لجريدة عمان:
2025-07-30@13:42:47 GMT

الذكاء الاصطناعي في المسرح

تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT

لستُ من القلقين حول توظيف الذكاء الاصطناعي فـي المسرح على المستويات جميعها، لكن قلقي ينبع ككثيرين (المؤلف والمخرج والسينوغراف) من الاعتماد الكامل فـي توجيه الذكاء الاصطناعي للقيام بمهمات عديدة كزرع نواة الحكاية وتأليفها وتسليمها إلى المخرج الذي بدوره سوف يعدلها وحصر عدد ممثليها، فعلى سبيل الشاهد عوضَ أن تكون المسرحية متضمنة عددا من الممثلين أو الجوقة بتعبير الكلاسيكيين، يمكن للذكاء الاصطناعي اقتراح اختزالها فـي مونودراما أو ديودراما.

ولا يقف الأمر بالاستفادة من قدرة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته عند هذا الأمر، بل يُمكنه التمدد إلى مستويات متعددة كاختيار نوع الإضاءة والأزياء والموسيقى المناسبة والقاعة المثالية الصالحة لتقديم العرض وكذلك قدرته على انتخاب الجمهور الملائم، من الأعمار والشرائح .

أعود إلى سؤال قديم سألته نفسي بعد قراءاتي لقصة حُلم الحكيم الصيني (جوانج زو)، وكان السؤال: هل يُمكن تحقيق حلم جوانج زو فوق خشبة المسرح على وجه الحقيقة، لا وجه المجاز؟ أمّا الحلم فتروى قصته كما يلي: «رأيتُ أنا جوانج زو مرّةً فـي منامي أنّني فراشةٌ تُرفرفُ بجناحيها فـي هذا المكان وذاك، أنا فراشةٌ حقا من الوجوه جميعها، ولمْ أَكنْ أُدركُ شيئا أكثرَ منْ تتبعي لخيالاتي التي تُشعرني بأنّني فراشة، أمّا ذاتي الإنسانيّة، فلم أكنْ أُدركها البتّة، ثُمَّ استيقظتُ على حينِ غفلة وها أنا ذا مُنطرحٌ على الأرض رجلا كما كنت، ولستُ أعرفُ الآن هل كنتُ فـي ذلكَ الوقتِ رجلاً يحلمُ بأنّه فراشة، أو أنّني الآن فراشةٌ تحلمُ بأنّها رجل».

لم أخفِ دهشتي أو متعتي بحلم جوانج زو. منطلقات الحلم ليس صراعا بين الأنا والذات فحسب، أو بين الحقيقي وغير الواقعي، أو المحسوس واللامحسوس، بل أعدّه درسا تأسيسيا فـي تربية الخيال الإبداعي وتنمية مستوياته، ومحفزا للابتكار وآلية أوليّة لتشريح التفكير الناقد.

منذ اختراع الأساطير، والإنسان يسعى باحثًا عن تفسير الماورائيات والموجودات من حوله. كانت الأفكار الغريبة وتشظياتها تحفر فـي داخله، فلا يستكين، ولا يهدأ. فلماذا وصل بنا الخوف أن نرى ما نتخيله مجسدا فوق الخشبة؟ هل سببه الخوف لمجرد الخوف؛ لأن الإنسان عدو ما يَجهل؟ فـي سياق الابتكار والإبداع والطموح بالذهاب مع الخيال إلى عوالم غير مُدركة ولا ملموسة، لم يكن مثلا صانعا أول طائرة حقيقية (الأخوان رايت - 1903م) إلا تراكما لحق بأفكار مَن سبقهم من محاولات فـي الطيران بدأها (عباس بن فرناس 810 - 887م) الذي حاول «الطيران عن طريق القفز من مكان مرتفع عن طريق أجنحة من الحرير وريش الطيور».

