هل انقلبت موازين القوى في حرب السودان؟
تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT
هل انقلبت موازين القوى في حرب السودان؟
فيصل محمد صالح
شهدت الساحة السودانية تطورات كبيرة خلال الأسبوعين الماضيين، بخاصة على المستوى العسكري؛ إذ حققت قوات الجيش انتصارات كبيرة على «قوات الدعم السريع» في ولايتَي الجزيرة والخرطوم، تغيرت بسببها موازين القوى العسكرية.
بدأت قوات الجيش والمجموعات المتحالفة معها، ومنها قوات «درع السودان» بقيادة أبو عاقلة كيكل، و«كتائب البراء بن مالك» التابعة للحركة الإسلامية، وبعض كتائب القوات المشتركة لحركات دارفور المسلحة، هجومها الواسع لاستعادة مدينة ود مدني الاستراتيجية، عاصمة ولاية الجزيرة من محاور عدة، واستطاعت دخولها بسهولة تشبه احتلال «قوات الدعم السريع» لها قبل نحو عام.
كان المظهر المتكرر لكل المناطق التي استعاد الجيش السيطرة عليها، بما فيها مدينة ود مدني، هو تراجع «قوات الدعم السريع» وانسحابها قبل وصول قوات الجيش، بحيث لم تدر معارك كبيرة إلا في المحاور الخارجية عند تقدم قوات الجيش نحو المدينة، لكن عند وصوله للمدينة دخلها بشكل سريع وبلا مقاومة. هذا الانسحاب المتكرر لا يقلل من أهمية انتصار قوات الجيش، ولا يقلل من الهزيمة التي تلقتها «قوات الدعم السريع»؛ فالانسحاب لم يكن عملية طوعية، لكنه تم تحت وطأة هجوم قوات الجيش من محاور متعددة، والتأكد من الهزيمة المتوقعة.
تكرر السيناريو ذاته في بعض مناطق ولاية الخرطوم، حيث حقق الجيش انتصارات كبيرة في منطقة وسط الخرطوم بحري؛ إذ التقت القوات القادمة من شمال المدينة مع قوات «سلاح الإشارة» المتخندقة منذ بدء الحرب في ثكناتها على ضفاف النيل الأزرق، ثم انطلقت نحو القيادة العامة للقوات المسلحة ومنطقة وسط الخرطوم. ويمكن القول الآن إن كل منطقة وسط الخرطوم بحري صارت في قبضة القوات المسلحة، وكذلك أجزاء من منطقة وسط الخرطوم، وتبقت مناطق ومواقع محددة لن تصمد طويلاً في يد «قوات الدعم السريع». لكن ما سر الانهيار السريع لـ«قوات الدعم السريع»؟
السبب الأساسي له علاقة بالانتشار الواسع الذي تورطت فيه «قوات الدعم السريع»، بحيث لم تستطع تأمين المناطق التي تحتلها، وكان رهانها الأساسي، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023، هو افتقاد الجيش قوات مشاة قادرة على الحركة السريعة وحرب المدن بسيارات سريعة وخفيفة تلتف على المدرعات والدبابات البطيئة الحركة. نتيجة لهذا التفوق سيطرت «قوات الدعم السريع» خلال أيام على كل ولاية الخرطوم باستثناء مواقع عسكرية محدودة، ثم امتدت للسيطرة على ولاية الجزيرة، مثلما سيطرت على كل إقليم دارفور، عدا مدينة الفاشر، وأجزاء من ولاية كردفان.
في خلال هذه الفترة استوعبت قوات الجيش آلاف المقاتلين، كما حصلت على كميات كبيرة من الآليات والأسلحة، وسجلت تفوقاً كبيراً باستخدام سلاح الطيران بعد حصولها على طائرات حديثة من دول صديقة. ويبدو أن تفوق سلاح الطيران لعب الدور الأساسي في تحطيم قدرات «قوات الدعم السريع»، وفتح الطريق أمام قوات المشاة لتتقدم على جبهات عديدة.
الموقف الآن يقول إن قوات الجيش استعادت السيطرة على معظم محليات أم درمان، عدا الجزء الجنوبي حتى جبل أولياء، وكذلك الأمر في منطقة بحري، حيث لم تتبقَّ إلا منطقة شرق النيل، وتحتاج قوات الجيش لأيام قليلة لتبسط سيطرتها على منطقة وسط الخرطوم، وتتبقى الأحياء الجنوبية في يد «قوات الدعم السريع».
واقع الحال يقول إن بقاء «قوات الدعم السريع» في بعض مناطق ولايتَي الخرطوم والجزيرة لم يعد ممكناً، إلا إذا دفعت بمجموعات جديدة، وهذا لا يبدو ممكناً في الوقت الحالي. وبالتالي، فإن التركيز سيبقى على إقليم دارفور وبعض مناطق ولايات كردفان، وهو ما يبدو مطابقاً لتوقعات سابقة بأن تتركز قوات كل طرف في مناطق معينة ويبقى واقع تقسيم السودان ماثلاً، سواء تكونت حكومة موالية لـ«قوات الدعم السريع» أو لا.
