صحيفة الاتحاد:
2025-06-03@18:13:50 GMT

تكنولوجيا تحسين الإنسان!

تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT

الفاهم محمد
في عصر التكنولوجيا المتقدمة، والتطور الهائل للمركب العلمي الذي يطلق عليه اختصاراً NBCI، أصبحت الحدود تتداخل بين الإنسان والآلة ضمن اتجاه ما بعد الإنسانية، وبالخصوص في هذا الموضوع الشائك فلسفياً وأخلاقياً، ألا وهو موضوع تحسين الإنسان Human Enhancement الذي يتعلق بتعزيز القدرات البشرية، عبر تطبيقات تكنولوجية مثل الهندسة الوراثية، والذكاء الاصطناعي، وعلوم الإدراك، وكذا الثورة المعلوماتية.

كل هذه التحولات تفتح آفاقاً جديدة لم تعرف من قبل، حول هوية الإنسان ومصيره. هل تسير هذه التطبيقات إذاً نحو تجاوز الطبيعة الإنسانية، أم أنها خطوة ضرورية نحو مستقبل أفضل للإنسان؟ كيف يمكننا ضمان أن تكون هذه التحسينات إذا ما كانت ملائمة للبشر متاحة للجميع، دون أن تساهم في تفاقم الفجوات الاجتماعية؟ وما هي المخاطر الأخلاقية التي قد تنشأ من هذه التطورات؟ كل هذه التساؤلات وغيرها تدعونا إلى التفكير العميق في مستقبل الإنسان في عصر التكنولوجيا المتقدمة.

يُشير مصطلح التحسين البشري إلى استخدام التكنولوجيا، أو الوسائل الطبية، لتعزيز القدرات البشرية فوق المستوى الطبيعي. يشمل ذلك تحسين الأداء الجسدي والعقلي، بالإضافة إلى تعزيز الصحة العامة. ويختلف التحسين البشري عن العلاج الطبي التقليدي، الذي يركز غالباً على معالجة الأمراض والاضطرابات. بينما يسعى التحسين إلى رفع القدرات البشرية إلى مستويات عليا.
منذ ظهور الإنسان، وهو يحاول أن يضيف إلى الطبيعة عناصر من ابتكاره، سيسميها علماء الأنثروبولوجيا بالثقافة. هذه الأخيرة شكلت الرحم الجديد الذي يتجاوز الرحم الطبيعي. إذا نظر إلى التحسين من هذا المنظور فسيكون شيئاً إيجابياً، لأنه يضمن لنا ترقية قدراتنا ودفعنا للانفصال والسمو عن عالم الحيوان. يقول نيكولاس أغار: «إننا نلج إلى الجامعات على أمل أن يحسنوا عقولنا. نسعى إلى تحسين صحتنا من خلال تناول أقراص أوميغا. التحسين كتحسين ليس شيئاً يمكننا التفكير في رفضه بشكل واقعي». إذن ليس التحسين هو ما يوضع موضع نقاش، ولكن التعزيز المدعم بالتكنولوجيا هو ما يثير المخاوف اليوم.
لا يتعلق الأمر بتحسين الإنسان عبر التعليم والتغذية الصحية وممارسة التمارين الرياضية، أو عبر تحسين الصحة النفسية والاجتماعية، بل بشيء آخر تماماً. الأمر يرتبط بتحسين الصفات الوراثية عبر الهندسة الجينية. ودمج الذكاء الاصطناعي مع الذكاء البشري، بواسطة الزرع التكنولوجي مثل إدخال شرائح أو أجهزة في جسم الإنسان. أو كذلك بواسطة التقنيات التي تسمح بمحاربة الشيخوخة وإطالة مدى الحياة.
باختصار، تتعدد تقنيات تحسين الإنسان، وتتنوع تطبيقاتها في مجالات مختلفة، مما يعكس الإمكانات الكبيرة التي تقدمها التكنولوجيا لتعزيز القدرات البشرية. هنا تظهر تساؤلات عميقة، عندما ننتقل من التحسين التقليدي إلى مفهوم «التعزيز» المدعوم بالتكنولوجيا، تتداخل الأخلاقيات مع الإمكانيات التكنولوجية، ويبدأ القلق في الظهور. كيف يمكن أن نضمن أن هذا التعزيز لن يؤدي إلى فقدان جوهرنا الإنساني؟