هذه المحاولات وغيرها الكثير كانت دافعا لتطوير البحث فـي مجالات العلوم التي من بينها علم الحاسوب، حتى جاء اكتشاف الذكاء الصناعي Artificial Intelligence- AI الهادف «إلى إنشاء أنظمة وبرامج قادرة على محاكاة القدرات العقلية البشرية، مثل التفكير والتعلّم واتخاذ القرارات وحل المشكلات. يعتمد الذكاء الاصطناعي على خوارزميات وتقنيات تمكّن الآلات من أداء مهام تتطلّب ذكاء بشريا».

الناظر إلى الذكاء الاصطناعي المُنطلق من فعل المُحاكاة Mimesis يعيدنا إلى المعلم الأول أرسطو. فالمحاكاة نقلا عن (معجم المصطلحات المسرحية - للدكتور أحمد بلخيري - ص396) هي «تقليد أو عرض شيء. وفـي الأصل تعتبر المحاكاة تقليدا لشخص بوسائل فـيزيقية أو لغوية؛ هذا الشخص يمكن أن يكون شيئا أو فكرة، كما يمكن أن يكون بطلا أو إلها. وفـي شعرية أرسطو يتحدد الإنتاج الفني انطلاقا من كونه تقليدا للفعل».

ليس من شك فـي أن موضوعة المحاكاة هي منطلق جميع الفنون والأفكار والإبداع، وأن السعي البشري بالتقدم العلمي إنما يهدف إلى السيطرة على الوجود والتمركز فـي العالم والتحكم فـي المسار البشري والهيمنة عليه بتعطيل أجزاء من قدراته الحيوية، فالعقل البشري الجامح الذي لا يعترف بوجود إله يُنظم الكون، لا تُهمه الأخلاق ولا القوانين ولا الأعراف التي وضعها الإنسان لتنظيم العلاقات بين الناس على امتداد الحضارات المنتجة.

أعود من جديد إلى أرسطو، ولكن هذه المرة فـي فلسفته التي نظر من خلالها إلى الوجود، الفلسفة التي شكلّت أساسا لنظرية الدراما فنيا لا تاريخيا. فـي كتابها (المسرح بين الفكر والفن) تناقش الأكاديمية الراحلة الدكتورة نهاد صليحة بتوسع المسرح بين النظرية الدرامية والنظرة الفلسفـية متتبعة فـي أحد فصوله أسباب هيمنة النظرية الدرامية الأرسطية على المسرح الغربي حتى القرن العشرين، متمثل ذلك كما تقول فـي وجود «تشابه الأيديولوجيا التي بطنت النظرية الأرسطية للدراما مع جوهر الأيديولوجيات التي تلتها»، فنظرية أرسطو بحسب قولها لم «تكن فلسفته مجرد بحث موضوعي غير مغرض فـي الحقيقة والوجود، بل كانت طرحا على مستوى الوعي أو اللاوعي- لتصور نظري، أو رؤية للعالم تتضمن تأصيل نظام سياسي - اجتماعي - أخلاقي معين». إن نظرة أرسطو إلى الوجود بجعل العالم يتحرك نحو غاية مسبقة محسوبة لا دخل فـيها للإنسان تجعل من وجود تشابه بين نظريته عملا أو فكرا يستعاد بفعل الذكاء الاصطناعي. صحيح أن هذا الأخير ينطلق من وفرة المعلومات والخوارزميات لدى الإنسان ومحاولة محاكاتها وابتكار لحظات جديدة أو قدرات خارقة، فـي حين أن نظرية المحاكاة تتمظهر أو تتمركز فـي القدرة على إنتاج وتقليد الفعل البشري.

