بعد تسجيل انتهاكات عدة بالعاصمة الخرطوم وإقليم دارفور، اتسع نطاق الاقتتال في السودان لتصل المعارك إلى مدينتين كبيرتين هما الفاشر والفولة، بينما يكشف صحفيون ونشطاء لموقع "الحرة"، عن معاناة السكان والنازحين بتلك المدن ويدقون ناقوس الخطر بشأن "مأساة إنسانية" غبر مسبوقة بالبلاد.

اتساع دائرة "الاقتتال"

منذ اندلعت المعارك في 15 أبريل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تركزت المعارك في العاصمة الخرطوم وضواحيها وفي إقليم دارفور وبعض المناطق الجنوبية.

وشهد دارفور، الإقليم الشاسع الواقع في غرب البلاد، إلى جانب العاصمة الخرطوم، أعمال عنف تعد الأسوأ، وفق وكالة "فرانس برس".

وليل الخميس، استؤنفت المعارك في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بعد هدوء استمر شهرين في المدينة المكتظة بالسكّان والتي كانت ملاذاً لهم من القصف وأعمال النهب وعمليات الاغتصاب والإعدام بدون محاكمة التي شهدتها أجزاء أخرى بالإقليم.

وامتد الاقتتال إلى مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، لتتحول أيضا إلى مركز للمعارك الأخيرة، واندلعت "أعمال قتالية" في الفولة، عاصمة ولاية غرب كردفان المحاذية لدارفور.

وامتد الاقتتال إلى ولاية شمال كردفان التي تعد مركزا للتجارة والنقل بين الخرطوم وأجزاء من جنوب السودان وغربه.

ويواجه الملايين الذين بقوا في الخرطوم ومدن بمنطقتي دارفور وكردفان "عمليات نهب على نطاق واسع وانقطاعات طويلة الأمد للكهرباء والاتصالات والمياه"، وفق وكالة "رويترز".

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير الصحفي السوداني، محمد الياس، إلى اتساع دائرة المعارك بين الجيش والدعم السريع لتطال مدينتي الفاشر والفولة ونيالا، ما تسبب في نزوح الآلاف من المدينتين المكتظتين بالسكان.

وتمضي الأوضاع إلى "مأساة إنسانية حقيقية" في ظل رغبة الطرفين في حسم الصراع بينهما عسكريا، وسعي كل طرف لفرض السيطرة على المناطق التي يسيطر عليها الطرف الآخر، وفقا لحديثه.

ويؤكد أن امتداد المعارك لتصل إلى الفولة والفاشر ونيالا، قد تسبب في إصابة المئات من المدنيين بعد "القصف المدفعي والصاروخي العشوائي" الذي يقوم به طرفا الاقتتال.

مأساة إنسانية بدارفور

تتحدث الناشطة الحقوقية بدارفور، عزة محمد، عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في نيالا، طالت "الرجال والنساء والشيوخ والأطفال" بلا استثناء.

وأصبح القتل والاغتصاب والنهب والسرقة والترويع وغياب الخدمات ونقص الغذاء والدواء، مشاهد معتادة بدارفور، ما دفع الكثير من سكان الإقليم للنزوح إلى مناطق أخرى بحثا عن "ملاذ آمن"، وفقا لشهادتها لموقع "الحرة".

وتشير الناشطة الحقوقية إلى أن نيالا أصبحت "محاصرة من جميع الاتجاهات"، وسط "ضرب وقتل عشوائي" يقوم به الجيش، بينما يستخدم الدعم السريع "سلاح التهديد والاغتصاب والقتل الجماعي ضد سكان المدينة".

وتشهد نيالا ارتكاب مجازر بحق مدنيين وهجمات بدوافع عرقية وعمليات قتل ارتكبتها خصوصا قوات الدعم السريع وميليشيات قبلية عربية متحالفة معها، وفق الناشطة.

وبسبب الاقتتال والقصف العشوائي المستمر "ليل نهار"، أصبحت كافة المستشفيات "خارج الخدمة" والخدمات "غير موجودة" ولا يوجد "غذاء ولا علاج"، وأصبح سكان نيالا "محاصرين" ولا يستطيعون مغادرة مناطقهم، وفق شهادتها.

