القاهرة للدراسات: تمكين المرأة يحقق رؤية مصر 2030 واستراتيجية التنمية المستدامة
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية و الاستراتيجية، إن مصر تبذل جهوداً كبيرة في إطار الحماية الاجتماعية لدعم السيدات و تمكينهن اقتصاديًا، خاصة من الأسر الفقيرة، بهدف تحويلهن من الاحتياج إلى الإنتاج , لهذا أعدت الدولة الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة والحفاظ على حقوقها ووضعها في المكانة التي تليق بقيمتها وقدراتها و تضحياتها على مدار التاريخ، التزاماً بالدستور المصري الذي يعبر عن إرادة الشعب المصري والذي رسخ قيم العدالة والمساواة، وإعمالاً لما جاء به من مبادئ تكافؤ الفرص، وما كفله للمرأة مـن حقـوق، واتساقاً مع رؤية مصر 2030 و استراتيجيتها للتنمية المستدامة التي تسعى لبناء مجتمع عادل، يضمن الحقوق والفرص المتساوية لأبنائه وبناتـه من أجل أعلى درجات الاندماج الاجتماعي لكافة الفئات، وإيماناً من الدولة المصرية، بأن الاستقرار والتقدم لن يتحققا إلا من خلال ضمان مشاركة فاعلة للمرأة في كافة أوجه العمل الوطني
أضاف "السيد" في تصريحات صحفية اليوم, شهد ملف تمكين المرأة المصرية طفرة غير مسبوقة محلياً ودولياً خلال العشر سنوات الأخيرة حيث تم ترجمة الحقوق الدستورية للمرأة إلى قوانين واستراتيجيات وبرامج تنفيذية تقوم بها جهات حكومية وغير حكومية.
ومن بين أبرز المشروعات والمبادرات التي تهدف إلى تحقيق هذا الهدف
و من ضمن المبادرات الداعمة لهذا التوجه ( برنامج “تكافل وكرامة” حيث تمثل نسبة المستفيدات من النساء 76% من إجمالي المستفيدين، بما يعادل 3.6 مليون سيدة, و زيادة الدعم المقدم لهن، و يقدم البرنامج مساعدات نقدية مشروطة لتحسين مستوى المعيشة والتعليم والصحة للأسر المستفيدة.
كذلك “برنامج مستورة” و الذي يصل عدد المستفيدات منه لأكثر من 27 ألف سيدة, و يبلغ إجمالي التمويل للبرنامج نحو 560 مليون جنيه مصري, موضحا ان الهدف من ”مستورة" تقديم قروض ميسرة للنساء لتمويل مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر، مما يعزز التمكين الاقتصادي.
و قال مدير مركز القاهرة للدراسات , من أهم البرامج الداعمة لتمكين المرأة المصرية ما يقدمه “جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة” و تبلغ نسبة المشروعات الموجهة للمرأة 45% من إجمالي المشروعات، بإجمالي تمويل 15.4 مليار جنيه مصري، و بلغ عدد المشروعات 870.3 ألف مشروع حتى نهاية يناير 2024, و يقدم الجهاز العديد من الخدمات منها ( تمويل ميسر، تدريب، وخدمات تطوير الأعمال لدعم السيدات في إنشاء وتطوير مشروعاتهن) , و أيضا إطلاق مبادرة “حياة كريمة” و تهدف إلي تطوير القرى الأكثر فقرًا، بما في ذلك تمكين السيدات في الريف من خلال برامج تدريبية وتوفير فرص عمل.
• الأنشطة: تقديم تدريبات على الحرف اليدوية والصناعات الغذائية، وتعزيز دور المرأة في التنمية المحلية.
و أوضح السيد أنه من برامج المبادرات كذلك , برنامج الشمول المالي والادخار والإقراض الرقمي “تحويشة” و الذي يستفيد منه 1.8 مليون سيدة في 14 محافظة حتى الآن, و يعمل علي تعزيز الشمول المالي للنساء من خلال توفير خدمات الادخار و الإقراض الرقمي, كما تبنت الحكومة من خلال “صندوق التنمية المحلية ” و تصل نسبة المشروعات الموجهة للمرأة من خلاله إلي 65% من إجمالي المشروعات , و تستفيد منه 19.2 ألف سيدة حتى 4 مارس 2024, بتقديم قروض ميسرة لدعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر للنساء في المناطق الريفية.
