لجريدة عمان:
2025-08-02@22:15:54 GMT

الديمقراطية لا تنقرض في العالم

تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT

كثيرًا ما نسمع في أيامنا هذه أن الديمقراطية في أزمة.

فقد نشأ انطباع بسبب انتخاب دونالد ترامب وأخبار الاضطرابات السياسية في كثير من البلاد الديمقراطية الأخرى بأن الديمقراطية الليبرالية تتراجع في كل مكان في مواجهة ازدهار الاستبدادية على السخط من الأوجاع الاقتصادية والتغير الاجتماعي السريع والهجرات الجماعية والمعلومات المضللة والضيق العام.

فقد تحصل النمسا على مستشارها اليميني المتطرف الأول منذ الحرب العالمية الثانية. ولدى فرنسا رئيس وزرائها الخامس خلال ثلاث سنوات، وألمانيا في طريقها إلى انتخابات من المؤكد أن المستشار الحالي سوف يخسرها، ورئيس وزراء كندا ضعيف الشعبية جاستن ترودو استقال بضغط من حزبه نفسه، وثمة حكومة ما بعد فاشية تدير إيطاليا، ويواصل فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر دهس الديمقراطية بافتخار، ويبدو أن الأحزاب الشعبوية تتوغل في كل ركن من أركان أوروبا. والأخبار مزعجة في أماكن أخرى، من إسرائيل إلى الهند وكوريا الجنوبية.

يسهل أن ندرك اتجاهًا عالميًا، فعمال العالم يفقدون إيمانهم بالنظام المستقر ويجزعون من العولمة ويتكالبون على التطرف والاحتشاد وراء الشعبويين.

ولقد كتب أحد كتاب الرأي في هذه الصحيفة يومًا أنه «من الصعب السفر في أوروبا هذه الأيام، أو حتى العيش في واشنطن دونما إدراك أن الديمقراطية الليبرالية باتت في ورطة كبيرة في العالم. إننا نعيش في زمن انتشار الشك في قدرة المجتمعات الحرة على التعامل مع مشكلات عصرنا الاقتصادية والسياسية والفلسفية».

سيوافق كثير من القراء على هذا. والواقع أن كثيرين وافقوا عليه سنة 1975، أي قبل قرابة نصف قرن، حينما كتب جيمس ريستن هذه الكلمات. لكن الديمقراطية لم تنهر آنذاك، وفي حين أنه لا جدال في أنها تواجه تحديات جساما اليوم، فلا يعني ذلك بالضرورة أن هذه التحديات ترقى إلى تراجع الديمقراطية العام أو ما هو أسوأ، أي أن تكون الديمقراطية الليبرالية معرضة لخطر الانهيار.

لكن مثلما أشار جيم تانكرسلي رئيس مكتب نيويورك تايمز في برلين في تحليل أخير له لمحنة ألمانيا فإن «الوعكات ليست جميعا متماثلة». فقد يكون للسخط الشعبي داخل البلاد الديمقراطية الغربية مصادر متماثلة بصفة عامة، لكن العواقب السياسية مختلفة باختلاف الزعماء والأنظمة في كل بلد. والزعماء في نهاية المطاف هم الذين يصوغون النتائج بحسب ما يقول لاري بارتلز في كتابه «الديمقراطية تتآكل من القمة»، إذ يرى أن الرأي العام ليس موجة نشطة بقدر ما هو مخزن سلبي يستجيب له القادة أو يستغله الأقل مبدئية منهم. وقد قال لاري بارتلز في حوار «إنني أعتقد أن هناك دائما نزوعا من جانب المراقبين إلى رؤية المعنى العميق لتحولات الرأي العام، لولا أنه يتبين أن الأمر أكثر ارتباطًا بكل بلد مما قد يتصور المراقبون الخارجيون».

باستعراض العواصف السياسية العالمية منفصلةً تنكشف خصائصها وتحدياتها الفريدة، وكيف أن للكثير منها جذورًا في ردود فعل عنيفة تجاه بعض القادة القائمين في الحكم أكثر من كونها تمثل اعتناقا لليمين المتطرف.

في فرنسا، كان الرئيس إيمانويل ماكرون قد انتخب للمرة الأولى سنة 2017 عازمًا على تغيير السياسة الفرنسية، وتغيرت. ولو كانت مارين لو بان ـ المرشحة اليمينية المتطرفة الدائمة ـ قد حققت بعض النجاحات، فذلك حسبما يقال بفضل قدرتها على إزالة السموم من حزبها بقدر ما هو بفضل نمو المشاعر اليمينية المتطرفة. وفي النمسا، تصدر حزب الحرية اليميني المتطرف الانتخابات في 29 سبتمبر في مواجهة الأحزاب الأساسية، لكنه اضطر أيضًا إلى تخفيف نبرته لتحقيق ذلك، وقد يعجز عن العثور على الشركاء الائتلافيين الذين يحتاج إليهم لتشكيل حكومة.