إن المنطلق الأخلاقي وعلاقته بالذكاء الاصطناعي كسؤال مرحلي هو أحد منطلقات الملتقى الفكري المصاحب للدورة الخامسة عشرة لمهرجان المسرح العربي التي أقيمت فـي مسرح العرفان بالعاصمة مسقط للفترة من 10-15 يناير 2024م. حمل الملتقى على مدى يومين العنوان التالي: (المسرح والذكاء الاصطناعي بين صراع السيطرة وثورة الإبداع)، وبين عناوين الأوراق النقدية التي قدمها الباحثون: «المساحة الرمادية بين الإبداع البشري والذكاء الاصطناعي: تجربة مسرحية كونتراست»، للدكتور أسامة لاذقاني، وورقة بعنوان «حول التصميم»، للدكتور محمد مبارك تسولي، وورقة «الإضاءة المسرحية البديلة: استكشاف إمكانيات الذكاء الاصطناعي فـي التصميم الإبداعي»، للدكتور عماد الخفاجي، وورقة «قناع الفـيروفـيوس... برامج وسائطية فـي الدراما: قناع فـيروفـيوس لدمج حركة الممثل والتكنولوجيا والإنترنت»، للدكتور أيمن الشريف، وورقة «الذكاء الاصطناعي وتوليد النص المسرحي» للأستاذ عبداللطيف فردوس، وورقة «الصوت... المؤثرات الخاصة: الصوت المحيطي والهولوجرافـي والمؤثرات البصرية التفاعلية بين الآلة والممثل»، للأستاذين وسام قطاونة وحسن حينا، وورقة «التصميم المسرحي والذكاء الاصطناعي.. البديل الغامض»، للدكتور خليفة الهاجري، وورقة «التصميم والابتكار - الإبداع» للباحث Shen Qian، وورقة «تصميم إضاءة نحو المستقبل» للباحث Guo Jin Xin، فإن العناوين تضعنا أمام تحديات عدة أهمها: محاولة الذكاء الاصطناعي محاكاة (العقل) البشري لا (الفعل) فـي ظل الخوارزميات التي تعمل بآلية معقدة تستطيع أن تفـيد الإنسان فـي مناحي الحياة العلمية والطبية والفنية، وأنها تقدر أن توجهه التوجيه الذي يراه الذكاء الاصطناعي بأنه «الأمثل»، فـي المقابل قصور الذكاء الاصطناعي عن معرفة المشاعر والأحاسيس من جهة، والحاجة إلى ضوابط أخلاقية صارمة تحفظ للإنسان خصوصيته من جهة مقابلة، هي مسائل فـي غاية الصعوبة. فهل هناك حدود للذكاء الاصطناعي لا يستطيع تجاوزها؟ إن الصانع بتعبير الفلاسفة للذكاء الاصطناعي هو الإنسان، وكما قدم الدكتور يوسف عيدابي فـي افتتاحية الملتقى الفكري بالقول: «المسرح والتقانة صنوان، تأتي التكنولوجيا بجديدها الذي يذهب بعد حين إلى قديم، ويأتي جديد آخر. ولكن ما يثير هو أن الذكاء الاصطناعي يصادم فـي (الخَلق)، هو يكتب ويُخرج ويُمثل وينتج ويفعل بنا ما يشاء، هو لا مخيّر ولا مسيّر، هو لا يؤمن إلا بقدرته وأقداره... هو الهو! - ولكنه من خلق الإنسان الفاني - مع هذا الذكاء يتراجع المؤدي/ الإنسان إلى المرتبة الثانية - الآلة تكون لها الأولوية، وهذا إشكال وجوهره فـي هذا الجدل الذي لن ينتهي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي.. أداة للتمكين أم بديل يُضعف التفكير؟

في ظل تسارع وتيرة التكنولوجيا وتوسع تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتشمل مختلف جوانب الحياة، يبرز تساؤل جوهري: هل أصبح الذكاء الاصطناعي بديلاً عن التفكير البشري؟ وهل باتت الأجيال الناشئة تعتمد عليه اعتمادًا يُهدد قدراتها الذهنية؟

فمع تزايد استخدام أدوات مثل "GPT" للحصول على المعلومات وحلول المشكلات، لم يعد الجهد الذهني مطلبًا ضروريًّا لدى كثير من المستخدمين، صغارًا وكبارًا. وأصبح الوصول السهل والفوري للمعرفة سببًا في تراجع عمليات التحليل والتفكير النقدي، خصوصًا بين المراهقين والشباب.