كما تم إطلاق برنامج “ريادة الأعمال” لتدريب 136 ألف سيدة على إدارة مشروعاتهن, من خلال محتوى تدريبي يشمل ( التخطيط، التسويق، المفاهيم الأساسية لريادة الأعمال، وإدارة الوقت والمسؤوليات)
و أشار الدكتور عبد المنعم السيد إلى مبادرات “البنك المركزي المصري للشمول المالي” ليصل عدد النساء المالكات لمنتجات مالية إلي 21 مليون سيدة حتى 2024, و تقدم المبادرة المنتجات المالية المتاحة لنحو 1.4 مليون منتج خلال فعاليات الشمول المالي للمرأة منذ 2019 حتى 2024 , كما امتد تمكين المرأة ليشمل
“السياسات التشريعية والدعم المؤسسي ” من خلال ( دعم المساواة في سوق العمل , و إصدار تشريعات لضمان حق المرأة في العمل, و تشجيع القطاع الخاص على توظيف النساء و منحهن فرصًا متساوية.
و عن تمثيل المرأة في المناصب القيادية أوضح السيد، ارتفعت نسبة تمثيل المرأة في المناصب الحكومية إلى 28% حتى عام 2024, و تشجيع مشاركة المرأة في البرلمان والمجالس المحلية , و دعم التعليم والتدريب المهني للمرأة , كما كان هناك العديد من المبادرات الأخري منها ( مبادرات التدريب والتأهيل من خلال " المجلس القومي للمرأة "لذي يقدم برامج تدريبية للنساء في مجالات التسويق، التخطيط، والحرف اليدوية , و تدريب 136 ألف سيدة على ريادة الأعمال , و توفير ورش عمل لتعليم النساء المهارات الإنتاجية مثل الخياطة والتطريز والصناعات اليدوية.
و أشاد مدير مركز القاهرة ببرامج “محو الأمية” و قيام الدولة بتنفيذ حملات محو أمية المرأة في المناطق الريفية، مما يعزز فرصها في سوق العمل, و تعزيز الحماية الاجتماعية للمرأة , و كذلك برامج “ الرعاية الصحية” و الاهتمام بإطلاق برامج توعية صحية للمرأة، مثل برنامج “2 كفاية” للحد من الزيادة السكانية,
والعمل على تحسين الخدمات الصحية للأمهات الحوامل والأطفال.
و أيضا برامج" دعم المرأة المعيلة" بتخصيص برامج لرعاية النساء الأرامل والمطلقات من خلال الدعم المالي والتمويل, و تمكين المرأة المعيلة من خلال مشروعات صغيرة تساعد في تحسين دخلها.
وأكد أن هذه البرامج التمويلية والاجتماعية و التشريعية تهدف إلى تعزيز الاعتماد على الذات للسيدات, و تقليل معدلات الفقر من خلال تحويل الأسر الفقيرة إلى أسر منتجة, و تحسين مستوى التعليم والصحة لدى الأجيال الجديدة, كما ان هذه الجهود تعكس التزام مصر بتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة اقتصاديًا و اجتماعيًا، مما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة , مؤكد أن الأثر الإيجابي للجهود الحكومية يتمثل في ( “زيادة المشاركة الاقتصادية” حيث ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 19.7% عام 2023, و “ تقليل معدلات الفقر” حيث تم تحسين الوضع الاقتصادي للعديد من الأسر الفقيرة , و" تحقيق التنمية المستدامة" بدعم المرأة و هو ما يُسهم في تحسين جودة الحياة للأسر بشكل عام.
وتابع:" تظهر جهود الحكومة المصرية بوضوح في سياساتها ومبادراتها التي تستهدف تمكين المرأة وتحسين الأوضاع المعيشية للأسر الفقيرة، مما يعزز من دورها في المجتمع ويقلل من الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بين الجنسين، إلا انه مازال ملف مظلة الحماية الاجتماعية و تمكين المرأة و الاسرة المعيلة يحتاج للمزيد من جهود الدولة المصرية لتقليل معدلات الفقر و تحويل الاسر من العوز الي اسر قادره علي كسب العيش في ظل ارتفاع الأسعار و مواجهه التضخم".
ولن يتحقق هذا إلا بمزيد من المبادرات و التوسع في الاعمال الحالية لتشتمل مظلة الحماية الاجتماعية لكافه النساء و الفتيات و الاسر الأكثر احتياجا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: تمكين المرأة المصرية الدكتور عبدالمنعم السيد الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة الحمایة الاجتماعیة تمکین المرأة المرأة فی ألف سیدة من خلال
إقرأ أيضاً:
المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني بين نهوض الهوية وتحدي الاستعمار
الكتاب: المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطانيالمؤلف: حنان عسلي شهابي.
الناشر: دار منشورات الرمال، 2016م
الصفحات: 412 صفحة
إن سجل تاريخ المرأة الفلسطينية ضمن النسيج العام لتاريخ فلسطين، لا في المجالين السياسي والوطني فقط، بل أيضاً في المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ذو أهمية بالغة لما له من أثر في إعطاء المرأة ما تستحق من تقدير غفل عنه كثيرون، تقول الشهابي: "ما دفعني إلى العمل على متابعة نشاطات المرأة الفلسطينية في تلك الفترة، وتسجيلها هو إهمال التاريخ المكتوب عنها، فلا ترى إلا مقتطفات صغير هنا وهناك تم التطرق فيها إلى دور المرأة.. لأن ما سجل عن تاريخ تلك الفترة هو تاريخ الرجل الفلسطيني، ولم يكن للمرأة فيه نصيب يذكر".
كان على المرأة في ذلك الوقت أن تخوض معركتين: الأولى ضد تقاليد المجتمع التي كانت تحرمها حقوقها الاجتماعية، والثانية: وهي الأهم تتمثل في معركتها ضد عدو البلد الأساسي، ويشمل المستوطنين الصهيونيين والإدارة البريطانية التي حكمت فلسطين، وهي وإن اختارت أن تؤجل المعركة الأولى لتعطي الثانية الأولوية بحكم الأوضاع، إلا أن مشاركتها السياسية أدت إلى انطلاقها الاجتماعي بالتدريج.
استخدمت المرأة كل ما توفر لها من وسائل، وما لديها من قوة وعزم لمقاومة احتلال أرضها، حتى أنها أضحت في طليعة المعركة بعد أن بات الخطر يتهدد حياتها ومعيشتها، وكان أمام المرأة الفلسطينية عدة خيارات: إما أن تنغلق على نفسها في عالمها الخاص متجاهلة ما يحدث حولها، وإما أن تدفع أفراد عائلتها من الرجال نحو المقاومة والكفاح، وإما أن تقوم بالمشاركة الفعلية في الحركات الشعبية، وتنظيم النشاطات النسائي المتعددة لمساعدة المناضلين والثوار المدافعين عن الوطن(ص15).
كان على المرأة في ذلك الوقت أن تخوض معركتين: الأولى ضد تقاليد المجتمع التي كانت تحرمها حقوقها الاجتماعية، والثانية: وهي الأهم تتمثل في معركتها ضد عدو البلد الأساسي، ويشمل المستوطنين الصهيونيين والإدارة البريطانية التي حكمت فلسطين، وهي وإن اختارت أن تؤجل المعركة الأولى لتعطي الثانية الأولوية بحكم الأوضاع، إلا أن مشاركتها السياسية أدت إلى انطلاقها الاجتماعي بالتدريج.في الواقع إن جذور طرح قضية المرأة في فلسطين لم تكن ناتجة من صراعات اجتماعية داخلية كما حدث في الغرب، لأن احتلال الأرض بالقوة والعنف جعلا التناقض الأساسي موجوداً بين الشعب بكل فئاته وشرائحه وبين قوات الاحتلال البريطاني والصهيوني، وأصبح وجود التناقضات الاجتماعية والطبقية أقل أهمية، فكل المنظمات النقابية والنسائية والطلابية جندت للكفاح الوطني، فلا عجب إذن من أن تكون الصلة بين المرأة الفلسطينية والوضع السياسي في فلسطين دائماً وثيقة، فكانت ومازالت أكثر نساء العالم انغماساً في السياسة، واخذت على عاتقها قضية الاستقلال الوطني على جدول أولوياتها، أما قضايا حقوق المرأة ونضالها من أجل التحرر والمساواة فطرحت كرافد من روافد السياسة، تحققها من خلال مشاركتها النضالية.
