#الجامعة_الاردنية – ( 1980 ) …
#محمد_طمليه
كان ثمة صف من شجر ” السرو ” البالغ الوقار . ومقاعد خشبية يتهالك عليها الطلبة الذين لم يألفوا الجو بعد . وزميل سرعان ما وقع في حب مدمَر مثير للكآبة . وكافتيريا مزحومة باللغط , وفتيات متعاليات لا يخالطن احدا . ودفاتر تستعار بحجة فوات المحاضرة , فيما الغاية من الاستعارة هي التعارف .
كان ثمة ممرات مضروبة بالخطو المتناغم لزميلة متأخرة . وسجائر جاء الدكتور المحاضر قبل ان يكتمل تدخينها . واذهان ادى الضجر الى تخريجها من الغرفة . واقلام تلهث وراء لسان الدكتور الذي اكتفى بالإملاء .
كان ثمة سيارات فارهة لطلبة يأتون الى الجامعة بأحذية خفيفة , وحقائب محمولة في ايدي ” الدكاترة ” . ودموع مذروفة من اعين زميلة سقطت في الامتحان .
الجامعة الاردنية : كنت , آنذاك , طالبا في قسم اللغة العربية . وكان لي دفتر لكل المحاضرات . ورسوم جامعية مخبوئة في وسادة تحت رأس الوالدة … وزملاء متحمسون للسفر الى الخليج … وزميلات معجبات بقدرتي على حفظ الشعر …
كان لي اساتذة مفضلون : الدكتور ” خالد الكركي ” الذي حثنا على قراءة ماركيز . و الدكتور ” جاسر ابو صفية ” الذي طلب الينا , في الامتحان , ان نكتب ما نشاء … فكتبت , انا , عنه . والدكتور ” نصرت عبدالرحمن ” الذي لفت انظارنا الى جانب غير مطروق في الشعر الجاهلي . والدكتور ” احمد ماضي ” … و” صالح حمارنة ” و” سحبان خليفات ” … ايام مضت , ولكنها مازالت مركونة في الروح .
** الجامعة الاردنية …
كنت اصحو باكرا . اغسل شعري بالماء الساخن , وارتدي ملابسي ” ماغيرها ” التي غسلتها الوالدة , وكوتها شقيقتي المبهورة بي , ثم ألمَع حذائي بخرقة . واتطلع في المرآة . فأركن الى انني غدوت شخصا بالغ الاناقة … فاتنا … رشيقا … جذابا … مؤهلا لإبهار الزميلات .
اخرج مملوءا بالنشوة , احاذر في الزقاق , ان اقع في حفرة . احاذر ان يتلوث حذائي اللامع بالرمل الابيض المتروك هنا وهناك , احاذر ان تتلف تسريحتي جراء القفز عن الماء الآسن المصبوب في المجاري المكشوفة , احاذر ان يرتطم بي طفل متسخ يجري صوب الدكان , احاذر ان ينقذف علي طبيخ بايت من طنجرة لربة بيت نشيطة … عندما اصل الى الطريق المسفلت , انحني لإعادة البريق لحذائي , بالخرقة التي ظلت في جيبي واطمئن , بحركة من يدي على بقاء خصلاتي مرصوفة , ويتفاقم اعتدادي بنفسي حين تمر كوكبة من بنات الحي الذاهبات الى المدرسة اللواتي يؤمن , كما قالت شقيقتي , بأنني اكثر الرجال اناقة ووسامة , وحظا في العالم . وانهن يحسدن بنات الجامعة على رفقتهن لي … انتشي اذ اتذكر ذلك . فأمشي رافعا الرأس , منصوب القامة , واثق الخطوة … ملكا .
تلازمني الخيلاء , الى ان اترجل من الباص عند باب الجامعة , هناك , اعني عند باب الجامعة : أرى السيارات التي يترجل طلبة ذكور بملابس مستوردة , وفتيات رشيقات ذوات شعور منعوفة ,وحقائب يد محمولة بإهمال , و أحذية خفيفة , وجوارب ملونة .
