الذكاء الصناعي) الطريق بين أفكاري ورؤيتي".
وفي الصورة، يظهر ثلاثة رجال صينيين وهم يجلسون بشكل مريح وخطر في الوقت ذاته على مقاعد فوق برج نحيف من الشقق المهملة.
وقالت تسي إنّ هذه الصورة لا يمكن أن تتواجد في الحياة الواقعية، لكنها تجسد المشاعر الناجمة من ظروف المعيشة الضيقة في المدينة، و"نكهة" هونغ كونغ المميزة.
وتجمع أعمال تسي بين الخيال الناتج عن الذكاء الاصطناعي، والمراجع التاريخية المستوحاة من ذكريات طفولتها، وتاريخ الطبقة العاملة في هونغ كونغ.
وتأخذ العديد من صورها محلّها في نسخة مبالغ فيها مصنوعة بالذكاء الصناعي لمدينة كولون المسوَّرة، وهي قلعة سابقة لسلالة تشينغ أصبحت المكان الأكثر اكتظاظًا بالسكان على وجه الأرض.
وتدفق اللاجئون الفارّون من بر الصين الرئيسي أثناء الحرب الأهلية الصينية إلى هونغ كونغ التي كانت تحت الحكم البريطاني آنذاك، واتخذوا من هذه المنطقة موطنًا لهم.
وهي لا تزال حاضرة في أذهان سكان هونغ كونغ مع أنّها هُدمت في التسعينيات.
رغم أنّها لم تزر المدينة قط، إلا أنّ تسي كانت مفتونة بتاريخها، حيث وجدت أنها تمثل هونغ كونغ التي أصبحت تختفي من الناحيتين الثقافية والمعمارية وسط التنمية والتطوير.
وتمكنت تسي من خلال المقابلات والصور النادرة، من توسيع نطاق ذكريات بعض السكان السابقين بطريقة جديدة.
وأعادت إنشاء مشاهد مستوحاة من حياتهم في شكل مقاطع فيديو وصور قصيرة بواسطة الذكاء الاصطناعي.
دور الذكاء الصناعي في الفنيُذكر أن استخدام الذكاء الصناعي لإنشاء الأعمال الفنية أصبح مثيرًا للجدل بشكل متزايد، إذ أعرب فنانون عن قلقهم من إمكانية استخدام أعمالهم لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي من دون تعويض.
بينما توافق تسي على ذلك، إلا أنّها قالت إنّ أدوات الذكاء الاصطناعي مثل "Midjourney"، سمحت لها أيضًا بإنشاء أعمال كانت لتكون مستحيلة بدونها.
وقالت: "لست بحاجة إلى توظيف ممثلين، ولا أحتاج إلى إعداد جميع المشاهد، ونعم، هذا يوفر الكثير من الوقت، والمال بشكلٍ رئيسي".
وفتحت التكنولوجيا عالمًا جديدًا لتسي، وهي مديرة إبداعية إعلانية مستقلة كانت تنشر تجاربها في مجال الذكاء الاصطناعي عبر موقع "إنستغرام".
في عام 2023، ضمّت صالة العرض الفرنسية "La Grande Vitrine" أعمالها المبكرة إلى معرض بعنوان " A State of Consciousness" في مهرجان "Rencontres d’Arles" بفرنسا.
ومؤخرًا، عُرضت أعمالها إلى جانب أعمال جريج جيرارد، وإيان لامبوت، وهما مصوران اشتهرا بتوثيق مدينة كولون المسوَّرة كجزء من معرض "Voices of The Walls" في معرض "بلو لوتس"، وهو معرض عن المستوطنة غير الرسمية، حيث عاش 33 ألف شخص تقريبًا.
ووتستكشف تسي كيفية تواجد الفوضى والفقر جنبًا إلى جنب مع السعادة والأمل.
وفي صورة تُدعى "أصدقاء خياليون" (Imaginary Friends)، تَظهر فتاة صغيرة في سوق وهي محاطة بأكياس قمامة على هيئة دمى حيوانات، ويُجسد العمل ذكريات طفولة تسي، عندما كانت تنتظر والدتها أثناء هطول المطر خارج متجر اللحوم المجمدة حيث كانت تعمل.
صورة لم تُلتَقَطمن خلال العمل مع برنامج الذكاء الاصطناعي التوليدي، تعلمت تسي ألا تخاف من فكرة أنّه لن يكون هناك حاجة للفنانين البشر في المستقبل.
وشرحت: "أعتقد أنّه إذا حاول الجميع استخدام الذكاء الصناعي، فسوف يعرفون أن دور الفنان أو المصمم غير قابل للاستبدال".
ولفتت الفنانة إلى أن توليد صورة من كلمة أمر سهل، ولكن "إذا أردت حقًا إنشاء شيء قريب من رؤيتك أو شيء ذي معنى، فهو صعب للغاية في الواقع".