إمكانات وتنظيرات 
يقوم الفيلسوف السويدي المعاصر نيك بوستروم في كتابه «الذكاء الاصطناعي الخارق» باستكشاف كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل البشرية، حيث يتناول التحولات المحتملة، التي يمكن أن تحدث نتيجة لتزايد الاعتماد على هذه التكنولوجيا. يؤكد بوستروم أهمية تحسين القدرات البشرية، كاستجابة حتمية لضمان بقاء الإنسان، في عالم تتزايد فيه قدرة التكنولوجيا وإمكاناتها بشكل غير مسبوق. يعتبر أن عملية تحسين الإنسان ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة ملحة، تنبع من الحاجة إلى التكيف مع التحديات المتزايدة التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، مثل فقدان الوظائف التقليدية، وظهور مخاطر جديدة تتعلق بالأمن السيبراني.
يطرح بوستروم تساؤلات عميقة حول طبيعة الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن أن يتجاوز الذكاء البشري. في هذا السياق، يعتبر أن تحسين القدرات البشرية، وسيلة لضمان أن الإنسان يمكنه المنافسة والبقاء، في مواجهة هذه التقنيات المتطورة. لذلك فهو يتحدث عن ضرورة استغلال التطورات العلمية، مثل الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية، لزيادة الذكاء والقدرات العقلية والجسدية، مما يفتح آفاقاً جديدة للبشرية، لكنه أيضاً يثير تساؤلات حول الأخلاقيات والمخاطر المحتملة.

أخبار ذات صلة شباب مبتكرون يدعمون شعار «صُنع في الإمارات» مكتبات الإمارات والثورة الصناعية الـ 4

وفي السياق نفسه، يتحدث راي كوتزفايل في كتابه «المفردة قريبة» عن فكرة التفرد التكنولوجي، حيث يتوقع أن تصل التكنولوجيا إلى مرحلة تتجاوز فيها الذكاء البشري. ويعتبر كوتزفايل أن تحسين الإنسان، من خلال تقنيات مثل الزراعة الجينية والذكاء الاصطناعي، سيمكن الأفراد من تحقيق إمكاناتهم الكاملة. مما يمكنهم من مواجهة الأمراض وتحسين الصحة العامة. وهو يتوقع أن تؤدي هذه التحسينات، إلى تعزيز نوعية الحياة بشكل كبير، من خلال القضاء على الأمراض الوراثية، وزيادة متوسط الأعمار.
يؤكد كوتزفايل كذلك أن المستقبل الذي يتحدث عنه ليس مجرد خيال علمي، بل هو واقع قريب يمكن تحقيقه من خلال الابتكارات التكنولوجية المستمرة. وهو يرى أن التقدم في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، سيمكن البشر أن يكونوا أكثر صحة وذكاءً، مما سيسمح لهم بالتعامل مع التحديات المعقدة التي تواجه البشرية، مثل تغير المناخ والأزمات الصحية العالمية.

أما بيتر ديامانديس فقد أكد في كتابه «الوفرة.. المستقبل أفضل مما تظن» على إمكانية استخدام التكنولوجيا، لحل التحديات العالمية الكبرى، مثل الفقر والجوع والأمراض. في نظره الابتكارات في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والطاقة المتجددة، يمكن أن تخلق وفرة غير مسبوقة من الموارد، وتحسن نوعية الحياة للبشرية. كما يبرز أهمية التعاون بين الحكومات، والشركات، والمجتمع المدني لتحقيق هذه الرؤية. من خلال تقديم أمثلة حقيقية على مشاريع تكنولوجية ناجحة، يشجع ديامانديس على الإيمان بأن الحلول الفعالة، يمكن أن تأتي من التفكير الإبداعي والتعاون الجماعي، مما يساعد على دفع البشرية نحو مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة.