الاستطلاع الذي أجريناه رصد تباينًا في وجهات النظر حيال هذه الظاهرة، لكنه كشف بوضوح عن اعتماد متزايد على الذكاء الاصطناعي لتلبية مختلف الاحتياجات المعرفية واليومية، وهو ما يثير مخاوف التربويين والأسر من تحول هذه التقنيات من أدوات مساعدة إلى بدائل تُغني عن الجهد العقلي.

ويرى مختصون أن المشكلة لا تكمن في التقنية ذاتها، بل في طريقة استخدامها. فالذكاء الاصطناعي -إذا أُحسن توظيفه- يمكن أن يكون داعمًا قويًّا لتعزيز التفكير والتحليل، لا بديل عنهما. ومن هنا تبرز أهمية توعية النشء بكيفية استخدام هذه الأدوات بشكل متوازن، وتشجيعهم على التفكير المستقل، بما يعزز مهاراتهم الذهنية بدل أن يُضعفها.

الاستطلاع طرح تساؤلات مهمة: إلى أي مدى يعتمد الأفراد على الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية؟ وما دور الأسرة في ضبط هذا الاستخدام، خاصة لدى الأبناء الذين باتوا يطلبون الإجابات الجاهزة لكل كبيرة وصغيرة؟

أسئلة مفتوحة على نقاش واسع، في وقت لم يعد فيه الذكاء الاصطناعي ترفًا، بل واقعًا يفرض إعادة النظر في أساليب التعليم والتفكير.

معلم ذكي

تصف ثراء أسعد محمد علاقتها بالذكاء الاصطناعي بقولها: "هو معلمي الذكي ورفيقي في اتخاذ القرارات". وتضيف أنها تعتمد عليه بكثافة سواء في دراستها أو في شؤون حياتها اليومية والمهنية، حيث تراه أداة مساعدة متاحة دائمًا حتى في ساعات الليل المتأخرة.

وتوضح أنها تبدأ عادة بالتفكير الذاتي، ثم تقارن استنتاجاتها بما يقدمه الذكاء الاصطناعي، لتصل في النهاية إلى قرار "أكثر اتزانًا ومنطقية".

وترى ثراء أن الذكاء الاصطناعي يمتلك قدرة على التفكير المستقل بشكل يشبه الإنسان، خاصة في قدرته على فهم السياق وتحليل المعلومات بشكل منطقي. وتشير إلى أن أحد أبرز تفوقاته هو الموضوعية، إذ يساعد المستخدمين في رؤية الأمور من زوايا متعددة قد لا ينتبه لها الإنسان الذي يتأثر غالبًا بعواطفه أو تجاربه الشخصية.

تطوير التفكير

من جانبها، تؤكد مريم بنت أحمد الكيومية أن الذكاء الاصطناعي كان له أثر إيجابي مباشر في تحسين مستواها الدراسي، حيث تستخدمه لفهم الدروس وحل التمارين في الوقت الذي يناسبها، مما خفف من اعتمادها على المعلمين والدروس الخصوصية.

تقول: "طريقة شرحه سلسة ودقيقة، وكان له دور في رفع درجاتي الدراسية".

وعند اتخاذ القرارات، تعتمد مريم أيضًا على الجمع بين التفكير الذاتي أولًا، ثم استخدام الذكاء الاصطناعي للمقارنة والتمحيص، وتؤمن أنه لا يقلل من قدراتها، بل على العكس يعينها على ملاحظة أمور كانت تغفل عنها سابقًا. وتضيف: "ساعدني في تطوير طريقة تفكيري، لا في طمسها".

