عبد الرحمن الأبنودي وعيد الغطاس.. حب للمناسبات الشعبية وتجسيد للهوية المصرية
تاريخ النشر: 19th, January 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يعد عيد الغطاس أحد الأعياد التي تمثل جزءًا من التراث المصري العريق، ومع مرور الزمن أصبح جزءًا من الموروث الثقافي الذي يعكس تنوع وتمازج الثقافات في مصر.
ومن بين الفنانين الذين عبروا عن حبهم لهذا العيد، كان الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، الذي خصص له مساحة في أعماله الأدبية والفنية.
عيد الغطاس، الذي يحتفل به في التاسع عشر من يناير من كل عام، يمثل مناسبة دينية هامة لدى الأقباط الأرثوذكس، حيث يتم فيه تذكار معمودية المسيح في مياه نهر الأردن.
ولكن ما يميز هذا العيد في مصر هو الطابع الشعبي والاحتفالي الذي يرافقه، خاصة في قرى وريف مصر، حيث يشارك الجميع في احتفالاته بطرق مختلفة، أبرزها "غطس النيل" وهو طقس ديني يؤدى في مياه النيل.
عبد الرحمن الأبنودي، الشاعر الذي يعتبر صوت الشعب المصري، أبدع في تسليط الضوء على هذا العيد من خلال أشعاره ، في العديد من قصائده، وصف الأبنودي تقاليد العيد بأسلوبه الخاص، حيث كان يعتبر عيد الغطاس مناسبة للاحتشاد والفرح الجماعي، ولديه العديد من الأبيات التي تعكس حبه وتقديره لهذا العيد، بل ويصفه بمثابة لحظة "تطهر"للمصريين.
في إحدى قصائده الشهيرة، يقول الأبنودي عن عيد الغطاس: "عيد الغطاس هو يوم النقاء، يوم بيرجع فيه الإنسان لنفسه، يوم للفرحة، لللمة، ولما تفتح بيبان النيل بكل عظمته ".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أقباط الإرثوذكس التراث المصري الشعب المصرى عبد الرحمن الأبنودي عید الغطاس
إقرأ أيضاً:
بين الشوق والمشقة والتوجيه.. أغاني الحج الشعبية تُوثق رحلة الروح والبدن عبر التاريخ
لم تكن رحلة الحج في الأزمنة الماضية سهلة أو ميسّرة كما هي الحال اليوم، بل كانت طريقا شاقة وطويلة تقطعه القوافل على ظهور الجمال، من صحارى شمال أفريقيا وبلاد الشام حتى الجزيرة العربية. إنها رحلة متعبة، لكنها تهون أمام الحنين الجارف لزيارة بيت الله الحرام، فتفيض الأرواح شوقا، وتطلق الألسن "لبيك اللهم لبيك" ويتحول التعبير عن هذا الشوق والمشقة إلى غناءٍ نابضٍ من القلب، يعكس ما تختزنه النفوس من مشاعر دينية وإنسانية.
ولطالما ارتبطت أغاني الحج بالمواكب الخارجة من بلاد الشام وفلسطين ومصر وشمال أفريقيا، كطقس مرافق لهذه الرحلة المقدسة. وهذا الغناء لم يكن مجرد بهجة بل كان تعبيرا عن رهبة الطريق التي طالما رآها الناس "رحلة بلا عودة" خاصة إذا كان الحاج مسنا. وفي فلسطين مثلا، يُغنى للحاج المغادر:
حاجنا طاح البحر في كيله.. يارب ترده سالم للعيلة… حاجنا طاح البحر في إبريق… يارب ترده سالم من الطريق
رايحة فين يا حاجة.. تراث مصري غناه العرب اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ألبومات صيف 2025: نجوم الغناء العربي يعودون بقوة والمنافسة تحتدمlist 2 of 2"حرروا فلسطين".. مغني الكيبوب جاي بارك يدعو لوقف المجازر في غزةend of listوتتقاطع طرق قوافل الحج من المغرب العربي -من تونس والجزائر وليبيا والمغرب- مع قافلة المحمل المصري التي تحمل كسوة الكعبة وهدايا مصر للحرمين. وتخرج القافلة من "باب النصر" بالقاهرة، وتُحييها المدافع بـ21 طلقة، ويشارك في وداعها الملك ووزراؤه، قبل أن تبدأ رحلتها عبر السويس وعيون موسى، مرورا بصحراء سيناء والعقبة، ثم إلى ينبع فمكة المكرمة.