الموت يحيط بـ"الفاشر"

ومن مدينة الفاشر، تحدثت الناشطة حقوقية، ابتسام الدومة، لموقع "الحرة" عن نزوح داخلي بالمدينة، بعيدا عن "القصف العشوائي والانتهاكات المتواصلة" من طرفي الاقتتال.

ويعاني عدد كبير من السكان من "صدمات نفسية" بعد امتداد الاقتتال إلى الكثير من الأحياء، وتعرض المنازل للسرقات والسلب والنهب، وهناك من ترك منزله "خوفا من الاغتصاب والتنكيل"، حسبما ذكرت الناشطة الحقوقية.

ويوجد بالمدينة أيضا نازحين من غرب وجنوب إقليم دارفور، حيث نزح 600 ألف شخص إلى الفاشر، وفق "فرانس برس".

ولذلك تقول الدومة إن "الوضع الإنساني سيئ للغاية، والسكان لا يجدون غذاء، والموظفون لم يتلقوا رواتبهم منذ أبريل الماضي، والمحلات لا يوجد بها "مخزون" في الوقت الحالي، والشباب لا يجد فرص عمل".

وتضيف الناشطة الحقوقية "الموت يحيط بنا من كل مكان، فإما أن تموت جوعا أو برصاصة طائشة أو بسبب القصف العشوائي".

وتشير إلى أن الحرب التي شهدها إقليم دارفور في عام 2003، مازالت تلقي بظلالها على الفاشر، وجاء الاقتتال الحالي ليزيد الطين بله، ويتسبب في "تفاقم الأوضاع الإنسانية، وانهيار البنية التحتية وتدمير المرافق الخدمية".

وفي الفاشر لا توجد خدمات صحية، وهناك تخوف من تفشي أمراض خطيرة بسبب انتشار البعوض، وقد يكون هناك "مأساة إنسانية مضاعفة قريبا"، وفق الناشطة الحقوقية.

ومع حلول موسم الأمطار في يونيو، تضاعفت مخاطر انتشار الأوبئة بالسودان، بينما تحمل الأضرار التي لحقت بالمحاصيل خطر مفاقمة انعدام الأمن الغذائي.

وتسببت المعارك المندلعة منذ أربعة أشهر في مقتل 3900 شخص بأنحاء السودان، بحسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد)، لكن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، لأن المعارك تعرقل الوصول إلى العديد من المناطق.

وبحسب أحدث احصاءات منظمة الهجرة الدولية، فإن الاقتتال تسبب في فرار مليون و17 ألفا و449 شخصا من السودان إلى الدول المجاورة، في حين يُقدر عدد النازحين داخل البلاد بثلاثة ملايين و433 ألفا و25 شخصا.

المصدر: الحرة

إقرأ أيضاً:

مشاهد من احتضان أهالي الشمال السوداني لنازحي الفاشر

الخرطوم- قال الفنان محمد النصري، الذي أطلق مبادرة "البلد بلدكم" لدعم نازحي الفاشر، للجزيرة نت، إن أحد جيرانه، عندما رأى تدافع الناس لإغاثة أهل الفاشر الذين وصلوا إلى منطقة الدبة، أبت نفسه إلا أن يُساهم معهم بما يستطيع، وعندما لم يجد في منزله ما يمكن أن يتبرع به، جاء وهو يحمل "موقد نار" ليصنع عليه الطعام للوافدين.

وتسابق أهل شمال السودان في توفير احتياجات النازحين بمعسكر أزهري المبارك بالعفاض في الدبة، إلى درجة أربكت القائمين على أمر التكايا في المعسكر، حسب إفادات نازحين أكدوا للجزيرة نت أنه لم تكن هناك حاجة لإشعال نيران التكايا لأيام، بسبب توفير المبادرات المجتمعية لما يحتاجون إليه من الطعام.