من مجمل الكتاب تستطيع أن نرى أن حياة المرأة الفلسطينية في تلك الفترة كانت سلسلة من الكفاح على المستويات كافة والواقع أن المرأة منذ بداية القرن العشرين، بدأت تستفيق من سباتها بالتدريج، فالتحقت أفواج من الفتيات بالمدارس، وأخذت المرأة تدخل مجال العمل في التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية، وظهرت بوادر نهضتها الثقافية، كما تحركت اجتماعياً عندما لمست ما كان يعانيه شعبها من مظاهر الفقر والعوز، فهبت لتأسيس الجمعيات الخيرية بالعشرات لمساعدته في التغلب على صعاب الحياة.
الواقع الاجتماعي للمرأة الفلسطينية
يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني ثلاث صور متنوعة: الأولى صورة الإنسانة المقموعة المتخلفة التي تعيش في عالمها الخاص؛ الثانية صورة المرأة الريفية الكادحة المرهقة من أعباء الحياة؛ ثالثة، صورة سيدة من العائلات الكبيرة نشيطة في الحق الاجتماعي، لكنها بعيدة عن هموم سائر النساء من الطبقات الأخرى، "ليعلم الوجهاء الذين يفكرون في عمل أي شيء نافع للبلاد، وفي إقامة بناء جديدة للوطنية أن كل بناء لا يكون قائماً على أساس تربية الفتاة والمرأة فأساسه يكون على الرمل".
كتبت الشاعرة فدوى طوقان عن وضع نساء عائلتها في نابلس في ثلاثينات القرن الماضي " فالعالم الخارجي كان تابو محرماُ على نساء العائلة فلا نشاطات اجتماعية ولا اهتمامات سياسية كانت أمي واحدة من أعضاء جمعية خيرية نسائية، ولكن هذا لم يغير من الصورة شيئاً، فقلما كانت تشترك في اجتماعات الجمعية، ولم يسمح لها بالسفر لحضور المؤتمرات النسائية كغيرها من أعضاء الجمعية، ولم يسمح لها قط بالمشاركة في السير في مظاهرة نسائية، فتقاليد العائلة لم تسمح بهذا مطلقاً".
دور البريطانيات المشبوه في تشويه صورة المرأة الفلسطينية:
يقول فرانز فانون في كتابه "البؤساء في الأرض": "إن المستعمر يعتبر أن الشعوب التي يستعمرها لا تملك أي قيم أخلاقية، لذلك فإن واجبه يقتضي أن ينقل إليها قيمه ومبادئه لينقذها من براثن الجهل والتخلف"، وهذا ينطبق تماماً على نظرة بريطانيا إلى الشعب الفلسطيني، وإلى المرأة الفلسطينية بالذات، فتعتبر بريطانيا أن ميزان التقدم الاجتماعي للمرأة هو مدى تخليها عن اللباس التقليدي وبعهدها عن ثقافتها الأصلية، لتصبح شبيهة بالمرأة الأوروبية من حيث المظهر والثقافة، وقد أدت النساء البريطانيات دوراً فعالاً في تثبيت أقدام الاستعمار الإنجليزي ومساعدته في تحقيق أطماعه في فلسطين، فقمن بشن غزو ثقافي على الشعب الفلسطيني في محاولة للتلاعب بمفاهيمه وتطويعه للاقتناع بثقافتهن وقيمهن، إذ كن في الواقع الواجهة الأمامية لهذا الاستعمار.
إن المستعمر يعتبر أن الشعوب التي يستعمرها لا تملك أي قيم أخلاقية، لذلك فإن واجبه يقتضي أن ينقل إليها قيمه ومبادئه لينقذها من براثن الجهل والتخلف..اتفق كثير من المفكرين على أن مقياس تقدم أي مجتمع أو تأخره يرجع بالضرورة إلى وضع المرأة فيه، ومدى ما تتمتع به من مكانة محترمة، وأكد المفكر الفلسطيني هشام شرابي في كتابه" مقدمة لدراسة المجتمع العربي" أن تحرير المرأة من العبودية شرط من شروط القضاء على التخلف ورأس حربة التغيير الاجتماعي والثقافي".
تحاملت الكاتبة البريطانية ماري إليزا روجز على المرأة الفلسطينية قائلة: " الأمل الوحيد بتقدم المرأة الفلسطينية يعتمد على مدى استفادتها من التعليم الذي يقدم الإنكليز لها ومدى اطلاعها على الثقافة البريطانية"، وردت الكاتبة الفلسطينية متيل مغنم عام 1936م على مثل تلك الادعاءات " تعتقد النساء الانكليزيات أن المرأة العربية غير مثقفة، وأنها تعرف اللغة العربية فقط، وتلبس الحجاب وتهرب عند مشاهدة الرجال..."
السياسة التعليمية البريطانية
كانت سياسة حكومة الانتداب في فتح المدراس تقوم على التمييز المبنى على ثلاثة مستويات: أولها: التمييز بين عدد مدارس العرب وعدد مدراس اليهود؛ ثانيها التمييز بين عدد مدارس الإناث ومدراس الذكور؛ ثالثها: التمييز بين مدارس المدن ومدراس القرى، وبذلك فإن الفتاة العربية الريفية المسلمة كانت الأقل حظاً في التعليم " مما يؤكد سياسة التمييز التي اتبعتها حكومة الانتداب أيضا أن نسبة الذين حرموا التعليم من أطفال اليهود سنة 1944م، لم يتجاوز 3%بينما بلغت نسبة أولاد العرب المحرومين منه 67.5%، وكانت استراتيجية التعليم الحكومي تهدف في الأساس إلى إبقاء البنية التحتية المتخلفة للمجتمع العربي الفلسطيني كما هي، وعدم احداث أي تحولات اجتماعية من شأنها أن تخلخل هذه البنية التي كانت تقوم على أساس تقسيم المجتمع إلى طبقات متفاوتة في الدخل والثقافة والوضع الاجتماعي، وكان هدف التعليم عند بريطانيا هو تحسين وضع الفرد مع إبقاء السيطرة على الوضع الاجتماعي كما هو، فهدفهم ايجاد طبقة من الموظفين يعرفون القراءة والكتابة، وإلى عمال كادحين لا يمكن استغلالهم إلا إذا كانوا جهلة جهلاً مطبقاً(ص67).
بدأ النشاط الثقافي النسائي في فلسطين في الثلث الثاني من القرن التاسع عشر، إذ ظهر في بعض المدن الفلسطينية عدد من النشاطات النسائية المتفرقة، كفرقة الكرمل التمثيلية التي استطاعت القيام بأدوار رواية هملت المعقدة، ونجحت فيها كأسماء خوري وثريا أيوب، وفي أواسط العشرينات من القرن الماضي نجحت السيدة أسمى طوبي في خوض الكتابة المسرحية بمسرحية" مصرع قيصر روسيا وعائلته" ونشرتها في عكا، ومثلت في فلسطين ثلاث مرات، وفي لبنان تسع مرات.
ظهرت في القدس الصالونات الثقافية والسياسية التي انتشرت في بيوت النخبة، وكانت تجمع المثقفين والكتاب والسياسيين، ومن تلك الصالونات منزل جورج أنطونيونس، مؤلف كتاب يقظة العرب وزوجته كيتي، وكانا يقيمان بقصر المفتي الحاج أمين الحسيني في حي الشيخ جراح وأنطونيونس من أصل لبناني، وزوجته ابنة فارس نمر صاحب صحيفة المقطم اليومية القاهرية، وبالإضافة إلى دور الاثنين السياسي، وتأثيرهما البالغ في الحاج أمين الحسيني، فإنهما أديا دوراً في صنع المشهدين الثقافي والسياسي المقدسي والفلسطيني في عصرهما، ومثل جورج أنطونيونس الشخص المختار الذي قام بدور الجسر الخاص كي يعبر من فوقه العرب إلى الانجليز، ويمر من فوقه الإنجليز إلى العرب(ص121).
وعلى الرغم من ذلك فكان لكيتي دور إنساني، إذ أنشأت مؤسسة لإيواء الأطفال الفلسطينيين ضحايا المجازر الصهيونية في دير ياسين عام1948، وأطلق على هذه المؤسسة اسم دار الأولاد، وساعدها في تأسيسها عدد من أبناء القدس العاملين في الشؤون الاجتماعية مثل: سلطانة حلبي مفتشة دائرة العمل آنذاك، والسيد كنترفيتش من غزة مدير القسم الداخلي في الكلية العربية بالقدس، أما إيرادات الدار فجمعت من تبرعات المحسنين، وإذا حجز عجز كانت السيدة أنطونيوس تسده من مالها الخاص، وعاش المشروع عدة سنوات حتى قررت كيتي التنازل عنه فجأة بداعي السفر، ولعلها أحست بقرب وقوع كارثة عام 1967م.