وترى أن الفرق الأساسي يكمن في اتساع أفق التحليل لدى الذكاء الاصطناعي مقارنة بالرؤية المحدودة التي قد تصاحب التفكير البشري، خاصة في حالات التشويش أو ضيق الأفق أو غياب البيانات الكافية.

بين المساندة والاستغناء

من خلال هذه الآراء، يتضح أن الذكاء الاصطناعي لا يزال في نظر العديد من الشباب أداة تعزز الفهم وتنظم التفكير، لكنه في الوقت ذاته يحمل احتمالية أن يتحول -إن أُفرط في استخدامه- إلى بديل يهدد المهارات العقلية المستقلة.

وإذا كان بعض المستخدمين يتعاملون معه بوعي واتزان، فإن التحدي الأكبر يظل في بناء ثقافة تضمن الاستخدام المسؤول لهذه الأدوات، بما يحافظ على القدرات الذهنية، ويُبقي على التفكير النقدي والتحليلي كعنصر أصيل في حياة الجيل الجديد.

وتتعدد دوافع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لدى المستخدمين، بين من يراه وسيلة لتوفير الوقت والجهد، ومن يخشى أن يتحوّل مع الزمن إلى أداة تُضعف القدرات الذهنية وتُعوّق التفكير المستقل.

السرعة والمنطق

ترى تقى بنت قاسم الذهلية أن الذكاء الاصطناعي يؤدي دورًا مهمًّا في مساعدتها على اتخاذ القرارات وإيجاد الحلول، وتُرجع ذلك إلى ما توفره التقنية من سرعة في توليد الأفكار، واقتراحات منطقية وجديدة، الأمر الذي يمثّل اختصارًا فعّالًا للوقت.

لكنها رغم اعتمادها عليه، تؤكد أنه لا يمتلك قدرة حقيقية على "التفكير المستقل"؛ لأن نتائجه تقوم على بيانات مصدرها البشر أنفسهم.

وترى الذهلية أن الذكاء الاصطناعي يتفوق على التفكير الذاتي في معالجة القضايا العلمية المعقدة والبيانات الرقمية، حيث يبتعد عن التأثيرات العاطفية التي تضعف أحيانًا قرارات الإنسان. وتشير إلى نقاط ضعف في التفكير البشري مثل التعب، والانحياز العاطفي، والقصور في التعامل مع البيانات الكبيرة، وهي ثغرات يسدها الذكاء الاصطناعي بدقة وموضوعية.

"الإعاقة الذهنية"

أما عائشة بنت عبدالله البلوشية فتعبّر عن تخوّفها من الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، وتقول إنها لا تلجأ إليه إلا في حالات محددة، خصوصًا إذا كانت المسألة علمية أو تحتاج إلى تحليل بعيد عن التأثيرات العاطفية.

لكنها في المقابل، تُبدي تحفظًا واضحًا تجاه استخدامه المكثف، وتوضح: "أحاول تجنب استخدامه حتى لا أقع في فخ الإعاقة الذهنية، فالذكاء الاصطناعي من صنع البشر، ومحتواه معتمد في الأساس على ما يُغذيه به المستخدمون، وله دورة حياة تنتهي بإعادة البرمجة والتحديث".

وتحذّر البلوشية من أن الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى تراجع المهارات الفكرية لدى الإنسان، مشيرة إلى أن الطبيعة البشرية تميل دائمًا إلى البحث عن الحلول السهلة، والذكاء الاصطناعي وفّر تلك السهولة إلى حد الاستحواذ على العقول، مما أدى في رأيها إلى "خمول ذهني" وعدم استغلال القدرات العقلية الذاتية بالشكل الأمثل.

يرى زهير بن عوض العجمي أن الذكاء الاصطناعي يشكل أداة قوية في دعم اتخاذ القرار وتحليل البيانات، خاصة في مجالات مثل التخطيط والتنبؤ وتحسين الكفاءة.

