بوابة الوفد:
2025-12-13@10:22:17 GMT

وتموت حتة منى!

تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT

إنه قريب، قريب جدًا أكثر مما نتصور، هذا العملاق الهائل، الواضح الغامض المتسلل، المرعب المريح إنه «الموت» تلهينا عنه الدنيا، فننساه وننسى أنفسنا، نتصارع فى الحياة على متاع الدنيا ولهوها، سلطانها ونفوذها، ونتصور فى أكثر الأوقات أنها دائمة لنا بزهوها، وفى لحظة فارقة ينتهى كل شىء، ونفيق حين تسقط يد كانت تتشبث بك بقوة، وينهار جدار كنت تستند عليه فى أمان، ويختفى وجه كنت تطمئن بابتسامته، ويتوقف قلب كنت تغترف من حنانه، وتصمت كلمات كانت تواسيك فى شدتك، فتصرخ وحدك فى فضاء فسيح معتم خلا من تلك اليد والقلب والسند، لأنه ببساطة ملك الموت أخذ روح هذا الشخص الغالى عليك.

. القريب منك وسلمها لبارئها، وتركك وحدك مع ألف سؤال وسؤال بلا إجابة، تتمحور كل الأسئلة فى جوهر كلمة واحدة، لماذا؟
فى كل مرة حين يسترد الله روح إنسان غالٍ على هو قطعة منى وأنا قطعة منه، أو نحن قطع من ذات الرحم، يموت معه جزء منى، من قلبى، يظلم جانب من روحى ويصبح فارغًا، أمى، ثم أبى، ثم شقيقى فايز الذى مات فى ريعان شبابه فجأة فى دقائق دون أى مقدمات، فقط قال أشعر بقلبى يؤلمنى، حين تم نقله للمستشفى كانت روحه فارقت الجسد فى سيارة الإسعاف، والآن شقيقى الأكبر فؤاد بعد رحلة أيام قلائل مع المرض، كنا نتوقع له الشفاء مع كل الأمنيات والعودة لحياته قويًا صلبًا بكل حنانه وعطائه الفياض، ليفتح باب بيته مجددًا على مصراعيه أمام كل محتاج وطالب خدمة كما اعتاد طيلة حياته وطيلة سنوات عمله كمدير للحسابات بالمدرسة الثانوية، وليعود فى مقدمة صفوف المصلين وأصحاب الواجب فى الأفراح والأتراح بسوهاج مرتديًا عباءته الأنيقة وكأنه عمدة البلد، وليستقبل الجيران والمعارف ليحكموه فى الحقوق وفيما اشتجر بينهم من خلافات، وليقدم نصح التربية للأبناء الشاردين عن البر بوالديهم، لكنه خالف توقعاتنا هذه المرة ورحل فى هدوء دون أن يكل به أحد، أو يضيق بطول مرضه أحد، مجرد أيام معدودات بالمستشفى وسلم الروح لخالقها فى ليلة مباركة فتحت فيها أبواب السماء، ليلة الإسراء والمعراح، فسرت روحه الطاهرة لخالقها.
قبل وفاته بساعات كان وجهه مبتسمًا وعيناه شاخصة فى سقف الغرفة وقد ذهل عن كل من حوله من دموع ورجاء، وكأنه يرى بإذن الله الرحمة والغفران التى تنتظره، وقد كشف الله عنه الغطاء ليرى بإذن الله ثواب وجزاء كل خير فعله فى حياته. كان بمثابة أبى الثانى، ألجأ إليه فى كل ما يعترى حياتى من مشاكل، أحكى ويسمع بسعة صدر، وينصح ويوجه كأنى طفلته، وكان دومًا يقول لى «إنتِ بنتى» رغم أن فارق السن لا يتجاوز أحد عشر عامًا، فأتذكر بجملته هذه ما كان يفعله معى وأنا طفلة، يحملنى على كتفه، يهرول بى إلى البقال، يشترى لى الحلوى التى أحبها من مصروفه لأكف عن البكاء، فى الأعياد يشترى لى البالونات وبمب العيد، ويشترى لى «البخت»، وحين يخرج لى من البخت هدية بسيطة كخاتم بلاستيك يلبسه لى ووجهه مفعم بالابتسام، ولن أنسى حين طارت بالونتى الكبيرة التى كتب اسمى عليها وبكيت فجرى فى الشارع ليمسك بها والبالونة تعانده وتطير إلى أحد الأنفاق، فإذا به يقفز سور النفق معرضًا نفسه للخطر وعاد إلى بها ليرى فقط الابتسامة على وجهى، ليس المعنى فى البالونة، المعنى فى كونه رغب ألا أفقد شيئًا أحببته ولو كان بسيطًا، يعنى رغبته الدائمة فى ألا أبكى أو أحزن.