إعلانوطول المسير كان يخفف من عنائه الغناءُ، خصوصا الفلكلور المصري الذي سرعان ما أصبح صوتا جامعا للحجيج من مختلف الأقطار. والأغنية الأشهر "رايحة فين يا حاجة؟" غناها المصريون، ورددها الفلسطينيون والمغاربة، يتغنون بـ"أم شال قطيفة" المتجهة لزيارة النبي ﷺ والكعبة المشرفة.
أثر البيئة على تراث أغاني الحجيرى أستاذ الموسيقى الشعبية بأكاديمية الفنون المصرية الدكتور محمد شبانة أن الأغاني المرتبطة بالحج اتخذت سمات بيئية وثقافية خاصة بكل منطقة. ففي المغرب العربي مثلا، كانت القصائد الأمازيغية هي اللغة السائدة في أناشيد الحجاج، كما في أغنية ليبية تقول:
كيف اللي حج على الناقة… يا أنا يا عقلي ونجناجة… اللي ع الناقة حج وحاجة… الدوة في نقناقي أنا
أما في فلسطين، فاختلطت مشاعر المقاومة بالروحانية، ليغني الناس:
يا زايرين النبي… خدوني في محاملكم… لا أنا حديد ولا رصاص أثقلكم
ومن الجزائر، اشتهرت أغنية رابح الدرايسة ذات الطابع الأمازيغي، التي يقول مطلعها:
ودعنا الغالي والعزيز في حب رسول الله… من زار الزين سميناه اسمين
نصح ووصية.. الأغاني ليست فقط للبهجةيضيف الدكتور شبانة أن هناك فروقا بين أغاني وداع الحجاج في الحضر والريف المصري، وفي الوجهين البحري والقبلي. ففي منطقة الدلتا، تحتفي الأغاني بـ"الحاجة"، فتغني النساء:
رايحة فين يا حاجة… يا أم شال قطيفة… رايحة أزور النبي محمد والكعبة الشريفة
أما في صعيد مصر، فتركز الأغاني على الرجل الحاج، فيقال:
هنيالك يا حاج… مكتوبالك يا حاج… مكتوبالك تزور التهامي… مكتوبة ع الباب قدامي… وأخواتي بيدعوا عقبالي
ما بين البهجة والنصح.. وظيفة مزدوجة للغناءما يميز الغناء الريفي المصري -حسب شبانة- أنه لم يكن فقط للاحتفاء والبهجة، بل حمل أيضا مضامين إرشادية توجيهية. ففي زمن لم يكن فيه إعلام حديث، لعب الغناء الشعبي دور "الناصح" فكانت الأغاني تحمل تعليمات دقيقة حول ما يجب أن يحمله الحاج معه في رحلته:
خد أبيض وصافي.. إن نويت ع الحجاز… خد أبيض وصافي… خد محارم حرير لعرق العوافي
خد أبيض وشيلة… عند حرم النبي يا محلا غسيله
كما عبرت الأغاني عن الوصايا والوداع، وكأن الحاج خارج في سبيل الله، لا يعلم إن كان سيعود. فقد وصّت الأم ابنتها قائلة:
إن طال غيابي… أقعدي مقعدي… وحنني حنني فوق العتابي
إن طال سفرنا… أقعدي مقعدي… وإن طال سفرنا حنني حنني على سطح دارنا
وبهذه الكلمات، يظل تراث الأغاني الشعبية المرتبط بالحج شاهدا حيا على رحلة روحانية وجسدية، كانت يوما محفوفة بالمشقة والرجاء، يتناقلها الناس، وتنقل عبرها الأجيال مشاعر الشوق والتضرع، ومهابة الرحيل نحو البيت العتيق.