إغاثة وترحيب

وكشفت متابعات الجزيرة نت عن قصص إنسانية عكست تكافلا وتفاعلا مجتمعيا لافتا، إذ قطع شيخ سبعيني عشرات الكيلومترات رغم إعاقته الحركية، وهو يحمل تمورا للنازحين، في حين تبرّع أحد أصحاب الاحتياجات الخاصة بسريره لنازح من الفاشر، مؤثرا إياه على نفسه.

وقد قاد أطباء من المنطقة مبادرة لتقديم العلاج من داخل معسكر العفاض، ووفّر أصحاب مطاعم وكافتيريات بمدينة الدبة وجبات جاهزة للنازحين.

كما قاد حلاّقون بالمدينة مبادرة لقص شعر الأطفال في المعسكر، الذي تتواصل فيه المبادرات المجتمعية الهادفة إلى توفير احتياجاتهم الأساسية.

وقال موسى عبد العزيز، وهو نازح من الفاشر، للجزيرة نت، إن المبادرات المجتمعية مستمرة بصورة دورية، وأحيانا تُنظَّم 4 مبادرات في اليوم الواحد لتوفير الطعام في المعسكر، الذي يشهد تدفقا مستمرا للنازحين من الفاشر ومناطق أخرى.

وأفاد موسى، أن معسكر العفاض الذي يعمل به مشرفا يضم عددا من التكايا، لكنها لا تعمل أحيانا بسبب الطعام الجاهز القادم من أهل الولاية الشمالية، إذ أصبح الطعام متوفرا.

وأضاف "نحن سعداء وممتنون لتلقينا الدعم الذي وصلنا من كل المبادرين والخيّرين والمنظمات والمواطنين، الذين وقفوا على قلب رجل واحد، ووجدنا منهم كل الترحاب والتقبّل لأهلنا من الفاشر".

إعلان

وقالت هويدا رمضان، وهي من المشرفات على التكايا في المعسكر، للجزيرة نت، إن المبادرات المجتمعية شكّلت إسنادا كبيرا للنازحين الذين تتزايد أعدادهم يوميا، وذلك عبر توفير الوجبات من فطور وغداء، بالتنسيق مع القائمين على التكايا، حيث يحصل كل النازحين المستهدفين على وجباتهم بانتظام.

"البلد بلدكم" مبادرة أطلقها الفنان محمد النصري للترحيب بنازحي الفاشر ودعمهم (الجزيرة)"تعزيز الروابط"

وما حدث لأهل الفاشر وكل دارفور من مجازر وانتهاكات ومصائب، حرّك -وفق الفنان النصري- الجميع في كل أنحاء العالم، وكان لزاما علينا كإخوة وأبناء وطن واحد أن نبادر ونتحرّك بمسؤولية لتقديم ما يلزم وتوفير احتياجاتهم، حسب تعبيره.

وأفاد بأن دعم أهل الشمال لمبادرات مساندة أهالي الفاشر، أقنعهم أكثر أن هناك قيما وأشياء أساسية لم تندثر بعد، كوقوف الناس بعضهم مع بعض، مبينا أن من رسائل مبادرته أنها أثبتت لسكان الغرب عموما أن أبناء الشمال يعتبرونهم إخوتهم، وليسوا نازحين.

وعزا النصري، الذي توقّف عن الغناء منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023، التفاعل الأخير، الذي وصفه بالمشرّف، مع أهل الفاشر من جميع القبائل والمبادرات، إلى التأثّر الشديد بما حدث لهم.

وأضاف أنه أعلن في وقت سابق عزمه العودة إلى الغناء بإقامة أول حفل في الفاشر بعد انتهاء الحرب، لتعزيز الروابط بين شمال السودان وغربه وأجزاء البلاد المختلفة، لكن تطورات الأحداث جعلت أهل الفاشر يأتون إليهم في الولاية الشمالية، فهبّوا لمساعدتهم وسط ترحيب كبير.

