لجريدة عمان:
2025-06-01@10:03:14 GMT

الديمقراطية لا تنقرض في العالم

تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT

كثيرًا ما نسمع في أيامنا هذه أن الديمقراطية في أزمة.

فقد نشأ انطباع بسبب انتخاب دونالد ترامب وأخبار الاضطرابات السياسية في كثير من البلاد الديمقراطية الأخرى بأن الديمقراطية الليبرالية تتراجع في كل مكان في مواجهة ازدهار الاستبدادية على السخط من الأوجاع الاقتصادية والتغير الاجتماعي السريع والهجرات الجماعية والمعلومات المضللة والضيق العام.

فقد تحصل النمسا على مستشارها اليميني المتطرف الأول منذ الحرب العالمية الثانية. ولدى فرنسا رئيس وزرائها الخامس خلال ثلاث سنوات، وألمانيا في طريقها إلى انتخابات من المؤكد أن المستشار الحالي سوف يخسرها، ورئيس وزراء كندا ضعيف الشعبية جاستن ترودو استقال بضغط من حزبه نفسه، وثمة حكومة ما بعد فاشية تدير إيطاليا، ويواصل فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر دهس الديمقراطية بافتخار، ويبدو أن الأحزاب الشعبوية تتوغل في كل ركن من أركان أوروبا. والأخبار مزعجة في أماكن أخرى، من إسرائيل إلى الهند وكوريا الجنوبية.

يسهل أن ندرك اتجاهًا عالميًا، فعمال العالم يفقدون إيمانهم بالنظام المستقر ويجزعون من العولمة ويتكالبون على التطرف والاحتشاد وراء الشعبويين.

ولقد كتب أحد كتاب الرأي في هذه الصحيفة يومًا أنه «من الصعب السفر في أوروبا هذه الأيام، أو حتى العيش في واشنطن دونما إدراك أن الديمقراطية الليبرالية باتت في ورطة كبيرة في العالم. إننا نعيش في زمن انتشار الشك في قدرة المجتمعات الحرة على التعامل مع مشكلات عصرنا الاقتصادية والسياسية والفلسفية».

سيوافق كثير من القراء على هذا. والواقع أن كثيرين وافقوا عليه سنة 1975، أي قبل قرابة نصف قرن، حينما كتب جيمس ريستن هذه الكلمات. لكن الديمقراطية لم تنهر آنذاك، وفي حين أنه لا جدال في أنها تواجه تحديات جساما اليوم، فلا يعني ذلك بالضرورة أن هذه التحديات ترقى إلى تراجع الديمقراطية العام أو ما هو أسوأ، أي أن تكون الديمقراطية الليبرالية معرضة لخطر الانهيار.

لكن مثلما أشار جيم تانكرسلي رئيس مكتب نيويورك تايمز في برلين في تحليل أخير له لمحنة ألمانيا فإن «الوعكات ليست جميعا متماثلة». فقد يكون للسخط الشعبي داخل البلاد الديمقراطية الغربية مصادر متماثلة بصفة عامة، لكن العواقب السياسية مختلفة باختلاف الزعماء والأنظمة في كل بلد. والزعماء في نهاية المطاف هم الذين يصوغون النتائج بحسب ما يقول لاري بارتلز في كتابه «الديمقراطية تتآكل من القمة»، إذ يرى أن الرأي العام ليس موجة نشطة بقدر ما هو مخزن سلبي يستجيب له القادة أو يستغله الأقل مبدئية منهم. وقد قال لاري بارتلز في حوار «إنني أعتقد أن هناك دائما نزوعا من جانب المراقبين إلى رؤية المعنى العميق لتحولات الرأي العام، لولا أنه يتبين أن الأمر أكثر ارتباطًا بكل بلد مما قد يتصور المراقبون الخارجيون».

باستعراض العواصف السياسية العالمية منفصلةً تنكشف خصائصها وتحدياتها الفريدة، وكيف أن للكثير منها جذورًا في ردود فعل عنيفة تجاه بعض القادة القائمين في الحكم أكثر من كونها تمثل اعتناقا لليمين المتطرف.