في ألمانيا، يعكس تراجع المستشار أولاف شولتز فشل ائتلاف الأحزاب الثلاثة بقيادته في التعامل مع الركود الاقتصادي في البلد. لكن هذه هي سياسة، وليست تراجعا للديمقراطية، ولا يزال حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف الذي يخشاه الكثيرون يصنف رسميا باعتباره «متطرفًا مشبوهًا» وتجتنب جميع الأحزاب الكبيرة اتخاذه شريكًا ائتلافيًا. وشمالًا في كندا، سئم الناخبون إلى حد كبير من ترودو وسياسته التقدمية بعد قرابة العقد.

لقد استطاعت رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني - التي كان يخشى يومًا من كونها قومية متطرفة - ترسيخ نفسها منذ انتخابات 2022 باعتبارها شخصًا يمكن لأوروبا ـ ولأمريكا اليوم بصورة أكبر ـ أن تعمل معه. وأوربان ـ الذي يعد اليوم فتى إعلانات معادة الليبرالية ـ كان أقل راديكالية بكثير عند وصوله إلى السلطة سنة 1998، ثم غير مساره في ارتباك صراع السلطة في ما بعد الشيوعية. وفي الوقت نفسه، فإن بولندا ـ التي كانت يومًا توأم للمجر في كونهما نموذجًا لخطأ الديمقراطية ـ أطاحت بحزب القانون والعدالة القومي، وجاءت بالوسطي دونالد تاسك إلى الحكم.

وعلاقة سياسات بنيامين نتنياهو في إسرائيل، وناريندرا مودي في الهند بالسخط أقل من علاقتها بعوامل محلية خاصة. وفي كوريا الجنوبية، يمكن اعتبار الجهود الرامية إلى عزل الرئيس يون سوك يول بعد محاولته الفاشلة للحصول على سلطات الطوارئ بمثابة انتصار للديمقراطية لا ضربة لها.

يمكن الجدال في جذور وأخطار كل من هذه الحالات، وهي إجمالا تمثل انحرافًا عن السياسات التقدمية. ولكن النظر إليها جميعًا باعتبارها تراجعًا للديمقراطية يحد من الأفق التاريخي للعصر الذي يبدأ بانهيار الإمبراطورية السوفييتية، وهو الحدث الذي غذي لوقت قصير أوهام انتصار الديمقراطية الليبرالية انتصارًا نهائيًا لا رجعة فيه أو «نهاية التاريخ». فالواقع أن الديمقراطية تعرضت على مدار تاريخها لتحديات جسيمة.

قالت ليانا فيكس خبيرة الشؤون الأوروبية في مجلس العلاقات الخارجية: إن «الأمور إن قورنت بعقد التسعينيات من القرن الماضي، فنعم، الأمور تزداد سوءًا»، لكن برجوع المؤرخ إلى الوراء في عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات تبدو الصورة مثلما قالت: «مختلفة للغاية. فما المعيار إذن؟ نعم، لا تحمل العولمة مثل الوعد الذي كانت تحمله في التسعينيات، وقد رجعنا إلى عصر أكثر إثارة للجدل، لكن حقبة الديمقراطية الليبرالية لم تنته».

ويصعب القول إن تاريخ الولايات المتحدة - وهي النجم الهادي للديمقراطيات الحديثة - كان تاريخ وحدة وتناغم حتى صعود الترامبية. لقد مر البلد بأزمات متكررة حسبما تكتب سوزان ميتلر وروبرت ليبرمان في كتابهما «التهديدات الأربع: أزمات الديمقراطية الأمريكية المتكررة». في كل من هذه الأزمات «تصاعد الصراع السياسي إلى درجة تخوف فيها الأمريكيون من أن الحكم قد ينهار، وأن الاتحاد قد ينحل، أو أنه قد يحدث اضطراب وعنف، بل إن الحرب الأهلية قد تندلع»، وبالطبع حدثت أشياء من تلك.

لا يعني هذا أنه لا يوجد ما يستدعي القلق على أمريكا اليوم. بل على العكس، إذ ترى ميتلر وليبرمان خطرًا جسيمًا على الولايات المتحدة في اجتماع الأخطار المتكررة الأربع حاليًا، وهن يحددن هذه الأخطار بالاستقطاب والقبلية والتفاوت الاقتصادي والسلطة التنفيذية المفرطة.

