إنه قريب، قريب جدًا أكثر مما نتصور، هذا العملاق الهائل، الواضح الغامض المتسلل، المرعب المريح إنه «الموت» تلهينا عنه الدنيا، فننساه وننسى أنفسنا، نتصارع فى الحياة على متاع الدنيا ولهوها، سلطانها ونفوذها، ونتصور فى أكثر الأوقات أنها دائمة لنا بزهوها، وفى لحظة فارقة ينتهى كل شىء، ونفيق حين تسقط يد كانت تتشبث بك بقوة، وينهار جدار كنت تستند عليه فى أمان، ويختفى وجه كنت تطمئن بابتسامته، ويتوقف قلب كنت تغترف من حنانه، وتصمت كلمات كانت تواسيك فى شدتك، فتصرخ وحدك فى فضاء فسيح معتم خلا من تلك اليد والقلب والسند، لأنه ببساطة ملك الموت أخذ روح هذا الشخص الغالى عليك.
فى كل مرة حين يسترد الله روح إنسان غالٍ على هو قطعة منى وأنا قطعة منه، أو نحن قطع من ذات الرحم، يموت معه جزء منى، من قلبى، يظلم جانب من روحى ويصبح فارغًا، أمى، ثم أبى، ثم شقيقى فايز الذى مات فى ريعان شبابه فجأة فى دقائق دون أى مقدمات، فقط قال أشعر بقلبى يؤلمنى، حين تم نقله للمستشفى كانت روحه فارقت الجسد فى سيارة الإسعاف، والآن شقيقى الأكبر فؤاد بعد رحلة أيام قلائل مع المرض، كنا نتوقع له الشفاء مع كل الأمنيات والعودة لحياته قويًا صلبًا بكل حنانه وعطائه الفياض، ليفتح باب بيته مجددًا على مصراعيه أمام كل محتاج وطالب خدمة كما اعتاد طيلة حياته وطيلة سنوات عمله كمدير للحسابات بالمدرسة الثانوية، وليعود فى مقدمة صفوف المصلين وأصحاب الواجب فى الأفراح والأتراح بسوهاج مرتديًا عباءته الأنيقة وكأنه عمدة البلد، وليستقبل الجيران والمعارف ليحكموه فى الحقوق وفيما اشتجر بينهم من خلافات، وليقدم نصح التربية للأبناء الشاردين عن البر بوالديهم، لكنه خالف توقعاتنا هذه المرة ورحل فى هدوء دون أن يكل به أحد، أو يضيق بطول مرضه أحد، مجرد أيام معدودات بالمستشفى وسلم الروح لخالقها فى ليلة مباركة فتحت فيها أبواب السماء، ليلة الإسراء والمعراح، فسرت روحه الطاهرة لخالقها.
قبل وفاته بساعات كان وجهه مبتسمًا وعيناه شاخصة فى سقف الغرفة وقد ذهل عن كل من حوله من دموع ورجاء، وكأنه يرى بإذن الله الرحمة والغفران التى تنتظره، وقد كشف الله عنه الغطاء ليرى بإذن الله ثواب وجزاء كل خير فعله فى حياته. كان بمثابة أبى الثانى، ألجأ إليه فى كل ما يعترى حياتى من مشاكل، أحكى ويسمع بسعة صدر، وينصح ويوجه كأنى طفلته، وكان دومًا يقول لى «إنتِ بنتى» رغم أن فارق السن لا يتجاوز أحد عشر عامًا، فأتذكر بجملته هذه ما كان يفعله معى وأنا طفلة، يحملنى على كتفه، يهرول بى إلى البقال، يشترى لى الحلوى التى أحبها من مصروفه لأكف عن البكاء، فى الأعياد يشترى لى البالونات وبمب العيد، ويشترى لى «البخت»، وحين يخرج لى من البخت هدية بسيطة كخاتم بلاستيك يلبسه لى ووجهه مفعم بالابتسام، ولن أنسى حين طارت بالونتى الكبيرة التى كتب اسمى عليها وبكيت فجرى فى الشارع ليمسك بها والبالونة تعانده وتطير إلى أحد الأنفاق، فإذا به يقفز سور النفق معرضًا نفسه للخطر وعاد إلى بها ليرى فقط الابتسامة على وجهى، ليس المعنى فى البالونة، المعنى فى كونه رغب ألا أفقد شيئًا أحببته ولو كان بسيطًا، يعنى رغبته الدائمة فى ألا أبكى أو أحزن.