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: التصوير الذكاء الاصطناعي ذكاء اصطناعي فنون هونغ كونغ الذکاء الاصطناعی الذکاء الصناعی هونغ کونغ
إقرأ أيضاً:
حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
كثر الحديث مؤخرًا عن لجوء بعض الكتّاب إلى «الذكاء الاصطناعي»؛ ليكتب عنهم المقالات الصحفيَّة في ثوان قليلة، ما اختصر لهم الوقت، وأراحهم من عناء الجهد والبحث. والنتيجةُ أنّ تلك المقالات افتقدت الروح، وغاب عنها الكاتب، فصارت كلُّ المقالات متشابهة في الشكل والمضمون، لدرجة أن أصبح القارئ يستطيع أن يميّز بين مقال الكاتب والمقال المنقول حرفيًّا من الذكاء.
إزاء تنامي الجدل حول الموضوع؛ هل هو انتحال وسرقة أم أنه بحكم التطور وضع طبيعي؟ قررتُ أن أخوض حوارًا مباشرًا مع أحد هذه الأنظمة؛ بحثًا عن فهم أعمق لهذا الكائن الرقمي. كانت المفاجأة أني كنتُ في حوار أقرب ما يكون مع إنسان وليس مع آلة، وبدا لي أنّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرات هائلة تفيد الكاتب في جوانب كثيرة في البحث عن المعلومة والترجمة وفي تقييم المقال نفسه، لكنه مهما كان من أمر فإنه لا يمكن أن يعوّض عن حضور الكاتب. سألتُ الذكاء عن هذا الأمر، فأقرّ بأنّ البعض يستخدمه لأداء المهمة كاملة دون تحرير أو إضافة ذاتية ما يجعل النص أقرب للانتحال، حتى لو لم يكن هناك مؤلف بشري يُنسب له المحتوى. سألتُ: هل يمكن أن يُقدّم الذكاء المقال نفسه لشخص آخر؟ فردّ بأنّ ذلك ممكن، خاصةً إذا كانت الأسئلة متشابهة أو عامة، ما يُظهر أهمية التفرّد في الطرح، والحرص على أن تكون الكتابةُ نابعةً من هوية الكاتب نفسه. هنا سألته: ماذا يمكن أن يفيد الذكاء الكتّاب والصحفيين؟ كان الرد: «دعم الكتابة والتحرير عن طريق صياغة الأفكار، وتوليد المحتوى، واقتراح زوايا مختلفة للموضوع أو حتى تقديم مسودة أولية. ويمكن الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من المعلومات في وقت قصير، واستخلاص النقاط المهمة». وأهم نقطة ذكرها أنّه بترجمته الفورية السريعة يسهل التواصل مع مصادر من ثقافات مختلفة، ويمكنه استخراج الخلاصة من مقابلات طويلة، أو من وثائق كثيرة.
تشعّب الحديث بيننا - وكأني أمام صديق مثقف - سألتُه: كيف نضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه؟ فردّ قائلًا: «إنّ الحفاظ على هذا التوازن يتطلب ترسيخ القيم الإنسانية في تصميم الأنظمة، وسن تشريعات ذكية، وتوعية الناس بعدم الاستسلام المطلق للأداة».
انتقلنا في الحديث عن الكتابة إلى الطب، فسألتُه سؤالًا سبق أن أثار جدلًا واسعًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُلغي وظيفة الطبيب العام مثل الكثير من الوظائف التي ستُلغى؟ أجاب أنّ دوره سيتغيّر، لكنه لن يُلغى، فبينما يستطيع الذكاء دعم التشخيص، وتحليل البيانات يظل الطبيب البشري يتمتع بقدرة لا يمكن للآلة أن تمتلكها، وهي التعاطف، والحدس، والتعامل مع تعقيدات النفس البشرية.
طرحتُ عليه سؤالًا يحمل بُعدًا أمنيًا وأخلاقيًا، وقد تردّد كثيرًا عبر المنصات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعلّم الناس صناعة القنابل أو الأسلحة؟ فكان جوابه حازمًا: «الشركات المطوّرة تضع فلاتر صارمة لمنع هذه الاستخدامات، لكن يبقى الخطر قائمًا إذا تم التحايل أو إساءة الاستخدام. وهنا تزداد الحاجة إلى يقظة قانونية ومجتمعية تتجاوز التطوّر التقني نفسه».
أخذني الحماس فسألتُه عن أغرب طلب وُجِّه إليه فقال: «هناك من طلب مني أن أكتب خطابًا يعتذر فيه عن حادثة كسر كوب زجاجي أمام مجلس تنفيذي لشركة كبرى، ويجب أن يتضمن استعارات عن تحطم الأحلام والزجاج المعشق». وواصل: «هناك من يسألني عن أسرار الكون، ومن يطلب صياغة قصيدة غزلية، ومن يبحث عن دعم نفسي في لحظة صعبة، وحتى من يطلب نصيحة قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة. وهناك من يريد أن أفسّر له الأحلام. أشعرُ وكأنّي كتابٌ حيّ مفتوح دومًا مليء بالمفاجآت». ولم ينس أن يسألني: هل لديك سؤالٌ غريب يا زاهر؟!
حقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي الآن قوي، ومع الأسف صار الكثيرون يعتمدون عليه في الكتابة الحرفية فقط، وتركوا الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يقدّمها. وفي تصوري أنّ ما ينتظره العالم منه في المستقبل يفوق التصوّر، وهو ما أكده لي عندما سألتُه عمَّا هو متوقع منه في المستقبل؟ فأجاب: «سيصبح الذكاء الاصطناعي مثل «سكرتير رقمي» يعرف جدولك، وشخصيتك، ومزاجك، حتى نواياك، يتوقع احتياجاتك قبل أن تطلبها، ويُقدِّم خيارات حياتية مصممة لك بالذكاء. أما في المجال الطبي فسيتمكن من تحليل الحمض النووي لكلِّ فرد وإعطاء علاج خاص به، وقد يُساعد في اكتشاف الأمراض قبل ظهور أعراضها بسنوات». أما عن مجال التعليم فقد قال: «تخيّل فصلًا دراسيًّا لكلّ طالب على حدة، يُدرّسه الذكاء الاصطناعي حسب سرعة فهمه واهتمامه. سيساعد الذكاء في ردم الفجوة التعليمية بين المناطق المختلفة».
ولكن المثير أنه قال: «ستجري روبوتات عمليات جراحية، وترعى كبار السن، وتُناقشك في الفلسفة، تمزج بين الحس العاطفي والذكاء التحليلي. سيشارك الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى، كتابة الروايات، رسم اللوحات، وحتى ابتكار نكات».
لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن «يفهم» المشاعر؟ كان الرد: «إنّ الأبحاث تتجه نحو أنظمة تُدرك نبرة الصوت، وتعابير الوجه حتى المزاج!».
الذكاء الاصطناعي يشكّل قفزة كبيرة تُشبه القفزات النوعية في التاريخ، مثل اختراع الطباعة أو الإنترنت. وكلُّ هذا مجرد بداية رغم أنّ الناس باتوا يرونه من الآن مستشارًا، وشريكًا معرفيًّا، ومُحفِّزًا للإبداع، وأحيانًا صديقًا للدردشة.
كشفَتْ لي تجربةُ الحوار المطول، قدرات الذكاء الاصطناعي، وصرتُ على يقين بأنّ محرِّكات البحث مثل «جوجل» قد تصبح من الماضي؛ لأنّ البديل قوي، ويتيح ميزات لا توجد في تلك المحرِّكات، كالنقاش، وعمق البحث عن المعلومة، والترجمة الفورية من أيِّ لغة كانت. وما خرجتُ به من هذا الحوار - رغم انبهاري الشديد - هو أنّ الأداة لا تُغني عن الإلهام، وأنّ الكلمة لا تُولَد من الآلة فقط، بل من الأفكار، ومن التجارب الإنسانية، ومن المواقف، ولكن لا بأس أن تكون التقنية مساعِدة، وليست بديلة، فهي مهما كانت مغوية بالاختصار وتوفير الجهد والوقت؛ فستبقى تُنتج محتوىً بلا روح ولا ذاكرة ولا انفعالات، وهذه كلها من أساسيات نجاح أيِّ كتاب أو مقال أو حتى الخطب. وربما أقرب صورة لتوضيح ذلك خطبة الجمعة - على سبيل المثال -؛ فعندما يكون الخطيب ارتجاليًّا يخطب في الناس بما يؤمن به فسيصل إلى قلوب مستمعيه أكثر من خطبة بليغة مكتوبة يقرأها الخطيب نيابةً عن كاتبها.
وبعد نقاشي المطول معه، واكتشافي لإمكانياته أخشى أن يُضعف هذا (الذكاء) قدرات الإنسان التحليلية والإبداعية في آن واحد؛ بسبب الاعتماد المفرط عليه، خاصة أني سألتُه: هل يمكن لك أن تجهِّز لي كتابًا؟ كان الرد سريعًا: نعم.
في كلِّ الأحوال لا غنى عن الذكاء الاصطناعي الآن، لكلِّ من يبحث عن المعلومة، ويريد أن يقويَّ بها كتبه ومقالاته وأبحاثه. لكن النقطة المهمة هنا هي أنه يجب أن يبقى خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه، كأن يتجاوز أدواره - مثلًا -، ويحل محله في أمور تتطلب الحكمة، أو الوجدان، أو الأخلاق. ويجب أن يبقى معاونًا وشريكًا، ولكن ليس بديلًا كاملًا عن الإنسان كما يريده البعض.