لكن لو أن انتخاب الرئيس ترامب الثاني يشجع الطغاة في الخارج، فلا يعني هذا أن الوعكات التي يزدهرون فيها داخل بلادهم هي وعكات الولايات المتحدة. ففي حين تهاجم الحركات اليمينية على جانبي الأطلسي المهاجرين، فإن السياق غالبا ما يكون مختلفا تماما. يقول بارتلز، المدير المشارك لمركز دراسة المؤسسات الديمقراطية في فاندربيلت، إنه برغم خطاب الساسة اليمينيين المتطرفين، أظهرت استطلاعات الرأي أن الأوروبيين أكثر ميلا إلى الهجرة اليوم مما كانوا عليه قبل عشرين أو خمسة وعشرين عاما. وبالمثل، فإن الحروب الثقافية في أوروبا أقل وضوحًا كثيرًا من التي تشهدها الولايات المتحدة، كما أشارت فيكس.

قد لا يكون تنوع التهديدات التي تواجه الديمقراطية عزاءً كبيرًا لمن يشعرون بالقلق إزاء الاتجاه الذي تمضي إليه، وثمة أسباب كثيرة تدعونا إلى أن نظل يقظين. ولكن من المؤكد أن الديمقراطية لا تواجه انقراضا عالميا وإنما هي مجموعة من العواصف، وعادة ما تجد الديمقراطيات وسيلة للصمود في وجه هذه العواصف.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الدیمقراطیة اللیبرالیة الولایات المتحدة أن الدیمقراطیة

إقرأ أيضاً:

سوريا: تزايد التوترات بين العشائر العربية وقوات سورية الديمقراطية

أنقرة (زمان التركية) – نشرت العشائر العربية السورية قائمة من 8 بنود لمطالب قوات سوريا الديمقراطية بإنهاء حكمها الأحادي الجانب في المنطقة والامتثال لاتفاق الوحدة الوطنية الذي تم التوصل إليه مع دمشق في ظل رفض إدارة قوات سوريا الديمقراطية هذه المطالب مشيرة إلى أنها لن تتخلى عن وضعها المستقل.

ودخل انعدام الثقة القائم منذ فترة بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة شرق الفرات والمعروفة باسم “الجزيرة” مرحلة جديدة بالمطالب الملموسة والتحركات العسكرية.

وعبر بيان مشترك وقعه العديد من القبائل العربية والمنظمات غير الحكومية والممثلون المحليون في المنطقة، تم تقديم مطالب واضحة تستهدف سلطة الأمر الواقع لقوات سوريا الديمقراطية وممارساتها في المنطقة.

وأثارت الإحاطة، التي أرسلت إلى وزارات خارجية سوريا وفرنسا والولايات المتحدة وحصلت عليه صحيفة الشرق الأوسط، مخاوف من أن الجمود السياسي في المنطقة يمكن أن يتحول إلى صراع.

وأكد البيان الصادر عن العشائر العربية على أن قوات سوريا الديمقراطية أنشأت إدارة قمعية تفضل مجموعة عرقية واحدة في المنطقة وتستبعد الآخرين (عرب، تركمان، آشوريين).

وذكر البيان أن الوضع لا يختلف كثيرا عن النظام السابق من حيث الحريات مشيرا إلى اعتقال أصوات المعارضة وقمع التعددية في ظل حكم قوات سوريا الديمقراطية.

وتشمل مطالب القبائل المكونة من 8 مواد بالاستناد على وحدة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية ما يلي:

الرفض الحاسم لدمج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة ككتلة سياسية وعسكرية واحدة. إلغاء كافة القطعات الأمنية والاستخباراتية التابعة لقسد. إعادة جميع الموارد الوطنية والمؤسسات العامة كالنفط والماء إلى الدولة. إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية المفروضة على أهالي المنطقة. إنهاء ممارسات مثل اختطاف النساء على وجه الخصوص. تفكيك معسكرات التدريب التي كانت تؤوي فلول النظام القديم. مكافحة فعالة للاتجار بالمخدرات. ضمان العودة الآمنة للنازحين لأسباب سياسية وعرقية.

الخطاب المزدوج لقوات سوريا الديمقراطية والاختناق السياسي أدى لموقف العشائر العربية هذا وردود الفعل المتناقضة داخل قيادة قوات سوريا الديمقراطية.