هذه الانتصارات العسكرية على الأرض لا تتجاهل إمكانية الوصول لتسوية سياسية لإنهاء الحرب، بخاصة مع وصول دونالد ترمب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، وإعلانه أنه سيعمل لوقف كل الحروب، وبدأ بحرب غزة. تتوقع كل الأطراف ضغوطاً أميركية كبيرة خلال المرحلة القادمة لإنهاء الحرب، تشمل أطراف الحرب والدول الداعمة والممولة للحرب. لهذا تبدو هذه التحركات والانتصارات العسكرية مهمة لتعديل موازين القوى وتحسين المواقف التفاوضية، وقد نشهد خلال فترة قصيرة بدء جولات تفاوضية في منبر جدة أو منابر جديدة؛ فما بدأته الحرب ستكمله السياسة.
* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومأم درمان الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان بحري فيصل محمد صالحالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أم درمان الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان بحري فيصل محمد صالح منطقة وسط الخرطوم قوات الدعم السریع موازین القوى قوات الجیش
إقرأ أيضاً:
قوات سودانية تنسحب جنوبا عبر الحدود ومناوي يوجه اتهامات جديدة للدعم السريع
قالت مصادر عسكرية بالجيش السوداني للجزيرة إن قوة من الجيش انسحبت من مدينتي بابنوسة وهِجليج بغرب كردفان جنوبي السودان ووصلت لدولة جنوب السودان بكامل عتادها، في حين اعتبرت مصادر حكومية محلية أن الانسحاب من المنطقة "تكتيكي".
يأتي ذلك فيما قال حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي -في منشور على منصة إكس- إن "من تم احتجازهم في الفاشر من النساء والرجال.. تم استئصال أعضائهم ودمائهم لإنقاذ جرحى جنود الدعم السريع"، مدينا بشدة ما وصفها بـ"الجرائم البشعة التي ارتكبتها المليشيات".
وذكرت المصادر العسكرية للجزيرة أن القوة المنسحبة من بابنوسة وهجليج سيتم ترحيلها إلى ولاية النيل الأبيض، المحاذية لدولة جنوب السودان.
وقال مراسل الجزيرة إن المنطقة التي تتوسع فيها قوات الدعم السريع بولاية غرب كردفان تعتبر من أهم وأكبر حقول النفط على مستوى البلاد.
وذكر مراسل الجزيرة أن العاملين في الشركات النفطية انسحبوا من هِجْلِيج وغادروا إلى دولة جنوب السودان.
انسحاب تكتيكيمن ناحية أخرى، قال أحمد رحمة الله، وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم حكومة غرب كردفان للجزيرة، إنه رغم فقدان منطقة هجليج بعد انسحاب الجيش السوداني لأسباب تكتيكية، فإن الجيش سيواصل القتال حتى تصبح كردفان مقبرة للدعم السريع، على حد تعبيره.
وأضاف أن أُسر العسكريين من الجيش تعرضت لإذلال وامتهان من قبل ما سماها "مليشيا الدعم السريع" في بابنوسة وهجليج.
وقال الناطق باسم حكومة ولاية غرب كردفان إن سيطرة الدعم السريع على حقول هجليج يؤثر على موارد حكومة غرب كردفان، مشيرا إلى أنه بعد انسحاب الجيش، تحول المدنيون إلى لاجئين في دولة جنوب السودان.
ووصف رحمة الله سيطرة الدعم السريع على حقول النفط في هجليج بأنها "الأكثر مأساوية" في التطورات التي تشهدها الولاية.
إعلانيشار إلى أن قوات الدعم السريع كانت قد اقتحمت أمس الاثنين حقل هجليج النفطي، في تطور جديد يعكس اتساع رقعة الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب بينهما في أبريل/نيسان 2023.
منشأة رئيسيةويقع حقل هجليج في أقصى جنوب ولاية كردفان على الحدود مع جنوب السودان ويعد أكبر حقول النفط في البلاد، ومنشأة رئيسة لضخ النفط المنتج من جنوب السودان عبر خط الأنابيب إلى ميناء بشائر بمدينة بورتسودان على البحر الأحمر للتصدير، مما يجعل السيطرة عليه ضربة قوية لقطاع الطاقة السوداني.
وشهدت هذه المنطقة الإستراتيجية في الأسابيع الأخيرة معارك دامية بعدما سيطرت قوات الدعم السريع نهاية أكتوبر/تشرين الأول على كامل إقليم دارفور في غرب البلاد.
ويأتي الهجوم على الرغم من إعلان قوات الدعم السريع قبل أسبوعين قبولها هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر من طرف واحد، كما أنه ليس الأول من نوعه؛ إذ سبق أن اتهمتها السلطات السودانية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بشن هجوم بطائرات مسيّرة على محطة معالجة بترول جوبا في ولاية النيل الأبيض، مما أدى إلى توقف مؤقت لتصدير النفط.
ومن أصل 18 ولاية بعموم البلاد، تسيطر قوات الدعم السريع على جميع ولايات إقليم دارفور الخمس غربا، عدا بعض الأجزاء الشمالية من ولاية شمال دارفور في قبضة الجيش، الذي يسيطر على معظم مناطق الولايات الـ13 المتبقية، بما فيها العاصمة الخرطوم.