لكنه يُصر على أن هذه التقنية تبقى وسيلة مساعدة وليست بديلاً عن التفكير البشري. ويقول: "الذكاء الاصطناعي لا يملك وعيًا ولا ضميرًا أخلاقيًّا. إنه لا يتخذ قرارات مبنية على قيم إنسانية، بل على أنماط مستخلصة من بيانات سابقة".

ويؤكد أن قوة الذكاء الاصطناعي تظهر بوضوح في إزالة التحيّزات العاطفية من بعض القرارات مثل التوظيف أو تقييم المخاطر. لكن في المقابل، يتميز التفكير البشري بالقدرة على التأمل القيمي والإبداع والمرونة. ويختم بالتحذير من مغبة الاعتماد الزائد، الذي قد يؤدي إلى تآكل مهارات التفكير النقدي لدى الجيل الجديد.

التفكير الذاتي

أما رزان بن طارق الهنائية، فتتخذ موقفًا أكثر تحفظًا تجاه الذكاء الاصطناعي، إذ تقول إنها لا تعتمد عليه كثيرًا، وتفضل استخدام قدراتها الذهنية، رغم إدراكها أن نتائج الذكاء الاصطناعي قد تكون أكثر منطقية أحيانًا.

وتضيف: "تفكيري الذاتي هو ما يصقل عقلي ويؤهلني لمواجهة تحديات الحياة... لا أريد أن أضيع تلك الفرصة باعتمادي على تقنية جاهزة".

وترى رزان أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُستخدم كمرجع مساعد، لتوضيح الإيجابيات والسلبيات فقط، وليس لاتخاذ قرارات نهائية. وتقرّ بأن له قدرة فائقة في معالجة المعلومات "الحقائقية"، خاصة في حالات التعب أو ضيق الأفق، لكنها تحذّر من خطورة الاعتماد الكلي عليه.

الحسم للعقل البشري

من جانبه، يصف نبيل بن محمد اللواتي اعتماده على الذكاء الاصطناعي بـ"المتزن"، مؤكدًا أنه أداة فعالة في تحليل البيانات التقنية والإدارية، لكنه يحرص على أن يكون القرار النهائي إنسانيًّا يأخذ في الاعتبار الجوانب العاطفية والثقافية والدينية.

ويقول: "الذكاء الاصطناعي لا يفكر بمعناه الكامل، بل يعمل بخوارزميات رياضية مبنية على بيانات. قد يُظهر إبداعًا في الظاهر، لكنه يفتقر للنية والوعي والمشاعر".

ويُعدد اللواتي حالات يتفوق فيها الذكاء الاصطناعي على التفكير الذاتي مثل، تحليل البيانات الضخمة، والتشخيص الطبي المعتمد على الصور، والتنبؤ بالمخاطر المالية، وكتابة النصوص التلقائية، والمقارنات التفصيلية.

لكنه يُشير إلى أن الذكاء الاصطناعي يعاني من ضعف في فهم القيم وعدم القدرة على ربط المعلومات ذات الأبعاد الأخلاقية والوجدانية، وهو ما يُشكل جوهر الفكر البشري.

بين الدعم والتحديات

وفي سياق الحديث عن أثر الذكاء الاصطناعي على عمليات التفكير واتخاذ القرار، لا يمكن تجاهل البعد النفسي والاجتماعي لهذا التطور التقني المتسارع. سهير العامرية، أخصائية نفسية بوزارة التربية والتعليم ومدربة دولية، تؤكد أن الذكاء الاصطناعي بات يسهم بشكل فعّال في تحسين جودة الحياة على مستويات عدّة، لكنه يحمل في طياته أيضًا تحديات نفسية واجتماعية قد تؤثر في الأفراد والمجتمعات إذا لم يُستخدم بوعي.

