لجريدة عمان:
2025-07-31@01:33:58 GMT

الاقتصاد الصحي في سلطنة عمان التحديات والفرص«1»

تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT

الاقتصاد الصحي في سلطنة عمان التحديات والفرص«1»

يشكل الاقتصاد الصحي جزءًا محوريًا من السياسات الاقتصادية والاجتماعية، حيث يعكس الاستثمار في القطاع الصحي أهمية الصحة كركيزة للتنمية البشرية والاقتصادية. شهد القطاع الصحي في سلطنة عمان تطورًا كبيرًا منذ السبعينيات، مدفوعًا بالخطط التنموية الحكومية، مع التركيز على توفير خدمات شاملة لجميع السكان، ما أدى إلى تحسين المؤشرات الصحية الوطنية.

ارتفاع التكاليف الصحية في سلطنة عمان يمثل قضية مهمة تؤثر على الأفراد والمجتمع ككل، إذ تشهد الخدمات الصحية في سلطنة تطورًا ملحوظًا على مستوى البنية الأساسية والخدمات المقدمة، لكن هذا التقدم يأتي مصحوبًا بزيادة في النفقات.

هناك عدة أسباب رئيسية لهذا الارتفاع، منها: ارتفاع الطلب على الخدمات الصحية بسبب الزيادة السكانية المتسارعة والتحول في نمط الأمراض من الأمراض المعدية إلى الأمراض المزمنة. ثم يأتي التطور التكنولوجي في القطاع الصحي العالمي والحاجة إلى استيراد هذه التقنيات، وارتفاع تكلفة الأدوية والمستلزمات الطبية والاعتماد على الاستيراد بسبب محدودية الإنتاج المحلي، وهناك سبب آخر وهو ارتفاع توقعات المرضى بشأن جودة الرعاية الصحية والخدمات المقدمة، كما أن التوجه نحو تنويع الاقتصاد قد يقلل من الأولوية التمويلية للقطاع الصحي مقارنة بقطاعات أخرى.

بالرغم من وجود هذه التحديات للقطاع الصحي هناك أيضا مخارج للتغلب على هذه التحديات والمصاعب ومنها: أولا: تعزيز الاستثمار في إنتاج الأدوية والمستلزمات الطبية محليًا وإقليميا (بالتعاون مع منظومة دول الخليج) لتقليل الاعتماد على الاستيراد. تعزيز الاستثمار في إنتاج الأدوية والمستلزمات الطبية على المستويين المحلي والإقليمي يمثل خطوة استراتيجية لتقليل الاعتماد على الاستيراد وضمان استدامة القطاع الصحي. دول مجلس التعاون الخليجي تمتلك مقومات اقتصادية وبنية أساسية تمكنها من تطوير صناعة دوائية ومستلزمات طبية قادرة على تلبية احتياجاتها المحلية والإقليمية. وهنا من الممكن تأسيس مجلس خليجي للصناعات الدوائية يهدف إلى تنسيق الجهود وتعزيز التكامل بين الدول الأعضاء ووضع سياسات مشتركة لدعم الصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية، ومن ثم إنشاء مصانع إقليمية مملوكة بشكل مشترك بين دول الخليج لإنتاج أدوية ومستلزمات طبية تخدم المنطقة والتركيز على إنتاج الأدوية الأساسية المكلفة واللقاحات والمستلزمات الطبية التي تشهد طلبًا متزايدًا، وفي سبيل ذلك يجب أن يتم استغلال الموارد الطبيعية لكل دولة لتوفير المواد الخام المستخدمة في الصناعة وتبادل الخبرات والمعرفة التقنية بين الدول الخليجية لتطوير منتجات بجودة عالية. ثم يأتي توحيد التشريعات واللوائح الخاصة بتسجيل الأدوية واعتمادها بين دول المجلس وتسهيل حركة المنتجات الدوائية بين الدول الأعضاء بدون قيود جمركية.

سينتج عن هذا التعاون تحقيق أمن دوائي إقليمي يقلل من الاعتماد على الأسواق الخارجية، ويدعم الاقتصاد الخليجي من خلال تنويع مصادر الدخل، وكذلك يعزز التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي لتحقيق تنمية صحية مستدامة. هذا الاستثمار في إنتاج الأدوية والمستلزمات الطبية محليًا وإقليميًا يمثل خطوة حيوية لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الاقتصاد الصحي لدول مجلس التعاون الخليجي.

