26 كانون الثاني 2025...سجّلوا هذا التاريخ
تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT
ما أقدم عليه أهل الجنوب عندما واجهوا جيش العدو بصدورهم العارية في البلدات والقرى الحدودية، التي لم ينسحب منها على رغم انقضاء مهلة الستين يومًا على اتفاق وقف إطلاق النار، ليس جديدًا على اللبنانيين، الذين يشهد لهم التاريخ في مراحل مشرّفة من تاريخ نضالهم ضد كل الجيوش، التي حاولت فرض سيطرتها على أجزاء واسعة من الأراضي اللبنانية.
فكما أن أهل الجنوب يسطّرون اليوم ملاحم بطولية على أرضهم الغالية كذلك فعل من قبلهم جميع اللبنانيين الذين صمدوا في مواقعهم من الاشرفية إلى عين الرمانة والحدث وكفرشيما وزحلة وديربلا وشناطا وقنات. هذه هي حكاية اللبنانيين، إلى أي طائفة أو مذهب أو منطقة انتموا، مع بطولات المجد، والتي أجبرت العالم على تغيير جذري في المخططات الدولية والإقليمية.
هذا المشهد الجنوبي الذي كان متوقعًا أحدث صدمة مدّوية لدى المجتمع الدولي، الذي وقف مذهولًا أمام هذه الإرادة الفولاذية لشعب "إذا أراد يومًا الحياة فلا بد من أن يستجيب القدر ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ". وأمام هذه المشهدية وقف هذا المجتمع مندهشًا ومبهورًا، وأعاد إليهم مشاهد مماثلة عبر التاريخين القديم والحديث، سواء أكان في الجزائر أو في براغ أو في أي مكان آخر كان المحتل يفرض ارادته على الشعب، فكان له النصر، على رغم أن التضحيات كانت كبيرة.
لم يستهب أهل الجنوب الرصاص الإسرائيلي ولا دباباته ولا مدافعه ولا قنابله المسيلة للدموع؛ ولم تكن النسوة الجنوبيات في حاجة إلى تلك القنابل لتسيل دموعهن، إذ يكفيهن مشاهدة الدمار الذي أحدثه الحقد الإسرائيلي بمنازلهن وحقولهن وبساتينهن لتمتلئ عيونهن بالدموع والحسرات والآهات.
ومع دخول الأهالي إلى بلداتهم وقراهم المحتلة أعاد إلى الذاكرة ما سبق أن حذّر منه الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم من أن الصبر على الخروقات الإسرائيلية قد ينفد قبل انتهاء مدة الستين يومًا لاتفاق وقف إطلاق النار. وخاطب المنتقدين لصمت "الحزب" على الخروقات الإسرائيلية، وقال قاسم إن قيادة حزبه "هي التي تقرر متى تقاوم، وكيف تقاوم، وأسلوب المقاومة والسلاح الذي تستخدم"؟
وأضاف: “لا يوجد جدول زمني يحدد عمل المقاومة، وصبرنا على الخروقات الإسرائيلية مرتبط بالتوقيت المناسب لمواجهة العدو".
فما أقدم عليه الجنوبيون بالأمس هو نوع جديد من العمل المقاوم. ويعتقد كثيرون أنه لولا وقوف "حزب الله" وراء هذا التحرّك السلمي والمدني لما استطاع الأهالي أن يقدموا على هكذا خطوة، متكلين أيضًا على عناصر الجيش، الذين آزروا تحركهم الشجاع، مع مراعاتهم دقة الموقف وخطورة أي خطوة غير محسوبة وغير مدروسة. وبذلك يكون "حزب الله" قد فرض معادلته الثلاثية "الذهبية" "جيش وشعب ومقاومة"، ولو بلباس مدني، على أرض الواقع، وهو الذي بات متيقنًا أن هذه المعادلة لن تمرّ في البيان الوزاري للحكومة العتيدة، التي لا تزال توضع في طريق تشكيلها مطّبات كان البعض يعتقد أنها قد أصبحت من الماضي.
ولكن، وعلى رغم ما في هذا التحرّك الجنوبي من مواقف بطولية فإن فيه مخاطرة كبيرة كان يُفترض على "حزب الله" أن يتداركها قبل تشجيع الأهالي على اقتحام بلداتهم وقراهم باللحم الحيّ. هذا ما يقوله الذين يراقبون ماذا يجري في المنطقة من متغيّرات تتخطّى بأبعادها إرادة الشعوب والمطالبة بما هو حقّ مطلق. أمّا إذا استطاع الأهالي العزّل من فرض ارادتهم على هذا الواقع، وأجبروا جيش العدو على الانسحاب ليحل مكانه الجيش فسيسجّل لهم أنهم استطاعوا فرض اراداتهم على الآلة العسكرية. ولكن إذا بقي الوضع على ما كان عليه، وقد سقط من بين الأهالي المزيد من الشهداء والجرحى، يكون ما قاموا به مجردّ محاولة جريئة وشجاعة تُكتب وتُعلّم في كتب التاريخ ليس إلاّ.
فالساعات الفاصلة بين إرادة العودة وبين تجبّر الجيش الإسرائيلي كفيلة بوضع الأمور في نصابها الصحيح، خصوصًا أن قيادة الجيش مصممة على حماية أمن أهل الجنوب قبل أي أمر آخر. وهذا هو الأهمّ من المهم في تراتبية الأولويات. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: أهل الجنوب حزب الله
إقرأ أيضاً:
الخط الأصفر.. شريط الموت الذي يعزل سكان غزة عن بيوتهم
مصطلح يشير إلى المنطقة التي تراجعت إليها القوات الإسرائيلية بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الموقَّع في أكتوبر/تشرين الأول 2025. ورغم الاتفاق يُحظر على الفلسطينيين دخول المناطق السكنية والزراعية الواقعة خلف هذا الخط، وهو نطاق يشكّل نحو 58% من مساحة القطاع، ويواجه كل من يقترب منه خطر الاستهداف المباشر من الجيش الإسرائيلي.