من جهته يجدد قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، التزامه بهدف “جيش واحد والتوحيد تحت علم واحد ومن جهة أخرى يتخذ موقفا يبطئ عملية الاندماج من خلال اقتراح شروط مثل “اللغة الكردية هي اللغة الرسمية” و “حماية الإدارة الذاتية”.

وفي لقاء مع شيوخ العشائر في القاعدة الأمريكية جنوب الحسكة، أوضح عبدي أنهم لا ينوون تسليم أراضيهم أو إلغاء الحكم الذاتي وأن أي اتفاق مع دمشق مشروط بالحفاظ على هذه الهياكل.

ونفى المتحدث باسم قسد، فرهاد الشامي، بيان القبائل واصفا إياه بأنه “كاذب” و “يهدف إلى إحداث الفوضى”، غير أن الشيخ حمود الفرج، عضو المجلس الأعلى للقبائل والقبائل السورية، أكد أن القبائل في المنطقة كانت “في حالة تأهب” وأن القوات الحكومية السورية كانت تحشد حول الرقة والطبقة على الرغم من أنه قلل من خطر “ثورة عامة” المتداول بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

لماذا لا يُطبّق اتفاق مارس/ آذار؟

يستند التوتر الحالي إلى اتفاقية التكامل الموقعة في 10 مارس/ آذار الماضي بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، التي ظلت على الورق منذ ذلك الحين.

ونص هذا الاتفاق على النقل التدريجي للمعابر الحدودية وحقول النفط وجميع المؤسسات المدنية والعسكرية الأخرى إلى الدولة المركزية في دمشق، غير أن ميل جانب قوات سوريا الديمقراطية إلى الحفاظ على وضعها المستقل والاعتماد على دعم التحالف الدولي حال دون تنفيذ الاتفاق.

وتفاقم الاختناق السياسي نتيجة لعدم انعقاد الاجتماع المخطط له بين دمشق وقسد في باريس بسبب رفض سوريا كدولة ذات سيادة عقد المباحثات في عاصمة أجنبية ومعارضة العشائر لهذه الخطة.

هذا ويعكس الوضع في شمال شرق سوريا صراعا على السلطة معقدا ومتعدد الطبقات. وتعبر العشائر العربية الآن عن عدم ارتياحها للإدارة الأحادية لقوات سوريا الديمقراطية والتوزيع غير العادل للموارد من الأعلى مؤكدة أن عنوان الحل هو دمشق. وفي المقابل، تريد قوات سوريا الديمقراطية الحفاظ على وضعها المستقل والحفاظ على قوتها في المفاوضات مع الحكومة المركزية بالاعتماد على دعم الولايات المتحدة والتحالف الدولي.

ويؤدي هذا الموقف إلى خلاف مع القبائل العربية، التي يمكن أن تكون أهم حليف لها في المنطقة.

وترى إدارة دمشق أن مطالب العشائر فرصة وتزيد الضغط على قوات سوريا الديمقراطية من خلال زيادة وجودها العسكري في المنطقة بالتماشي مع هدف استعادة وحدة أراضي البلاد وسلطتها المركزية.

ونتيجة لذلك، خلق الجمود السياسي في شمال شرق سوريا مناخا متصاعدا من انعدام الثقة بين الأطراف وسط قلق من استبدال التوتر السياسي في المنطقة بصراع عسكري أوسع حال عدم العودة إلى اتفاق 10 مارس/ آذار وعدم اتخاذ خطوات ملموسة.

 

Tags: أحمد الشرعاتفاق 10 مارسالتطورات في سورياالعشائر العربية في سورياقسدقوات سوريا الديمقراطية

مقالات مشابهة

  • إصابة 7 مدنيين بقصف لقوات سوريا الديمقراطية على ريف منبج والجيش يتصدى لهجوم
  • الكونغو الديمقراطية ورواندا توقعان اتفاقا للتعاون الاقتصادي
  • ماذا تعرف عن الاشتراكي الأخير في بكين الذي يحارب الديمقراطية والنسيان؟
  • ما وراء ضخ الكونغو الديمقراطية ملايين الدولارات في برشلونة؟
  • مجلس الشيوخ المصري.. ثمرة عقود من التجربة الديمقراطية
  • وزير الخارجية عن انتخابات الشيوخ: «الديمقراطية لا تُبنى إلا بالمشاركة الواعية»
  • التلاعب بالانتخابات…التحدي المزمن أمام الديمقراطية.
  • سوريا: تزايد التوترات بين العشائر العربية وقوات سورية الديمقراطية
  • واشنطن بوست: التراجع عن دعم الديمقراطية يقوّض مكانة أميركا
  • “الديمقراطية” تدين المجزرة الصهيونية البشعة في منطقة السودانية