ثانيا: تحسين كفاءة إدارة الموارد الصحية من خلال الاستفادة من البيانات والتحول الرقمي. فمع التطور التكنولوجي المتسارع، أصبحت البيانات والتحول الرقمي أدوات حاسمة لتحسين إدارة الموارد الصحية وضمان تقديم خدمات صحية عالية الجودة. الاستفادة من هذه التقنيات يساعد في مواجهة تحديات القطاع الصحي ويعزز من كفاءته وفعاليته.

وتكمن أهمية تحسين كفاءة إدارة الموارد الصحية رقميا في ترشيد النفقات الصحية لتقليل الهدر المالي وضمان تخصيص الميزانيات بشكل أفضل وكذلك تقليل الأخطاء الإدارية والطبية التي تؤدي غالبا إلى ارتفاع التكاليف. كما أن تحسين كفاءة إدارة الموارد الصحية رقميا سيؤدي إلى تعزيز جودة الخدمات الصحية، فمن خلال تحسين التخطيط وتوزيع الموارد رقميا سيؤدي هذا إلى تقديم خدمات صحية أسرع وأكثر دقة ويساعد في ضمان توفر الموارد الأساسية مثل الكوادر الطبية والمستلزمات الصحية في الوقت والمكان المناسبين. وكذلك فإن استخدام أنظمة بيانات متطورة يساهم في الاستجابة السريعة للأزمات ويساعد على اتخاذ قرارات مستنيرة وسريعة خلال الأزمات الصحية مثل الأوبئة.

هناك عدة استراتيجيات مهمة في المجال التقني التي من الممكن أن تسهم بتحسين كفاءة إدارة الموارد الصحية رقميا ومنها: إنشاء نظام صحي رقمي موحد يهدف إلى تطوير قاعدة بيانات وطنية تجمع المعلومات الصحية لجميع المواطنين والمقيمين وربط المستشفيات والمراكز الصحية بنظام رقمي مركزي لتسهيل تبادل المعلومات، واستخدام البيانات الضخمة (Big Data) لتحليل البيانات الصحية على نطاق واسع لتحديد الأنماط والتوجهات وتوجيه القرارات الصحية بناءً على تحليلات دقيقة تتنبأ بالاحتياجات المستقبلية، وتطبيق الذكاء الاصطناعي (AI) لتحسين جدولة المواعيد الطبية وإدارة الأسرّة في المستشفيات وتحسين التشخيص الطبي من خلال تحليل الصور والتقارير الطبية باستخدام تقنيات التعلم الآلي. كما يمكن الاستفادة من التحول الرقمي في إدارة الموارد البشرية الصحية من خلال تطوير نظام رقمي لإدارة الكوادر الطبية بما يضمن توزيع العاملين حسب الحاجة ويُمكّن من مراقبة أداء الكوادر الصحية وتحفيزها على تحسين الإنتاجية. وهناك أيضا توجه عالمي نحو تبني وتطوير الصحة الإلكترونية (E-Health) والصحة الرقمية (Digital Health) بتعزيز استخدام التطبيقات الصحية التي تتيح للمرضى حجز المواعيد، والوصول إلى السجلات الطبية، والتواصل مع الأطباء عن بعد وتوفير خدمات التطبيب عن بُعد (Telemedicine) لتغطية المناطق الطرفية وبعض الظروف التي تمنع المريض من الوصول إلى مقدم الخدمة الصحية.

إن الاستفادة من البيانات والتحول الرقمي في إدارة الموارد الصحية سيمثل نقلة نوعية نحو تحقيق نظام صحي متطور ومستدام في سلطنة عمان،ويدعم«رؤية عمان 2040» ويساهم في ضمان رفاهية المواطنين والمقيمين. كما سيعمل على تحسين كفاءة توزيع الموارد وتقليل الهدر وتعزيز جودة الخدمات الصحية وزيادة رضا المرضى وبناء قطاع صحي مستدام قادر على مواجهة التحديات المستقبلية.

ثالثا: تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتوفير خدمات صحية مستدامة. فتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP) يعتبر خطوة استراتيجية لدعم استدامة القطاع الصحي في سلطنة عمان. يمكن لهذه الشراكات أن تسهم في تحسين جودة الخدمات الصحية وزيادة الكفاءة وتخفيف العبء المالي عن الحكومة، مع تحقيق أهداف «رؤية عمان 2040» في تعزيز رفاهية المجتمع وتنويع الاقتصاد.