مساهمات إيجابية

توضح العامرية أن الذكاء الاصطناعي يوفر أدوات ذكية تسهّل الحياة اليومية، من بينها تحسين الوصول إلى المعلومات والدعم الشخصي السريع، وتعزيز الاستقلالية في المهام اليومية خاصة لكبار السن وذوي الإعاقة، ورفع كفاءة العمل والتعلم والرعاية الصحية من خلال تقنيات تساعد في إدارة الوقت وإنجاز المهام بشكل أفضل.

وفي الجانب الصحي، تبرز أدوار متعددة للذكاء الاصطناعي منها الصحة النفسية: كأدوات لمراقبة القلق والاكتئاب عبر تحليل سلوك المستخدم على الهواتف ووسائل التواصل، ودعم نفسي مباشر: مثل روبوتات المحادثة (كـ Woebot) التي تقدم إرشادات سلوكية يومية بأسلوب علمي، والصحة الجسدية: من خلال التشخيص المبكر عبر قراءة الصور الطبية، وتتبع الحالة الصحية باستخدام الساعات الذكية وتطبيقات النوم والتغذية، إضافة إلى خدمات طبية مخصصة تعتمد على تحليل بيانات المستخدم.

تحديات مقلقة

إلى جانب الفوائد، تحذر العامرية من آثار سلبية محتملة للاستخدام المكثف وغير الواعي للذكاء الاصطناعي، أبرزها العزلة الاجتماعية: نتيجة الاعتماد المفرط على الأجهزة الذكية وضعف التفاعل البشري، والقلق التقني، خاصة في ما يتعلق بالخوف من فقدان السيطرة على أنظمة الذكاء الاصطناعي أو عدم فهم كيفية عملها، والإرهاق الذهني بسبب التعامل المستمر مع توصيات أو نتائج غير متوقعة، والاعتمادية النفسية، حيث قد يفقد الفرد القدرة على اتخاذ قراراته بشكل مستقل دون الرجوع إلى الخوارزميات.

الاستخدام السلبي

وللوقاية من الآثار النفسية والمعلومات المضللة، توصي العامرية بعدة خطوات منها تعزيز الوعي الرقمي عبر الالتحاق بدورات وورش لفهم آلية عمل الذكاء الاصطناعي، والتحقق من المعلومات وعدم الاعتماد التلقائي على النتائج أو التوصيات، وضبط الخصوصية الرقمية من خلال مراجعة إعدادات التطبيقات الذكية وتحديد البيانات التي تتم مشاركتها، واستخدام أدوات الأمان مثل برامج منع الإعلانات وVPN، والإبلاغ عند وجود اختراقات أو استخدام غير آمن للتطبيقات والخدمات الذكية.

ما بين الاستخدام المسؤول والدخول في دوامة الاعتمادية النفسية، تبقى العلاقة مع الذكاء الاصطناعي خاضعة لمعادلة دقيقة من الوعي، والتعليم، والرقابة الذاتية.

ففي النهاية، ما يُقرر إن كان الذكاء الاصطناعي أداة تمكين أم عائقًا ذهنيًّا، هو طريقتنا في استخدامه ومدى قدرتنا على حماية تفكيرنا وصحتنا النفسية من آثاره الجانبية.

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي.. أداة للتمكين أم بديل يُضعف التفكير؟
  • السباق الاستخباراتي على الذكاء الاصطناعي
  • معضلة الذكاء الاصطناعي والمؤلف العلمي
  • خبراء يكشفون خطر الذكاء الاصطناعي على الدماغ
  • بي بي سي تختار مديرة تنفيذية من ميتا لإدارة الذكاء الاصطناعي
  • وضع الذكاء الاصطناعي يصل إلى الشاشة الرئيسية في هواتف أندرويد
  • الذكاء الاصطناعي 2025: ملامح حياة يعاد تشكيل مستقبلها
  • عائدات AT&T تتضاعف نتيجة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي
  • حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
  • هل تنفجر معدلات النمو الاقتصادي في زمن الذكاء الاصطناعي؟