ارى الطلبة , ذكورا واناثا يعبرون الجامعة وهم يتحدثون ,يتكركرون , يتبادلون نكات الصباح , والحديث الرخو حول مشاريع التسلية المزمع القيام بها بعد الدوام .
ارى … فتداهمني الضالَة , يجتاحني احساس لعين بالعزلة : انا معزول … مزبول … مبصوق على قارعة المسافة بين البوابة الخارجية وقاعة المحاضرات … تلك القاعة التي ادخلها بوجل وخوف , ادخلها منكسرا, خائبا , شاعرا بأنني غدوت غربالا جراء نظرات السخرية التي اخترقتني …
ولا اهدأ , الا حين يقترب مني زميل مثلي .. حاول ان يتأنق , فكانت النتيجة انكسار .
آخر تهمة تلقيتها من حبيبتي ” وهي شريرة بالمناسبة ” انني فقدت عنصر التحدي , مقارنة مع ايام الدراسة في الجامعة : تعارفنا هناك …
قالت ايضا انني صرت مجاملا .. خانعا .. جبانا .. نذلا الى حد ما ..
وقالت ايضا انها احبتني ايام الجامعة , لانني كنت شرسا .. لا اهاب رجل الامن الذي يتابعني من محاضرة الى محاضرة , ومن كفتيريا الى اخرى .. ولا اتورع عن انتقاد ” الدكاترة ” المحسوبين على الحكومة … واجاهر , امام ممثلي التيار الاسلامي بأنني ” ماركسي لينيني ” … واكتب قصصا وقصائد يحفظها ” الرفاق ” .
سألتني ما الذي جرى لك ؟ وهل ” محمد ” الذي احببته ايام الجامعة , هو ” محمد ” الذي اراه الان ؟ ثم ذرفت دمعة , ومضت , فيما بقيت انا مرميا قرب المدفأة ( كنت , في الواقع . بردانا )..
فكرت بكلامها : انها تتحدث عن مرحلة كانت فيها الجامعةعبارة عن ثكنة لأحزاب غير داجنة . وكانت الكتب الممنوعة هي الاكثر رواجا , وكانت الاجتماعات في البيوت تمتد حتى الصباح لصياغة رد ساخن على موقف الحكومة من مسألة ما ( يظهر الرد , في اليوم الذي يلي , على شكل ” منشور سري ” ) … وكان عداؤنا لاسرائيل حقيقيا ( لم نكن نعرف شيئا عن الاتصالات السرية ) … وكان الفرزواضحا : هذا وطني وهذا رجعي … وهذا خائن . وكان الشهداء يتوافدون الى ضمائرنا, فينفجر بركان في الروح , وكان الوطن وطنا بكل ما في الكلمة من صهيل .
ثم تغير كل شيء : صار للاحزاب يافطات . وصار المناضلون وزراء .. او مستوزرين . وصار الحكومي معارضا , والمعارض حكوميا. وتفتقت قريحة الوطن عن افواج جديدة من السماسرة .
ايتها الحبيبة : انا جزء من خراب وطني كبير واللعنة عليك..
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الجامعة الاردنیة
إقرأ أيضاً:
عطوفة الدكتور خالد خريسات مبارك تخرّج نجلكم المهندس وليد من جامعة الحسين التقنية بتخصص هندسة الطاقة المتجددة
صراحة نيوز – نسأل الله له دوام التوفيق والنجاح في مسيرته المهنية، ومزيدًا من الرفعة والازدهار لعائلتكم الكريمة.
أصدق التهاني والتبريكات من:
الدكتور عامر حياصات
الدكتور أسامة العبادي
الدكتور نضال خليفات
الدكتور حسين علاوي
الدكتور سامح أبوجبل
المهندس محمد الدرادكة
الأستاذ يسار النسور
سعادة إبراهيم أبورمان
عطوفة عبدالآله أبوهزيم
المهندس حسام الدين العواملة