وهناك عدة مجالات للتعاون الصحي بين القطاعين العام والخاص ومنها: تطوير البنية الأساسية الصحية في بناء وتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية وكذلك إنشاء وحدات طبية متخصصة من خلال جذب المستثمرين الإقليميين والدوليين، ومجالات الصحة الرقمية من خلال الاستثمار في تطوير تطبيقات الصحة الإلكترونية والتطبيب عن بُعد وتطوير أنظمة السجلات الصحية الرقمية بالتعاون مع الشركات التكنولوجية، والأبحاث الصحية والتطوير للمساهمة بتمويل مشترك للأبحاث الصحية بين الحكومة والشركات الخاصة المحلية والدولية لتطوير حلول مبتكرة للعلاجات وإدارتها.

ومن الممكن أن يأخذ التعاقد الصحي مع القطاع الخاص أنواعا كالتعاقد طويل الأجل والتعاقد الاستثماري والتعاقد التشاركي. ومن المهم في هذا المجال التأكيد على ضرورة وضع قوانين تضمن توزيع الأدوار والمسؤوليات بين القطاعين بشكل متوازن، كما يمكن للحكومة تأسيس هيئة أو تقسيم تنظيمي في إحدى الوحدات للإشراف على تنفيذ ومتابعة الشراكات بين القطاعين. تكون للهيئة الصلاحيات التي تمكنها من تقديم التحفيز المناسب مثل الإعفاءات الضريبية وتنظيم الدعم المالي لجذب الاستثمارات.

تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص في القطاع الصحي يمثل خطوة حيوية لضمان تقديم خدمات صحية مستدامة وذات جودة عالية في سلطنة عمان، ويساهم في تحقيق التوازن بين التوسع في الخدمات الصحية وترشيد التكاليف المالية.

يواجه الاقتصاد الصحي في عمان تحديات هيكلية تتعلق بالتمويل وزيادة الطلب على الخدمات الصحية، لكنه يزخر بفرص لتعزيز الكفاءة من خلال تعزيز الاستثمار في التصنيع الطبي وتطوير وتبني التكنولوجيا والاستثمار في الشراكة بين القطاعين العام والخاص. يتطلب تحسين الاقتصاد الصحي استراتيجية شاملة تستند إلى الاستفادة من التعاون الإقليمي والشراكات بين القطاعين العام والخاص لضمان استدامة هذا القطاع الأساسي والحيوي، كما يساعد التصدي لهذه التحديات في تحقيق توازن بين تحسين جودة الخدمات الصحية وضبط تكاليفها بما يتناسب مع احتياجات المجتمع العماني.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشراکات بین القطاعین العام والخاص الأدویة والمستلزمات الطبیة جودة الخدمات الصحیة الاقتصاد الصحی إنتاج الأدویة فی سلطنة عمان الاستفادة من الاستثمار فی القطاع الصحی خدمات صحیة الصحیة فی الصحی فی من خلال

إقرأ أيضاً:

تدوير النفايات في سلطنة عمان..  ثقافة المواطن أم غياب البنية؟

د. داود البلوشي

في مقال نُشر مؤخرًا بجريدة "عمان"، طُرحت مسألة تدوير النفايات المنزلية كقضية مجتمعية، ودُفعت المسؤولية بشكل مباشر إلى المواطن تحت عنوان "نقص الوعي المجتمعي"، في حين غُيّبت بذكاء إشكالية جوهرية، وهي تأخُّر البنية التحتية البيئية والخدماتية الداعمة لهذا السلوك الحضاري.

لقد جاءت التوجيهات السامية لحضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المُعظّم -حفظهُ اللهُ ورعاهُ- واضحةً وصريحةً في مسألة تطوير المحافظات، إذ اعتبر جلالتُه تنميةَ المحافظات والمدن المستدامة من أولويات الرؤية المستقبلية لعُمان، وركيزةً استراتيجية لتحقيق تنميةٍ شاملةٍ ومستدامةٍ اقتصاديًّا واجتماعيًّا، بما يعزّز قدرةَ المحافظات على إدارة مواردها واستغلالها بكفاءة.