في فرنسا، كان الرئيس إيمانويل ماكرون قد انتخب للمرة الأولى سنة 2017 عازمًا على تغيير السياسة الفرنسية، وتغيرت. ولو كانت مارين لو بان ـ المرشحة اليمينية المتطرفة الدائمة ـ قد حققت بعض النجاحات، فذلك حسبما يقال بفضل قدرتها على إزالة السموم من حزبها بقدر ما هو بفضل نمو المشاعر اليمينية المتطرفة. وفي النمسا، تصدر حزب الحرية اليميني المتطرف الانتخابات في 29 سبتمبر في مواجهة الأحزاب الأساسية، لكنه اضطر أيضًا إلى تخفيف نبرته لتحقيق ذلك، وقد يعجز عن العثور على الشركاء الائتلافيين الذين يحتاج إليهم لتشكيل حكومة.

في ألمانيا، يعكس تراجع المستشار أولاف شولتز فشل ائتلاف الأحزاب الثلاثة بقيادته في التعامل مع الركود الاقتصادي في البلد. لكن هذه هي سياسة، وليست تراجعا للديمقراطية، ولا يزال حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف الذي يخشاه الكثيرون يصنف رسميا باعتباره «متطرفًا مشبوهًا» وتجتنب جميع الأحزاب الكبيرة اتخاذه شريكًا ائتلافيًا. وشمالًا في كندا، سئم الناخبون إلى حد كبير من ترودو وسياسته التقدمية بعد قرابة العقد.

لقد استطاعت رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني - التي كان يخشى يومًا من كونها قومية متطرفة - ترسيخ نفسها منذ انتخابات 2022 باعتبارها شخصًا يمكن لأوروبا ـ ولأمريكا اليوم بصورة أكبر ـ أن تعمل معه. وأوربان ـ الذي يعد اليوم فتى إعلانات معادة الليبرالية ـ كان أقل راديكالية بكثير عند وصوله إلى السلطة سنة 1998، ثم غير مساره في ارتباك صراع السلطة في ما بعد الشيوعية. وفي الوقت نفسه، فإن بولندا ـ التي كانت يومًا توأم للمجر في كونهما نموذجًا لخطأ الديمقراطية ـ أطاحت بحزب القانون والعدالة القومي، وجاءت بالوسطي دونالد تاسك إلى الحكم.

وعلاقة سياسات بنيامين نتنياهو في إسرائيل، وناريندرا مودي في الهند بالسخط أقل من علاقتها بعوامل محلية خاصة. وفي كوريا الجنوبية، يمكن اعتبار الجهود الرامية إلى عزل الرئيس يون سوك يول بعد محاولته الفاشلة للحصول على سلطات الطوارئ بمثابة انتصار للديمقراطية لا ضربة لها.

يمكن الجدال في جذور وأخطار كل من هذه الحالات، وهي إجمالا تمثل انحرافًا عن السياسات التقدمية. ولكن النظر إليها جميعًا باعتبارها تراجعًا للديمقراطية يحد من الأفق التاريخي للعصر الذي يبدأ بانهيار الإمبراطورية السوفييتية، وهو الحدث الذي غذي لوقت قصير أوهام انتصار الديمقراطية الليبرالية انتصارًا نهائيًا لا رجعة فيه أو «نهاية التاريخ». فالواقع أن الديمقراطية تعرضت على مدار تاريخها لتحديات جسيمة.

قالت ليانا فيكس خبيرة الشؤون الأوروبية في مجلس العلاقات الخارجية: إن «الأمور إن قورنت بعقد التسعينيات من القرن الماضي، فنعم، الأمور تزداد سوءًا»، لكن برجوع المؤرخ إلى الوراء في عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات تبدو الصورة مثلما قالت: «مختلفة للغاية. فما المعيار إذن؟ نعم، لا تحمل العولمة مثل الوعد الذي كانت تحمله في التسعينيات، وقد رجعنا إلى عصر أكثر إثارة للجدل، لكن حقبة الديمقراطية الليبرالية لم تنته».