حين كبرت وصرت شابة كنت أمشى فى الشارع ولدى شعور قوى بأنى محمية حماية خاصة، محمية بسمعة أشقائى الولاد، لو حاول أحد الشباب المعاكسة بكلمة، تدخل آخر بجملة لا تنسى «اسكت الله يخرب بيتك مش عارف دى أخت مين؟» هكذا فرض أشقائى احترامهم على الجميع بأخلاق الجدعنة الصعيدية، أخلاق أولاد البلد المحترمين، وخلقوا حولنا نحن البنات الأربع مناخًا رائعًا من الحماية. تتلاحق الذكريات الحلوة والصعبة التى تقاسمتها معه ومع باقى أشقائى فى ذلك البيت الطيب الدافئ الذى علمتنا فيه أمنا معنى الحب والعطاء حين كانت تقسم قطعة حلوى بيننا نحن السبعة عن عمد، لتعلمنا أن نعطى بعضنا البعض حين نكبر، وأن نتقاسم كل شيء، هذا البيت الدافئ الطيب الذى علمنا فيه أبى معنى الاحترام، احترام الكبير وتوقيره، فكنت أحترم شقيقى الأكبر وألتزم بنصائحه ومشورته بعد أبى، واحترمت تمسكه فى البقاء بسوهاج رغم نزوحنا جميعًا للقاهرة ومنها لبلدان خليجية وأوروبية، كان كوتد صلب تم غرسه فى الأرض ولا يمكنه مفارقتها، وكان يقول: «عشان تلاقوا بيت أخوكم مفتوح لما تنزلوا سوهاج»، فكان بيته قبلة لنا، أصبح هو البيت الكبير بعد بيت أبى رحمة الله عليه، حين تحدثت معه قبل مرضه قال لي: «واضح أنها النهايات يا فكرية وقربت أودع الدنيا»، اعتصر قلبى من الألم وقلت له: عمر الشقى بقى أمال هتسيب عباءتك لمين يا عمدة؟ وضحكنا، لكن كانت ضحكتى مصنوعة وباهتة، فهو لم يقل شيئًا من قبل إلا وصدق فيه، حتى موعده مع الموت صدق فيه.
أخذ الموت شقيقى فؤاد وأخذ معه ملك الموت قطعة أخرى من قلبى، وترك لى فراغًا جديدًا أسود بحياتى، ولا أقول إلا ما يرضى الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم ثبته عند السؤال واجعل قبره قطعة من الجنة برحمتك وغفرانك، أيها الأشقاء والأقارب، تصالحوا، اقتربوا، انسوا الخلافات والصراعات، أحبوا بعضكم البعض ولا تتفرقوا لمال أو جاه أو ميراث، فالموت قريب، قريب جدًا أكثر مما نتصور، وما أصعب أن نبكى أحدًا مات ندمًا لأننا تخاصمنا وهجرنا وتفرقنا فى الحياة، لأن الدائم هو وجه الله وحده، الحياة قصيرة جدًا مهما طالت، ومتاع الدنيا هباء مهما زهى وأينع، فى سلام الله ورحمته شقيقى الحبيب أقرؤك السلام لأبى وأمى وشقيقنا فايز، وإلى لقاء قريب بين يدى الله.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: فكرية أحمد انا لله وانا اليه راجعون سوهاج
إقرأ أيضاً:
مقترحان للتطبيق.. إعلان أسعار شرائح الكهرباء الجديدة قريبًا
كتب- محمد صلاح:
كشف مصدر مسؤول بالشركة القابضة لكهرباء مصر، وجود مقترحين أمام الحكومة لإقرار أسعار شرائح استهلاك الكهرباء الجديدة، أحدهما يتضمن بدء تطبيق الزيادة على استهلاك شهر سبتمبر مع تحصيلها بداية من أكتوبر المقبل، بينما يقضي المقترح الثاني بتأجيل إقرار الزيادة حتى العام الجديد، بعد الانتهاء من الانتخابات البرلمانية.