الدور السياسي للمرأة في عهد الانتداب:
تقول متيل مغنم:" نحن نود أن نعلن للعالم أجمع، شرقه وغربه، أنه على الرغم من هذه الإدارة الاستعمارية، فإننا سنواصل العمل يداً بيد كي نحصل على حقوقنا الوطنية، لقد بات معروفا الآن تماما أن الاستقلال يؤخذ ولا يمنح، وأن كفاح أي أمة للحصول على حقوقها المنتهكة، واستعادة سيادتها المغتصبة لا بد أن يؤتي ثماره"، كان من البديهي أن تصبح السياسة جزءاً لا يتجزأ من حياة المرأة الفلسطينية منذ بداية عهد الانتداب البريطاني حتى يومنا هذا، بدأت الجمعيات النسائية في فلسطين بالظهور مطلع القرن العشرين، بين صفوف الطبقتين العليا والمتوسطة في المدن اللواتي كن يتمتعن بقليل من الحرية، وبقدر كاف من التعليم، وكان الهدف من تأسيس تلك الجمعيات هو المساهمة في العمل الخيري والإنساني، والنهوض بالمجتمع ككل، فكانت أقدمها الجمعيات الأرثوذكسية جميعة خيرية نسائية في عكا عام 1903م، وهي جمعية إغاثة المسكين الأرثوذكسية، لمساعدة الأسر المعوزة، وتجهيز الفتيات الفقيرات من بنات الطائفة الأرثوذكسية بما يلزمهن للزواج.
أسست السيدتان زليخة الشهابي، وكاميليات سكاكيني نواة أول اتحاد نسائي فلسطيني في القدس عام 1921م، وكان تعاون هاتين السيدتين رمزاً للتأخي والإسلامي المسيحي، وعنى هذا الاتحاد برفع مستوى المرأة فاتجه الى حقل التعليم والتدريب، وأخذ منحى وطنياُ فبدأ يشارك في التظاهرات ضد الانتداب البريطاني، والوقوف في وجه الاستيطان الصهيوني، أما الحركة النسائية الفلسطينية الفعلية، فقد بدأت بعد المؤتمر النسائي الفلسطيني الأول، إذ تم تأسيس جمعية السيدات العربيات في القدس عام 1929م، التي ما لبثت أن فتحت فروعاً لها عمت معظم مدن فلسطين كيافا والناصرة وعكا ونابلس وحيفا وغزة ورام الله، وامتدت إلى انحاء فلسطين كلها" لم يكن للحركة النسائية رؤية واضحة عن مستقبل البلد السياسي، لكنها اتبعت ما تقرره القيادة الوطنية للرجال بهذا الشأن، ومع ذلك فقد سعت لترسيخ المفهوم القومي لدى الفلسطينيات من خلال تعميق ارتباطاتهن بالحركات الثورية العربية العالمية،" وأخذ على تلك الجمعيات أنها اعتمدت على نساء من شريحة اجتماعية ضيقة لم تعان ما تعانيه المرأة العادية جراء شتى أنواع الاضطهاد، وأطلق على هذه الفئة من السيدات لقب سيدات المجتمع، فالنساء القرويات لم يكن لديهن لا الوقت ولا الرغبة في الانضمام إلى الجمعيات لانشغالهن بالعمل المرهق في البيت والحقل(ص167).
لا بد لنا أن نعترف بأن نضال المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني خلق جيلاً جديداً من النساء كسر حاجز الخوف، وانطلق ليبني نهضة نسائية متسلحاً بالإرادة والتصميم، وكان يؤمن بالوطن والمواطن ويعمل من أجلهما، وأرسى ما قدمت به المرأة من دور إيجابي قاعدة متينة بنت عليها الأجيال النسائية فيما بعد، ويكفي أن ندرك قيمة العمل الذي قامت به هؤلاء النسوة عندما نتخيل الوضع لو لم يكن لهن أي نشاط قط!.ليس أدل على أهمية الدور الذي قامت به المرأة الفلسطينية أثناء ثورة عام 1936م، من إشارة موشيه شاريت في يومياته 22/7/1936م، إلى مشاركة النساء العربيات الشابات في نشاطات الثورة بقوله:" إن هذه المشاركة اكسبت الثورة الفلسطينية طابعاً ثورياً "، وكتب المؤرخ السويدي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط تيد سويدنييرغ أهمية دور المرأة الريفية في المقاومة" إن دور المرأة كان أساسياً لتمكين الثوار من الاندماج في سكان الريف، والاستمرار في المقاومة المسلحة، والفرار من الكشف والاعتقال"(ص203).