ويصعب القول إن تاريخ الولايات المتحدة - وهي النجم الهادي للديمقراطيات الحديثة - كان تاريخ وحدة وتناغم حتى صعود الترامبية. لقد مر البلد بأزمات متكررة حسبما تكتب سوزان ميتلر وروبرت ليبرمان في كتابهما «التهديدات الأربع: أزمات الديمقراطية الأمريكية المتكررة». في كل من هذه الأزمات «تصاعد الصراع السياسي إلى درجة تخوف فيها الأمريكيون من أن الحكم قد ينهار، وأن الاتحاد قد ينحل، أو أنه قد يحدث اضطراب وعنف، بل إن الحرب الأهلية قد تندلع»، وبالطبع حدثت أشياء من تلك.

لا يعني هذا أنه لا يوجد ما يستدعي القلق على أمريكا اليوم. بل على العكس، إذ ترى ميتلر وليبرمان خطرًا جسيمًا على الولايات المتحدة في اجتماع الأخطار المتكررة الأربع حاليًا، وهن يحددن هذه الأخطار بالاستقطاب والقبلية والتفاوت الاقتصادي والسلطة التنفيذية المفرطة.

لكن لو أن انتخاب الرئيس ترامب الثاني يشجع الطغاة في الخارج، فلا يعني هذا أن الوعكات التي يزدهرون فيها داخل بلادهم هي وعكات الولايات المتحدة. ففي حين تهاجم الحركات اليمينية على جانبي الأطلسي المهاجرين، فإن السياق غالبا ما يكون مختلفا تماما. يقول بارتلز، المدير المشارك لمركز دراسة المؤسسات الديمقراطية في فاندربيلت، إنه برغم خطاب الساسة اليمينيين المتطرفين، أظهرت استطلاعات الرأي أن الأوروبيين أكثر ميلا إلى الهجرة اليوم مما كانوا عليه قبل عشرين أو خمسة وعشرين عاما. وبالمثل، فإن الحروب الثقافية في أوروبا أقل وضوحًا كثيرًا من التي تشهدها الولايات المتحدة، كما أشارت فيكس.

قد لا يكون تنوع التهديدات التي تواجه الديمقراطية عزاءً كبيرًا لمن يشعرون بالقلق إزاء الاتجاه الذي تمضي إليه، وثمة أسباب كثيرة تدعونا إلى أن نظل يقظين. ولكن من المؤكد أن الديمقراطية لا تواجه انقراضا عالميا وإنما هي مجموعة من العواصف، وعادة ما تجد الديمقراطيات وسيلة للصمود في وجه هذه العواصف.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الدیمقراطیة اللیبرالیة الولایات المتحدة أن الدیمقراطیة

إقرأ أيضاً:

قائد قوات سوريا الديمقراطية يكشف عن اتصالات مباشرة مع تركيا

وصباح الجمعة، كشف موقع "المونيتور" عن تطورات جديدة تتعلق بالتواصل الأمريكي مع "قوات سوريا الديمقراطية"، وتحرّكات تركية لفتح قنوات حوار مباشرة معها عبر العاصمة السورية دمشق. اعلان

أعلن قائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي، اليوم الجمعة، أن هناك قنوات اتصال مباشرة بين قواته والحكومة التركية، مشيرًا إلى أنه لا يمانع عقد لقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المستقبل.

ويأتي هذا التصريح في وقت يشهد فيه الملف السوري حراكًا متسارعًا، في ظل محاولات إقليمية ودولية لإيجاد تسوية سياسية تنهي أكثر من عقد من الحرب.

وكانت تركيا و"قوات سوريا الديمقراطية"، التي يشكل الأكراد عمودها الفقري، قد توصّلتا في ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أميركية، وذلك بعد مواجهات عنيفة شهدتها مناطق الشمال السوري.