وقد أكّد جلالةُ السُّلطان -أعزّهُ اللهُ- في خطابهِ بمناسبةِ الانعقاد السنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان 2023، قائلًا: إنّ الاهتمام بتنمية المحافظات وترسيخ مبدأ اللامركزية نهجٌ أسّسنا قواعده من خلال إصدار نظام المحافظات، وقانون المجالس البلديّة، استكمالًا لتنفيذ رؤيتنا للإدارة المحليّة القائمة على اللامركزية، سواءً في التّخطيط أو التنفيذ، ولتمكين المجتمع المحلي من إدارة شؤونه والإسهام في بناء وطنه.

من غير العدل تحميل المواطن عبءَ التقصير في غياب الحد الأدنى من الخدمات الأساسية. إذ لا تزال معظم الحارات والمجمّعات السكنية في السلطنة، حتى اليوم، تعاني من مشكلات مزمنة في جمع النفايات. فالحاوياتُ بعيدةٌ ومهترئة، والمخلفاتُ تتكدّس لأيام، والانبعاثات تنشر الأمراض والروائح، كيف نطلب من المواطن فرز نفاياته منزليًّا، في الوقت الذي لا تُوفَّر له حاوية مناسبة أو نظام واضح للتجميع؟

ما لا يجب تجاهله أنّ المواطن العُماني ليس غريبًا عن فكرة الفرز، كثيرٌ من المواطنين يفرزون الورق والكارتون والمعادن والزجاج دون توجيهٍ رسمي، فقط بدافعٍ أخلاقي. العُمانيون، بطبعهم، يحبون بيئتهم ونظافة مدنهم. المشكلةُ ليست في الوعي، بل في البنيةِ التي تأخرت عن اللحاق بهذا الوعي، وفي غياب أدواتِ الدعم والتشجيع.

منطقةٌ مثل سيح المالح، التابعة لشركة تنمية نفط عُمان، تُعدُّ نموذجًا مُشرقًا لما يمكن أن يكون عليه التخطيطُ البيئي السليم: حاويات ملوّنة للفرز، نظام جمعٍ متكامل، بنية طرق تخدم النقل البيئي، وسكان يتجاوبون مع النظام بسهولة. لماذا لا يتم تعميم هذا النموذج؟ ولماذا لا يكون حجرَ أساس في خطة وطنية تُطلقها هيئة البيئة بالشراكة مع المحافظات؟

للوصول إلى نظام متكامل ومستدام، لماذا لا يُؤسَّس كيان وطني جديد، شركة مساهمة عامة بيئية وخدمية، تُعنى بجمع النفايات وتدويرها، وتطوير مياه الصرف، والحدائق، والإنارة، والخدمات العامة، ويُسمح للمواطنين بالمساهمةِ فيها مباشرة؟ رسومُ الخدمات التي يدفعها المواطن اليوم لشركة "بيئة" يمكن تحويلها إلى رأسمالٍ تشغيلي لتلك الشركة الجديدة، في نموذجِ شراكةٍ فعليٍّ بين المواطن والدولة.

لا يمكن أن نطلب من المواطن ما لم تفعله الدولة. لا يجوز لومُ الناس على سلوكياتٍ لم تُعزَّز بخدمات مناسبة، ولا تحميلُ الوعي المجتمعي ما هو في الأصل مسؤوليةٌ حكوميةٌ وتشريعيةٌ وتنظيمية.

الخطوةُ الأولى لتدوير النفايات في عُمان ليست في نشرات التوعية، بل في خدمةٍ محترمة، وتشريعٍ مُلزِم، وحاويات مخصصة، وشراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص.

مقالات مشابهة

  • سلطنة عمان تشارك في مؤتمر دولي حول القضية الفلسطينية
  • تدوير النفايات في سلطنة عمان..  ثقافة المواطن أم غياب البنية؟
  • سلطنة عمان تحتفل باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر
  • إصدار أكثر من 73 ألف ترخيص لمزاولة المهن الطبية خلال السبعة أشهر الأولى من 2025
  • الاقتصاد العماني وسياسات التنويع والابتكار
  • وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين خلال اليوم المفتوح
  • وساطة قبلية تفرج عن القيادي الحوثي محمد الزايدي ونقله إلى سلطنة عمان
  • "التراث والسياحة" تفتتح ركن النيازك بفندق ماندارين أورينتال
  • الإغاثة الطبية بغزة تدعو المؤسسات الدولية للسعي لإدخال الوقود وإنقاذ المنظومة الصحية
  • نجاح عملية إكثار وتوطين النمور العربية في سلطنة عمان