شيخة الجابري تكتب: حديث حول التراث ومعتقداته
تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT
يربط الكثير من المهتمين والباحثين بين الأسطورة والطقس والمعتقد والخرافة، ويرون أن النسبية في الخرافة تعد رابطاً بين الأجناس الأخرى للتراث، ذلك أن الخرافة والمعتقدات كانا يشكلان الوعي بالطقوس التي تتركز أكثر ما تتركز في العادات والتقاليد والسلوكيات والتصرفات المرتبطة ارتباطاً مباشراً بالمعتقد، فهناك طقوس ترتبط بعادات الميلاد مثلاً أو الزواج أو الوفاة أو دورة الحياة بشكل عام، إن هذا التداخل يعمل كثيراً على بلورة رؤية واضحة حول مفهوم التراث ودلالات العناصر الأخرى فيه.
وكما هو معلوم أن التراث يمثل الذاكرة الحية للمجتمعات، تلك الذاكرة التي دون حضورها لا تنمو معرفياً، ولا تحتفظ بماض وتاريخ وذاكرة أرشيفية تعبّر عنها، وما يحمله التراث من تنوع ثقافي يعتبر مخزوناً حيوياً للمجتمعات التي بدأ بعضها يفقد أواصر الود بين القديم والحديث، بعد أن انسلخت بعض المجتمعات عن ماضيها وتنصلت عن ثقافتها المادية واللامادية البكر، فسارت بسرعة غريبة نحو العولمة، وانساقت للآخر، متناسية ما يقدمه التراث باعتباره إرثاً حيوياً يحمل العديد من الحلول لمشكلات عالقة تعانيها المجتمعات، بخاصة الاجتماعية منها.
فعلى سبيل المثال، يستند مجتمع الإمارات على قيم وعادات وتقاليد منذ الأزل، وقد شكلت تلك التقاليد والأعراف الاجتماعية سوراً منيعاً أمام انهيار بعض القيم، فكانت «الفزعة» نظاماً اجتماعياً ساهم في حماية العلاقات الأسرية والمجتمعية وما يعتري العلاقات الإنسانية في المجتمع بخاصة في الشأن الأسري من تحولات وتصدعات قد تؤدي إلى تفككها وتدميرها لولا تدخل وفزعة الأقرباء والحكماء من منطلق الدين الذي يدعو إلى الشورى، والمجتمع الذي يدعو إلى التعاون، والتعاضد واحتواء الآخر.
من هنا تنبع الحاجة لإعادة الحياة إلى التراث الذي بات مهدداً بالاندثار ولم يتبقَ منه إلا الشكليات والمظاهر التي من خلالها يحتفى به، كالمعارض وما يتبعها من فعاليات ومشاركات فنية، إن حفظ التراث يعني محاولة إحياء بعض عناصره ضمن وعاء مهم هو مجتمعنا المتكامل بكل ما يحمل من تفاصيل زاخرة بالحياة والمفعمة بالعمل الجاد، وصولاً إلى التفرد والخصوصية.
ولا شك في أن الدولة تبذل عبر مؤسساتها الرسمية وبمساندة أبنائها الجهود الكبيرة للحفاظ على التراث بشقيه المادي واللامادي من خلال جمعه وحفظه وتدوينه، وتعمل كذلك على تعزيز الهوية الوطنية، والتأكيد على أهمية ما خلفه الأولون من عادات وتقاليد وطقوس وأعراف رسمت الطريق لهم لتأسيس مجتمعات تقوم على منظومة من القيم كالمحبة والتسامح والتواصل، وصولاً إلى تلاحم مجتمعي ضمن بيت متوحد نفخر بالانتماء إليه. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: شيخة الجابري أحوال التراث
إقرأ أيضاً:
في ذكرى 11 ديسمبر.. بن مبارك يشيد بوحدة الشعب ويؤكد دور الذاكرة الوطنية في تعزيز السيادة”
أشرف الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عبد الكريم بن مبارك اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025، على ندوة تاريخية بمناسبة إحياء مظاهرات 11 ديسمبر 1960.
وحضر الندوة حشد من الإطارات والمناضلين، حيث كانت سانحة لاستذكار تضحيات أسلافنا من المجاهدين والشهداء.
في كلمته، أكد الأمين العام للأفلان أن مظاهرات 11 ديسمبر تستند إلى عدة مرجعيات روحية ووطنية وسياسية. أولها مرجعية بيان أول نوفمبر، الذي أعلن القطيعة مع الاستعمار وربط المعركة بالحرية والكرامة وبناء الدولة الوطنية المستقلة.