وبين عامي 2016 و2019، شنّت أنقرة ثلاث عمليات عسكرية في شمال سوريا ضد "وحدات حماية الشعب" الكردية، واستطاعت بسط سيطرتها على مناطق حدودية واسعة داخل الأراضي السورية، في خطوة تعتبرها حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان ضرورية لحماية أمنها القومي.

Relatedقوات سوريا الديمقراطية تتوعد بالرد بعد مقتل 6 من عناصرها في قصف استهدف قاعدة أمريكيةقوات سوريا الديمقراطية ترفض تسليم إدارة السجون لحكام دمشق الجدد والسبب.. عناصر داعش

في المقابل، تصرّ الإدارة السورية الجديدة في دمشق على ضرورة إنهاء وجود أي تشكيلات مسلّحة خارج إطار الدولة. وكانت قد دعت "قوات سوريا الديمقراطية" إلى إلقاء السلاح والانضمام إلى الجيش الوطني التابع لوزارة الدفاع، مؤكدة رفضها لأي شكل من أشكال الحكم الذاتي في المناطق ذات الغالبية الكردية.

وشدد رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، خلال مؤتمر الحوار الوطني المنعقد في دمشق، على أنه "لن يُسمح بأي تشكيلات مسلّحة تعمل خارج مؤسسات الدولة".

وصباح الجمعة، كشف موقع "المونيتور" عن تطورات جديدة تتعلق بالتواصل الأمريكي مع "قوات سوريا الديمقراطية"، وتحرّكات تركية لفتح قنوات حوار مباشرة معها عبر العاصمة السورية دمشق.

Related"قسد" تنسحب من حلب إلى شرق الفرات ضمن اتفاق مع الحكومة السورية الحكومة السورية و"قسد" تتفقان على إجلاء عائلات من مخيم الهول

ونقل الموقع عن مصدريْن مطلعيْن أن المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك، أجرى يوم الخميس مكالمة هاتفية من دمشق مع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، أبلغه خلالها باستمرار الدعم الأمريكي لقواته في مواجهة تنظيم داعش، كما حثه على مواصلة المسار الدبلوماسي لخفض التصعيد بين "قسد" وتركيا.

وفي السياق ذاته، أفاد "المونيتور" نقلاً عن مصادر إقليمية مطلعة أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أو رئيس جهاز الاستخبارات التركي، عرضا عقد لقاء مباشر مع مظلوم عبدي في دمشق، في مؤشر على تحوّل محتمل في المقاربة التركية تجاه الملف الكردي في سوريا.

وأضافت المصادر أن اللقاء المرتقب بين عبدي وكبار المسؤولين الأتراك سيكون مرتبطاً بنتائج المحادثات التي كان مقرراً انطلاقها اليوم في دمشق، بين وفد كردي سوري وأعضاء من الحكومة السورية المؤقتة، في محاولة لبحث مستقبل العلاقة بين الطرفين ضمن إطار تفاهمات إقليمية أوسع.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • المتة.. مشروب النجوم الذي يشعل حماس ميسي وسواريز ويغزو ملاعب العالم
  • هزة أرضية وألسنة نار وعنف مفاجئ.. أبرز الأحداث العالمية التي تصدرت العناوين اليوم!
  • العالم يترقب رد حماس على مقترح الهدنة اليوم
  • قائد قوات سوريا الديمقراطية: أحمد الشرع وافق على التطبيع مع إسرائيل
  • مباريات اليوم السبت حول العالم والقنوات الناقلة
  • قائد قوات سوريا الديمقراطية يكشف عن اتصالات مباشرة مع تركيا
  • رونالدو أم محمد صلاح.. من هو اللاعب الذي يرغب الأهلي المصري بضمه قبل كأس العالم للأندية؟
  • أردوغان يحذر قوات سوريا الديمقراطية من "المماطلة"
  • الرئيس التنفيذي لشركة أورباكون القابضة رامز الخياط: الاتفاقيات التي تم توقيعها اليوم ستحول سوريا من دولة لديها عجز في مجال الطاقة إلى دولة مصدرة لها
  • أردوغان يحذر قوات سوريا الديمقراطية من "المماطلة"