حين كبرت وصرت شابة كنت أمشى فى الشارع ولدى شعور قوى بأنى محمية حماية خاصة، محمية بسمعة أشقائى الولاد، لو حاول أحد الشباب المعاكسة بكلمة، تدخل آخر بجملة لا تنسى «اسكت الله يخرب بيتك مش عارف دى أخت مين؟» هكذا فرض أشقائى احترامهم على الجميع بأخلاق الجدعنة الصعيدية، أخلاق أولاد البلد المحترمين، وخلقوا حولنا نحن البنات الأربع مناخًا رائعًا من الحماية. تتلاحق الذكريات الحلوة والصعبة التى تقاسمتها معه ومع باقى أشقائى فى ذلك البيت الطيب الدافئ الذى علمتنا فيه أمنا معنى الحب والعطاء حين كانت تقسم قطعة حلوى بيننا نحن السبعة عن عمد، لتعلمنا أن نعطى بعضنا البعض حين نكبر، وأن نتقاسم كل شيء، هذا البيت الدافئ الطيب الذى علمنا فيه أبى معنى الاحترام، احترام الكبير وتوقيره، فكنت أحترم شقيقى الأكبر وألتزم بنصائحه ومشورته بعد أبى، واحترمت تمسكه فى البقاء بسوهاج رغم نزوحنا جميعًا للقاهرة ومنها لبلدان خليجية وأوروبية، كان كوتد صلب تم غرسه فى الأرض ولا يمكنه مفارقتها، وكان يقول: «عشان تلاقوا بيت أخوكم مفتوح لما تنزلوا سوهاج»، فكان بيته قبلة لنا، أصبح هو البيت الكبير بعد بيت أبى رحمة الله عليه، حين تحدثت معه قبل مرضه قال لي: «واضح أنها النهايات يا فكرية وقربت أودع الدنيا»، اعتصر قلبى من الألم وقلت له: عمر الشقى بقى أمال هتسيب عباءتك لمين يا عمدة؟ وضحكنا، لكن كانت ضحكتى مصنوعة وباهتة، فهو لم يقل شيئًا من قبل إلا وصدق فيه، حتى موعده مع الموت صدق فيه.
أخذ الموت شقيقى فؤاد وأخذ معه ملك الموت قطعة أخرى من قلبى، وترك لى فراغًا جديدًا أسود بحياتى، ولا أقول إلا ما يرضى الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم ثبته عند السؤال واجعل قبره قطعة من الجنة برحمتك وغفرانك، أيها الأشقاء والأقارب، تصالحوا، اقتربوا، انسوا الخلافات والصراعات، أحبوا بعضكم البعض ولا تتفرقوا لمال أو جاه أو ميراث، فالموت قريب، قريب جدًا أكثر مما نتصور، وما أصعب أن نبكى أحدًا مات ندمًا لأننا تخاصمنا وهجرنا وتفرقنا فى الحياة، لأن الدائم هو وجه الله وحده، الحياة قصيرة جدًا مهما طالت، ومتاع الدنيا هباء مهما زهى وأينع، فى سلام الله ورحمته شقيقى الحبيب أقرؤك السلام لأبى وأمى وشقيقنا فايز، وإلى لقاء قريب بين يدى الله.

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: فكرية أحمد انا لله وانا اليه راجعون سوهاج

إقرأ أيضاً:

بابا الفاتيكان يتأمل في سر الموت: عبور الإنسان نحو النور الأبدي

استأنف اليوم، قداسة البابا لاوُن الرابع عشر، بابا الفاتيكان تعليمه الأسبوعي، بساحة القديس بطرس بالفاتيكان، مسلطًا الضوء على موضوع "سرّ الموت"، واصفًا إياه بأنه اللغز الأكثر طبيعية والأكثر غرابة في آن واحد.