الواقع أن النشاط النسائي الفلسطيني في تلك الفترة تمثل في نشاط فئتين مختلفتين من النساء قامت كل فئة منهما بدورها الوطني بطريقتها الخاصة، فكان دور الفئة الأولى: فئة نساء المدن اجتماعياُ وسياسياً، بتنظيم سلسلة من التظاهرات التي نددت بالإجراءات العنيفة التي مارستها الحكومة من اعتقالات وقتل ونسف بيوت وعقاب جماعي، وكانت الحكومة البريطانية تخشى التظاهرات النسائية، وتحاول اقناع الرجال العرب بالتدخل لمنعها، لحرص الانجليز على عدم تجاوز الحدود الأخلاقية ضد مهاجمة النسا، أما دور الفئة الثانية من نساء القرى تموينياً وعسكرياً مسانداً .
تشير متيل مغنم في خطاب ألقته من أمام مسجد عمر في القدس عام1933م " إننا نرى أمامنا ظلال إبادتنا الكاملة كشعب، وطردنا من أرضنا التي عشنا عليها نحن وآباؤنا وأجدادنا قروناً عديدة، ومع ذلك لم نفقد الأمل... ونحن نقف بوقار في مسجد عمر بن الخطاب، الفاتح العربي الكبير، لنسترجع لبرهة ماضينا ولنستمد من تاريخنا المجيد درساً لمستقبلنا وحافزاً لكفاحنا الوطني"، ما توقعته متيل مغنم من تشريد وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه تحقق فعلاً بعد خمسة عشراً عاماً، وتم تمزيق أوصال المجتمع الفلسطيني بكامله، ولا شك في أن نجاح هذه السيدة في استشراف المستقبل في تلك الفترة المبكرة من تاريخناً، يظهر مدى حكمتها.
أما موقف القيادة السياسية من الرجال من الحركة النسائية فكان محصوراً في تشجيع المرأة على القيام بدورها التقليدي ضمن أطر وأشكال تنظيمية خاصة بها، وليس أدل على تفوق وفعالية المرأة في الحركة النسائية عن فعالية الرجل في الحركة الوطنية، هو أن الصحف، عندما عقدت مقارنة بين الحركتين، كانت باستمرار تمدح الأولى وتنتقد الثانية، وقد كتب أحد كتاب أنها خلال ثورة عام 1936 -1939م، أرسلت النساء برقيات احتجاج على السياسة البريطانية تفوق كثيراً تلك التي أرسلها الرجال، كذلك قارون بين تظاهرات النساء في حيفا التي وصلت إلى مركز الحكومة، بينما لم تتمكن تظاهرة الرجال من تخطي عتباته، بل أن نساء حيفا وجهن رسالة إلى الرجال ليتحدوا، ولما وصلت الرسالة غضب أحد الرجال غضباً شديداً ودعا إلى معاقبة النساء، وفعليا كان تلك السيدات الوحيدات اللواتي يرفعن أصواتهن ضد الحكومة، بينما كان الرجال يجتمع بحاكم المقاطعة في حكومة الانتداب البريطاني ( ص259).
لا بد لنا أن نعترف بأن نضال المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني خلق جيلاً جديداً من النساء كسر حاجز الخوف، وانطلق ليبني نهضة نسائية متسلحاً بالإرادة والتصميم، وكان يؤمن بالوطن والمواطن ويعمل من أجلهما، وأرسى ما قدمت به المرأة من دور إيجابي قاعدة متينة بنت عليها الأجيال النسائية فيما بعد، ويكفي أن ندرك قيمة العمل الذي قامت به هؤلاء النسوة عندما نتخيل الوضع لو لم يكن لهن أي نشاط قط!.