التحديات الأخلاقية  
رغم الإمكانات المثيرة التي تعدنا بها تقنيات تحسين الإنسان، تبرز مجموعة من التحديات الأخلاقية التي يجب مواجهتها بعناية، أبرزها مسألة العدالة الاجتماعية، فمع تزايد تكلفة هذه التقنيات، قد يصبح الوصول إليها محصوراً على فئات معينة من المجتمع، مما قد يؤدي إلى تفاقم الفجوات الاقتصادية والاجتماعية، بل قد نشهد تطور طبقة جديدة من «المحسنين» الذين يتمتعون بقدرات تفوق الآخرين، بينما يظل الإنسان الطبيعي في الخلف.
علاوة على ذلك تثير فكرة تحسين الإنسان، قضايا فلسفية شائكة، تتعلق بالهوية الإنسانية. إذ ماذا يعني أن نكون بشراً في ظل هذه التغيرات؟ هل ستؤدي هذه التحسينات إلى فقدان القبول بالعيوب الإنسانية، مما يخلق ضغطاً اجتماعياً على الأفراد للامتثال للمعايير الجديدة التي تفرضها التكنولوجيا؟

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: التكنولوجيا التكنولوجيا المتقدمة الهندسة الوراثية الذكاء الاصطناعي الثقافة الذکاء الاصطناعی القدرات البشریة تحسین الإنسان یمکن أن من خلال

إقرأ أيضاً:

بعد حصولها على جائزتين دوليتين: في المحروقية تطمح للتخصص في الذكاء الاصطناعي

مسقط- الرؤية

حصلت الطالبة في بنت سالم المحروقية من مدرسة دوحة الأدب (10-12) بتعليمية محافظة مسقط، على جائزتين خاصتين في المعرض الدولي للعلوم والهندسة من خلال مشروعها: نهج قائم على التعلم الهجين لتحسين صور الرئة، وتشخيص الأورام، والتليف الرئوي بشكل أكثر دقة وفعالية.  

وتقول الطالبة: "انطلقت فكرة مشروعي من ملاحظتي لأهمية تحسين دقة، وسرعة تشخيص أمراض الرئة، في ظل الارتفاع المستمر في أعداد المصابين عالميًا؛ ومن هنا استلهمت الفكرة من شغفي بالتقنيات الحديثة، لا سيما الذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة، وحرصي على توظيفها في مجالات تخدم صحة الإنسان".

وتضيف: واجهتُ تحديات عديدة، من أبرزها تعقيدات النماذج التقنية، وصعوبة الحصول على بيانات طبية عالية الجودة، لكن بالإصرار، والدعم، والتعلم المستمر، تمكنتُ من تجاوزها.

وتشرح المشكلات التي يعالجها المشروع بقولها: يعالج المشروع تحديات حقيقية في المجال الصحي، خصوصًا في تشخيص أمراض الرئة مثل الأورام، والتليف، إذ يُسهم النظام في تحسين جودة الصور الطبية، ويعتمد على تقنيات تعلم الآلة؛ لاكتشاف المؤشرات المرضية بدقة عالية، مما يمكّن الأطباء من التشخيص السريع، والدقيق، وبالتالي الإسهام في إنقاذ الأرواح، وتخفيف الضغط على الأنظمة الصحية.

المشاركة في المعرض الدولي

وعن مشاركتها في المعرض الدولي، تقول: كانت تجربة ثرية للغاية؛ منحتني فرصة تمثيل بلدي سلطنة عُمان على منصة عالمية، والتعرف إلى مبدعين من مختلف دول العالم، وتبادل الأفكار مع مشاركين من خلفيات علمية متنوعة، واطّلعت على مشاريع رائدة في مجالات متعددة، هذه التجربة عززت ثقتي بنفسي، وفتحت أمامي آفاقًا جديدة للتطور العلمي، والبحثي.