ورغم كونه خطا افتراضيا في الأصل، فقد ثبّت الجيش الإسرائيلي كتلا إسمنتية صفراء كبيرة لتحديده ميدانيا، مُحوّلا إياه إلى حزام واضح يمثل نطاق تمركز قواته ضمن المرحلة الأولى من الاتفاق.
الموقعيمتدّ الخط الأصفر على طول قطاع غزة بعمق يتراوح بين كيلومترين و7 كيلومترات، ويبتلع نحو 52% من مساحة القطاع عبر تصنيفها مناطق قتال خطرة خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي.
يبدأ الخط من جنوب شمال غزة، مرورا بمناطق الوسط، وصولا إلى أطراف رفح جنوبا. وخلف هذا الخط، يتمركز الجيش الإسرائيلي في مناطق تشمل شرق مدينة غزة بأحيائها الشجاعية والتفاح والزيتون، إضافة إلى بلدات شمالية وهي بيت حانون وبيت لاهيا، ومناطق جنوب القطاع في رفح وشرق خان يونس.
وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول 2025 ظهرت مشاهد بدء وضع مكعّبات إسمنتية صفراء خارج الخط لتمييز حدوده ميدانيا. ووفق الخرائط المنشورة لخطوط انسحاب الجيش الإسرائيلي، احتفظ الجيش بسيطرة تتراوح بين 50 و58% من مساحة القطاع.
فاصل بين الحياة والموت
تعيش مئات العائلات القريبة من الخط الأصفر، في بلدة بني سهيلا شرقي خان يونس والشجاعية والتفاح والزيتون شرقي مدينة غزة، أوضاعا أمنية صعبة، بسبب القصف ونسف المباني المستمر.
فمنذ بدء سريان وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025، قُتل 356 فلسطينيا برصاص وقصف القوات الإسرائيلية، التي واصلت استهداف المدنيين رغم تثبيت حدود ميدانية للخط، بل طالت الاعتداءات مناطق تقع خارجه.
في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، دفع توسيع الجيش نطاق الخط نحو 300 متر داخل الأحياء المدنية إلى محاصرة عائلات لم تتمكن من الهرب. ووثّقت الجهات الرسمية أكثر من 80 خرقا للاتفاق، وتضمنت الانتهاكات إطلاق النار المباشر، والقصف، والأحزمة النارية، واستخدام دبابات وآليات متمركزة على أطراف الأحياء، إضافة إلى الطائرات الحربية والمسيرات التي استهدفت المدنيين.
إعلانوفي حوادث بارزة، قتلت القوات الإسرائيلية 11 فردا من عائلة أبو شعبان يوم 18 أكتوبر/تشرين الثاني 2025 في حي الزيتون بينهم 7 أطفال، أثناء محاولتهم العودة لتفقّد منزلهم. كما شهدت المناطق الشرقية برفح وخان يونس قصفا مدفعيا وجويا مكثفا.
كما استشهد شاب برصاص الجيش قرب الخط الأصفر في حي الزيتون، إضافة إلى استهداف خيام نازحين غربي خان يونس وقصف شرقي رفح وشرق حي التفاح.
مليشيات خلف الخط الأصفرانتشرت خلف الخط الأصفر في قطاع غزة مجموعات من المليشيات المحلية التي برز حضورها في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي، وتشكلت معظمها عام 2025 بسبب الفراغ الأمني وتداعيات الحرب.
في رفح ومحيطها، ظهرت مجموعة "القوات الشعبية"، في مايو/أيار 2025 بقيادة ياسر أبو شباب قبل تصفيته. ونشأت المجموعة شرقي المدينة عقب العملية العسكرية الإسرائيلية على رفح، وتُتهم بنهب جزء كبير من المساعدات الإنسانية التي وصلت إلى جنوب القطاع، في حين تزعم وسائل إعلام إسرائيلية أنها تتعاون مع الاحتلال، وهو ما نفاه أبو شباب وفريقه مرارا.
أما في خان يونس، فقد تصدر حسام الأسطل قيادة مليشيا أعلن عنها في أغسطس/آب 2025 باسم "القوة الضاربة لمكافحة الإرهاب"، وظهر الأسطل في تسجيلات داخل مناطق يمنع الفلسطينيون من دخولها بموجب المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.
وتتهمه وزارة الداخلية في غزة بالتعامل مع إسرائيل، إذ كان معتقلا لديها حتى اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي شرق غزة، وتحديدا في حي الشجاعية، برزت مجموعة بقيادة رامي عدنان حلس، وأفادت تقارير صحفية بأن عناصره ادّعوا السيطرة على أراضٍ شمالي القطاع.
وفي أقصى الشمال، تزعم أشرف المنسي ما يسمى "الجيش الشعبي" في بيت لاهيا وبيت حانون، وكانت مجموعته تحظى بدعم مباشر من ياسر أبو شباب قبل مقتله.
تشكلت تلك المجموعة في سبتمبر/أيلول 2025، وأظهرت تسجيلات مرور قوافل إمداد تضم الوقود والمياه والمؤن باتجاه مقارها في الشمال، عبر مناطق تخضع لسيطرة أو مراقبة القوات الإسرائيلية.
وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن هذه المجموعات تلقت دعما وتوجيها مباشرا من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شاباك) ومن الوحدة 8200 التابعة للجيش الإسرائيلي.