وافتتح الأب الأقدس مقابلته بالإشارة إلى التساؤلات العميقة التي يثيرها الموت في النفس البشرية، مشددًا على أنه رغم كونه مصيرًا حتميًا لكل كائن حي، فإن الرغبة في الخلود تجعل الإنسان يراه أحيانًا كما لا معنى له.

وانتقد الحبر الأعظم الاتجاه المعاصر الذي يحوّل الموت إلى موضوع "تابو"، حيث يتم تجنبه، وتناوله بحذر خوفًا من إزعاج الحساسية البشرية، ما يؤدي إلى النفور من زيارة المقابر التي تنتظر فيها أجساد الراقدين القيامة.

وأشار بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى مفارقة الإنسان، بوصفه الكائن الوحيد الذي يدرك حتمية فنائه، وهو ما يزيد من ثقل الموت عليه مقارنة بالكائنات الأخرى. هذه المعرفة تخلق شعورًا بالوعي، والعجز معًا، ما يفسر أحيانًا الهروب الوجودي، وعمليات التجاهل أمام مسألة الموت.

التأمل في الموت

واستند قداسة البابا إلى تعاليم القديس ألفونس ماريا دي ليغوري في كتابه "التحضير للموت"، مؤكدًا أن التأمل في الموت يجعله معلمًا عظيمًا للحياة، ويحث الإنسان على اختيار ما يجب فعله في حياته، والسعي لما ينفعه لملكوت السماوات، والتخلي عن الزائل والفائض.

كذلك، حذر الأب الأقدس من وعود التقدم التكنولوجي المعاصر بإطالة العمر، متسائلًا: "هل يمكن للعلم حقًا أن ينتصر على الموت؟ وإذا تحقق ذلك، هل يمكن ضمان أن الحياة غير المنتهية ستكون حياة سعيدة؟.

وأكد عظيم الأحبار أن قيامة المسيح تكشف الحقيقة النهائية، فالموت ليس نهاية، بل جزء أساسي من الحياة كمعبر إلى الحياة الأبدية، مشيرًا إلى النور الذي أضاء ظلام الجلجثة كما وصفه الإنجيلي لوقا: " وكان اليوم يوم التهيئة وقد بدت أضواء السبت".

البابا تواضروس يلقي عظته الأسبوعية اليوم من كنيسة العذراء ومارمينا بالمرجالإكليريكية اللاهوتية تمنح دكتوراه لدراسة تحليلية في مخطوط البابا يوحنا الثالثالبابا تواضروس يلتقي طلاب مدرسة مارمرقس بسيدنيالبابا لاون يترأس الاحتفال بعيد الحبل بلا دنس في ساحة إسبانيا بروما

واختتم قداسة البابا لاون الرابع عشر تعليمه بالتأكيد أن "أنوار السبت" تمثل فجر القيامة الجديد، الذي يضيء لغز الموت بالكامل، وبفضل المسيح القائم، يمكن للإنسان أن ينظر إلى الموت على أنه "أخ"، كما فعل القديس فرنسيس الآسيزي.

طباعة شارك قداسة البابا لاوُن البابا لاوُن البابا لاوُن الرابع عشر ساحة القديس بطرس بالفاتيكان الكنيسة الكنيسة الكاثوليكية

مقالات مشابهة

  • الموت يغيّب النائب غسان سكاف
  • المنخفض الجوي يضاعف محنة النازحين بمخيمات غزة
  • عون رداً على الكلام عن وجود ورقة موقعة منه حول التزامه لـحزب الله بموضوع الاستراتيجية الدفاعية: فلينشروها اذا كانت موجودة
  • ﻏﺰة.. ﺗﻮاﺟﻪ الموت ﺑﺮداً
  • الصعيد وطرق الموت
  • رسالة إلى العالم الآخر
  • صحة غزة: 100 ألف طفل دون الخامسة يواجهون خطر الموت بردا
  • الموت يفجع المخرج هادي الباجوري
  • بابا الفاتيكان يتأمل في سر الموت: عبور الإنسان نحو النور الأبدي
  • رزان مغربي تواجه الموت بعينيها.. كيف نجت من حادثة سقف الفندق الصادمة؟