وتستذكر لحظة إعلان فوزها: لحظة إعلان فوزي بجائزتين خاصتين كانت من أجمل لحظات حياتي؛ شعرتُ بفخر عظيم، وسعادة لا توصف؛ لأن كل التعب والجهد الطويل تُوِّج بهذا الإنجاز، كانت لحظة امتزجت فيها مشاعر الامتنان، والإنجاز، والانتماء، وأعتبرها نقطة تحول مهمة في مسيرتي العلمية.

الدعم والتدريب

وتتحدث عن دور الوزارة، والمدرسة في هذا الإنجاز: قدّمت الوزارة دعمًا كبيرًا لمشاركتي في المعرض، من خلال مجموعة من المبادرات، والإجراءات التي كان لها أثر بالغ في تمكيني من تمثيل الوطن بشكل مشرّف وفعّال؛ فقد وفّرت برامج تدريبية، وورش عمل متخصصة ساعدتني على تحسين مهاراتي في العرض والتقديم، بالإضافة إلى دعم معنوي مستمر، واهتمام ملحوظ بهذه المشاركة.

وتؤكد أن للمدرسة، والمعلمات دورًا كبيرًا ومحوريًا، يتمثل قي دعم مشرفتي، ومعلمتي إيمان بنت علي الرحبية، أثر بالغ في تحفيزي منذ بداية المشروع؛ إذ وفرت لي بيئة تعليمية مشجعة، ورافقتني خطوة بخطوة، وآمنت بإمكانياتي، وقدراتي على الوصول إلى العالمية، هذا الدعم المعنوي والعلمي شكّل حافزًا قويًا للاستمرار والتفوق.

وتتابع حديثها: الوصول إلى المنصات الدولية ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب صبرًا، وإصرارًا، وعملًا جادًا. النجاح لا يأتي من فراغ، بل من شغف حقيقي، وتطوير مستمر، وإيمان بالنفس. كل من يمتلك فكرة هادفة ويثابر لتحقيقها، قادر على الوصول والتميّز عالميًا.

الطموح والتطوير

وتقول عن طموحاتها المستقبلية: أطمح على المستوى العلمي إلى التخصص في مجال الذكاء الاصطناعي، ومواصلة أبحاثي في ابتكار حلول تقنية تُحدث أثرًا حقيقيًا في حياة الناس، أما على المستوى الشخصي، فأرجو أن أكون نموذجًا مُلهمًا، وأسهم في دعم وتمكين الشباب العماني للمنافسة على الساحة العالمية.

وتختتم حديثها: أعمل حاليًا على تطوير النموذج ليكون أكثر دقة وفعالية، وهناك خطة لتجريبه بالتعاون مع جهات طبية متخصصة، وأسعى أن يتم اعتماد هذا النظام، وتطبيقه فعليًا في المستشفيات والمؤسسات الصحية، ليسهم في تحسين مستوى الرعاية الطبية، وتشخيص أمراض الرئة بدقة أكبر.

مقالات مشابهة

  • الفاية في الشارقة يكمل 11 عاماً من التعاون مع برنامج اليونسكو لـ"تطور الانسان" ويواصل دوره كمرجع لفهم الهجرة البشرية المبكرة
  • لا للاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الأحكام الشرعية بماليزيا
  • مؤتمر الدوحة يناقش الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان.. رؤى لمستقبل إعلامي أكثر إنسانية
  • فيلم «الرمز 8».. الذكاء الاصطناعي يشعل الصراع بين ذوي القدرات الخارقة
  • هل يصبح الخليج قوة عظمى في الذكاء الاصطناعي؟
  • خبراء: الذكاء الاصطناعي لا يهدد الوظائف
  • «الذكاء الاصطناعي» أم الإنسان.. أيهما أفضل في كتابة المقالات؟ دراسة تكشف
  • هل يُعلن الذكاء الاصطناعي نهاية الفأرة ولوحة المفاتيح؟
  • بعد حصولها على جائزتين دوليتين: فَيّ المحروقية تطمح للتخصص في الذكاء الاصطناعي
  • بعد حصولها على جائزتين دوليتين: في المحروقية تطمح للتخصص في الذكاء الاصطناعي