مع تزايد احتياجات النازحين بسبب ارتفاع أعدادهم.. مراسلة الجزيرة أسماء محمد ترصد إعداد الوجبات الغذائية لآلاف الأسر من أمام إحدى التكيات بمخيم العفاض في مدينة الدبة بالولاية الشمالية#الأخبار pic.twitter.com/wd1bJRtN1j

— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 29, 2025

هبّة الكل

ورصدت الجزيرة نت سلسلة من المبادرات المجتمعية عقب الاستجابة الإنسانية العاجلة التي بادرت بها "قطر الخيرية" بتوفير الإيواء والغذاء لنازحي الفاشر بمنطقة الدبة، حيث أنشأت مخيم "قطر الخير" لإيوائهم، وتعتزم تنفيذ حزمة من التدخلات النوعية لتوفير حياة كريمة للنازحين.

وكشف الإعلامي الواثق عثمان، وهو أحد أبناء محلية الدبة المتابعين لأوضاع النازحين عن كثب، للجزيرة نت، أن أكثر من 70 قرية جاءت تحمل الطعام والملابس والأغطية والأواني المنزلية والتمور، حيث تصل إلى المعسكر يوميا من 3 إلى 4 قرى أحيانا، لتعلن تكفّلها بتوفير وجبات اليوم التالي.

وأشار الواثق، إلى أنه تم استقبال مبادرة من المناصير بولاية نهر النيل، ضمّت نحو 50 عربة، ومثلها عبر مبادرة أخرى من منطقة أمري، وهو ما فعلته قرية السليم في محلية دنقلا، ومناطق أخرى، جاءت محمّلة بالمواد الغذائية واحتياجات النازحين المختلفة.

مبادرة "البلد بلدكم" عززت الروابط بين السودانيين ودللت على عمق العلاقة بينهم (الجزيرة)وطن واحد

ورأى مراقبون أن اختيار أهل الفاشر النزوح نحو منطقة الدبة بالولاية الشمالية، ومناطق سيطرة الجيش، رغم أن العديد من مناطق ومدن دارفور التي تُسيطر عليها قوات الدعم السريع كانت أقرب لهم، يُفنّد ويهزم كل الدعاوى والأصوات العنصرية التي تعالت في الفترة الماضية.

إعلان

وقال الفنان النصري إن ميزة السودان تكمن في تنوّعه وتعدّد ألوانه، مشيرا إلى أن وقوف جميع أصحاب المبادرات لدعم أهل الفاشر الذين وصلوا إلى الولاية الشمالية، يحمل رسائل قوية لبعض من يغردون خارج سرب الوطنية الحقيقية، بالدعوة للانفصال، وبثّ العنصرية التي يروّج لها البعض لتحقيق مآرب شخصية.

وأعرب النصري عن يقينه بتعافي السودان، وطيّ صفحة الحرب، وإفشال مخططات التقسيم، عبر تعزيز قيم الإخاء والتكاتف والتعايش بين أبناء الوطن الواحد، منوّها إلى إحدى أغنياته الشهيرة المكتوبة باللهجة السودانية، والتي تبشّر بوطن عصيّ على الانقسام وتقول:

"بلدا موسّمة فد وسم

فوقا السمح مرسوم رسم

ما بتنقسم

وناسا بتتقاسم حلال اللقمة والروح والإسم

رغم الفواجع.. والمواجع.. تبتسم

كيف تنقسم؟!".

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يصد هجمات الدعم السريع.. معارك بابنوسة تتوسع والحصار يضيق على الدلنج
  • مواجهات عنيفة في بابنوسة
  • مناوي يصل الدبة لتفقد النازحين الفارين من الفاشر لأول مرة بعد مرور شهر
  • مشاهد من احتضان أهالي الشمال السوداني لنازحي الفاشر
  • القاهرة الإخبارية: اشتعال المعارك يعزل أحياء الخرطوم ويعقّد وصول الإغاثة الإنسانية
  • اشتداد المعارك يعزل أحياء الخرطوم ويعقّد وصول الإغاثة الإنسانية
  • تقارير أممية مفزعة عن الأوضاع في السودان.. شبح الجوع يحيط بالملايين
  • توجيهات من مجلس السيادة بشأن رفاة قتلى الحرب في الخرطوم وتحذير من مخاطر
  • أطباء بلا حدود: الناجون من الفاشر يكافحون للبقاء على قيد الحياة
  • “الأورومتوسطي”: إعدام العدو الإسرائيلي فلسطينيَّين في جنين حلقة في سلسلة القتل خارج القانون