كما أشاد الأمين العام بوحدة الشعب حول جبهة التحرير الوطني، التي حولت كل مواطن إلى خلية مقاومة وكل شارع إلى قلعة صمود.
وأضاف أن هذه المظاهرات تعكس مرجعية الرفض الجذري للمشروع الاستعماري، الذي حاول تفتيت الشعب وتشويه الهوية وتمرير أطروحة “الجزائر فرنسية”.
وأكد كذلك مرجعية الحق القانوني والتاريخي في السيادة، باعتبار الشعب الجزائري صاحب حضارة ممتدة ودولة ذات جذور عميقة قبل الاستعمار.
وتابع بن مبارك قائلا:”إنّ مظاهرات 11 ديسمبر لم تكن مجرد تجمعات احتجاجية، بل كانت معركة سياسية متكاملة نقلت الثورة من الجبال إلى المدن، ومن العلن إلى تأكيد العلن ودعمه، وأجبرت العالم على رؤية الحقيقة التي حاول المستعمر طمسها لأكثر من 130 سنة”.
وأضاف أن مظاهرات 11 ديسمبر تكشف أنّ الشعب الجزائري، رغم القمع والتنكيل والحصار، تمكن من إفشال كل الرهانات الاستعمارية، فقد خرجت الجماهير بمئات الآلاف، ترفع العلم الوطني وتردد بصوت واحد:
“الجزائر مسلمة… الجزائر حرة… جبهة التحرير الوطني تمثلنا …”
وهذه الدلالات التاريخية لا تزال حيّة إلى اليوم وتحتاج إلى قراءة واعية من خلال:
أولًا: إثبات الشرعية الثورية
لقد أكد الشعب الجزائري أنّ جبهة التحرير الوطني هي من تقوده، وأنها ليست تنظيمًا فوقيًا، بل حركة شعبية أصيلة، وبالتالي سقطت كل أطروحات الاستعمار حول ما سماه “الأقلية الصامتة”.
ثانيًا: تدويل القضية الجزائرية
فقد نقلت هذه المظاهرات الثورة إلى المنتظمات الدولية، خصوصًا الأمم المتحدة، ونسفت كل الدعاية الفرنسية التي حاولت تصوير الوضع على أنه “شأن داخلي”.
ثالثًا: انهيار المشروع الاستعماري
بفضل 11 ديسمبر، اقتنع العالم أنّ بقاء فرنسا في الجزائر لم يعد ممكنًا، وأن الشعب قرر مصيره بنفسه، مهما كانت التضحيات.
رابعًا: ولادة الوعي الوطني الحديث
لقد صنعت المظاهرات تحولًا عميقًا في وعي الجزائريين بذاتهم، بقدرتهم، بكتلتهم التاريخية الموحدة، وبحقهم في بناء الدولة الوطنية المستقلة.
السيدات والسادة الأفاضل،
لم تكن المظاهرات غاية في ذاتها، بل كانت وسيلة نضالية لتحقيق جملة من الأهداف الواضحة، التي يمكن تلخيصها في أربعة محاور رئيسية:
— تثبيت استقلالية القرار الوطني:
أي رفض كل أشكال التفاوض التي تتجاوز جبهة التحرير الوطني، وإسقاط ما كان يسمى “مشروع ديغول” الذي حاول الالتفاف على مطلب الاستقلال.
— توحيد الجبهة الداخلية:
فالمظاهرات شكلت إجماعًا وطنيًا شعبيًا حول الثورة، ورسخت وحدة الصف والهدف، وحمت الثورة من محاولات الاختراق الداخلي.
— تأكيد الطابع الشعبي للثورة المسلحة:
وأضاف أن الشعب أثبت أنّ الثورة ليست حركة نخبة، بل حركة أمة كاملة، وهذا ما أعطى الثورة شرعيتها التاريخية والسياسية.
— دعم العمل الدبلوماسي المكمل للعمل المسلح:
حيث ساعدت مظاهرات 11 ديسمبر 1960 في ترجيح الكفة لصالح الوفد الجزائري في المحافل الدولية، ودعمت المفاوضات التي ستقود لاحقًا إلى اتفاقيات إيفيان.
وتابع الأخ الأمين العام للحزب أن استحضار هذه الذكرى المجيدة اليوم لا ينفصل عن الجهود الكبيرة التي يبذلها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في مجال حماية الذاكرة الوطنية وترسيخها، فقد جعل رئيس الجمهورية من ملف الذاكرة أولوية سياسية وسيادية، إدراكًا منه بأن مستقبل الأمم لا يمكن أن يُبنى على النسيان، بل على الحقيقة، والاعتزاز بالهوية، واستعادة رموزها وقيمها.