وأشار المصدر، في تصريحات خاصة إلى مصراوي، إلى أن الزيادة المرتقبة تتراوح بين 15% و30% للشرائح الأولى، وقد تصل إلى 45% للشريحة الأعلى استهلاكًا التي تتجاوز حاجز الـ1000 كيلووات/ ساعة شهريًا.
أعباء مالية على الكهرباء ومستحقات متأخرة لدى المالية
أوضح المصدر، أن وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة تتحمل أعباءً مالية متزايدة نتيجة ارتفاع معدلات سرقات التيار الكهربائي، خاصة في نطاق محافظات القاهرة الكبرى، إضافة إلى فروق أسعار بيع الكهرباء وتكلفتها الفعلية.
وأشار إلى أن مستحقات الكهرباء المتأخرة لدى وزارة المالية بلغت نحو 274 مليار جنيه، نتيجة الفارق بين تكلفة إنتاج الكيلووات وسعر بيعه للمستهلك، لافتًا إلى أن الوزارة تعتمد بشكل متزايد على استيراد الغاز والمازوت لتشغيل محطات الإنتاج، في ظل تجنب العودة إلى سياسة تخفيف الأحمال، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا في الوفاء بسداد قيمة الوقود اليومية لصالح وزارة البترول، والتي تتراوح بين 11 و15 مليار جنيه يوميًا.
دعم الكهرباء يرتفع.. وتفاصيل الأسعار الحالية للشرائح
يأتي هذا التوجه في وقت أعلنت فيه الحكومة رفع مخصصات دعم الكهرباء بمشروع الموازنة الجديدة بنسبة 2900% على أساس سنوي، لتصل إلى 75 مليار جنيه، مقارنة بمستوى الدعم في موازنة العام المالي السابق.
وكانت الحكومة قد رفعت أسعار الكهرباء في أغسطس الماضي بنسب تراوحت بين 14% و40% للقطاع السكني (عدادات مسبقة الدفع)، ومن 23.5% إلى 46% للقطاع التجاري، وبين 21.2% و31% للقطاع الصناعي.
وتعتمد مصر نظام الشرائح التصاعدية في احتساب أسعار الكهرباء، حيث تُقسم الاستهلاكات المنزلية والتجارية إلى 7 شرائح كالتالي:
- الشريحة الأولى (من صفر إلى 50 ك.و.س): 68 قرشًا.
- الشريحة الثانية (من 51 إلى 100 ك.و.س): 78 قرشًا.
- الشريحة الثالثة (من صفر إلى 200 ك.و.س): 95 قرشًا.
- الشريحة الرابعة (من 201 إلى 350 ك.و.س): 155 قرشًا.
- الشريحة الخامسة (من 351 إلى 650 ك.و.س): 195 قرشًا.
- الشريحة السادسة (من 651 إلى 1000 ك.و.س): 2.10 جنيه.
ملحوظة: يتم خصم 378 جنيهًا كفرق شرائح عند تجاوز استهلاك 650 ك.و.س.
- الشريحة السابعة (أكثر من 1000 ك.و.س): يتم احتسابها من أول ك.و.س بسعر 2.23 جنيهًا بدلًا من 165 قرشًا.
ورغم توجه الدولة لتحرير أسعار الطاقة تدريجيًا، ما زالت الحكومة تتحمل جزءًا كبيرًا من تكلفة الإنتاج، خاصةً للشرائح الأدنى التي تضم محدودي ومتوسطي الدخل.
اقرأ أيضًا:
"الأرصاد" تنشر التنويه الأول لطقس اليوم.. فرص لأمطار بهذه المحافظات
"القائمة الوطنية من أجل مصر" لانتخابات الشيوخ.. تضم 13 حزبًا وتجمعًا سياسيًا
البلشي: لست مسؤولًا عن تظاهرات أحمد دومة على سلم نقابة الصحفيين
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
القابضة لكهرباء مصر استهلاك شهر سبتمبر أسعار شرائح الكهرباءتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
الثانوية العامة
المزيدأخبار رياضية
المزيدإعلان
مقترحان للتطبيق.. إعلان أسعار شرائح الكهرباء الجديدة قريبًا
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
36 26 الرطوبة: 30% الرياح: شمال المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك